حقّقت مشروعات الطاقة في المغرب طفرة هائلة عزّزت من قدرة الدولة الواقعة شمال أفريقيا على المنافسة إقليميًا ودوليًا، وإنجاز جانب كبير من خطط التحول والالتزامات المناخية الدولية.
ورغم مساحة التنوع الشاسعة التي حظيت بها مشروعات الطاقة في المغرب في الآونة الأخيرة، فإن التركيز -مؤخرًا- على 3 قطاعات بصورة محددة أبرز القدرات الفائقة للمملكة.
وتوافقت تلك المشروعات مع خطط مكافحة التغير المناخي التي تبناها المغرب، سواء قبيل قمة المناخ كوب 26 العام الماضي أو بعدها، لكن خطوات الرباط تجاه مشروعات الطاقة تواجه تحديات قد تُسهم في إبطائها.
أولًا: أبرز مشروعات الطاقة في المغرب
تفرّعت مشروعات الطاقة في المغرب لتغطي مجالات عدة أثبتت قدرتها على جذب الاستثمارات، إذ إنها تُشكل سوقًا واعدة في هذا الإطار، وفي التقرير التالي نرصد أبرز المشروعات في قطاعات (الكهرباء، والغاز، والنقل)، استعرضت صحيفة موروك وورلد نيوز جانبًا من تفاصيلها.
1. خط الربط الكهربائي مع بريطانيا
تلاقت الطموحات البريطانية الراغبة في توفير إمدادات الكهرباء النظيفة، لتلبية الطلب في ظل مراعاة الاعتبارات المناخية مع القدرات المغربية.
وتعتمد تقنية عمل مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا على مسارين، يهتم أحدهما بإنتاج الكهرباء النظيفة من خلال مصادر متجددة كمشروعات الرياح والطاقة الشمسية، والآخر يركّز على تقنيات تخزين البطاريات.
وتفصيليًا، تتعاون شركة “إكس لينكس” -ومقرها بريطانيا- مع الجهات المغربية المعنية من خلال استثمارات تصل إلى 21.9 مليار دولار لبناء منشأة تُسهم في تحقيق أهداف مشروع الربط وتوليد الكهرباء النظيفة وتخزينها تمتد إلى مساحة 1500 كيلومتر.
وتشمل الاستثمارات المغربية مع “إكس لينكس” إنشاء مزرعة للطاقة الشمسية بسعة تصل إلى 7 غيغاواط، ومزرعة لطاقة الرياح بسعة تصل إلى 3.5 غيغاواط، بالإضافة إلى إنشاء بطارية تخزين تتسع لقدرات تتراوح بين 5 و20 غيغاواط/ساعة.
وحول مسار المشروع، يمتد خط الربط الكهربائي -الذي يُعد ضمن أبرز مشروعات الطاقة في المغرب الآونة الأخيرة- بالساحل المغربي حتى بريطانيا مرورًا بإسبانيا والبرتغال وفرنسا.
وتُعد جهة كلميم واد نون -التي تشتهر بتوافر الطاقة المتجددة- نقطة انطلاق مشروع الربط الكهربائي من المغرب، وتوفر مرحلة التهيئة (التي تبدأ في 2025 وتمتد لعام 2027) إمدادات الكهرباء النظيفة لشمال مقاطعة ديفون جنوب غرب إنجلترا.
وخلال المرحلة الأولى من المشروع، تعكف “إكس لينكس” على مد 4 خطوط نقل بحرية (من طراز إتش في دي سي) يصل طولها إلى 3 آلاف و800 كيلومتر، تمهيدًا لتشغيلها مطلع 2027.
ويُوصف المشروع بأنه الأول من نوعه في العالم، ويملك لدى اكتماله القدرة على نقل 10.5 غيغاواط من الكهرباء النظيفة المُولدة عبر طاقة الرياح والطاقة الشمسية في المغرب، وفق الموقع الإلكتروني لشركة “إكس لينكس”.
وتوفّر إمدادات المشروع النظيفة كهرباء موثوقة بسعة 3.6 غيغاواط، لما يزيد على 20 ساعة يوميًا، بما يسمح بتزويد 7 ملايين منزل في بريطانيا بالكهرباء النظيفة، وتوفير 8% من الطلب على الكهرباء في المملكة المتحدة عام 2030.
2. خط الغاز المغربي- النيجيري
يُعد خط أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا امتدادًا لخط أنابيب غاز غرب أفريقيا الذي يربط بين دول: (بنين، وتوغو، وغانا)، ويمثّل الخط الإقليمي البري والبحري المرتقب وسيلة جديدة لنقل موارد الغاز النيجيري إلى 13 دولة تمتد في شمال أفريقيا وغربها.
ويكلّف مشروع أنبوب الغاز المغربي النيجيري -بوصفه أحد أبرز مشروعات الطاقة في المغرب- ما يصل إلى 25 مليار دولار، ويُتوقع بناؤه على مراحل تنتهي في غضون 25 عامًا.
وطُرح المشروع في ديسمبر/كانون الأول عام 2016، ويصل طوله -وفق الخطط الموضوعة- إلى 5 آلاف و660 كيلومترًا.
وبدأ المغرب ونيجيريا خطوات فعلية بالمشروع، إذ أكدت شركة وورلي الأسترالية أنها تعمل على إعداد دراسة للتصميم الهندسي الأولي للمشروع، حسبما أعلنت الشركة على موقعها الإلكتروني في 26 أبريل/شباط الماضي.
وتبدأ نقطة انطلاق أحد أبرز مشروعات الطاقة بالمغرب في الآونة الحالية من نيجيريا مرورًا بـ(بنين، وتوغو، وغانا، وساحل العاج، وليبيريا، وسيراليون، وغينيا، وغينيا بيساو، وغامبيا، والسنغال، وموريتانيا)، لينتهي في مدينة طنجة المغربية.
ورسميًا، اهتم رئيسا البلدين بتطوير موارد الغاز، فمن جهة تبنّى الرئيس النيجيري محمد بخاري مبادرة أُعلنت عام 2020 لتطوير الغاز خلال العقد الجاري، بهدف زيادة إنتاجه وتصديره، كما أبدى ملك المغرب محمد السادس رغبته بإنشاء سوق إقليمية للطاقة في غرب أفريقيا.
وبخلاف تعزيزه صادرات الغاز النيجيرية، يكتسب الخط أهمية بصفته أحد الأسلحة السياسية في المشهد الغربي وأسواق الطاقة عقب الغزو الروسي لأوكرانيا.
ويُشكل الخط مصدرًا محتملًا لتوفير إمدادات الغاز إلى أوروبا عبر إسبانيا، غير أن تلك الخطوة الطموحة أصبحت محل شك بإعلان أوروبا حاجتها إلى إمدادات “فورية” عقب اضطراب إمدادات الغاز الروسي وحرب أوكرانيا.
وسعت روسيا للالتفاف على العقوبات الغربية، والحفاظ على صدارتها بصفتها أبرز موردي الغاز إلى أوروبا، من خلال محاولتها التفاوض مع الجانب النيجيري وطرح شركات روسية إمكان استثمارها ومشاركتها بالمشروع.
ولمشروع أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا أهمية كبرى، سواء على الصعيد المغربي بإسهامه في تنويع مصادر الطاقة، أو على الصعيد الاجتماعي والمهني بالبلدان التي يمر بها الخط بتوفيره وظائف عدة، وتأمين إمدادات الكهرباء، حسبما نقلت صحيفة موروك وورلد نيوز عن الباحث المغربي محمد بودن.
ويرجح تلقي دراسات المرحلة الثانية من المشروع تمويلًا من صندوق أوبك للتنمية الدولية، بقيمة تصل إلى 14.3 مليون دولار أميركي، وفق ما نشرته شبكة التلفزيون الصيني “سي جي تي إن” مطلع الشهر الجاري.
3. مشروعات القطار فائق السرعة “البراق”
لم تكتفِ مشروعات الطاقة في المغرب بالتركيز على الكهرباء النظيفة والغاز فقط، وإنما امتدت -أيضًا- إلى قطاع النقل عبر مشروعات للقطار فائق السرعة أُطلق عليه “البراق”.
وخلال الآونة الأخيرة، نجح المغرب في مشروع خط سكك حديدية فائق السرعة يربط بين الدار البيضاء وطنجة، غير أن الرباط تسعى الآن لتطوير مشروع قطار آخر يربط بين مدينتي الدار البيضاء وأكادير.
وتبلغ تكلفة خط البراق الجديد بين الدار البيضاء وأغادير ما يصل إلى 7.5 مليار دولار، مع تخصيص مُشغل السكك الحديدية الوطني بالمغرب 848 مليون دولار لإجراء تحديثات على البنية التحتية للسكك الحديد حتى عام 2024.
اللافت للنظر أن تركيز مشروعات الطاقة في المغرب لم ينصب على طرح قطارات من شأنها زيادة السرعة واختزال المسافات بين المدن المحلية فقط، إنما امتد لتشغيله عبر إمدادات الطاقة المتجددة النظيفة.
وأعلن مُشغل السكك الحديدية الوطني بالمغرب -قبل أشهر- بدء اعتماد قطارات “البراق” فائقة السرعة على موارد الطاقة المتجددة، ضمن خطط خفض انبعاثات الكربون من قطاع النقل.
وحول الجدول الزمني لإقرار اعتماد أحد أبرز مشروعات الطاقة في المغرب بقطاع النقل على الموارد المتجددة، يُخطط مكتب السكك الحديدية لاستبدال الوقود المستمد من المصادر الأحفورية بنسبة 25% العام الجاري، ترتفع إلى 50% عام 2023 المقبل، ليتحوّل بعدها إلى الاعتماد الكامل بنسبة 100%.
ويسمح التحول إلى مصادر متجددة بصفتها وقودًا بخفض الانبعاثات بما يصل إلى 120 ألف طن سنويًا، ما يعادل زراعة 4 ملايين شجرة، حسب ما نشرته صحيفة إنرجي كابيتال آند باور حينها.
ويُتيح تحول البراق للاعتماد على مصادر متجددة بحصده لقب أول القطارات فائقة السرعة التي تُشغّل بالاعتماد على موارد الطاقة المتجددة، كما يفتح البراق بهذا التحول المجال أمام الدول الأفريقية للتركيز على تخلي قطاع النقل عن انبعاثاته.
ثانيًا: تحديات تعرقل مسيرة التطور
لا تخلو رحلة إنجازات مشروعات الطاقة في المغرب من مواجهتها تحديات عدة، قد تعطّل استمرار مشروعاته الجارية، أو الخطط والمبادرات التي ما زال يحملها في جعبته لتواكب خطط انتقال الطاقة ومكافحة تغير المناخ، وتتلخص أبرز تلك التحديات في التمويل، ومظاهر تغير المناخ.
التحدي الأول: التمويل
انطلاق الخطط الطموحة وتسارعها لدعم مشروعات الطاقة في المغرب وتزامنها بالآونة ذاتها خلال مدة زمنية متقاربة قد يدفع نحو تزايد شكوك توفير التمويل اللازم لها.
فعلى مدار السنوات الـ10 الماضية، أنجزت الرباط توسعات هائلة نجحت في جذب الاستثمارات الدولية، لكن مواصلة النهج ذاته يتطلب توافر ميزانية ضخمة، خاصة أن غالبية تلك المشروعات تعكس حرص المغرب على خفض الانبعاثات وعدم الانحراف عن مسارات انتقال الطاقة.
فعلى سبيل المثال، يواجه قطاع الغاز المغربي لا سيما مُشغلو حقلي الغاز (تندرارة، وأنشوا) ذوي الإمكانات الهائلة عقبة كبرى، إذ أشار المُحلل في غلوبال داتا سانتياغو فاريلا إلى أنه رغم ما تُشكّله موارد الحقلين من عناصر جذب فإن هناك شكوكًا حول قدرة المشغلين الحاليين على مواصلة توفير التمويل.
التحدي الثاني: مظاهر تغير المناخ
رغم أن المغرب أسّس لنفسه مكانًا ضمن الدول الرائدة مناخيًا وبذل جهودًا في مشروعات الطاقة النظيفة والمتجددة، غير أن موقعه الجغرافي في بقعة ساخنة سمح بتعرضه لآثار التغير المناخي بمعدلات أكبر من غيره، التي عملت بدورها على نمو الطلب على الكهرباء.
ومن جانب آخر، يُسهم حرق الوقود الأحفوري لإنتاج الفحم والكهرباء في زيادة الانبعاثات بالمغرب رغم أنه ما زال يُنتج معدلات انبعاثات منخفضة بالمقارنة بالدول المتقدمة الأخرى.
وتعهّد المغرب خلال قمة المناخ كوب 26 التي انعقدت في نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، بعدم بناء كهرباء محطات عاملة بالفحم، وهي خطوة مهمة لبلد يعتمد على توليد الكهرباء من الفحم بنسبة 40%، وفق ما ورد بتقرير لشبكة “بي بي سي”.
وتدفع آثار التغير المناخي نحو عرقلة مشروعات الطاقة في المغرب، بالنظر إلى أن تداعياته من الجفاف ونقص المياه تؤثر في سير عمل بعض تلك المشروعات مثل محطة نور للطاقة الشمسية.
المصدر: الطاقة