يرى محللون أن الولايات المتحدة تخلّت عن ريادتها في الطاقة النووية لصالح موسكو، إذ ظهر ذلك واضحًا عقب اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، وضعف الدول الغربية في التصرف حيال هذا العدوان، بسبب شحّ مصادر الطاقة من نفط وغاز في أوروبا، وانخفاض توليد الكهرباء من مصادر متنوعة في أميركا.
وجهة النظر السابقة، عبّر عنها الكاتبان: تيد نورهاوس، وفاليري شين؛ في مقال رأي، نشرته صحيفة “ذا هيل”، الأميركية.
ويرى الكاتبان أن غزو روسيا لأوكرانيا، ويد الغرب المغلولة عن التصرف بطريقة تمنع موسكو من مواصلة هذا العدوان، رغم العقوبات الاقتصادية الكبيرة، كانت كاشفة لهشاشة أمن الطاقة في أوروبا، خاصة في ألمانيا -أكبر اقتصاد في القارة- وأيضًا لمدى إهمال أميركا الطاقة النووية، ما ترك الساحة فارغة لزعامة موسكو.
الطاقة المتجددة في أميركا
كشفت الحرب عن إهمال أميركا الطويل لقطاع الطاقة النووية، إذ ساعدت الاستثمارات الضخمة التي ضخّتها الولايات المتحدة في مجال الطاقة المتجددة، مثل الشمس والرياح -إضافة إلى تقنيات الغاز الطبيعي في العقود الأخيرة- في تأمين جزء كبير من الاحتياجات المحلية، وفق مقال صحيفة “ذا هيل”.
كما أسهمت تلك الاستثمارات في تعزيز قدرة أميركا على حظر واردات النفط والغاز الروسية، عقب غزو موسكو لكييف بأيام، ودون تأثير سلبي كبير في السوق الداخلية.
غير أن الحرب بيّنت -أيضًا- أن روسيا ومعها الصين استطاعتا سحب البساط من تحت أقدام أميركا في القطاع النووي، بسبب فشل واشنطن في الاستثمار في البنية التحتية، والإطار التنظيمي المتيبس، وتحديات بناء المفاعلات الجديدة، وهو ما زاد من الأعباء التنظيمية والتكلفة التشغيلية.
وكانت إدارة معلومات الطاقة الأميركية قد أشارت، الشهر الماضي، إلى أن توليد الكهرباء من الطاقة النووية قد تراجع 1.5% على أساس سنوي، ليصل إلى 778 مليون ميغاواط/ساعة، وأن نسبة الطاقة النووية في توليد الكهرباء العام الماضي مماثلة للمتوسط خلال العقد السابق عند 19%.
سلسلة توريد اليورانيوم
تعاني أميركا -حاليًا- من تضاؤل سلاسل التوريد المحلية لليورانيوم والوقود النووي، وفق كاتبَي المقال في صحيفة “ذا هيل”.
وفي المقابل، تزوّد موسكو المفاعلات النووية الأميركية بنحو 20% من احتياجاتها من اليورانيوم عالي التخصيب، كما تُعدّ شركة “تينكس” الروسية المصدر التجاري الوحيد في العالم لليورانيوم منخفض التخصيب، عالي المعايير (إتش إيه إل إي يو)، وهو الذي يحتاجه الجيل الجديد من المفاعلات النووية في واشنطن.
وتنتج روسيا حاليًا 40% من اليورانيوم المخصب عالميًا، اللازم للصناعات السلمية النووية، ومنها الطاقة النووية، كما تدير مركز اختبار المواد النووية الوحيد على مستوى تجاري في العالم.
وقال الكاتبان، إن نظرة أميركا القاصرة في القطاع النووي أضعف قوة وتأثير واشنطن في مجال صادرات التقنيات النووية، لتحتلّ روسيا المرتبة الأولى، لأنها تقدّم منتجًا متكاملًا، بدءًا بالتقنيات، ومرورًا بالتمويل، ووصولًا إلى الوقود النووي ومعالجة النفايات النووية للبلدان التي ترغب في طاقة نظيفة، وموثوقة، تحوطًا ضد مشكلات استيراد الوقود الأحفوري، وعدم استقرار الطاقة المتجددة.
تفضيل أميركا
تفضّل كثير من الدول الديمقراطية من حلفاء أميركا في أنحاء العالم أن تعتمد على تقنيات الطاقة النووية المُنتَجة في الولايات المتحدة، وتجنُّب تلك الواردة من روسيا، وفق مقال “ذا هيل”.
وقال كاتبا المقال، تيد نورهاوس، وفاليري شين، إن أميركا، رغم الإهمال الطويل للقطاع النووي، تظل تمتلك أفضل مهندسي الطاقة النووية في العالم، إذ لديهم قدرات هائلة على ابتكار تقنيات عالية الجودة، وخلق نماذج مشروعات قادرة على الإنتاج وتلبية الطلب العالمي على طاقة نظيفة وموثوقة، دون الحاجة لكل من روسيا والصين.
وعلى سبيل المثال، سعت دول أوروبا الشرقية إلى الاعتماد طوال الوقت على استيراد التقنيات النووية من الولايات المتحدة، رغم معارضة زميلتيها في الاتحاد: ألمانيا، وبلجيكا، لأنها كانت صاحبة رؤية بعيدة المدى، إذ حذّرت القارّة من أن مخاطر اللجوء إلى واردات الطاقة من روسيا تفوق بمراحل مخاوف الدول من الطاقة النووية.
وقال الكاتبان: “لقد أثبتت حرب روسيا على أوكرانيا صحة نبوءة دول أوروبا الشرقية”.
يُذكر أنه لدى ألمانيا خطة للتخلص من الطاقة النووية، ويخرج آخر مفاعلاتها النووية من الخدمة هذا العام.
التقنيات الصينية
يتنبأ الكاتبان في صحيفة “ذا هيل” أنه في ضوء ما سبق من غزو روسي لأوكرانيا والعداء الغربي مع الأولى، والضعف الأميركي في قطاع الطاقة النووية، فلن يكون هناك بدائل للولايات المتحدة مستقبلًا، سوى الاعتماد على التقنيات الصينية.
إلّا أن خطر الاعتماد على الصين لا يقلّ عن إهمال الطاقة النووية، وسيطرة روسيا على سوق الطاقة النووية، فبكين تهدد واشنطن اقتصاديا وأمنيا، كونها المنافس الأشرس لأميركا حاليًا.
لذلك يتطلب استعادة أميركا لقوّتها وزعامتها في سوق الطاقة النووية، أن تبدأ عاجلًا اتخاذ خطوات، خاصة أن هناك دعمًا من الحزبين الرئيسين، الديمقراطي الحاكم، والمعارض الجمهوري، لهذا النوع من الطاقة.
وتتنوع تلك الإجراءات ما بين البنية التشريعية المحفزة، وخفض الوقت الذي يُمنح فيه رخص المفاعلات الجديدة، والاتجاه إلى المفاعلات النووية الصغيرة، التي ثبتَ أمانها وفعاليتها، إضافة إلى ضخّ استثمارات مناسبة، وفق الكاتبين.
اقرأ أيضًا: توليد الكهرباء في أميركا من المصادر المتجددة يتجاوز الطاقة النووية
ارتفع توليد الكهرباء في أميركا من المصادر المتجددة خلال العام الماضي، مع زيادة السعة المركبة من طاقة الرياح والشمس، ليتجاوز بذلك التوليد من الطاقة النووية.
وبحسب تقرير إدارة معلومات الطاقة الأميركية، اليوم الثلاثاء 26 أبريل/نيسان، بلغ توليد الكهرباء في أميركا من الطاقة المتجددة 795 مليون ميغاواط/ساعة في العام الماضي، ليتجاوز التوليد من الطاقة النووية البالغ 778 مليون ميغاواط/ساعة.
ويأتي توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة من الرياح والطاقة المائية والطاقة الشمسية والكتلة الحيوية والطاقة الحرارية الأرضية، ولا يشمل توليد المصادر المتجددة على نطاق صغير أو أنظمة التدفئة.
الطاقة المتجددة في أميركا
جاء ارتفاع توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة، خلال عام 2021، من طاقة الرياح والطاقة الشمسية مع زيادة السعة المُركّبة.
وارتفع توليد الكهرباء في أميركا من طاقة الرياح بنسبة 12%، كما زاد التوليد من الطاقة الشمسية على نطاق المرافق بنسبة 28%.
وظل توليد الكهرباء من الكتلة الحيوية والطاقة الحرارية الأرضية دون تغيير نسبيًا عام 2021، في حين انخفض توليد الطاقة الكهرومائية لأقلّ مستوى منذ عام 2015، مع الظروف الجوية.
في المقابل، انخفض توليد الكهرباء من الطاقة النووية في الولايات المتحدة إلى أقلّ مستوى له منذ عام 2012، مع تقاعد المحطات، لكنها ظلت ثابتة نسبيًا في إجمالي العقد الماضي.
توليد الكهرباء في أميركا
ظل الغاز الطبيعي هو المصدر الأكثر استخدامًا في توليد الكهرباء بالولايات المتحدة العام الماضي، بنحو 1474 مليون ميغاواط/ساعة.
وعلى الرغم من توقّف العديد من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم عام 2021، فقد زاد توليد الكهرباء من هذا الوقود الأحفوري في أميركا، لأول مرة منذ عام 2014.
وكان الفحم مصدرًا للكهرباء في الولايات المتحدة أكثر من مصادر الطاقة المتجددة أو الطاقة النووية، في العام الماضي.
وبصفة عامة، ارتفع إجمالي توليد الكهرباء في أميركا بشكل طفيف في عام 2021، لكنه ظلّ أقلّ من عام 2018، الذي سجّل أعلى مستوى على الإطلاق.
المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية