لم تتردد الهند في شراء كميات ضخمة من الغاز المسال الروسي، بعدما أدت العقوبات ضد موسكو إلى انخفاض أسعاره، مقارنةً بالسعر السائد حول العالم.
واستطاع مستوردو الغاز الطبيعي المسال في الهند شراء كميات إضافية من روسيا، إذ يحاول أغلب المشترين في السوق الفورية تجنّب الوقود الروسي.
وكان من بين الشركات الهندية التي استفادت من انخفاض الأسعار لشراء شحنات الغاز المسال الفورية، شركتا ستيت غوجارات بتروليوم، وغايل إنديا المحدودة.
مواصلة الشراء
تمثّل الهند الملاذ الأخير للوقود الروسي المتداول في السوق الفورية، ونبذه العالم بعد غزو روسيا لأوكرانيا، كما تسعى للحصول على النفط الروسي بسعر زهيد.
ومن المتوقع أن تواصل الهند شراء المزيد من الغاز المسال الروسي ما دام بسعر أرخص مقارنة بأسعار المورّدين المنافسين، حسب بلومبرغ.
ورغم أن الهند توفر قرابة ثلاثة أرباع احتياجاتها من الغاز المسال بموجب عقود طويلة الأجل، فإن ارتفاع درجات الحرارة والانقطاع المستمر في الكهرباء يجبران المرافق في البلاد على تعويض النقص من الشحنات الفورية.
كما يسهم ارتفاع الطلب على الغاز بقطاع الأسمدة في شراء بعض المستوردين الغاز المسال الروسي الرخيص.
واشترت الشركات الهندية شحنات الغاز المسال الروسي من خلال مناقصات فورية طُرحت مؤخرًا، بعد عرض هذه الشحنات بأسعار رخيصة.
ولا توجد عقوبات مباشرة على الغاز المسال، لكن كبار المشترين، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، أوقفوا الشراء من روسيا؛ لتجنّب العقوبات في المستقبل أو الإضرار بسمعتهم.
كما صرّحت شركة بتروتشاينا، يوم الجمعة الماضي 6 مايو/أيار، بأنها لا تنوي الحصول على أيّ إمدادات فورية مخفضة من روسيا.
ورغم أن الكثير من الدول تتجنّب الغاز المسال الروسي في السوق الفورية، ما يزال يتلقى العملاء في جميع أنحاء العالم الشحنات بموجب العقود طويلة الأجل.
الهند عميل مهم لروسيا
أعلنت الولايات المتحدة صفقة لتزويد أوروبا بنحو 15 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال، بحلول نهاية العام الجاري.
وحتى لو تمكنت من تحقيق ذلك، لن تكون قادرة على تلبية كل احتياجات القارّة العجوز، لكنها خطوة مهمة لاستبعاد روسيا من سوق الطاقة العالمية.
ومع ذلك، لم تنضم الهند إلى العقوبات ضد روسيا، وباتت من أهم العملاء لأكبر مورّد للنفط والغاز في العالم.
وبدأت روسيا والهند تجارة الغاز المسال قبل الحرب بمدة طويلة، وتلقّت الهند أول شحنة غاز مسال مباشرة من شركة غازبروم الروسية في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، ونتج عن ذلك عقد مدته 20 عامًا.
وفي الآونة الأخيرة، أدت العقوبات إلى انخفاض سعر الغاز الطبيعي الروسي بأكثر من 29%، وساعد ذلك الشركات الهندية في زيادة المخزون وتقليص الخسائر.
بالإضافة إلى ذلك، لم تتمكن الهند من تفويت فرصة شراء النفط الروسي المتداول بأقلّ من الأسعار القياسية العالمية بنسبة 20%.
وبلغ حجم صادرات شركة نايارا إنرجي الهندية نحو 1.8 مليون برميل من خام الأورال الروسي، كما اشترت شركة النفط الهندية المملوكة للدولة 3 ملايين برميل.
أزمة الطاقة في الهند
أسفرت موجة الحر الشديدة في الهند عن تفاقم أزمة الطاقة وانقطاع التيار الكهربائي، وهو سبب رئيس لاتجاه البلاد إلى شراء المزيد من الغاز المسال الروسي.
فقد دفع الطقس الحارّ السكان إلى تشغيل المراوح وأجهزة التكييف، بينما قام المزارعون بزيادة ضخ المياه للحقول الجافة.
كما زاد الطلب على الطاقة مع انتعاش النشاط الصناعي بعد تخفيف القيود المتعلقة بالوباء في 31 مارس/آذار.
وأفادت صحيفة إيكونوميك تايمز الهندية، الأسبوع الماضي، أن زيادة الطلب أدت إلى استنفاد إمدادات الوقود الأحفوري في الهند، وأجبرت البلاد على اللجوء إلى شراء الغاز المسال من السوق الفورية، وخاصة الشحنات الروسية.
اقرأ أيضًا: الهند تدرس استيراد الغاز الطبيعي المسال بعقود طويلة من نوفاتيك
تدرس الهند إبرام تعاقدات طويلة الأجل مع شركة نوفاتيك الروسية، لشراء الغاز الطبيعي المسال من مشروعها التابع “آركتيك2”.
تهدف الحكومة الهندية إلى ضمان استقرار الأسعار لفترة طويلة بهذه العقود، خشية تذبذب سعر الغاز الطبيعي المسال، حسبما ذكر سكرتير وزارة البترول الهندية بمكتب الطاقة الهندي في العاصمة الروسية موسكو “تارون كابور”.
وأضاف: “نحن نريد شراء المزيد من الغاز الطبيعي المسال، وسيكون من الأفضل توقيع عقود طويلة الأجل لذلك” -حسبما ذكرت وكالة “إنترفاكس” الروسية-.
وتابع: “نعم هذا عقد لشراء الغاز الطبيعي المسال، وأيضًا لمشاركة محتملة مع الجانب الروسي”.
1000 محطة لتزويد السيارات
كان وزير النفط الهندي دارمندرا برادان، قد أشار في تصريحات سابقة، إلى أن بلاده ستعمل على إقامة 1000 محطة لتزويد السيارات بالغاز الطبيعي المسال، على مدار السنوات الـ 3 المقبلة، على طول الطرق السريعة الرئيسة، بتكلفة 100 مليار روبية (1.3مليار دولار أميركي).
وجاء التصريح خلال تدشينه العمل في أول 50 محطة من المشروع، خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وتسعى الهند أن يكون لديها محطة وقود غاز طبيعي مسال لكل 200 إلى 300 كيلومتر من الطرق السريعة، وفي النقاط الصناعية الرئيسة، لتعزيز استخدام الوقود النظيف في النقل لمسافات طويلة، وكذلك في مجالات التعدين، وغير ذلك من الصناعات.
ويمكن أن يستهلك قطاع النقل الهندي ما يتراوح بين 20 إلى 25 مليون متر مكعب، في اليوم، من الغاز الطبيعي المسال، ويكفي تحويل 10% من أسطول البلاد من الشاحنات البالغ عددها مليون شاحنة إلى ارتفاع كبير في الطلب على الغاز الطبيعي المسال.
الغاز الطبيعي المسال أرخص
تجدر الإشارة إلى أن استخدام الغاز الطبيعي المسال في النقل لمسافات طويلة يعدّ أرخص بنسبة 40% من الديزل، كما إن تحويل الشاحنات للعمل بالغاز الطبيعي سيقلل الانبعاثات والاعتماد على واردات النفط الخام.
يذكر أن “أركتيك للغاز الطبيعي المسال-2” هو المشروع الثاني لشركة “نوفاتيك” المرتبط بإنتاج الغاز الطبيعي المسال، بعد مشروع “يامال للغاز الطبيعي المسال”، وفي إطار المشروع من المخطط إنشاء 3 خطوط لإنتاج الغاز الطبيعي المسال بطاقة تصل لكل خط إلى 6.6 مليون طن.
وتبدأ أول وحدة إنتاج في 2023، والثانية في العام التالي له، بينما تبدأ الأخيرة في 2026.
وتمتلك نوفاتيك 60% من أسهم المشروع، فيما تمتلك 3 شركات وتحالف 10% لكل منها، والشركات هي: توتال الفرنسية، الشركة الوطنية الصينية للنفط البحري “كنوك”، وتحالف يضمّ ميتسوي اليابانية وشركة نفط اليابان.
اقرأ أيضًا: أسعار المسال تدفع خطة الهند للاقتصاد القائم على الغاز
منحت الأسعار الفورية للغاز الطبيعي المسال، دفعة قوية لجهود الهند لبناء اقتصاد قائم على الغاز، حيث قفزت إلى أكثر من 30 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، بعد أن واصلت الانخفاض بشكل كبير إلى دولارين، قبل بضعة أشهر، على خلفية قيود الطلب والعرض في فصل الشتاء، إلى جانب تداعيات تفشي وباء كورونا.
ووفقًا لتقدير قدّمته شركة “إمكاي غلوبال” للخدمات المالية، بدأت أسعار الغاز الطبيعي المسال الفورية في آسيا، التراجع، مع أحدث الصفقات التي تحدث عند مستوى أقل من 10 دولارات، تسليم مارس/آذار.
وقالت الشركة في تقريرها -حسب موقع إنرجي وورلد الهندي-، إن هذا الأمر يجب أن يوفر دعمًا بقيمة 5-6 دولارات/ مليون وحدة حرارية بريطانية، بسبب الموسمية وحلّ مشكلات العرض، ما يوفر كميات أكبر للاعبي الغاز الطبيعي المسال الهندي.
ومن المرجح أن يتأثر الطلب الفوري على الغاز الطبيعي المسال الهندي (20% من الاستهلاك)، في شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، لكن من المتوقع بعد ذلك أن تتعافى الإمدادات على خلفية أسعار أقلّ من 10 دولارات/مليون وحدة حرارية بريطانية.
يُذكر أن الصفقات الهندية للغاز الطبيعي المسال تمّت، مؤخرًا، بمعدل يصل إلى 14-15 دولارًا/مليون وحدة حرارية بريطانية.
الهند والطاقة المتجددة
تخطّط الهند لتحسين وتقوية اقتصادها، في السنوات المقبلة، من خلال الاعتماد على المصادر المتجدّدة والسيارات الكهربائية وتخزين الطاقة وتدوير النفايات، وتأمل أن تكون قوّة عظمى في مجال الطاقة الخضراء.
وأكد رئيس الوزراء ناريندرا مودي، في قمة المناخ الماضية، أن بلاده تعمل على زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة، لخفض انبعاثات الكربون التي نص عليها اتفاق باريس للمناخ، لعام 2015.
وأضاف أن بلاده ستنتج نحو 450 غيغاواط من الطاقة الجديدة، بحلول عام 2030، موضحًا أن قدرة الهند من الطاقة الجديدة ستصل إلى 175 غيغاواط، قبل 2022.
البصمة الكربونية
في كلمته بالاجتماع الثامن لجامعة بانديت ديندايال، الذي عُقد في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قال ناريندرا مودي، إن بلاده تسير بسرعة لتحقيق جهودها في خفض بصمتها الكربونية بنسبة من 30 إلى 35%، وتحقيق هدف إنتاج الطاقة المتجدّدة في أقرب وقت.
وأعلنت الهند، في 7 يناير/كانون الثاني الجاري، تشغيل أكبر محطة طاقة شمسية عائمة في العالم، بقدرات تصل إلى 600 ميغاواط.
وقال وزير الطاقة الجديدة والمتجدّدة بولاية ماديا براديش، هارديب سينغ دانغ: إن المحطة العائمة تقع في سدّ أومكاريشوار (على نهر نارمادا)، وسيبدأ الإنتاج عام 2023.
ووافقت مؤسّسة التمويل الدولية والبنك الدولي على تقديم الدعم لتطوير المشروع، حيث تمّت دراسة الجدوى الأوّلية للمحطة بالتعاون مع البنك الدولي.
المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية