الإفلاس مصير الٱلاف من الفلاحين.. كيف أصبح كيلو الثوم أرخص من كيس “شيبس” في سوريا؟.. ما القصة؟
وفقا لأحدث البيانات الصادرة عن برنامج الأغذية العالمي، ارتفعت أسعار الأغذية الأساسية في سوريا بين عامي 2019 و2021 بنسبة مذهلة بلغت 800 بالمئة، وبحلول الأسبوع الثاني من أيار/مايو 2022، مع استمرار الحرب في أوكرانيا، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 18 بالمئة.
خلال العام الجاري، تبنت الحكومة السورية سياسة رفع الأسعار قبل زيادة الرواتب مرتين، والآن تُجبر العائلات السورية، على الاختيار بين شراء الطعام أو الوقود أو الدواء، وعلى سبيل المثال، سكان العاصمة دمشق لم يعودوا قادرين على تحمل تكاليف المعيشة، وبسبب ذلك ترك المزارعون مواسمهم بلا قطاف، وبات كيلو الثوم أرخص في سوريا من كيس مقرمشات الأطفال.
الثوم في مطب جديد
بلغ إنتاج الثوم الجاف الذي يزرع في 11 محافظة سورية، 3800 هكتار بإنتاج متوقع 30 ألف طن حسب الخطة الزراعية لعام 2020، الوعود والتصريحات الإعلامية من قبل مؤسسات الدولة كانت حبرا على ورق.
فوفقا للتقرير الصادر عن صحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الخميس، فإن نفقات إنتاج وتسويق محصول الثوم، والأصناف المزروعة، وأماكن تركز الأسواق الرئيسة والفرعية، وأماكن توزيع السلع المصنعة من هذه المادة من تاجر الجملة والتاجر الوسيط، وحجم التكاليف التسويقية الناتجة عن الجني والأسمدة والفرز والتعبئة والنقل والعمولات والتخزين ومشكلات التسويق، لم يعوض بها المزارع.
“ صار المطب الذي تقع فيه أسعار الثوم يتكرر كل عامين تقريبا ”
وبحسب ما نقلته الصحيفة عن مزارع في منطقة الكسوة، ففي عام 2020، تراوح سعر كيلو الثوم بين 1100 و1200 ليرة، وبسبب ارتفاع مصاريف الإنتاج تضاعف سعره 10 مرات تقريبا في سوريا، لكن عند عرضه في سوق “الهال” لا يتراوح سعر الثوم البلدي أو الصيني حسب نوعه، بين 200 و300 ليرة وهي أقل من تكلفة النقل وأجور جنيه.
وطبقا لحديث المزارع، فإن أسعار الثوم تنخفض كل سنتين، حيث تبلغ تكلفة كيلو الثوم هذا العام 1000 ليرة، فهو الذي يمتلك 150 دونما فضل تركها للأغنام لتوفير دفع تكاليف قلع الثوم وتسويقه إلى سوق الهال رغم وفرة محصوله، حيث تكبد هذا العام بسبب قلة الأمطار في سوريا عناء السقي وشراء المازوت بالسعر الحر، لكن الأسعار في السوق كانت على خلاف آماله.
الأسواق الدولية في البلدان المجاورة، وخاصة الأردن والعراق، والتركيز على بيع بذور الثوم الصينية المرغوبة في هذه البلدان، هي ما يتمناه المزارع، إن تعرضه للضرر هذا العام سيمنعه ألا يزرع الثوم العام المقبل، مما سيؤدي حتما إلى ارتفاع أسعار الثوم بشكل كبير في العام المقبل.
دعوة لإنقاذ المزارعين
بسبب ما تتعرض له الزراعة في سوريا، طالب رئيس اتحاد غرف الزراعة السورية، محمد كشتو، بضرورة حفظ موسمي الثوم والبصل وإعادة طرحمها ضمن قوائم المواد المصدرة.
بعد غزو روسيا لأوكرانيا، أصدرت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية قرارا بمنع تصدير مجموعة من المواد، من بينها الثوم والبصل، لمدة شهرين، وبعد ذلك صدر قرار بالسماح بالتصدير المتة فقط، ووفقا لكشتو، فإن قرار عدم السماح بإعادة تصدير الثوم لا يزال ساري المفعول، مضيفا أن الغرفة بعثت برسالة إلى وزير الاقتصاد للسماح بتصدير الثوم، دون رد حتى اللحظة.
وإذا ما فتح باب التصدير لتعويض المزارعين عن بعض خسائرهم، قال كشتو، إن تجار سوق الهال مستعدون لنقل الثوم والبصل بسرعة إلى دول الجوار في الأردن والعراق ودول الخليج.
وفرة المعروض والأسعار
السوق السوري بشكل عام، وخلال الفترة الحالية يشهد وفرة نسبية في المعروض من المواد الغذائية والسلع الأساسية مثل الحبوب والسكر والبقوليات بأنواعها وغيرها من المواد، باستثناء الزيوت والسمنة النباتية التي تشهد انخفاضا في إنتاجها.
ولكن، بالرغم من الوفرة الموجودة في المحال التجارية، هناك شيء فرض نفسه كأمر واقع وهو ارتفاع الأسعار، والتي سجلت ارتفاعات قياسية، وصلت إلى حد أنه كان من المستحيل على نسبة كبيرة من العائلات شرائها إلا بكميات قليلة أو استبدالها بسلع لشركات أرخص ثمنا.
الخطر على الأمن الغذائي في سوريا، يزداد مع استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والكوارث التي تهدد القطاع الزراعي في البلاد، بسبب ارتفاع تكاليف الزراعة من جهة، والجفاف الذي بات أحد المشكلات الرئيسية التي يعاني منها المزارع، في وقت تقف دمشق عاجزة عن مواجهة هذه الأزمات.
مدير عام شركة “الكونسروة” في دمشق أحمد أمين أحمد، أكد أن الشركة تواجه صعوبات عديدة في إنتاج الأغذية المعلبة، وذلك في ظل نقص المستلزمات الأولية ونقص السيولة المالية.
وقال أحمد في تصريحات لصحيفة “البعث” المحلية الاثنين الفائت، إن الشركة تعجز عن تأمين مادة السكر، التي تدخل في صناعة جميع أنواع المربيات والحلاوة التي تنتجها الشركة، إضافة إلى صعوبة تأمين مادة المازوت لتشغيل خطوط الإنتاج، وأيضا النقص الحاد في اليد العاملة وخاصة الفنية والخبيرة بعمل الشركة بسبب التسرب الذي حصل نتيجة الاستقالات والتقاعد والمرض وغيرها من الأسباب.
الجدير ذكره، فإن السوريون لا سيما في المناطق الخاضعة لإدارة حكومة دمشق، يعانون من ارتفاع أسعار المواد الأساسية بشكل كبير، حيث لم يعد بإمكان معظم الأسر تأمين حاجياتها الأساسية من طعام، في ظل استمرار ارتفاع الأسعار وهبوط قيمة الليرة السورية مقابل الدولار.
اقرأ أيضاً: ما تأثير الحوالات الخارجية على الواقع المعيشي للسوريين؟
يعيش المواطن السوري القاطن في مناطق حكومة دمشق بين مطرقة ضنك العيش وسندان القبضة الأمنية، متمثلا ذلك بانخفاض الأجور وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق وارتفاع معدلات البطالة وتوقف عجلة الإنتاج بشكل شبه كامل، فالتقارير الأممية تحدثت على أن ما يقارب 90 بالمئة من السوريين داخل سوريا يعيشون تحت خط الفقر، وأن ثلاثة من كل خمس سوريين يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
في ظل هذا الواقع المرير الذي يعاني منه المواطن السوري لم يكن أمامه سوى الحوالات الخارجية من الذين يقيم ذويهم خارج سوريا، لتكون الحوالات الخارجية مصدر الدخل الأساسي لكثير من هذه العائلات، فهي “البحصة” التي تسند العائلات من إعلان المجاعة بشكل علني، مع العلم أن الحوالات الخارجية لا تلبي إلا الجزء القليل من الحاجات الأساسية للأسر داخل مناطق حكومة دمشق.
منذ بداية جائحة “كورونا” لم يكن حجم الحوالات الخارجية إلى سوريا هي نفسها التي سبقت الجائحة بل انخفضت نتيجة للإغلاقات التي تزامنت مع انتشار جائحة فيروس “كورونا”، وما نتج عنها من ارتفاع في نسب البطالة وانعكاس ذلك على المغتربين في الخارج.
مع بداية العام الحالي 2022 وبداية انحسار تفشي فيروس كورونا وعودة الاقتصاد العالمي تدريجيا إلى ما كان عليه ما قبل الجائحة، كان العالم بأسره أمام ارتفاع غير مسبوق في نسب التضخم، ليأتي الغزو الروسي على أوكرانيا ويعزز من ارتفاع نسب التضخم ويزيد في ارتفاع الأسعار، مما انعكس على تآكل واردات المغتربين من أعمالهم في الخارج، ليضعف بذلك أيضا حجم التحويلات الخارجية إلى سوريا، إلا أن تلك الحوالات مع انخفاض حجمها لم تزل تشكل المورد الأساسي للأسر في الداخل السوري.
من ناحية ثانية فإن دعم المنظمات الدولية قد انخفض بشكل كبير، وإن عدد الأشخاص الذين حصلوا على الغذاء في سوريا خلال العام الماضي 2021 كان أقل من أي وقت مضى بحسب بيانات برنامج “الغذاء العالمي” التابع للأمم المتحدة.
حوالات بملايين الدولارات
مع غياب الإحصائيات الرسمية عن حجم الحوالات الخارجية التي تدخل إلى مناطق حكومة دمشق بطريقة أو بأخرى، جاء تصريح رئيس قسم المصارف في كلية الاقتصاد بدمشق، علي كنعان، العام الماضي 2021 بأن معدل الحوالات الخارجية المتمثلة بالقطع الأجنبي تتراوح بين 3 إلى 4 مليون دولار يوميا، فيما يرتفع هذا الرقم خلال شهر رمضان.
مركز “جسور للدراسات” أيضا ومن خلال تقريره الصادر بداية الشهر الحالي، أشار إلى أن عدد المستفيدين من الحوالات الخارجية قد يصل إلى 5 ملايين نسمة موزعة على مختلف مناطق البلاد، وبمبالغ شهرية تقدّر بين 125 إلى 150 مليون دولار شهريا، أما خلال شهر رمضان فإن قيمة الحوالات الخارجية قد تصل إلى أكثر من 200 مليون دولار تتوزع بشكل رئيسي في شمال سوريا، ليصل عدد المستفيدين منها لأكثر من 7.5 مليون نسمة.
وبحسب التقرير فإن هذا الحجم من الحوالات الخارجية في شهر رمضان سيسهم في تحسين درجة المعيشة لعدد واسع من السكان السوريين، وينشط من حركة الأسواق، كما سيولد مداخيل للعاملين في أسواق السلع الأساسية ويرفع من سرعة دوران النقود، وبالتالي يزيد الضغط على الأسعار باتجاه ارتفاعها، أي أننا أمام موجة جديدة من ارتفاع الأسعار.
استفادة حكومة دمشق من الحوالات الخارجية
إذا ما تحدثنا عن استفادة حكومة دمشق من الحوالات الخارجية فنستطيع القول بأن الاستفادة ضئيلة جدا، ولا تعزز بشكل كبير حجم الكتلة النقدية من القطع الأجنبي لدى المصارف التابعة لحكومة دمشق، لأن أغلب تلك الحوالات تتم عبر السوق السوداء، وذلك بسبب الفرق الحاصل بين السعر الرسمي الذي يفرضه المصرف المركزي وسعر السوق السوداء، ورغم الملاحقات الأمنية والتضييق الحاصل على شركات الحوالات غير الرسمية أو التعاملات الشخصية، إلا أن هذا النوع من المعاملات لا يمكن إيقافه أو محاصرته، وستبقى السوق السوداء مفضلة بنسبة كبيرة للذين يحولون من الخارج.
الجدير بالذكر بأن حكومة دمشق في السنوات الأخيرة حاولت أن تسيطر على القطع الأجنبي القادم من خلال الحوالات الخارجية، وذلك بتقريب سعر الصرف الرسمي من سعر السوق السوداء، إلا أن هذه العملية أرهقت حكومة دمشق فكان البديل لديها هو القبضة الأمنية وإصدار تشريعات تجرم كل من يتعامل بغير العملة المحلية، ولكن يمكن لحكومة دمشق الاستفادة بشكل أساسي من الحوالات الواردة من المنظمات الإنسانية النشطة في مناطقها، والتي تفرض عليها تبديل وارداتها من القطع الأجنبي عبر القنوات الرسمية التابعة لحكومة دمشق فقط إلى العملة المحلية.
الخبير الاقتصادي الدكتور يحيى السيد عمر، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت” بأن حكومة دمشق تمكنت من الاستفادة من الحوالات الخارجية، وذلك بعدما سمحت منذ عدة أشهر وبشكل غير رسمي وغير معلن لشركات مرخصة بتسليم الحوالات الخارجية بسعر قريب من سعر السوق السوداء، ومع ارتفاع قيمة الحوالات واستغلالا للوضع الراهن تم تخفيض سعر الحوالات الواردة من 3500 إلى 3400 ليرة سورية لكل دولار واحد، عن طريق الشركات المرخصة كالهرم والفؤاد وغيرها، ليتضح لنا بأن حكومة دمشق تسعى لتحقيق أكبر استفادة ممكنة ولكن على حساب متلقي الحوالات، وهو ما قد يقود لنشاط قنوات التحويل غير الرسمية في البلاد.
كيف ستؤثر الحوالات الخارجية على سعر صرف الليرة؟
إن الحوالات الخارجية لا يمكن أن تمحي الكوارث التي لحقت بالاقتصاد السوري، أو أن تشكل استقرارا ماديا للأسر والأفراد، ولكنها تساهم بشكل جزئي في تخفيف معاناة السوريين في الداخل، فهذه الأموال معظمها يذهب نحو الإنفاق الاستهلاكي وليس الاستثمار، أي أنها تذهب لجيوب التجار والمستغلين للوضع الراهن في سوريا.
وعليه فإنه من الواضح أن الرهان على الحوالات الخارجية لتكون عامل أساسي في تحسين سعر الصرف بات رهانا خاسرا، لأن الكتلة النقدية الواردة من الخارج على شكل حوالات لا تدخل بطرق رسمية إلى سوريا، أي أن المصارف وشركات الصرافة المرخصة تكاد تكون خارج نطاق عمليات التحويل نتيجة الفرق الكبير بين سعر الصرف النظامي والسوق السوداء.
وعن انعكاس الحوالات الخارجية على سعر الصرف قال السيد عمر إنه “بالفعل وخلال السنوات السابقة كان حجم الحوالات الخارجية في شهر رمضان يسجل تصاعدا واضحا يصل لعدة أضعاف الرقم السائد في الشهور الأخرى من السنة، وهذا الأمر يفترض به الانعكاس إيجابا على استقرار سعر صرف الليرة السورية كونه يعني زيادة عرض الدولار في السوق”، إلا أن هذا الانعكاس قد يكون غير ملحوظ نتيجة القوى المعاكسة والمتمثلة بشكل رئيس بالتضخم الحاد في مناطق سيطرة حكومة دمشق، إضافة لإفراط الحكومة في الاعتماد على التمويل بالعجز، وهو ما يسبب عرضا متزايدا لليرة السورية في السوق، الأمر الذي من شأنه إفراغ هذه الحوالات من أثرها الإيجابي على السوق، وليبقى الأثر محصورا بالأسر المتلقية للحوالات.
المصدر: مواقع إلكترونية