تملك إندونيسيا احتياطيات ضخمة من المعدن الثمين.. كيف وسعت الصين استثمارات النيكل في إندونيسيا لتلبية الطلب على السيارات الكهربائية؟

وقّعت الشركة الصينية لتصنيع مواد البطاريات (سي إن جي آر) اتفاقات لتوسيع استثماراتها في صناعة النيكل، وذلك من خلال 3 من وحداتها في هونغ كونغ، مع شركة ريغكويزا إنترناشونال الخاصة المحدودة، ومقرّها سنغافورة، للاستثمار المشترك في المشروعات الـ3 في منطقة ويدا باي الصناعية.

جاء ذلك في طلب الشركة المقدّم لبورصة شنتشن (شنزين) في الصين، يوم الأربعاء 18 مايو/أيار، حسبما أوردت وكالة رويترز، اليوم الأربعاء 18 مايو/أيار الجاري.

ويتضمن كل مشروع استثمار 420 مليون دولار، ويهدف إلى إنتاج مادة النيكل غير اللامع، وينتج 40 ألف طن من النيكل سنويًا عبر4 خطوط إنتاج، ويُعدّ النيكل غير اللامع هو منتج وسيط يمكن معالجته إلى نيكل من فئة البطارية.

وستستثمر شركة سي إن جي آر أدفانسد ماتيريال (سي إن جي آر) الصينية في 3 مشروعات جديدة في إندونيسيا لإنتاج النيكل غير اللامع، بهدف زيادة السعة السنوية بمقدار 120 ألف طن؛ لتلبية الطلب المتزايد على المنتج المستخدم في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية.

توسعة استثمارات النيكل


استثمرت شركة سي إن جي آر أدفانسد ماتيريال (سي إن جي آر) الصينية في مشروعين من مشروعات النيكل غير اللامع مع شركة ريغكويزا إنترناشونال الخاصة المحدودة، العام الماضي، في جزيرة سولاويزي الإندونيسية، بسعة إجمالية سنوية تبلغ 60 ألف طن.

كما توصلت الشركة إلى اتفاق مع مجموعة تسينغشان هولدينغ العملاقة للنيكل، التي ستزودها بـ 40 ألف طن من المنتج.

وبيّنت شركة (سي إن جي آر) أن كلا الطرفين متفائل باستمرار بشأن صناعة النيكل غير اللامع، مضيفة أنه من المتوقع أن تزيد الاستثمارات من تأمين موارد الشركة وخفض تكاليف إنتاج مواد البطاريات.

وأوضحت الشركة، المسجلة في سنغافورة، أن شركة ريغكويزا إنترناشونال ستمتلك حصة 30% في كل من المشروعات الـ3 الجديدة، مشيرة إلى أن مسؤوليات ريغكويزا إنترناشونال الرئيسة تشمل التنسيق مع الحكومة الإندونيسية، ما يساعد على تأمين الموافقات المحلية والتمويل.

جدير بالذكر أن أسعار النيكل في بورصة لندن للمعادن تضاعفت إلى مستوى قياسي بلغ أكثر من 100 ألف دولار للطن في غضون ساعة، في مارس/آذار، إذ أدى الصراع بين روسيا وأوكرانيا إلى تأجيج السوق المتصاعد.

وتراجعت أسعار النيكل إلى نحو 26365 دولارًا للطن، يوم الثلاثاء 17 مايو/أيار.

إستراتيجية صناعة النيكل في إندونيسيا

يشهد الطلب على النيكل للبطاريات، وخصوصًا النوع المستخدم في السيارات الكهربائية، ازديادًا سريعًا.

وتمتلك إندونيسيا أكبر احتياطيات نيكل في العالم، وتستفيد من تلك الاحتياطيات لجذب الاستثمار في سلسلة توريد البطاريات، حسبما نشر موقع مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وقد حظرت إندونيسيا تصدير خام النيكل، في عام 2014، لإجبار عمّال المناجم على معالجة الخام محليًا، ومن ثم إضافة قيمة إلى إنتاجها من النيكل.

بدورها، طوّرت الاستثمارات الصينية صناعة فولاذية متكاملة، وتسير إندونيسيا الآن على المسار الصحيح لتكرار هذا النجاح في سلسلة توريد بطاريات السيارات الكهربائية.

وتمّ تشغيل أول مصنع في إندونيسيا لمعالجة النيكل لاستخدامه في البطاريات في مايو/أيار 2021، مع وجود ما لا يقلّ عن 7 مشروعات أخرى في طور الإعداد.

وسيمهد التقدم في مشروعات ترشيح الأحماض عالية الضغط (إتش بي إيه إل) الطريق لإمدادات النيكل من فئة البطاريات في المستقبل، على الأقلّ في المدى القريب.

نمو صناعة البطاريات


بالرغم من أن إنتاج الفولاذ يهيمن على الطلب على النيكل اليوم (بنحو 70%)، فمن المتوقع أن تمثّل البطاريات اللازمة لإزالة الكربون عن النقل أكبر قطاع نمو منفرد، وأن يشهد عام 2030 ثلث إجمالي الطلب على النيكل.

بصفتها أكبر منتج للنيكل في العالم، والبلد الذي يمتلك أكبر احتياطيات من النيكل، تدرك إندونيسيا الفرص الاقتصادية التي يوفرها هذا التطور، وتركز على جذب الاستثمارات في الطاقة الإنتاجية على طول سلسلة توريد المركبات الكهربائية.

وتعدّ إستراتيجية إندونيسيا الخاصة بالنيكل جزءًا من إستراتيجية التنمية التي تقودها السلع الأساسية في البلاد. وتهدف إندونيسيا إلى جذب الاستثمارات في المصاهر ومصانع المعالجة، ومن ثم إضافة قيمة إلى احتياطياتها من النيكل مقارنةً بمجرد تصدير خام النيكل.

علاوة على ذلك، طوّرت إندونيسيا، على مدى السنوات الماضية، سلسلة إمداد متكاملة للصلب، وتريد الآن أن تصبح مركزًا لإنتاج البطاريات.

الصين والاستثمار في النيكل

لا تملك الصين الكثير من احتياطيات النيكل، وأنتجت 120 ألف طن من النيكل في المنزل في عام 2020، إذ تشكّل احتياطيات البلاد أقلّ من 3% من الإجمالي العالمي، وفقًا لتقرير صادر عن هيئة المسح الجيولوجي الأميركية.

من ناحية أخرى، أنتجت إندونيسيا، التي تضم 23.7% من احتياطي خام النيكل في العالم، 853 ألف طن، وهو ما يمثّل ما يقرب من ثلث الإنتاج العالمي، حسبما نشر موقع “نيكاي آسيا” في فبراير/شباط الماضي.

ومهدت تجربة مجموعة تسينغشان هولدينغ في إندونيسيا الطريق لمنتجي مواد البطاريات الصينيين المتعطشين للنيكل، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى طموحاتهم للوصول للمشروعات التجارية المتنامية لمواد البطاريات.

وبفضل ضخّ المزيد من الأموال في إندونيسيا، فإن الشركات الصينية تواجه مخاطر متزايدة من حظر تصدير متكرر ومتقطع، بالإضافة إلى المخاوف بشأن العرض، المستمرة، التي تثير التساؤل عما إذا كانوا قد أفرطوا في الالتزام تجاه إندونيسيا.

اقرأ أيضًا: ارتفاع أسعار النيكل يهدد صناعة السيارات الكهربائية (تقرير)


أدت العقوبات على شركات النفط والغاز الروسية إلى ارتفاع أسعار الطاقة، لكن يبدو أن سوق السيارات الكهربائية ستتأثر في ظل ارتفاع أسعار النيكل، والتداعيات الاستثنائية التي شهدها العالم خلال اليومين الماضيين؛ إذ لجأت بورصة لندن للمعادن إلى إيقاف تداول النيكل لمدة غير محددة بعد ارتفاع الأسعار غير المنضبط.

وأدى الارتفاع غير المسبوق في أسعار النيكل ببورصة لندن للمعادن إلى تعطيل عمليات المنتجين والمصنّعين في الصين.

وأثار ذلك مخاوف مصنّعي السيارات الكهربائية؛ حيث يُعَد النيكل مكونًا رئيسًا في البطاريات، وأدى القلق إزاء ارتفاع أسعار المركبات إلى التفكير في استخدام الليثيوم بصفته بديلًا محتملًا.

الشركات الصينية في مأزق

خلال الأسبوع الماضي، أرسلت العديد من الشركات الصينية المنتجة والموردة لمركبات النيكل إلى عملائها تحذر من نقص في الإمدادات، وارتفاع في الأسعار، إلى جانب تباطؤ في قدرتها على قبول أو تلبية الطلبات.


وجاء ذلك بعدما وصلت أسعار عقد النيكل، يوم الثلاثاء الماضي 8 مارس/آذار، إلى 100 ألف دولار أميركي للطن المتري، ودفع ذلك بورصة لندن للمعادن إلى تعليق التداول.

وبذلك يكون سعر الإغلاق الأخير للعقود عند 48.078 دولارًا للطن المتري، يوم الإثنين الماضي 7 مارس/آذار؛ أي قرابة الضعف مقارنة بمستويات الأسبوع السابق، ولم تحدد البورصة موعد استئناف تداول النيكل مرة أخرى، حسب وول ستريت جورنال.

وأدى الغزو الروسي لأوكرانيا دورًا رئيسًا في ارتفاع الأسعار، وتأثيره ظهر واضحًا على الشركات العالمية والصينية، ولا سيما أن روسيا تُعَد رابع أكبر منتج للنيكل في العالم، وتُسهِم بقرابة 10% من الإنتاج العالمي.

ففي أستراليا، على سبيل المثال، قالت شركة “آي جي أوه”، اليوم الإثنين 14 مارس/آذار، إن صفقتها لشراء منجم للنيكل بقيمة 800 مليون دولار قد تتأخر بسبب الارتفاع الهائل في الأسعار.

وسبق لشركة “جيلين جيان نيكل إنداستري” -شركة منتجة لكبريتات وكلوريد النيكل ومقرها الصين- أن أخبرت عملاءها، يوم الأربعاء الماضي 9 مارس/آذار، باحتمال تعرضها لخسارة مالية بسبب الزيادة المفاجئة في تكاليف المواد الخام المستوردة، والتي تُحَدد وفقًا لأسعار النيكل في بورصة لندن للمعادن.

وأضافت الشركة المملوكة للقطاع الخاص أن الخسائر الفادحة لم يعد من الممكن تجنبها، وأبلغت العملاء بأنها ستسلم نصف الكميات المحددة من الطلبات المقبولة.

أما “ميركل أوتوميشن إنجينيرينغ”، وهي شركة لصناعة التشغيل الآلي ومقرها مدينة ووشي الصينية؛ فقد أخبرت المستثمرين بأنها قد تضطر إلى رفع أسعار منتجاتها حال استمرار ارتفاع أسعار النيكل.

في حين قررت شركة فوشون سبيشال للصلب ومقرها لياونينغ، التوقف عن قبول أي طلبات جديدة حتى تستقر الأسعار.

ومع تصاعد الأحداث، أعربت الجمعية الصينية لصناعة المعادن غير الحديدية، يوم الجمعة الماضي 11 مارس/آذار، عن قلقها إزاء ما سمّته “الارتفاع اللامنطقي” في أسعار النيكل ببورصة لندن للمعادن.

وتعتقد أن أسعار النيكل قد انحرفت بشدة عن القواعد، وتسببت في أضرار جسيمة للصناعات والشركات المتعلقة بسلاسل توريد النيكل العالمية.


وحاول المتحدث باسم الجمعية مواساة الشركات الصينية التي اضطرت إلى خفض الإنتاج والتوقف عن تلقي طلبات جديدة، وقال إن الحكومة الصينية دعّمت الشركات عندما ارتفعت أسعار بعض المعادن غير الحديدية، مثل النحاس والألومنيوم، العام الماضي، وأسهَم ذلك في حل مشكلاتها.

تداول النيكل

يستورد العديد من منتجي النيكل في الصين الخام من الخارج، ويعتمدون على أسعار بورصة لندن للمعادن المقيَّمة بالدولار الأميركي، معيارًا لعمليات الشراء.

وفي هذا الشأن، قال محللون في الصناعة إن الشركات تميل -أيضًا- إلى استخدام عقود النيكل الآجلة في بورصة لندن للمعادن لأغراض تحوطية.

ورغم وجود سوق للعقود الآجلة للنيكل في بورصة شنغهاي فيوتشرز إكستشينج؛ فإن التداول داخل البلاد مقيَّم بعملة الصين، اليوان، ويرى التجار أن السوق صغيرة وأقل سيولة من نظيرتها البريطانية.

واستمر تداول النيكل في شنغهاي، خلال الأسبوع الماضي؛ حيث توقف لمدة يوم واحد بعد ارتفاع الأسعار عن الحد الأقصى المسموح به.

ووصلت عقود النيكل إلى 42.225 دولارًا للطن المتري، يوم الأربعاء الماضي 9 مارس/آذار، قبل أن ينخفض إلى 32.624 دولارًا.

وخلال عطلة نهاية الأسبوع، عملت البنوك والسماسرة العالميون على حل الأزمة؛ ومن بينهم مجموعة “تسينغشان هولدينغ غروب” الصينية العملاقة، التي تمتلك صفقات بيع ضخمة في العقود الآجلة للنيكل ببورصة لندن، وأصبحت في مأزق وتواجه خسائر بمليارات الدولارات في السوق بعد ارتفاع الأسعار.

هل سوق السيارات الكهربائية في خطر؟

تسببت الزيادة الحادة في إلحاق الضرر بسوق النيكل العالمية والصناعات المرتبطة بها.

ويُعَد ذلك أمرًا مهمًا لصناعة السيارات الكهربائية؛ لأن النيكل عنصرًا رئيسًا في صناعة بطاريات الليثيوم أيون.


ويشعر المحللون والمستثمرون بالقلق إزاء البرامج الطموحة لإنتاج السيارات الكهربائية في جميع أنحاء العالم؛ ففي حال استمرار سعر النيكل في الارتفاع بالمعدل نفسه؛ فمن المحتمل أن يعني ذلك ارتفاع تكلفة السيارات الكهربائية.

وربما بدأ يظهر أثر ذلك عندما قامت شركة تيسلا الأميركية بمراجعة أسعار طرازي “3” و”واي”، وزادت أسعار الطرازات بعيدة المدى بمقدار 1000 دولار، وفقًا لموقع إلكتريك.

وسبق للشركات المصنعة للمركبات الكهربائية أن رفعت الأسعار، خلال العام الماضي، بسبب قيود سلاسل التوريد الناجمة عن جائحة كورونا.

ورغم أنه لم يتضح ما إذا كان هناك ارتباط بين أسعار النيكل وارتفاع أسعار تيسلا؛ فإن الموقع أشار إلى أن الشركة الأميركية رفعت فقط أسعار السيارات التي تعمل ببطاريات النيكل.

وأيّد هذه الأفكار المحللون في مؤسسة مورغان ستانلي للخدمات المالية، ويرون أن أسعار النيكل قد تضيف 1000 دولار لإنتاج السيارات الكهربائية.

وأشارت المؤسسة إلى أنها كانت تتوقع عجزًا في النيكل بحلول عام 2026، وسيستمر في النمو حتى نهاية العقد، وكان ذلك قبل الغزو الروسي لأوكرانيا.

وتقول المؤسسة إنه حان الوقت للمستثمرين لتقليل توقعات أرباح شركات السيارات؛ إذ تخطط شركة فورد لإنتاج مليوني مركبة كهربائية سنويًا بحلول عام 2026، وتهدف شركة جنرال موتورز إلى بيع مليون مركبة كهربائية بحلول منتصف العقد، وإطلاق 30 نموذجًا.

بينما تخطط ستيلانتس لبيع 5 ملايين مركبة بحلول نهاية العام، إلى جانب إنتاج شركة تيسلا البالغ مليون وحدة.

ويبقي السؤال: كيف يمكن لشركات صناعة السيارات زيادة العرض في غضون بضع سنوات فقط في ظل حدوث أزمات للمكونات الرئيسة؟

وأحد الحلول التي طرحتها مؤسسة مورغان ستانلي هو الاستفادة من بطاريات فوسفات الحديد الليثيوم؛ لأنها لا تعتمد على النيكل، لكن العيب الوحيد هو أن هذه البطاريات أقل كفاءة مقارنة ببطاريات النيكل.

المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية

Exit mobile version