يعدّ حقل نفط الشيبة واحدًا من أهم حقول النفط والغاز في المملكة العربية السعودية، لإمكاناته المتميزة، إذ يمكنه ضخّ إنتاج يومي يعادل ما تنتجه عدد من الدول المنتجة للنفط، كما أن نوعيته عالية وأقل تلويثًا من غيره من أنواع النفط.
في عام 1998، بدأت شركة أرامكو السعودية تجني ثمار جهد سنوات طويلة قضتها في البحث والاستكشاف عن النفط في الربع الخالي، مع بدء الإنتاج من حقل نفط الشيبة.
تقول أرامكو حول عمليات البحث والاستكشاف التي سبقت الإنتاج من حقل الشيبة، فعندما يتعلق الأمر بجيولوجيا النفط، فالمملكة موطن لبعض أفضل الطبقات الأرضية في العالم، وتوجد معظم هذه الطبقات الأرضية في أماكن نائية ووعرة، إلا أن ذلك لم يثنِ عزم عملاق النفط السعودي في مواجهة التحديات والاستثمار بمشروعات تسهم في الوفاء بالطلب العالمي على الطاقة.
تشير شركة أرامكو أن حقل نفط الشيبة يعدّ استكمالًا لجهود الشركة التي بدأت في أربعينات القرن الماضي للتعرف على الحجم الكامل للتكوينات النفطية الجوفية في المملكة.
بداية الرحلة
في عام 1948، اكتشفت شركة أرامكو حقل الغوار، أكبر حقل للنفط في العالم، على أطراف الربع الخالي، لكن ذلك لم يوقف نشاط الشركة لاسكتشاف الثروات الأخرى القابعة في قلب الربع الخالي.
واستمرت رحلة البحث عن النفط وسط تضاريس وعرة لعدّة سنوات، حتى جاء عام 1968، إذ نجحت أعمال البحث عن اكتشاف حقل نفطي شاسع، على بُعد يقارب أكثر من 500 ميل من مقرّ الشركة في الظهران، و تحيط به كثبان من الرمال ذات اللونين الأحمر والذهبي يبلغ ارتفاعها 1000 قدم (333م)، وتعصف بها رياح تصل سرعتها إلى 80 كلم/ساعة في الساعة (50 ميل)، إذ تصل درجات الحرارة في فصل الصيف إلى 122 درجة فهرنهايت (50 درجة مئوية).
وقفت ظروف التضاريس والمناخ والتعقيدات اللوجستية عائقًا أمام أعمال تطوير حفل نفط الشيبة لعدّة سنوات، ما أدى لبقاء الحقل على حالته لمدة 30 عامًا.
خطة التوسعات
بدأت شركة أرامكو في تسعينات القرن الماضي، خطة جديدة للتوسع في مشروعات النفط معتمدة في ذلك على أحدث التقنيات التكنولوجية، معتمدة في ذلك على قدراتها الهندسية والخبرات الكبيرة التي وصلت إليها، ما جعلها قادرة على تنفيذ أصعب المشروعات.
ونظرًا للاحتياطيات الضخمة التي يتمتع بها حقل نفط الشيبة، كان في مقدمة المشروعات التي وضعتها أرامكو على خريطة التطوير، خاصة مع تقدير احتياطي حقل الشيبة بنحو 13.6 مليار برميل من النفط الخام العربي الخفيف عالي القيمة ونحو 25 تريليون قدم مكعبة من الغاز.
تذليل العقبات
لجأت شركة أرامكو السعودية إلى العديد من الحلول والأفكار المبتكرة من أجل التغلب على التحديات والصعوبات الكثيرة التي كانت تمنع تطوير حقل نفط الشيبة، إلى جانب تقدّم الشركة في الحفر الأفقي والتصوير الزلزالي ثلاثي الأبعاد وأحدث التقنيات الأخرى.
بدأت أرامكو السعودية أعمال إنشاء في حقل الشيبة عام 1995، وتضمنت الأعمال نقل نحو 13 مليون متر مكعب من الرمال وشقّ طريق عبر الصحراء بطول 386 كيلو مترًا، وإنشاء مطار ذي طاقة تشغيلية كاملة وخط أنابيب بطول 645 كلم يمتد إلى مرافق المعالجة في الشمال.
شملت أعمال تطوير حقل نفط الشيبة حفر 145 بئرًا وإنشاء 3 معامل لفصل الغاز عن النفط الخام، وصولًا إلى إنشاء مرافق مساندة وسكنية شاملة للموظفين من أجل الإقامة لأسابيع في واحد من أبعد الأماكن على وجه الأرض.
لحظة الإنتاج
بحلول عام 1998، جاءت اللحظة التي طالما انتظرها مهندسو وموظفو أرامكو لإنجاز المشروع قبل الموعد المحدد بعام كامل، بعد نحو أكتر من 50 مليون ساعة عمل، ويتدفق النفط إلى المرفق، الذي وصل إلى نصف مليون برميل من النفط يوميًا، وهي كمية كافية لتزويد 10 ملايين منزل بالطاقة.
لم تتوقف أرامكو عند هذا الحدّ، إذ كانت تدرك إن إمكانات حقل الشيبة تفوق بكثير ما جرى تطويره، ما دفعها خلال السنوات التالية إلى تنفيذ مشروعين جديدين، وهما: مشروع توسعة حقل النفط، ومشروع استخلاص سوائل الغاز الطبيعي.
أدى تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع توسعة حقل النفط إلى زيادة الإنتاج إلى 750 ألف برميل يوميًا من النفط الخام العربي الخفيف عالي القيمة بحلول عام 2009، ولكن طموحات أرامكو كانت أكبر من ذلك بكثير، وفي عام 2016، عززت الشركة إنتاجها بـ 250 ألف برميل إضافية، لترفع الطاقة الإنتاجية الإجمالية لحقل نفط الشيبة إلى مليون برميل يوميًا، أي ضعف طاقة الإنتاج الأولية.
استخلاص الغاز الطبيعي
على الجانب الأخر، عملت الشركة على استخلاص سوائل الغاز الطبيعي بهدف الحدّ من استخدام الوقود السائل في توليد الكهرباء في السعودية واستخدام الغاز الطبيعي بدلًا منه بوصفه مصدرًا أكثر كفاءة للطاقة وأقلّ إنتاجًا للانبعاثات.
نفّذت أرامكو السعودية معملًا لاستخلاص سوائل الغاز الطبيعي بطاقة إنتاجية 2.4 مليار قدم مكعبة قياسية يوميًا لتوفير كميات كبيرة من الإيثان، لما له من أهمية أساسية للتطوير الصناعي، وغيره من سوائل الغاز الطبيعي.
كما أجرت أرامكو تحسينات كبرى لزيادة طاقة توليد الكهرباء من التوليد المشترك إلى أكثر من 1غيغاواط.
جوائز المشروع
يمثّل مشروع حقل نفط الشيبة الحائز على جوائز قدرة الشركة على التخطيط والوفاء بالطلب العالمي على الطاقة، والقيام بذلك بما يتواءم مع البيئة الطبيعية، إذ يمكن لاحتياطيات حقل الشيبة وحدها أن تلبي احتياجات العالم بأسره من النفط لما يزيد على 160 يومًا، أو تأمين احتياجات أوروبا لأكثر من عامين.
فاز مشروع حقل نفط الشيبة بجائزة مجلس التعاون الخليجي للتميز البيئي في عام 2011، لاستخدامه تقنية التلافي التام لحرق الغاز، وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي، واستخلاص الانبعاثات وحماية الحياة البرية، إذ يعيش بالمنطقة المحيطة بالحقل أكثر من 70 غزال رملي و40 مها عربي.
يستطيع حقل الشيبة ضخّ نحو 1.3 مليون برميل يوميًا لمدة 70 عامًا، وفق العديد من الإحصاءات، إذ إنه يضخّ نصف حجم إنتاج أصغر منتج في منظمة أوبك.
اقرأ أيضًا: قصة أرامكو السعودية.. “بئر الخير” يتحول إلى أكبر شركة نفط في العالم
منذ بدء إنتاجها النفطي في العام 1938 عندما تم اكتشاف الذهب الأسود بكميات تجارية من “بئر الخير”، حققت شركة النفط العملاقة أرامكو ثروات تفوق الخيال للمملكة الصحراوية.
ونمت الشركة منذ تأسيسها لتصبح أكبر شركة طاقة وأكثرها ربحية في العالم حيث أنها توفر 10% من إمدادات النفط عالميا وتعود على المملكة المحافظة بترليونات الدولارات.
وأكّدت أرامكو الأحد نيتها إدراج جزء من أسهمها في السوق المحلية، بعد وقت قصير من إعلان هيئة السوق المالية السعودية الموافقة على تداول الأسهم.
إلا أنها تعرّضت في الأشهر الأخيرة لسلسلة من الهجمات الخطيرة التي استهدفت منشآتها النفطية كان آخرها هجوم بطائرات مسيرة أدى الى وقف تدفق 5.7 ملايين برميل نفط في اليوم، أي نصف إجمالي إنتاج الشركة.
والاكتتاب العام لأكثر شركة تحقيقا للأرباح على مستوى العالم، هو حجر الزاوية في برنامج الإصلاح الاقتصادي لولي العهد الأمير محمد بن سلمان المسمّى “رؤية 2030” والذي يسعى إلى استقطاب عشرات مليارات الدولارات لتمويل مشاريع ضخمة.
– علامة فارقة
قال ياسر الرميان رئيس مجلس إدارة أرامكو في بيان “يمثّل هذا اليوم علامة فارقة في تاريخ الشركة، وخطوة مهمة نحو تحقيق رؤية المملكة 2030 الرامية إلى تحقيق النمو والتنوع الاقتصادي المستدام”.
من جهته، اعتبر أمين الناصر رئيس شركة أرامكو أن شركته “تسهم بثبات في أمن الطاقة العالمي”، موضحا أن “احتياطياتها المؤكدة من السوائل بلغت في نهاية عام 2018 أكثر من 5 أضعاف احتياطيات شركات النفط العالمية الخمس الكبرى مجتمعة”.
وكانت الحكومة السعودية تأمل جمع مئة مليار دولار مشيرة إلى ان قيمة الشركة تقدر بـ2 تريليون دولار، في عملية تأجّلت مراراً لعوامل عدة بينها انخفاض أسعار النفط.
يعود تاريخ تاسيس ارامكو إلى عام 1933 عندما تم إبرام اتفاقية الامتياز بين الحكومة السعودية وشركة ستاندرد اويل اوف كاليفورنيا (سوكال) حينها. وبدأت أعمار حفر الآبار عام 1935. وبدأ إنتاج النفط بكميات تجارية بعد ذلك بثلاث سنوات، أي في 1938.
ويعود اسمها الحالي إلى شركة متفرعة تم إنشاؤها في الأربعينات لإدارة الاتفاق أطلق عليها اسم “شركة الزيت العربية الأمريكية”.
وفي العام 1949 بلغ إنتاج النفط 500 ألف برميل يوميا، وفي العام 1950 أنجزت أرامكو خط الأنابيب عبر البلاد العربية “تابلاين” بطول 1212 كلم لتصدير النفط السعودي إلى أوروبا عبر البحر المتوسط.
وارتفع الإنتاج بشكل سريع بعد اكتشاف آبار نفط برية وبحرية ضخمة بينها حقل الغوار الذي يعتبر الأكبر في العالم اذ يبلغ حجم احتياطه قرابة 60 مليار برميل، وحقل السفانية الذي يعتبر أكبر حقل بحري في العالم مع احتياطي قدره 35 مليار برميل.
– تأميم الشركة
في العام 1973 شهدت اسعار النفط ارتفاعا كبيرا في ذروة حظر النفط الذي تم فرضه ضد الولايات المتحدة بسبب سياستها بشأن إسرائيل. واستحوذت الحكومة السعودية على 25% من شركة ارامكو لزيادة حصتها إلى 60% لتصبح أكبر شريك في المؤسسة.
وبعد 7 سنوات قامت بتأميم الشركة، وفي عام 1988 أصبح اسمها شركة الزيت العربية السعودية “أرامكو”.
وابتداء من التسعينات استثمرت ارامكو مليارات الدولارات في مشاريع التوسع الضخمة ورفعت القدرة الإنتاجية إلى نحو 12 مليون برميل يوميا إضافة إلى القيام بعمليات استحواذ عالمية ومشاريع مشتركة.
وحاليا لدى أرامكو نحو 220 مليار برميل من احتياطي مؤكد، الثاني في العالم بعد فنزويلا، إضافة إلى 300 تريليون قدم مكعب من الغاز.
ويقع مقر الشركة في الظهران في المنطقة الشرقية، ولديها عمليات نفطية رئيسية في الولايات المتحدة والصين والهند وكوريا الجنوبية والعديد من الدول الأوروبية والآسيوية.
وشيدت أرامكو كذلك شبكة من أنابيب النفط والمصافي داخل وخارج المملكة ووسعت وجودها في قطاع البتروكيميائيات.
وفي ابريل فتحت ارامكو سجلاتها للمرة الاولى معلنة تحقيق أرباح صافية في 2018 بلغت 111.1 مليار دولار، أي بارتفاع بنسبة 46% عن العام الذي سبق. كما بلغت عائداتها 356 مليار دولار.
واعُتبر هدف هذه الخطوة زيادة الشفافية قبل الاكتتاب الأولي العام الذي يعتبر حجر الزاوية في “رؤية 2030” الإصلاحية التي طرحها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية