طفل عربي صغير يعشق التجارة والإدارة والمغامرة تحول من بيع العظام إلى عرش الإعلام والمليارات.. إليكم قصة صعود “صالح كامل” الملهمة

في طفولته، لاحظ الجميع ولعه بالتجارة، حتى إنه كان يصنع أدوات لعبة “الكبوش” وهي لعبة تقليدية سعودية، من عظام الخراف.

وبعد أن يصنعها يعيد بيعها لزملائه بمبالغ زهيدة، ورغم أمارات النجابة مبكرا إلا أن الفتي صالح كامل لم يكن في وضع معيشي استثنائي، فقد عاش مثله مثل ملايين السعوديين في تلك الفترة.

وولد وتعلم صالح كامل في مكة المكرمة والطائف، وحصل على بكالوريوس التجارة من جامعة الملك سعود في العام 1963.

وفي مرحلة مراهقته وبدايات الشباب، أي ما بين المتوسطة والإعدادية، ساهم صالح في تحرير وصياغة مجلات مدرسية وبيعها بهامش ربحي جيد.

كما أنه في فترة الثانوية كان هو المؤسس لأول فريق كشافة في السعودية، وهو ما جعله يتعرض مبكرا للغاية لمفاهيم القيادة والإدارة والابتكار.

صالح كامل وبداية رحلة التجارة الحقيقة

بعد ذلك بقليل بدأ صالح كامل في حياته التجارية الحقيقة بعد أن سافر إلى لبنان واشترى مجموعة من الأزياء المتخصصة في الكشافة وأدواتها من صافرات وشارات وغيرها.

ليعود بها إلى المملكة العربية السعودية، ليبدأ تجارة جديدة وهي المرور على المدارس لبيعها.

هذا الشغف بالتجارة استمر حتى في الجامعة أيضا حيث استأجر صالح متجرا صغيرا قريبا من الجامعة، وخصصه لطباعة وتصوير المستندات وبيع المذكرات الدراسية للطلاب.

ورغم بساطة المشروع فإن هذا الأمر جعله يحصد مبالغ كبيرة وهو في تلك المرحلة من حياته، وعمقت فيه المزيد من حب التجارة.

تخرج صالح كامل في الجامعة، والتحق بوظيفة جيدة في القطاع الحكومي، إلا أنه لم يتخل عن حبه للتجارة، حيث كان يعمل في وظيفته بدوام كامل صباحاً، ثم يعمل مساءً في مطبعته الصغيرة التي استمر في إدارتها حتى بعد التخرج من الجامعة.


بداية صعود صالح كامل

عندما اقتحم صالح كامل الحياة التجارية بخلفية كبيرة من الحب والممارسة للتجارة في طفولته ومرحلته الجامعة، وجد كامل فرصة مواتية جديدة وهي افتتاح مطبخ، وذلك بالاستعانة بطباخ ماهر يعرفه.

وبالفعل، بما جمعه من أموال في وظيفته النظامية، ومتجره الصغير، استطاع افتتاح المطبخ الذي أسماه ”مطبخ الملز الشرقي”، ليتوزع يومه من جديد بين: وظيفة الصباح، ودوام المساء بين المطبعة والمطبخ.

بدأت هذه الأعمال تدر أرباحا ملحوظة عليه، ولكن شغفه بالتجارة جعله لم يكتفِ بما يحصل عليه من أموال، وكان دائم السعي للمزيد من التمدد والتوسع، ولكن كان ينقصه الفرصة المواتية.

جاءت الفرصة.. قوة صالح كامل

خلال تلك الفترة، كان قد جمع حوالي 300 ألف ريال سعودي، وهو مبلغ ليس بقليل حينها وكان من الممكن أن يكتفي بعيش حياة راغدة مع الأرباح التي يجنيها من مشاريعه القائمة وقتها إلى جانب وظيفته الثابتة التي تؤمن له دخلا ثابتا، إلا أنه استمر في انتظار فرصة التوسع حتى جاءت تلك الفرصة.

ففي تلك الفترة، كانت المملكة تطلق مشروعات كبيرة في كافة مدنها، وتمنح عددا كبيرا منها للقطاع الخاص ورجال الأعمال الشباب البارزين، من بينها كانت مناقصة طرحتها آنذاك لنقل البريد الداخلي باسم ”البريد الطواف“.

وكانت الحكومة تسعى للتعاقد مع من يستطيع أداء هذه الخدمة بأقل أسعار ممكنة وأعلى جودة ممكنة.

وبالفعل حشد صالح كامل كل ما لديه وتقدم للمناقصة، واشترى برأسماله كله 300 ألف ريال، حوالي 30 سيارة تويوتا جيب التي كانت تباع الواحدة آنذاك بحوالي 12 ألف ريال، واستطاع الفوز بجزء من المشروع الحكومي وإدارته تحت إشراف الحكومة على الأداء.

خلال تلك الفترة، عمل الشيخ صالح كامل بشكل شديد القرب لإدارة أسطول السيارت في البريد الطواف في كافة أنحاء المدن السعودية، ووضع مقاييس محددة لقياس الأداء والسرعات، وكيفية تحديد كميات الوقود التي تحتاجها كافة السيارات للوصول إلى أهدافها في خلال وقت زمني محدد.

مع هذه الدقة، نجح الشيخ صالح كامل في إدارة المشروع بكفاءة، واستمر في إدارته أكثر من 15 عاما بنجاح كبير.

صالح كامل نحو العملقة

وفي بداية الثمانينيات، ومع النجاح الكبير لصالح كامل في إدارة مشروع البريد الطواف، بدأ الشيخ محطته الكبرى وهي تأسيس مجموعة “دلة البركة” القابضة للاستثمارات في كافة المجالات الإعلامية والبنكية والعقارات والسياحة، واعتبرت واحدة من أضخم الكيانات السعودية في الثمانينيات وأسرعها نموا.

واستطاع الشيخ صالح كامل أن يعقد عددا كبيرا من الصفقات مع الحكومة السعودية والقطاع الخاص، حيث أسس مشروعات كبيرة شاملة مدارس وعقارات وإنشاءات وفنادق.


في التسعينيات، أسس الشيخ كامل شبكة راديو وتلفزيون العرب ART واحدة من أكبر واشهر الشركات الإعلامية العربية التي انتشرت بشكل واسع في التسعينيات ومنتصف عقد الألفية، بثت العديد من البرامج العربية، واعتبرت نقلة نوعية في فترة التسعينيات والألفية، بما فيها عقود حصرية لبث المباريات العالمية وكأس العالم.

على مدار سنوات طويلة، ساهم الشيخ صالح كامل في رئاسة إدارة عدد كبير من الشركات السعودية والعالمية، وساهم في عشرات المشروعات الخيرية والتنموية.

واحتل الشيخ صالح كامل مكانة دائمة في قوائم العرب الأكثر ثراء، حتى رحيله عن الحياة في العام 2020 عن عمر يقارب الثمانين عاماً، مخلفاً وراءه ثروة تقدرها بعض التحليلات بحوالي المليارين ونصف دولار.

رحلة طويلة، بدأت بطفل صغير يعشق التجارة والإدارة والمغامرة، انتهت به ليصبح واحدا من أشهر رجال الأعمال العرب في النصف الثاني من القرن العشرين.

المصدر: مواقع إلكترونية

Exit mobile version