منوعات

ترك التعليم وعمل في سن صغيرة ليعيل نفسه.. ما قصة الطفل التعيس “ميلتون هيرشي” مبتكر الشيكولاتة الذي أسعد ملايين البشر؟

لم يتوقع أحد أن الطفل الفقير التعيس الذي لم يكمل تعلميه سيصبح يوما إمبراطور الشيكولاتة “مصدر سعادة الأطفال” في العالم.

حتى استطاع ميلتون هيرشي أن يؤسس مدينة كاملة قامت على اسمه، فعندما ولد ميلتون هيرشي في منتصف القرن التاسع عشر، وبالتحديد في العام 1857 لم يكن هناك شيء مميز في الطفل الصغير.

أصول ميلتون هيرشي “ملك الشيكولاتة

الطفل ولد في عائلة أمريكية من أصول ألمانية سويسرية، هاجرت إلى أمريكا في فترة كانت تشهد هجرة هائلة من أوروبا إلى الولايات المتحدة باعتبارها أرض الفرص والأحلام.

لم يكن أحد يتصور أن المولود الصغير سيقترن اسمه بأشهر نوع من الشيكولاتة العالمية “شكولاتة هيرشي”، ويتحول إلى واحد من أكثر قصص رواد الأعمال شهرة عبر التاريخ.

هيرشي.. رحلة البدايات

ولد هيرشي في مدينة بنسلفانيا، لأسرة تملك مزرعة متواضعة، لم يستطع أن يكمل تعليمه وتوقف عند المرحلة الرابعة من الدراسة بعد أن أبدى اخفاقا شديدا فيها، ليجد نفسه مضطراً ليعمل في هذا السن الصغير ليعيل نفسه.


عمل هيرشي في كل الوظائف، ولم يكن يمضي وقتاً بسيطاً في وظيفة إلا ويطرد منها ويستبدلها بوظائف أخرى.

كما عمل كمحرر صحفي في إحدى الصحف الألمانية، ولم يستطع اكمال عمله بعد فترة وجيزة من التحاقه بها.

ثم عمل في عدة وظائف أخرى، لم يستطع الاستمرار فيها جميعاً، حتى انتهى به الحال ليعمل بوظيفة متواضعة كمساعد في متجر لصناعة الحلويات، فكانت هذه الوظيفة البسيطة، هي بداية تشكيل حمله لاحقا.

مأساة ميلتون هيرشي.. تراكم الفشل

عندما بدأ هيرشي العمل في متجر الحلويات أبدى فيها تميزا كبيراً، حيث استمر فيها أكثر من 4 سنوات استطاع أن يتفهم كل تفاصيل صناعة الحلويات.

بعد أن تشرب هذه الصناعة انتقال إلى مدينة أخرى، مدينة فيلادلفيا وهوا ابن 19 عاما، حيث قرر أن يفتتح شركة خاصة لصناعة الحلويات بعد أن قضى سنوات طويلة في تشرب تفاصيلها، إلا أنه ومع خبرته هذه لم تسر الرياح بما تشتهي سفن هيرشي، ولم يستطع افتتاح شركته فعاد مضطراً الى البحث عن وظيفة.

ولكن هذه المرة ركز بشكل كبير للعمل في وظيفة مصانع الحلويات، فبدأ يرتحل إلى للعمل في عدة مدن في مصانع حلويات محلية، بين نيواورليانز وشيكاغو.

في النهاية استقر في مدينة نيويورك التي قرر افتتاح شركته الأولى فيها، وبالفعل حققت شركته لصناعة الحلويات نجاح صغيرا لكنها منيت بخسائر كبيرة، قادت مرة أخرى إلى فشل المشروع.

النجاح يبدأ بخطوة

عقب تراكم تجارب الفشل، ومع بلوغ هيرشي بدايات الثلاثين، كان قد تشبع بخبرة هائلة سواء في تفاصيل صناعة الشيكولاتة والحلويات، أو حتى في إدارة المصانع والشركات بعد تأسيس شركتين منيتا بالفشل.

هنا قرر هيرشي أن يخوض للمرة الثالثة تجربة تأسيس شركة حلويات جديدة، بناء على قرض بنكي استطاع من خلاله تأمين اطلاق شركته الجديدة، هذه الشركة قرر أن يسميها شركة لانكستر كاراميل.


بدأ ميلتون هيرشي يؤسس لوحدة أبحاث في تطوير صناعة الحلوى، حيث قرر إنشاء أنماط جديدة ووصفات مختلفة من صناعة الحلوى مختلفة تماما عن الموجودة في السوق، وبيعها كمنافس إبداعي للمنتجات المعتادة الموجودة.

في البداية ركز هيرشي على اطلاق الحلويات بطعم الكراميل الممتزج بالحليب، وهو ما لاقي رواجا كبيرا خصوصا بين الأطفال.

من زهوة النجاح الأولى استطاع هيرشي أن يؤمن صفقة بيع كبيرة لأحد المستوردين إلى انجلترا أعجب بالحلوى التي يصنعها، فقام بشراء قدر كبير من حلواه، وهو ما استطاع من خلاله تسديد القرض البنكي، والبدء في توسيع نطاق مشروعه بلا ديون، وهي المشكلة التي واجهته “تراكم الديون” في بداية مشواره.

من الكراميل إلى الشيكولاتة كانت البداية الحقيقة لـ” هيرشي”

لم تمض عدة سنوات إلا وشركة هيرشي قد حققت نموا كبيراً لدرجة تأسيس مصنع إضافي حتى يستطيع توفير الطلبات التي انهالت عليه، ووصل عدد العمال إلى مئات العمال الذين يعملون في دوريات مستمرة.

بمرور الوقت تحولت الشركة إلى واحدة من أكبر شركات صناعة الكراميل في أمريكا.

لم يتوقف طموح هيرشي فقرر أن يدخل سوقا جديدا وهو سوق الشكولاتة ، فقرر بناء مصنع جانبي لشركته المتخصصة في صناعة الكراميل.

بدأ المصنع في الإنتاج، وحقق بدوره نجاحاً ملحوظاً، الأمر الذي استهوى هيرشي بشدة، فقرر أن يتفرغ تماما لتطوير مصنع الشيكولاتة لدرجة أنه باع حصته في شركته بمبلغ قيمته مليون دولار وهو يعادل عشرات الملايين من الدولارات اليوم.

قرر هيرشي تأسيس مزرعة كبيرة في بنسلفانيا وبناء مصنع ضخم عليها متخصص فقط في إنتاج الشيكولاتة، وقام بتسميته باسم: شركة هيرشي للشيكولاتة كان هذا في العام 1905.

إمبراطورية هيرشي

تحولت شركة هيرشي للشيكولاتة إلى شركة عملاقة، اعتبرت بمرور الوقت أضخم شركة إنتاج حلويات وشيكولاتة في أمريكا الشمالية، وتضخمت أعمالها بعد سنوات لدرجة أنه تم القرار بتحويل المنطقة المحيطة بالمصنع إلى مدينة كاملة بإسم “هيرشي”، مدينة تحتوي على مدارس ومتنزهات ومساكن وفنادق وساحات رياضية وغيرها. مدينة بمعنى كلمة مدينة ، قامت بشكل كامل على صدى وجود مصنع هيرشي للشيكولاتة الذي اعتبر القاطرة الأساسية لاقتصاد المدينة، وواحد من أهم وجهاتها السياحية، لدرجة اطلاق اسم المدينة بالكامل على اسم هيرشي.


“هيرشي” العقيم يلجأ لليتامى

عندما أدرك “ميلتون” عدم قدرته على إنجاب أطفال، قرر وزوجته بناء مدرسة لتعليم الأطفال اليتامى في المناطق المحيطة به، وبعد تحقيق حلمه بالثراء والنجاح، قرر عدم تكريس الثروة لنفسه فقط بل أيضاً لجعل من حوله سعداء.

على عكس أغلب رجال الصناعة في ذلك الوقت، لم تكن رؤية “ميلتون” التوسعية ترتكز على مصنع الشيكولاتة فقط، بل أيضاً من خلال بناء منازل ومتنزهات ومدارس ووسائل نقل عامة وبنية تحتية من أجل إثراء وتطوير المعيشة من حوله.


“تايتانيك” ونهاية هيرشي

عام 1912، حجز “ميلتون” وأسرته تذاكر للسفر عبر السفينة العملاقة الفاخرة في ذلك الوقت “آر إم إس تايتانيك”، لكن في اللحظات الأخيرة، قرر رجل الأعمال إلغاء الحجز بسبب أعمال تتعلق بتجارته تطلبت حضوره، بينما لم تسافر زوجته لمرضها.

بالتزامن مع ذلك، قرر “ميلتون” شراء تذاكر للسفر عبر رحلة بسفينة فاخرة تُسمى “إس إس أمريكا”، لينجو رجل الأعمال الشهير من الغرق في مأساة “تايتانيك” الشهيرة.

تم تأسيس متحف باسم “هيرشي” لعرض مقتنيات ونماذج من الآلات وشكل العلامات التجارية والمصانع والأعمال الخاصة بـ”ميلتون”، كما شملت المقتنيات تذكرة “تايتانيك”.

توفي “ميلتون” في مستشفى يحمل اسم “هيرشي” بمرض الالتهاب الرئوي في الثالث عشر من أكتوبر عام 1945 عن عمر ناهز 88 عاماً كان حافلاً بالإخفاقات والنجاحات.

“هيرشي” الضخمة بدأت بطفل صغير كان يعمل في مصانع الحلويات، ليكسب قوت يومه، ثم تحول إلى تاجر ورجل أعمال وصناعي ضخم استطاع أن يجعل اسمه هو اسم مدينة كاملة مبنية على نطاق شركة حلويات قام تأسيسها، تشمل مصانع ومدارس ومنشآت، فضلا عن استحواذها على عدد ضخم من الشركات حول العالم.

اقرأ أيضاً: رحلة سوشيرو هوندا.. الميكانيكي الفقير من الشحم إلى عرش السيارات


“لماذا تسحب يدك؟ أنا أحب الشحم!”، إنه موقف سطر في تاريخ اليابان عندما خجل عامل من السلام على رئيس شركة هوندا بسبب اتساخ يده بالشحم.

ولكن سوشيرو هوندا، مؤسس شركة هوندا لصناعة السيارات وأحد رموز النهضة اليابانية عقب الحرب العالمية الثانية عام 1939، جذب يد العامل بقوة وقال عبارته الشهيرة “لماذا تسحب يدك؟ أنا أحب الشحم!”.

إن سوشيرو هوندا خير مثال للرجل العصامي الذي استطاع أن يصل إلى القمة منفردًا معتمدا على طموحه وإرادته، وولد سوشيرو عام 1906 في أسرى فقيرة تعيش في قرية يابانية، ومنذ نعومة أظافره وهو عرف طريق العمل سريعا، فكان يعمل مساعدا في ورشة والده لتصليح الدراجات الهوائية، ورغم المعاناة إلا أن سوشيرو استشعر حب الآلات، وخصوصا الدراجات.

ومع مرور الوقت وصعوبة المعيشة اضطر سوشيرو لترك الدراسة وهو في عمر الخامسة عشر، بسبب ضعف مسواه الدراسي الشديد، وانتقل إلى العاصمة طوكيو بحثا عن وظيفة، وبالفعل استطاع – بفضل عمله في قريته مساعدًا لأبيه في إصلاح الدراجات – ، الحصول على وظيفة عامل في ورشة سيارات.

وبعد 6 سنوات عاد سوشيرو الى بلده مليئا بالخبرات، وقرر افتتاح ورشة لإصلاح السيارات والدراجات البخارية وهو ابن الثانية والعشرين. ومع اهتمامه بالمحركات عموما إلا أنه كان جموحا في سباقات الدراجات البخارية تحديدا حتى انه كاد يفقد حياته في أحد المرات بسبب حادث تعرض له، وهذا الحادث، جعله يعتزل سباق الدراجات ويتفرغ فقط لإصلاحها وصناعتها.

محرك جديد.. “تويوتا” تحقق الحلم

وبدأ سوشيرو في تطوير محرك جديد، قائم على تطوير حلقات دائرية لمكبس الاحتراق “البستن”. بعد سنوات من التطوير، استطاع سوشيرو تطوير محركه بالكامل، وبدأ في محاولة عرضه على عدد من الشركات اليابانية منها شركة تويوتا.


خلال العام 1938، قضى سوشيرو وقتا طويلا في محاولة اقناع تويوتا، مستخدما كل ما لديه من مال. إلا أن تويوتا رفضت عدة مرات الأخذ بعيّناته، وإعادته إليه طالبة منه المزيد من التطوير.

واستمر تطويره للمحرك بحسب مواصفات تويوتا لمدة عامين كاملين، حتى قررت تويوتا أخيرًا شراءه، بل منحته تويوتا مع عقد الشراء إمكانيات لتأسيس مصنع خاص يعمل على صناعة هذا المحرك وتزويده اليها بشكل ثابت.

صدمة الحرب العالمية

ووسط كل هذه الآمال، انهار كل شيء باندلاع الحرب العالمية الثانية في عام 1939، والتي كانت اليابان طرفاً أساسياً فيها.

خلال فترة الحرب توقف كل شيء، ومرت اليابان بفترة كساد هائل أدى إلى خسائر هائلة لمصنع سوشيرو، وفي عام 1944، وقبل إعلان الاستسلام بعام واحد، تم تدمير المصنع بالكامل بواسطة طائرات من الحلفاء، اعتبروا أن المصنع قد يكون مخصصًا للإنتاج الحربي للجيش الياباني.

سوشيرو واقتصاديات الحرب

توقف كل شيء وانهار كل شيء، حتى انتهت الحرب. فقام سوشيروا ببيع ما تبقى من مصنعه إلى شركة تويوتا، ثم استغل هذا المال في تأسيس شركة الخاصة للمرة الأولى باسم “مركز هوندا للأبحاث التقنية” في عام 1946، وبدأ صناعة أول دراجة بخارية بمحرك قوي تعتمد على وقود رخيص السعر، بما يتناسب مع حاجة السوق الياباني المتهالك بعد الحرب.

هوندا وبداية النهضة

نجحت هوندا في تصنيع دراجات بخارية بمحركات قوية ووقود رخيص وأيضا سعر منافس، حتى أصبحت فترة الخمسينات هي عصر نهضة هوندا.

وسجلت هوندا خلال تلك الفترة قفزات كبيرة في السوق الياباني لتصبح هي زعيمة السوق في إنتاج الدراجات، لاحقا دخلت الشركة في إنتاج السيارات والمحركات بشكل أوسع.

في بداية السبعينيات، تقاعد سوشيرو هوندا من منصه كرئيس لمجلس ادارة هوندا، وظل رمزا للنهضة اليابانية حتى وفاته في التسعينيات، بعد أن لقبه اليابانيون بلقب “هنري فورد الياباني” الذي شارك في نهضة بلاده بعد انهيارها الكامل في الحرب.

المصدر: العين الإخبارية – مواقع إلكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى