تقارير

في طريقها لأن تصبح مركزًا مهمًا للطاقة بفضل موقعها الجيوسياسي الفريد.. تركيا عملاق الطاقة المتجددة عالمياً

وضعت مجموعة صناعية في تركيا إستراتيجية شاملة تركّز على التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، بدلًا من مصادر الطاقة التقليدية.

وتعتمد خطة جمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين (موصياد) -المكونة من 11 بندًا- على 3 مبادئ رئيسة، هي: إنتاج الطاقة المحلية والفعالة والموجهة نحو التكنولوجيا واستهلاكها، وإنشاء صناعة طاقة تركية نابضة بالحياة، وتحقيق استقلال تركيا في مجال الطاقة، وفقًا للجمعية.

وقال رئيس جمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين (موصياد)، محمود أصملي: إن تركيا في طريقها إلى أن تصبح مركزًا مهمًا للطاقة بفضل موقعها الجيوسياسي الفريد في العالم وسياسات الطاقة المتجددة والجديدة، وفقًا لما نشرته صحيفة ديلي صباح التركية.

بدوره، قال رئيس مجلس الطاقة والبيئة في جمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين، ألتوغ كاراتاش، إن المجموعة تهدف إلى الإسهام في دفع تركيا إلى الاكتفاء الذاتي من الطاقة.


وأشار إلى أن تركيا تُعدّ من أقل البلدان تأثرًا بأزمة الطاقة العالمية السائدة، مؤكدًا أن تحوّل الطاقة يوفر فرصًا كبيرة للبلاد.

وأوضح أن لدى تركيا المعرفة والخبرة، إلى جانب موقعها الإستراتيجي، لتحويل هذه الأزمة إلى فرصة.

وأضاف أن تركيا أظهرت قدراتها، إذ انتقلت من دولة تحتاج إلى مساعدة من الآخرين للاستفادة من موارد الطاقة لديها، إلى دولة لديها شركاتها الخاصة، وتدرب مهندسيها وتنفذ مهام الاستكشاف بسفنها الخاصة.

وبيّن كاراتاش أن تركيا تنتج الآن الطاقة النظيفة الخاصة بها، التي تُعد المحور الرئيس لعالم الأعمال وإستراتيجيات الاستثمار المستقبلية.

خطة الصناعيين ورجال الأعمال

تهدف خطة جمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين في تركيا إلى زيادة حصة الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء في تركيا إلى 75% بحلول عام 2050، إلى جانب حصة 3% في سوق الطاقة المتجددة العالمي، وزيادة حصة الطاقة النووية إلى 20% في الـ20 عامًا المقبلة.

وتدعو الخطة إلى الإزالة الكاملة للعقبات البيروقراطية التي تعوق استثمارات الطاقة المتجددة، وإطلاق حملة وطنية لكفاءة الطاقة بقيمة 20 مليار دولار (318.08 مليار ليرة تركية) لتمويل الاستثمارات على مدى السنوات الـ10 المقبلة.

ويُضاف إلى ذلك تخفيض الإنفاق على واردات الطاقة بمقدار 40 مليار دولار.

وتركّز الخطة على الإنتاج من خلال استخدام الغازات المتجددة والمنخفضة الكربون، وتنفيذ إستراتيجية صناعة الطاقة لدعم سياسات الطاقة المحلية والوطنية، والجهود التعاونية لتطوير التقنيات المحلية.

وتؤكد حاجة تركيا إلى زيادة صادرات الهيدروجين إلى 5 مليارات دولار سنويًا في الـ20 عامًا المقبلة، فضلًا عن زيادة خطوط أنابيب النفط والغاز التي تمر عبر أراضيها لتصبح موردًا مستقرًا للطاقة.

وتدعو الخطة إلى بناء قوة عاملة مؤهلة لتوفير 200 ألف فرصة عمل جديدة من خلال حملة تحول الطاقة على مدى السنوات الـ10 المقبلة.

كما تشدد على ضرورة إصدار تشريع لخفض الاعتماد على مصادر الطاقة الخارجية، وتعزيز الحفاظ على الطاقة والإنتاج المحلي للسيارات الكهربائية وتقنيات البطاريات.

التسهيلات التنظيمية والحوافز


بلغت قدرة الطاقة المتجددة في تركيا، بدءًا من فبراير/شباط 2022، نحو 53 ألفًا و500 ميغاواط، أي ما يزيد قليلًا على نصف إجمالي السعة المركبة في تركيا.

ويعود الفضل في ذلك، إلى حد كبير، إلى تعرفة التغذية الكهربائية في تركيا القائمة على الدولار الأميركي.

وقدّمت هذه الآلية -اعتمادًا على مصدر الطاقة المتجددة- أسعار شراء مضمونة تتراوح بين 7.3 و13.3 دولارًا أميركيًا لكل كيلوواط/ساعة خلال السنوات الـ10 الأولى من مدة التشغيل، حسبما نشرت منصات الخدمات التركية “مونداك” في 16 مايو/أيار الجاري.

كما استُبدلت تعرفة التغذية القائمة على الليرة التركية بنظيرتها القائمة على الدولار الأميركي لمحطات الكهرباء التي تم تشغيلها بعد 30 يونيو/حزيران 2021.

وعلى الرغم من تصاعد الأسعار على أساس الليرة التركية، فإن تعرفة التغذية الجديدة هذه لم تقدم إسهامًا ذا مغزى في تركيب طاقات متجددة جديدة. ويرجع ذلك أساسًا إلى الانخفاض الكبير في قيمة الليرة التركية، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الفائدة ومتطلبات الإسهام في رأس المال.

ويرى محللون أن على تركيا الاستمرار في تثبيت سعات إضافية متجددة، للأسباب التالية:

وتحتاج تركيا إلى قدرات إضافية بسبب الطلب المتزايد بسرعة على الكهرباء (الذي ارتفع بنسبة 9% طوال عام 2021)، وفقًا لمجلة سوق الطاقة في تركيا “إنرجي آي كيو”.

ويجب أن تُولّد هذه الزيادة في السعة من مصادر متجددة، إذ تعهدت تركيا -مؤخرًا- بالحياد الكربوني بحلول عام 2053.

وينبغي على تركيا أن تخفف من اعتمادها على الغاز الطبيعي، على الأقل في المدى المتوسط، من خلال تقليل سعة خطة الكهرباء المولَّدة بالغاز الطبيعي.

المشروعات المعفاة من الترخيص

ينص إعلان شركة نقل الكهرباء المملوك للدولة (تياس) “تي إي آي إيه إس” على تخصيص القدرات في مناطق للاستثمارات المتجددة المعفاة من الترخيص بموجب لائحة توليد الكهرباء المعفاة من الترخيص.

ودون الحاجة إلى الحصول على ترخيص من هيئة تنظيم سوق الطاقة “إيمرا”، تتيح هذه المادة الاستثمارات المتجددة المقابلة للقدرة التعاقدية لوحدة الاستهلاك ذات الصلة بموجب اتفاقية الربط الكهربائي.

تُجدر الإشارة إلى أن مثل هذه المشروعات المعفاة من الترخيص تُمنح مع حوافز إضافية مع التعديلات التي أدخلت على مرسوم حوافز الاستثمار في 24 فبراير/شباط 2022.

ويقسّم المرسوم تركيا إلى 6 مناطق رئيسة. وتُعد المنطقة الأولى هي الأكثر تطورًا والسادسة هي الأقل. على هذا النحو، يتسع نطاق الحوافز مع انتقال المستثمر من المنطقة الأولى إلى المنطقة السادسة.

وبناء على التعديلات المذكورة على المرسوم، ستتمكن استثمارات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المعفاة من الترخيص في المناطق الـ3 الأولى التي نُظّمت لأغراض الاستهلاك الذاتي، من الاستفادة من الحوافز التي يمكن أن تتمتع بها المنطقة الرابعة.

وتشمل الحوافز: الإعفاءات من ضريبة القيمة المضافة والرسوم الجمركية لشراء معدات معينة، والإعفاء من ضريبة الدمغة للعقود المبرمة مع المقاولين والموردين.

يُضاف إلى ذلك إعفاء بنسبة 70% من ضريبة الشركات وإعفاء بنسبة 25% من اشتراك صاحب العمل في الضمان الاجتماعي لمدة 6 سنوات.

اقرأ أيضًا: الطاقة المتجددة.. سلاح تركيا لمواجهة التغير المناخي


أولت تركيا أهمية خاصة لأمن الطاقة والاكتفاء الذاتي، وزادت الاستثمارات في توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة ازديادًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، وأصبحت تركيا حاليًا واحدة من أكبر 10 أسواق لتكنولوجيا الطاقة المتجددة في العالم.

وبالتزامن مع الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية، وبناء على الخطة الإستراتيجية 2019-2023 لوزارة الطاقة والموارد الطبيعية التركية، تسعى تركيا إلى زيادة نسبة إجمالي الكهرباء المركبة الموَلَّدة من مصادر الطاقة المحلية والمتجددة من 59% إلى 65%.

وتهدف تلك الخطة للوصول إلى 32,037 ميغاواط من الطاقة الكهرومائية و2884 ميغاواط من الطاقة الحرارية الأرضية والكتلة الحيوية و11,883 ميغاواط من طاقة الرياح و10,000 ميغاواط من الطاقة الشمسية، لتبلغ 56,804 ميغاواط من المصادر المتجددة بحلول عام 2023.

واحتلّت تركيا، العام الماضي، المرتبة الخامسة في أوروبا لتوليد الكهرباء من مصادر متجددة، وأصبحت تركيا الآن مصدِّرًا رئيسًا لمكونات وتكنولوجيا طاقة الرياح، إذ تصدّر منتجاتها إلى أكثر من 45 دولة.

استثمارات الطاقة المتجددة

تسعى تركيا لتحقيق هدفين رئيسيْن، هما الاستقلالية وأمن الطاقة، بفضل وفرة إمكانات الطاقة المتجددة لديها، كما تهدف إلى تخفيف العبء الاقتصادي لواردات الطاقة وتعويض جزء من عجزها التجاري وتحقيق الأهداف البيئية.

وتعتزم الحكومة التركية الحدّ من آثار التغير المناخي، من خلال زيادة حصة الطاقة المتجددة، وتحتاج تركيا إلى استثمار 130 مليار دولار لتحقيق أهدافها في مجال الطاقة المتجددة؛ إذ انصَبَّ اهتمام وزارة الطاقة التركية على زيادة حصة الموارد المحلية وتقليل الاعتماد على الموارد الأجنبية.

توليد الكهرباء بالمصادر المتجددة

وفقًا لبعض الخبراء والمحللين، وصلت تركيا إلى هدفها قبل 4 سنوات في مجال الرياح و7 سنوات في الطاقة الشمسية، ووظفت الكثير من الإمكانات، ولكن هذا التحول لم يكن سهلًا.

ويشير المحللون إلى أن تركيا التزمت بتوليد 26 غيغاواط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية بحلول عام 2030، في بيان مساهمتها الوطنية ضمن نطاق اتفاقية باريس للمناخ.

وأصبحت مزارع الرياح التابعة لشركة نقل الكهرباء التركية أكبر مصدر لتوليد الكهرباء في البلاد لأول مرة في التاريخ، إذ تمثّل 6% من 791 ميغاواط/ساعة من إنتاج الكهرباء اليومي في تركيا.

وتصل القدرة الإجمالية لمزارع الرياح في تركيا الآن إلى 10585 ميغاواط، وهي ثاني أكبر مصدر لإنتاج الطاقة المتجددة في البلاد، بعد محطات الطاقة الكهرومائية.

في المقابل، تنتج محطات توليد الكهرباء بالغاز نحو 22% من إجمالي الكهرباء التي تحتاجها تركيا، ما يضعها في المرتبة الثانية، وتسهم الكهرباء التي تولّدها محطات توليد الكهرباء بالفحم، بحصة 17.8% من استهلاك الكهرباء في البلاد، لتكون في المرتبة الثالثة.

وفي حين تمثّل زيادة إنتاج مزارع الرياح إلى أكثر من 10 آلاف ميغاواط خطوة كبيرة بتطوير مصادر الطاقة المتجددة في تركيا، فإن الطاقة الإنتاجية لمحطات الطاقة الكهرومائية تُعدّ أكبر مصدر للطاقة النظيفة في البلاد.

تحوّل الطاقة في تركيا

وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، فإن نحو 80% من قدرة الطاقة المتجددة التي ستُستخدم في تركيا، 2021-2026، ستكون من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وقد ضاعفت قدرة الطاقة المتجددة التي جهّزتها تركيا العام الماضي السعة المسجلة في عام 2019.

وتهتم تركيا بالتركيز على استدامة قطاع الطاقة، وتقليل انبعاثات الكربون، من أجل إنشاء اقتصاد حديث وتنافسي.

ويوصي الخبراء بإعادة النظر في دور محطات توليد الكهرباء المولّدة من فحم الليغنيت ضمن مستقبل منخفض الكربون وتحديد أهداف جديدة، لأن الانبعاثات الصادرة من قطاع الكهرباء في تركيا زادت بنسبة 43% في السنوات الـ10 الماضية.

وقد نوّعت تركيا موارد الطاقة لديها في السنوات الـ10 الماضية؛ إذ أظهرت الطاقة المتجددة، وخصوصًا الطاقة الكهرومائية والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، نموًا لافتًا في هذه المدة، إضافة إلى إحراز تقدّم ملموس في تحرير أسواق الطاقة وتعزيز أمن الطاقة.

الأهداف المناخية

كشف مؤتمر المناخ كوب 26، الذي عُقِد في مدينة غلاسكو، نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عن بطاقات قياس أداء المناخ لـ60 دولة، بما في ذلك تركيا والاتحاد الأوروبي.

وبموجب مؤشر المناخ لعام 2021، الذي نشرته المنظمتان البيئيتان “جيرمان ووتش” ومعهد “نيو كلايمت”، احتلّت تركيا المرتبة 42 في الترتيب العامّ.

وأُخِذَت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتطوير الطاقات المتجددة واستهلاك الطاقة ومعايير سياسة المناخ التي تتّبعها الحكومة في الحسبان، عند إنشاء القائمة التي تشمل الاتحاد الأوروبي و 60 دولة تنتج 92% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم.

وصُنِّفَت تركيا بين الدول ذات الأداء المنخفض في ترتيب القائمة.

علاوة على ذلك، احتلّت تركيا المرتبة 36، وأُدرِجَت مرة أخرى في عِداد البلدان ذات الأداء المنخفض، بتقييم منفصل أُجْرِي وفقًا لمعايير انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

وأشار التقييم إلى أنه، بالإضافة إلى البرازيل وتركيا وإندونيسيا، انضمت الهند هذا العام إلى دول مجموعة الـ20 ذات الأداء العالي في معيار الطاقة المتجددة، بينما تراجعت المملكة المتحدة من فئة الأداء العالي إلى فئة الأداء المتوسط.

وزاد استثمار تركيا في الطاقة المتجددة السنوات الأخيرة، لأنه يقلل من موارد الطاقة الأجنبية لتركيا.

ومع أن تركيا لم تحرز تقدمًا كبيرًا في معالجة تغير المناخ، فبوسعها إيلاء المزيد من الاهتمام بالطاقة المتجددة لاستخدامها بما يتماشى مع الأهداف البيئية، إذ سيؤدّي تنويع مصادر الطاقة دورًا مهمًا في سياسة الطاقة التركية.

من جهتها، يمكن لشركات الطاقة التركية أن تصبح مُصدِّرة للألواح الشمسية والتوربينات، وبوسع الحكومة التركية توفير المزيد من ظروف العمل من خلال زيادة الاستثمار في الطاقة النظيفة.

* أومود شوكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، مؤلف كتاب “دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001”.

المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى