أصبحت قطر في وضع جيد يمكّنها من تعزيز دورها في سوق الغاز الطبيعي المسال العالمية، بعد أن انتزعت صدارة أكبر المصدّرين من الولايات المتحدة.
وتدرس قطر خططًا لزيادة الطاقة الإنتاجية لحقل الشمال العملاق، بما يتجاوز 126 مليون طن سنويًا، وفقًا لما نقلته منصة “أبستريم أونلاين”، على الرغم من أن شركة قطر للطاقة لم تصدر أيّ إعلان رسمي حتى الآن.
وأضافت الشركة خطَّي إنتاج آخرين للغاز المسال إلى المرحلة الثانية من التوسعة، وهي مشروع حقل الشمال الجنوبي، مدعومة بأسعار الغاز المرتفعة المستمرة والاهتمام المتزايد من المستهلكين الأوروبيين والآسيويين.
أسعار الغاز الطبيعي المسال
يعتقد مراقبو الصناعة أنه لا يوجد وقت أفضل لقطر لتحقيق سعة غاز طبيعي مسال أعلى، على الرغم من أن تحقيق هذا الهدف قد يستغرق سنوات.
ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي المسال الفورية إلى مستويات قياسية في آسيا خلال الأشهر الأخيرة، إذ جرى تداوله بأكثر من 30 دولارًا/مليون وحدة حرارية بريطانية في بعض الأوقات، وهو ما أجبر الدول الرئيسة المستهلكة للغاز على النظر في ترتيبات التوريد طويلة الأجل مع منتجين مثل قطر وأستراليا والولايات المتحدة.
وفي حين إن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال يمكن أن يُضعف الطلب العالمي على المدى الطويل، فإن موقع قطر بين آسيا وأوروبا يضعها أيضًا شريكًا مفضلًا لصادرات الغاز الطبيعي المسال.
وبالنظر إلى آفاق السوق المواتية والجغرافيا السياسية المتغيرة التي فتحت سوق الغاز الأوروبية، فلن يكون مفاجئًا إذا قررت قطر التقدم في التوسع الإضافي لحقل الشمال من جانب واحد، حتى بما يتجاوز السعة المعلنة.
الغاز المسال في الشرق الأوسط
قبل بضعة أشهر، كان الغاز القطري خارج نطاق الدول الأوروبية، بسبب ارتفاع تكاليفه ونفقاته الرأسمالية المرتبطة بمرافق إعادة تغويز الغاز.
ورغم ذلك، مع تحرك أوروبا لتجنّب واردات الغاز الروسي والبحث عن بدائل لتعزيز أمن الطاقة لديها، يعمل منتجو الشرق الأوسط -مثل قطر والإمارات- على تعزيز قدرات الغاز الطبيعي المسال لديهم.
وبينما تتطلع قطر إلى التوسع في حقل الشمال، أكدت الإمارات مؤخرًا عزمها المضي قدمًا في مرحلة التصميم الهندسي للواجهة الأمامية لمحطة الفجيرة للغاز الطبيعي المسال.
إذ تخطط شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) لتطوير محطة تسييل ذات خطَّي إنتاج بقدرة 10 ملايين طن سنويًا في الفجيرة، وهو ما يُمكّن الإمارات من تلبية احتياجات العديد من أسواق الغاز، لتصبح مصدّرًا إقليميًا رئيسًا للغاز المسال، ومن ثم تنافس جارتها قطر، وتقلل اعتمادها على الواردات.
سباق كبار مصدّري الغاز المسال
تفوقت قطر على الولايات المتحدة لتصبح أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، إذ تجاوزت صادرات قطر في أبريل/نيسان 7.5 مليون طن متري، وفقًا لبيانات تتبّع السفن التي جمعتها بلومبرغ.
خلال أشهر الشتاء، أدت درجات الحرارة المنخفضة -جنبًا إلى جنب مع رغبة أوروبا في خفض الاعتماد على الطاقة الروسية- إلى زيادة الطلب على الغاز الطبيعي وأسعار الوقود.
وبمجرد انتهاء فصل الشتاء، استغلت بعض محطات التصدير الأميركية مدة انخفاض الطلب وانخفاض الأسعار للخضوع للصيانة، ما أدى إلى خفض الإنتاج في الولايات المتحدة.
بالنظر إلى المستقبل، من المتوقع أن تشارك الولايات المتحدة وقطر في سباق للهيمنة على سوق الغاز الطبيعي المسال العالمية.
وبمجرد اكتمال محطة تصدير كالكسيو باس في لويزيانا في وقت لاحق من هذا العام، من المتوقع أن تصل الولايات المتحدة إلى ذروة قدرة إنتاج الغاز المسال عند 13.9 مليار قدم مكعّبة من الغاز الطبيعي يوميًا.
وفي الوقت نفسه، تخطط قطر لمشروع تصدير ضخم في أواخر القرن الـ21، والذي يمكن أن يعزز الدولة الشرق أوسطية بوصفها أكبر مورّد لوقود الغاز المسال.
اقرأ أيضاً: قطر للطاقة توقع عقدًا جديدًا لزيادة إنتاج الغاز المسال
أعلنت شركة قطر للطاقة، اليوم الخميس، إرساء عقد رئيس لأعمال الهندسة والتوريد والإنشاء لمشروع توسعة حقل الشمال، في حدث يشكّل المرحلة الأخيرة على طريق إنجاز مشروع توسعة القطاع الشرقي للحقل.
وتخطط قطر لزيادة قدرتها الإنتاجية من الغاز الطبيعي المسال إلى 110 ملايين طن سنويًا، من خلال مشروع ضخم لتوسعة حقل الشمال، الذي يُعد أكبر حقل غاز في العالم.
وقالت قطر للطاقة -في بيان صحفي قبل قليل- إنه تمت ترسية العقد على تحالف بين شركتي تكنيكاس ريونيداس ووايسون للهندسة الذي اُختير مقاولًا لأعمال الهندسة والتوريد والإنشاء لتوسيع مرافق مناولة الكبريت وتخزينه وتحميله في مدينة رأس لفان الصناعية.
تفاصيل المشروع الجديد
ستعمل المرافق على دعم خطوط إنتاج الغاز المسال الـ4 الجديدة في مشروع توسعة القطاع الشرقي لحقل الشمال التي من المقرر أن يبدأ إنتاجها بحلول نهاية عام 2025.
يشمل العقد خيارًا لمزيد من التوسع، بهدف دعم إنتاج الكبريت من خطين إضافيين للغاز الطبيعي المسال في مشروع توسعة القطاع الجنوبي لحقل الشمال، بالإضافة إلى بنية تحتية تدعم خطوطًا مستقبلية لإنتاج الغاز الطبيعي المسال.
توسعة حقل الشمال
قال وزير الدولة لشؤون الطاقة، العضو المنتدب الرئيس التنفيذي لقطر للطاقة، سعد بن شريدة الكعبي: “يشكل إرساء العقد لأعمال الهندسة والتوريد والإنشاء تتويجًا لجهودنا الهادفة إلى إنجاز مشروع توسعة القطاع الشرقي لحقل الشمال، وهو المشروع الأكبر من نوعه في تاريخ صناعة الغاز الطبيعي المسال”.
وأضاف أن “المشروع يشكل جزءًا من رحلتنا على طريق التطوير المستدام لمواردنا الوفيرة من الغاز الطبيعي، مع الحفاظ على مكانتنا بصفتنا أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال والأكثر أمانًا وموثوقيةً في العالم”.
ويتضمن العقد المبرم مع تحالف تكنيكاس ريونيداس ووايسون للهندسة خيارات لمشروع توسعة القطاع الجنوبي لحقل الشمال، بالإضافة إلى متطلبات مستقبلية تتعلق بمناولة الكبريت وتخزينه وتحميله.
وقال الكعبي: “نحن نتطلع إلى العمل معًا لإنجاز المشروع المهم بنجاح وبطريقة آمنة وفي الوقت المناسب”.
وسيدير تحالف المقاول خلال تنفيذ العقد الأعمال الهندسية التفصيلية للعقد من دولة قطر، ما يعزز القدرات الفنية المتزايدة للدولة في تطوير المشروعات الكبرى.
استخدامات الكبريت
يُستخدم الكبريت -الذي يستخرج بوصفه منتجًا ثانويًا في عملية معالجة الغاز المطلوبة قبل إنتاج الغاز الطبيعي المسال- في إنتاج الأسمدة الكيماوية ومكونًا أساسيًا للكيماويات الوسيطة المستخدمة في تصنيع المنتجات الصناعية والمنزلية.
وبالتوقيع على عقد أعمال الهندسة والتوريد والإنشاء، يكون العقد الرئيس الوحيد المتبقي لإنجاز مشروع توسعة حقل الشمال -والمكون من مشروعي القطاعين الشرقي والجنوبي- هو عقد الهندسة والتوريد والإنشاء لخطي المعالجة والتسييل في رأس لفان الذي من المقرر منحه قبل نهاية العام الجاري.
وعند اكتمالهما، سيرفع مشروعا القطاع الشرقي والقطاع الجنوبي لحقل الشمال طاقة قطر الإنتاجية من الغاز الطبيعي المسال من 77 مليون طن سنويًا إلى 126 مليون طن سنويًا بحلول عام 2027.
اقرأ أيضاً: أوابك: الغاز لن يكون مجرد وسيطًا في تحول الطاقة.. وقطر تقود طفرة الغاز المسال
ترى منظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول أوابك، أن الغاز، وبشكل خاص الغاز المسال، لن يكون مجرد وسيطًا في عملية تحول الطاقة عالميًا.
وتأتي رسالة المنظمة، في وقت يروج فيه الغرب، خاصة عدد من المؤسسات المعنية -بقيادة وكالة الطاقة الدولية- إلى اعتبار الغاز مرحل انتقالية من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة.
إذ يقول خبير الغاز لدى المنظمة، المهندس وائل حامد عبدالمعطي، إن “الغاز سيظل وقودًا رئيسيًا في المستقبل”، ويمكنه توفير أمن الطاقة للأسواق المختلفة.
ورهن خبير أوابك، توفير تلك الإمدادات في المستقبل، “باستمرار ضخ الاستثمارات في قطاع البحث والتطوير في الدول العربية”.
جاء ذلك خلال مشاركته في فعاليات الدورة الـ9 لمجموعة خبراء الغاز بالأمم المتحدة، حيث طرح رؤية أوابك حول مكانة الدول العربية في توفير إمدادات الغاز للأسواق العالمية والتوقعات المستقبلية.
وجاءت رؤية المنظمة من خلال ورقة بعنوان “الدور الحالي والآفاق المستقبلية للمنطقة العربية في تلبية احتياجات أوروبا من الغاز”، قدمها خبير الصناعات الغازية المهندس وائل عبدالمعطي.
ولفتت ورقة أوابك إلى تحقيق تجارة الغاز الطبيعي المسال العالمية نموًا كبيرًا في عام 2021، بنسبة 7% وإجمالي 380 مليون طن، ومعدل تشغيل بنسبة 85% لمحطات الإسالة، الأمر الذي يحمل دلالة واضحة على تعافي السوق العالمية من جائحة كورونا.
ارتفاع الأسعار في أوروبا
تطرقت رؤية أوابك إلى الارتفاع الكبير في أسعار سوق الغاز الأوروبية، التي تعتمد بنسبة 80% على التسعير في السوق الفوري، الأمر الذي يعرض المستهلكين لاضطرابات وتقلبات الأسعار في حالة وجود أي أحداث أو مخاوف.
وارتفع اعتماد السوق الأوروبية على واردات الغاز من خارج القارة، بنسبة 63% عام 2021 مقارنة بنسبة 37% في 1990، بسبب تزامن تراجع الإنتاج في هولندا والمملكة المتحدة، مع انتعاش الطلب الأوروبي على الغاز.
ووفقًا لأوابك، تعتبر الدول العربية ثاني أكبر مصدر للغاز إلى أوروبا، حيث شكلت صادراتها من الغاز الطبيعي عبر خطوط الأنابيب من الجزائر وليبيا، والغاز الطبيعي المسال من قطر والجزائر ومصر، حصة إجمالي تبلغ 14% من إمدادات الغاز لأوروبا عام 2021.
حزمة مشروعات الغاز المسال
وبحسب تصريحات المهندس وائل عبدالمعطي، فإن المنطقة العربية تشهد حاليًا حزمة من مشروعات الغاز الطبيعي المسال، من بينها توسعة حقل الشمال بدولة قطر والذي سيرفع الإنتاج من المنطقة العربية بنحو 49 مليون طن سنويًا، ومشروع تورتو أحميم في موريتانيا بطاقة 5 ملايين طن سنويًا.
يُذكر أن أن توسعة حقل الشمال تتم على مرحلتين، الأولى تم اتخاذ قرار الاستثمار النهائي في فبراير/شباط من عام 2021 بإجمالي 32 مليون طن سنويًا، بينما المرحلة الثانية في القطاع الجنوبي تقدر بـ 17 مليون طن سنويًا.
ومن المتوقع أن تسهم هذه المشروعات -بقيادة قطر- في رفع قدرات تصدير الغاز المسال من 138 مليونًا إلى 193 مليون طن سنويًا بحلول عام 2027، بنسبة إجمالية 40%، الأمر الذي سيمكنها من زيادة صادراتها إلى السوق الأوروبية والعالمية، حال توقيع اتفاقيات جديدة.
ودائمًا ما تشارك أوابك في اجتماعات خبراء الغاز بالأمم المتحدة منذ 2016، لتعزيز التعاون مع المؤسسات الدولية، ولطرح رؤيتها بشأن التطورات التي تشهدها أسواق الغاز العالمية.
مؤتمر خبراء الغاز بالأمم المتحدة
انعقدت فعاليات الدورة الـ9 لمجموعة خبراء الغاز بالأمم المتحدة، في مقر المنظمة الأممية في جنيف، خلال الفترة من 24 إلى 25 مارس/آذار الجاري.
وناقش الاجتماع الدور الذي تقوم به المنطقة العربية حاليًا، والدور المتوقع مستقبلًا في تلبية احتياجات أوروبا من الغاز، حيث أشارت أوابك إلى أن كل من قطر وأستراليا والولايات المتحدة تمثل 60% من إجمالي التجارة العالمية للغاز الطبيعي المسال.
وشارك في الدورة الجديدة ممثلون عن الدول الأعضاء في اللجنة الاقتصادية الأوروبية، والمفوضية الأوروبية ومؤسسات ومنظمات أوروبية وعالمية، منها الاتحاد الدولي للغاز، ومنتدى الدول المصدرة للغاز، ومؤسسة الهيدروجين في أوروبا.
كما شارك في فعاليات الدورة، ممثلون لشركات النفط العالمية وخبراء وأكاديميون.
المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية