انتهاء روسيا من بناء أول جسر يربط بين البلدين عزز التجارة والصادرات.. الفحم الروسي يفتح شهية الصين لشراء كميات ضخمة

أقرت الصين سياسات جديدة تهدف إلى إلغاء رسوم الاستيراد على الفحم، ومن المتوقع أن تشجع هذه الخطوة على زيادة الصادرات من الفحم الروسي.

فقد سجلت واردات الصين من الفحم المعدني (فحم الكوك) الروسي، أرقامًا قياسية في شهر أبريل/نيسان، مستغلة انخفاض الأسعار مقارنة بالموردين الآخرين.

ووفقًا لشركة كبلر لتحليل البيانات، زادت شحنات فحم الكوك الروسي إلى الصين بنسبة 49% في أبريل/نيسان مقارنة بالشهر السابق، إذ شرعت روسيا في تحويل شحنات الفحم إلى الشرق بعد إغلاق الأسواق الأوروبية بسبب الحرب في أوكرانيا.

وأظهرت البيانات أن الصين استوردت قرابة 1.37 مليون طن من فحم الكوك الروسي المنقول بحرًا طوال الشهر الماضي، ارتفاعًا من 922 ألفًا و673 طنًا في مارس/آذار، و750 ألف طن في أبريل/نيسان 2021.

وخلال العام الماضي، بلغ متوسط واردات الصين من فحم الكوك شهريًا نحو 4.55 مليون طن من جميع الموردين.

الفحم الروسي الرخيص

فتحت أسعار الفحم الروسي الرخيصة شهية المستوردين في الصين، بعدما بلغ متوسط سعر طن فحم الكوك الروسي الممتاز في شمال البلاد 386 دولارًا في شهر أبريل/نيسان، مقارنة بسعر الطن لفحم الكوك الأسترالي البالغ 473 دولارًا.


ويبدو أن إغراءات الأسعار الرخيصة لمصادر الطاقة الروسية -النفط والغاز والفحم- تفوق الخوف من العقوبات، إذ قررت بكين عقد صفقات طويلة الأجل مع موسكو.

واستفادت الصين من الغزو الروسي لأوكرانيا، وحصلت على الفحم الروسي -المستخدم في صناعة الصلب- بأسعار زهيدة، رغم نبذه في السوق الأوروبية وبعض البلدان الآسيوية، مثل اليابان.

ومع ذلك، حذر مدير تصنيفات الشركات في وكالة التصنيف الروسية “أكرا”، إيليا ماكروف، من أن التحول إلى آسيا سيشكل عبئًا على قدرات الشحن عبر السكك الحديدية في روسيا، وسيهدد بتراجع أسعار الفحم في السوق الآسيوية، وفقًا لموقع “ديفديسكورس”.

حالة فوضى

تشهد أسواق الفحم العالمية منذ غزو روسيا لأوكرانيا حالة من الفوضى مع تزايد المخاوف من فرض عقوبات على المواد الخام من روسيا، سادس أكبر منتج للفحم.

وبينما يتجنّب المستوردون حول العام الإمدادات الروسية، عزز المشترون في الصين، أكبر مستهلك للفحم، الواردات الشهر الماضي بعد حصولهم على الترتيبات الائتمانية اللازمة مع البنوك، حسب وكالة رويترز.

وكانت تجارة الفحم بين الصين وروسيا قد توقفت في أواخر فبراير/شباط بعدما علقت البنوك إصدار خطابات الاعتماد، مع انتشار تعهدات الولايات المتحدة والدول الأوروبية بإزالة بعض البنوك الروسية من نظام التحويلات المالي “سويفت”.

وخلال شهر مارس/آذار، استؤنفت تجارة الفحم الروسي مع تخفيف بعض البنوك الصينية القيود، رغم تحديات الشحن والتأمين.

سياسات جديدة تشجع الاستيراد

في الوقت نفسه، أعلنت وزارة المالية الصينية أواخر الشهر الماضي إلغاء رسوم الاستيراد على واردات الفحم بداية من الشهر الجاري حتى مارس/آذار 2023، وتتراوح رسوم الاستيراد الحالية من 3% إلى 6%، حسب نوع الفحم.


وتهدف هذه الخطوة إلى تعزيز إمدادات الفحم، واستقرار الأسعار المحلية، وسط ارتفاع الأسعار ومخاوف وقف الإمدادات.

ويعتقد المحللون أن هذا التغيير قد يفيد روسيا مع اتجاه الاتحاد الأوروبي واليابان إلى حظر واردات الفحم الروسي.

ومنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، سرّعت مناجم الفحم الصينية الإنتاج؛ بسبب ارتفاع أسعار الطاقة العالمية، وزادت المقاطعات والمناطق المنتجة للفحم في الصين من قدرتها الإنتاجية لزيادة العرض، وفقًا لمكتب الإحصاء الوطني.

وخلال العام الماضي، استوردت الصين 323 مليونًا و33 ألف طن من الفحم، أي قرابة 8% من إجمالي استهلاكها من الوقود.

ومع ذلك، أعلن مكتب الإحصاء الوطني أن الصين استوردت 51.81 مليون طن من الفحم في الربع الأول، بانخفاض 24.2% على أساس سنوي؛ بسبب ارتفاع الأسعار العالمية.

كيف تتعامل الصين مع ارتفاع أسعار الفحم؟

في 18 أبريل/نيسان، حذرت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في الصين من أن رفع الأسعار في قطاع الفحم سيكون غير قانوني، مؤكدة ضرورة ضمان ثبات الأسعار في السوق المحلية، واستقرار إنتاج الكهرباء بالفحم.

وبعد أسبوع، أعلنت بكين خفض التعرفة الجمركية على واردات الفحم إلى الصفر.

وقال المحلل الاقتصادي، تيان شو، لوسائل الإعلام الصينية المملوكة للدولة، إن السياسة الجديدة ستضمن استقرار الإمدادات في الصين وسط الارتفاع القياسي في أسعار الفحم.

وأشارت التقارير إلى أن روسيا تعد المستفيد الرئيس من التخفيضات الجمركية الصينية.

ففي مطلع شهر فبراير/شباط، وقعت الصين وروسيا عقدًا لمدة عام بقيمة 20 مليار دولار لاستيراد 100 مليون طن من الفحم الروسي.

وخلال الربع الأول، زادت التجارة بين الصين وروسيا بنسبة 28% على أساس سنوي، مقارنة بالمدة نفسها العام الماضي، وبلغ حجم التجارة 38.2 مليار دولار، حسب غلوبال تايمز الصينية.

أول جسر للسكك الحديدية بين البلدين

على صعيد آخر، اعتادت الصين استيراد مصادر الطاقة الروسية من موانيها الشرقية عبر بحر اليابان والمضيق الكوري، ونقل كميات بسيطة عبر السكك الحديدية.

بيد أن شركات الشحن العالمية بدأت تتجنب نقل المنتجات الروسية مع زيادة فرض العقوبات على موسكو، وأسفر ذلك عن صعوبة العثور على سفن مستعدة لنقل الفحم الروسي.

ووفقًا لوسائل الإعلام الصينية المملوكة للدولة، أكملت روسيا بناء الجزء الخاص بها من أول جسر للسكك الحديدية بين بكين وموسكو في أواخر الشهر الماضي، ومن المتوقع افتتاحه في غضون شهر.

ويهدف الجسر الجديد البالغ طوله 4.5 ميلًا إلى توسيع التجارة والتعاون الاقتصادي بين البلدين.

ومن المقرر أن تستغل روسيا الجسر الجديد لتصدير خام الحديد والفحم والمعادن والأسمدة والمنتجات الخشبية إلى الصين.

اقرأ أيضًا: حظر الفحم الروسي.. هل تأخذ أوروبا العبرة من الصين؟


أثار اقتراح رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين حظر الفحم الروسي ضمن العقوبات الجديدة على موسكو الكثير من البلبلة بين دول الاتحاد الأوروبي، خاصة ألمانيا وبولندا.

وكانت المفوضية قد اقترحت إنهاءً تدريجيًا مدته 3 أشهر للعقود الحالية، أي أن روسيا بإمكانها تصدير الفحم إلى الاتحاد الأوروبي لمدة 90 يومًا بعد فرض العقوبات.

لكن المناقشات الأخيرة بين الدول الأوروبية أسفرت عن تمديد تلك المدة إلى 4 أشهر بعد ضغط من ألمانيا، المستورد الرئيس للفحم الروسي في الاتحاد الأوروبي.

وتعقيبًا على تصاعد الأحداث الأخيرة، كشف الكاتب المتخصص في الطاقة، كلايد راسل -في مقال نشرته وكالة رويترز- عن أن قرار حظر الفحم سيكلف أوروبا أضرارًا جسيمة أكثر بكثير من روسيا، إلى جانب التسبب في معاناة الدول الأخرى غير المعنية والأكثر فقرًا.

العقوبات على الفحم الأسترالي

أشار راسل في مقاله إلى ما فعلته بكين في السابق عندما فرضت حظرًا غير رسمي على الفحم الأسترالي.

وقال إن الصين تعد أكبر مستورد لأكثر أنواع الوقود الأحفوري تلويثًا في العالم، وكانت أستراليا ثاني أكبر مورد لها بعد إندونيسيا حتى منتصف عام 2020.

لكن الخلاف السياسي بين الصين وأستراليا حول سلسلة من القضايا؛ من بينها دعوة كانبرا لإجراء تحقيق دولي في أصول جائحة كورونا، أدى إلى مطالبة بكين التجار والمرافق بالتوقف عن شراء الفحم الأسترالي.

وسرعان ما انخفضت واردات الصين من الفحم الأسترالي (فحم الكوك والحراري) من 10.93 مليون طن في يوليو/تموز 2020 إلى 108 ألف طن فقط في يناير/كانون الثاني 2021، حسب بيانات جمعها المحللون من شركة كبلر.

ومنذ ذلك الحين، ظلت الواردات عند المستوي الاسمي، إذ بلغت 242.569 طنًا في الشهر الماضي.

وتسببت هذه المستجدات في إثارة قلق مصدّري الفحم في أستراليا، والخوف من خسارة سوق رئيسة.

ففي البداية، تراجعت أسعار الفحم الحراري الأسترالي، في حين ارتفعت أسعار الموردين المنافسين في إندونيسيا وروسيا، لكن السوق الأسترالية استطاعت التكيف بسرعة، وزادت المبيعات من شمال آسيا، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، إلى جانب الهند، ثاني أكبر مستورد للفحم في العالم، وفيتنام وماليزيا.

وبدأت العقود الآجلة للفحم الحراري الأسترالي في الانتعاش، وارتفعت من أدنى مستوى لها عند 48.50 دولارًا للطن في سبتمبر/أيلول 2020، إلى مستويات قياسية عند 269.50 دولارًا في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

ارتفاع أسعار الفحم

في رأي كاتب المقال كلايد راسل لم يكن حظر الصين الواردات الأسترالية العامل الوحيد الذي رفع أسعار الفحم في آسيا، لكن اضطرابات التدفقات الإقليمية وإعادة توازنها أسهما في زيادة الأسعار.

وأدى نقص الفحم المحلي في الصين وتعافي الطلب على الكهرباء بعد إنهاء عمليات الإغلاق المفروضة للتصدي لجائحة كورونا، إلى رفع أسعار الدرجات المنقولة بحرًا.

وواصلت أسعار الفحم الحراري الأسترالي الارتفاع، وهذه المرة ناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، مع تزايد المخاوف من أن ثالث أكبر مصدر للفحم في العالم سيخضع للعقوبات.

وسجلت العقود الآجلة في نيوكاسل أعلى مستوياتها عند 440 دولارًا للطن في 2 مارس/آذار، وتراجعت إلى 286.50 دولارًا.

دروس صعبة

حال فرضت أوروبا حظرًا على الفحم الروسي، فإن هذا لا يعني أن الأمور ستسير بالطريقة نفسها كما فعلت الصين مع الفحم الأسترالي، لكن هناك أمورًا متشابهة في الحالتين بشكل يسمح بإجراء مقارنة.

وأوضح كاتب المقال، أن بكين كانت قادرة على توفير إمدادات بديلة، لا سيما من منغوليا وإندونيسيا وروسيا، لكنها اضطرت إلى دفع علاوات باهظة لهذين البلدين.

بينما تمكنت أستراليا من مواصلة تصدير الفحم، وبدأت كميات الشحنات وأسعارها تتعافى، بعدما اضطر مستوردو الفحم الإندونيسي إلى شراء الشحنات من أستراليا.

ووفقًا لراسل، كان الخاسر الأكبر دول الطرف الثالث التي شهدت ارتفاعًا في أسعار واردات الفحم، واضطرت إلى البحث عن بدائل.

ومن المحتمل أن يتمكن الاتحاد الأوروبي من استبدال الفحم الروسي، رغم أنه يعتمد على موسكو في تلبية 45% من احتياجاته من الفحم.

لكن الكاتب كلايد راسل يعتقد أن التكلفة ستكون باهظة، وسيتعين على المرافق الأوروبية الاستعداد لدفع علاوات لنقل الشحنات من جنوب أفريقيا والأميركتين وحتى من أستراليا وإندونيسيا.

ووفقًا لتقييم أسعار آرغوس، فقد وصل سعر الفحم في خليج ريتشاردز بجنوب أفريقيا إلى 296.34 دولارًا للطن، أمس الأربعاء 6 أبريل/نيسان، وأسفر ذلك عن فرض علاوة على ما يعادله في ميناء نيوكاسل.

واستطرد كلايد راسل في مقاله قائلًا إن “تقييد التجارة المنقولة بحرًا في آسيا يعني أنه من المحتمل توافر شحنات فورية قليلة من أستراليا وإندونيسيا لنقلها إلى أوروبا، على الأقل خلال الأسابيع المقبلة”.

وأوضح كاتب المقال أنه سيتعين الانتظار لنرى ما إذا كانت الهند والصين، اللتان لم تدينا الهجوم الروسي على أوكرانيا، ستتوجهان لشراء الفحم الروسي، ومدى استعدادهما لنقل الشحنات من المواني الشرقية التي تحتاج إلى القيام برحلات طويلة إما عبر قناة السويس، التي تحد من الكميات المحمولة، وإما رأس الرجاء الصالح؛ ما يزيد من وقت الرحلة وتكاليفها.

وأكد راسل، في نهاية المقال، أن الخاسر من قرار الاتحاد الأوروبي لحظر الفحم الروسي هي البلدان الأكثر فقرًا، التي لا تستطيع تحمل ارتفاع الأسعار مقارنة بالدول المتقدمة.

المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية

Exit mobile version