تقارير

تلال ممتدة من الكنوز تكفي لصناعة ملايين السيارات الكهربائية.. دولة فقيرة تحوي أكبر احتياطي من معدن الليثيوم في العالم

تتوقع الأرجنتين أن تجتذب استثمارات قيمتها 4.2 مليار دولار في قطاع إنتاج معدن الليثيوم خلال السنوات الـ5 المقبلة، بعدما نجحت في جذب 2 من أكبر شركات التعدين في العالم إلى سوقها، العام الماضي، وفق تصريحات وزير التنمية الإنتاجية، ماتياس كولفاس.

ومعدن الليثيوم من الخامات الأساسية اللازمة لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية، والتي يسعى العالم من خلالها إلى تحقيق الحياد الكربوني في قطاع النقل.

وتستحوذ الأرجنتين مع جارتيها تشيلي وبوليفيا على 65% من خام الليثيوم في منطقة تُدعى “مثلث الليثيوم”، وفق بيانات هيئة المساحة الجيولوجية الأميركية.

ريو تينتو وبوسكو


نجحت الأرجنتين، العام الماضي، في جذب ثاني أكبر شركة تعدين عالمية للعمل في أراضيها في قطاع معدن الليثيوم، هي ريو تينتو الأسترالية، إضافة إلى شركة صناعة الحديد الكورية الجنوبية “بوسكو”، حسبما ذكر موقع “ماينينغ دوت كوم”.

ومن المتوقع أن تسهم الشركتان في جذب استثمارات تتخطى قيمتها 4 مليارات دولار خلال 5 سنوات في قطاع إنتاج معدن الليثيوم؛ ما يضاعف إنتاجه في الدولة الواقعة في قارّة أميركا الجنوبية، ليبلغ 175 ألف طن بحلول عام 2025.

وأنهت شركة ريو تينتو، في مارس/آذار الماضي، استحواذها على مشروع في منطقة سالتا، ويحتوي على احتياطي من مكافئ كربونات الليثيوم يُقدَّر بنحو مليوني طن، يكفي عمليات إنتاج لمدة 40 عامًا.

وتعهدت بوسكو باستثمار 4 مليارات دولار في مشروع “سالار دي هومبر مويرتو” الذي يقع بين مقاطعتي سالتا وكاتاماركا.

البنية التحتية

قال وزير التنمية الإنتاجية في الأرجنتين، إن الاستثمارات المتوقع جذبُها ستسهم في بناء البنية التحتية الضرورية لإنتاج معدن الليثيوم، إضافة إلى أنها ستحسّن من كفاءة الأداء.

ولفت الوزير إلى حاجة الأرجنتين لسياسات تساعد على تحفيز الاستثمارات في تلك الصناعة، دون إغفال الحفاظ على البيئة.

وبلغ إنتاج الأرجنتين من معدن الليثيوم 33 ألف طن في 2020، ومن المتوقع ارتفاعه إلى 50 ألف طن العام الجاري، ثم يزيد إلى أكثر من 80 ألف طن في 2023، ومن المتوقع أن يتضاعف مع الاستثمارات المتوقع جذبها إلى 175 ألف طن في 2025.

وتتركز المشروعات الجديدة لإنتاج معدن الليثيوم في الأرجنتين بالمقاطعات الشمالية، وتتنوع أحجامها بين الصغيرة والكبيرة.

23 مشروعًا


تضم محفظة إنتاج الليثيوم في الأرجنتين 23 مشروعًا في مراحل تطوير مختلفة، مثل “غافينغ ليثيوم”.

كما تشمل مشروعًا، تحت الإنشاء، هو “كاوتشاري-أولاروز”، الذي تنفّذه شركة ليثيوم أميركا، ويُتوقع أن يكون أكبر منتج لليثيوم في الأرجنتين، بطاقة 40 ألف طن سنويًا من مكافئ كربونات الليثيوم.

وتدير الشركتان -الأسترالية “أوروكوبر” والأميركية “لايفنت كورب”- منجمي الليثيوم الأساسين في الأرجنتين، وهما تزوّدان شركتي تويوتا اليابانية، وبي أم دبليو الألمانية، باحتياجاتهما من الخام اللازم لتصنيع السيارات الكهربائية.

كما تحظى شركة “لاك ريسورسز” الأسترالية بحضور في منطقة سالتا من خلال مشروع ينتج 40 ألف طن سنويًا، بدءًا من 2024. وأبرمت الشركة مؤخرًا اتفاقًا مع شركة فورد الأميركية لتزويدها بنحو 25 ألف طن من الليثيوم سنويًا.

اقرأ أيضًا: بطاريات الليثيوم.. صناعة السيارات الكهربائية في أميركا تحت رحمة سلاسل التوريد


تدرك الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى الأهمية المتزايدة لبطاريات الليثيوم في تحقيق قدرة تنافسية وتأمين موقع قوة في السباق العالمي لتحوّل الطاقة.

تهيمن الصين، حاليًا، على سلسلة توريد بطاريات الليثيوم العالمية، إذ تستحوذ على ما يزيد عن 70% من إجمالي قدرة تصنيع البطاريات في العالم.

وإذا قررت الصين خنق الإمدادات أو رفع الأسعار بشكل كبير، فإن ذلك سيضر بقطاعي النقل واللوجستيات في الولايات المتحدة، اللذين يعتمدان بسرعة على السيارات الكهربائية التي تعمل ببطاريات الليثيوم.

خطة بايدن

في أواخر فبراير/شباط الماضي، أعلن الرئيس جو بايدن مراجعة مدتها 100 يوم لسلاسل التوريد للمواد والمكونات المهمة في 4 قطاعات صناعية مختلفة، مع إبراز البطاريات المتقدمة عالية السعة فيما بينها، واكتمل تقرير البطارية المتقدم من قبل وزارة الطاقة الأميركية وقُدِّم إلى الرئيس، وبناءً عليه، وجَّه بالعمل على مجموعة من الإجراءات التالية:

زيادة إدراج متطلبات التصنيع المحلية للمشروعات التي تتلقى منحًا من وزارة الطاقة للابتكار وعقود البحث والتطوير والاتفاقيات التعاونية.

يجب أن تدرس منشآت الحكومة الفيدرالية عن كثب المكان الذي يمكنها فيه شراء تخزين الكهرباء الثابت، وهو جهد سيشرف عليه البرنامج الفيدرالي لإدارة الطاقة التابع لوزارة الطاقة، ويقدّم المساعدة الفنية ويدعو مطوّري المشروعات ذات الصلة للمضي قدمًا.
إصدار تقرير حول كيفية تطوير قاعدة التصنيع الأميركية وسلسلة التوريد بحلول عام 2030، الذي سيعمل عليه الاتحاد الفيدرالي للبطاريات المتقدمة، والذي شُكِّل من قبل عدد من الوزارات، مثل: الطاقة والتجارة والدفاع ووزارة الخارجية مؤخرًا، تقديرًا لأهمية البطاريات في الطاقة النظيفة والأمن القومي والقدرة التنافسية الصناعية.

أهمية بطاريات الليثيوم

بسبب تغير المناخ والاعتبارات البيئية، يعوّل على بطاريات الليثيوم لتزويد المستقبل بالكهرباء، وهذا يجعل البطاريات عمومًا، وأكثر أنواع البطاريات تقدمًا خصوصًا، بطاريات الليثيوم أيون، ذات أهمية بالغة للازدهار الاقتصادي طويل الأجل لجميع البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة.

وفقًا لـ “خريطة الطريق الوطنية لبطاريات الليثيوم” الذي نشرته وزارة الطاقة في يونيو/حزيران 2021، “يبدو أن صناعة بطاريات الليثيوم أيون في نقطة تحول، إذ انخفضت التكاليف بنسبة 90% تقريبًا منذ عام 2010.

ومن المتوقع أن تسهم هذه التقنية في إحداث ثورة في قطاع النقل، وإعادة تشكيل الصناعات العالمية في العقود القادمة، كما من المتوقع أن تزدهر مبيعات السيارات الكهربائية السنوات القادمة.

قالت شركات صناعة السيارات الأميركية، إنه بحلول عام 2030، ستكون 40-50% من السيارات الجديدة المبيعة في الولايات المتحدة (28 مليون) سيارة كهربائية، وستكون هذه زيادة هائلة عن حصة السوق اليوم البالغة نحو 2-4%.

تشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة وحدها ستحتاج إلى 500 ألف طن سنويًا من الليثيوم غير المكرر بحلول عام 2034، لتشغيل السيارات الكهربائية فقط.

فرص أميركا للمنافسة

تعدّ سلسلة توريد البطاريات معقدة جدًا، إذ يحتاج الليثيوم إلى التعدين أو ضخّه من تحت الأرض أو جمعه بعد تبخر برك المياه المالحة الضخمة، وفي الولايات المتحدة، عندما يتعلق الأمر بإنتاج مخزوناتها من الليثيوم الخام، فإنها لا تستطيع المنافسة، ومع ذلك هناك الكثير الذي يمكن للولايات المتحدة القيام به لتظل قادرة على المنافسة في أسواق البطاريات العالمية.

توجد فرص في تطوير إمداد محلي أكبر من المواد الخام وقدرة التكرير لتحويل تلك المواد الخام إلى بطاريات، إذ يخطط صانعو السيارات الأميركيون حاليًا لإنفاق المليارات لزيادة السعة المحلية للخلايا والبطاريات الجاهزة، مما سيساعد في تعزيز الإنتاج المحلي للبطاريات.

كذلك سيكون لسياسة تنويع المورّدين دور مهم في عدم الاعتماد على الصين وحدها للتوريد، بل يمكن أن يكون لأستراليا وتشيلي وكندا والأرجنتين، بالإضافة إلى الاحتياطيات الموجودة في الولايات المتحدة، دورًا مهم في تزويد مصانع التكرير الأميركية بما يكفي من الليثيوم الخام لتلبية احتياجاتها.

يقدّر الخبراء أن دعم الصين الحكومي لمصنّعي البطاريات بأشكال مختلفة يصل إلى 60 مليار دولار على مدى العقد الماضي، وإذا قررت حكومة الرئيس الأميركي بايدن دعم 50% من إجمالي الاستثمارات المطلوبة، فمن المرجح أن تكون النفقات على النطاق نفسه.

الهيمنة الصينية

يتعرض الاقتصاد الأميركي لمخاطر الاعتماد على الصين لإنتاج بطاريات الليثيوم، إذ ترى الولايات المتحدة أن تطوير وإنتاج السيارات أمر مهم من الناحية الإستراتيجية بجزء من الانتقال إلى اقتصاد الطاقة النظيفة، وعنصر أساس في القدرة التنافسية لصناعة السيارات.

فمن خلال المبيعات والخدمات، تسهم صناعة السيارات بمبلغ 1.1 تريليون دولار في الاقتصاد الأميركي، وتوظف ما يقرب من 10 ملايين شخص، أو 5% من جميع الوظائف في الولايات المتحدة.

وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة تتوقع زيادة من 5 إلى 10 أضعاف في الطلب على البطاريات في العقد المقبل، فإن أيّ اضطرابات في العرض تؤدي إلى تسريح العمال يمكن أن يكون لها آثار مضاعفة كبيرة في جميع أنحاء الاقتصاد.

ينطبق هذا أيضًا على البائعين والمورّدين، لأن بطاريات الليثيوم مصممة خصوصًا لكل نوع من أنواع المركبات التي تناسبها، فلا يمكن استبدال بطارية من مركبة أخرى مثل السيارة بها، بسهولة.

لذلك، إذا كان هناك نقص في مكونات البطاريات مثل الخلايا، سوف تكون هناك عواقب وخيمة تتعلق بتوفير احتياجات الأسواق، على سبيل المثال، أدى النقص في الرقائق الإلكترونية إلى توقّف إنتاج السيارات والشاحنات في مصانع التجميع بأميركا الشمالية، وإيقاف تشغيلها، خلال العام الماضي.

من زاوية أخرى، تهتم الحكومة الأميركية بتوفير معظم احتياجاتها من البطاريات من جميع دول العالم، فدون الاستثمار الهائل في إنتاج البطاريات المحلية وسلاسل التوريد، قد يجد الجيش نفسه يعاني من نقص في الإمداد إذا قررت الصين كبح الإنتاج أو بيع المزيد لدول أخرى.

هذا هو السبب في أن الولايات المتحدة أضافت الليثيوم والكوبالت والغرافيت (جميع مركبات بطاريات الليثيوم المهمة) إلى قائمة المعادن المهمة ذات الأهمية للأمن القومي والاقتصادي في عام 2018.

أسعار البطاريات

يعدّ التسعير من الأخطار التي تتعرض لها صناعة بطاريات السيارات، مع انخفاض تكلفة كل كيلوواط/ساعة من بطاريات الليثيوم بسرعة، يعدّ هذا مصدر قلق، في حين إن الصين ليس لديها ما يكفي من الإمدادات المحلية لاحتواء السوق العالمية للمواد الخام، فإن معظم سلسلة تكرير الليثيوم وسلسلة التوريد النهائية تقع في الصين.

هذا يعني أنه يمكنهم التأثير على الأسعار بشكل مباشر، إذ إن الاعتماد على مورد أجنبي لمورد بالغ الأهمية وتحدٍّ حقيقي للمستهلكين والمصنّعين، وسيؤدي إلى خنق أسواق البطاريات ولنتائج عكسية من خلال إبعاد العملاء على المدى الطويل.

المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى