في الوقت الذي يتسارع فيه العالم نحو التحول إلى المركبات الكهربائية، تبرز السيارات ذاتية القيادية أحدَ حلول مستقبل التنقل الذكي، خلال السنوات المقبلة.
السعودية واحدة من الدول التي أعطت اهتمامًا كبيرًا لتقنيات الذكاء الاصطناعي، وتعمل على إدخال التطور التقني في مختلف نواحي الحياة، فمع الخطط الطموحة لتنويع اقتصاد المملكة وتطويرها، لن يكون من المستبعد أن ترى خلال السنوات المقبلة السيارات ذاتية القيادة وهي تتجول في شوارع الرياض وجدة وغيرها من المدن.
وحددت جمعية مهندسي السيارات العالمية مستويات السيارات ذاتية القيادة ما بين (0 إلى 5)، وظهر حاليًا في بعض دول العالم أنواع من السيارات الكهربائية التي تتوفر فيها تقنيات خدمة القيادة الذاتية بمستويات وصلت إلى المستوى الرابع، وتعمل كبرى شركات صناعة السيارات في العالم على الوصول إلى المستوى الخامس الذي يجعل القيادة ذاتية التحكم دون أيّ تدخّل بشري، حسبما ذكرت وكالة الأنباء السعودية “واس”.
قيادة السيارات الذاتية
قالت الجمعية في إصدار للهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي “سدايا”، إن السائق يقود المركبة من المستوى صفر إلى المستوى الثاني عند تشغيل ميزات دعم السائق، حتى وإن لم يوجّه المركبة وقدمه بعيدة عن دوّاسات الوقود، علاوة على الإشراف على الميزات الداعمة، وتوجيه المقود، والتحكم في السرعة حسب الحاجة، للحفاظ على السلامة.
وأضافت الجمعية أنه خلال تشغيل السيارات ذاتية القيادة من المستوى 3 إلى 5 لا يوجد حاجة لقيادة السائق للمركبة، حتى وإن كان جالسًا على مقعد السائق، في حين قد يطلب النظام من السائق في المستوى 3 قيادة المركبة، أمّا في المستويين 4 و5 فإن النظام لا يطلب من السائق قيادة المركبة أبدًا؛ لأنه يقودها ذاتيًا، وهي المرحلة التي تعمل على الوصول إليها حاليًا كبرى شركات صناعة السيارات في العالم في ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة.
وإذا شهدت السيارات ذاتية القيادة تطورًا في تقنياتها وزيادة في إنتاجها وتسارعًا في اختباراتها واعتمادًا لسياساتها، فإنه من المتوقع أن تصبح آمنة وموثوقة بحلول عام 2035، ومتاحة تجاريًا في العالم عام 2030، وتشكّل نصف المبيعات الجديدة بعد عام 2045، لتكون في متناول الجميع بحلول عام 2050.
إستراتيجية السعودية
تشرف الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي على استخدامات تقنيات الذكاء الاصطناعي في المملكة واستشراف العمل بها، إذ تعمل “سدايا” حاليًا مع قطاع النقل لتحسين البنية التحتية للنقل، وتعزيز السلامة في مكوناته، ورفع كفاءة المواصلات، حسبما ورد في إصدارها الإلكتروني لشهر يناير/كانون الثاني 2022، بعنوان “المركبات ذاتية القيادة – تجارب وتحديات”.
وركّزت الإستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية في السعودية على تمكين القطاع من الاستفادة من التقنيات الحديثة لرفع جودة الحياة وزيادة الاستدامة، إذ تعمل وزارة النقل على عدّة مشروعات، من ضمنها وضع إطار تنظيمي خاص بتقنية السيارات ذاتية القيادة، وبدئ العمل في تجارب السيارات ذاتية القيادة لضمان جاهزية المملكة لتكون رائدة على مستوى المنطقة في هذه التقنيات.
من أجل ذلك، تعتزم الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي “سدايا” إقامة ورشة عمل الخميس المقبل، بالتنسيق مع وزارة الداخلية لمناقشة الوضع الحالي في المملكة والعالم والتجارب التي طُبِّقَت في السيارات ذاتية القيادة، والاستخدامات الممكنة وتحدّيات إدراج هذه المركبات بالمملكة، فضلًا عن بحث الممكنات التي نحتاجها لإنجاح المشروع، بمشاركة أكثر من 50 ممثلًا ومختصًا من الجهات الحكومية ذات العلاقة.
السيارات الكهربائية في السعودية
في هذا الإطار، وقّعت شركة “لوسِيد” للسيارات الكهربائية، التي يُسهم فيها صندوق الاستثمارات العامة السعودي، مؤخرًا، اتفاقية عن إنشاء أول مصنع لها في السعودية، بطاقة إنتاجية تبلغ 155 ألف سيارة سنويًا، وأكدت المملكة التزامها بشراء 50 ألف سيارة كهربائية مع إمكان شراء 100 ألف سيارة إضافية خلال السنوات الـ10 القادمة.
ومن المرجح البدء في تسليم مركبات المصنع الكهربائية في السوق السعودي خلال الربع الثاني من عام 2023.
وتعدّ الخطوة امتدادًا للعلاقة الاستثمارية الوثيقة التي بدأها صندوق الاستثمارات العامة مع مجموعة لوسيِد منذ عام 2018، والتي أسهمت بدعم جهود المملكة في قطاع صناعة السيارات الكهربائية ضمن إطار رؤية 2030، وتماشيًا مع إستراتيجية الصندوق في دفع عجلة التحول الاقتصادي للمملكة، وإطلاق قطاعات جديدة.
وإضافةً إلى محاولات صنّاع السيارات الكبار وعمالقة التقنية في العالم لإنجاز المستويات المتقدمة من صناعة “المركبات ذاتية القيادة”، فإن الدول الصناعية تتسابق على دعم المشروع وإتمام تجاربه، إذ سيُحدث ثورة ضخمة في عالم صناعة السيارات باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
مزايا السيارات ذاتية القيادة
تمتاز السيارات ذاتية القيادة بقدرتها على استشعار محيطها والتحرك بتحكم واكتفاء ذاتي، ما يجعلها تسهم بتخفيف الزحام المروري في الطرق، وتحسين جودة الحياة، وتحقيق أعلى درجات السلامة المرورية، وهذه مزايا اهتمت بها رؤية المملكة 2030 في إطار تطلعاتها في الاستفادة من مجالات التقنية والابتكار والعلوم، والحرص على أن تكون المملكة في مصافّ الدول الرائدة باستخدامات التقنيات الحديثة.
ويعتمد الذكاء الاصطناعي على مجموعة من الأساليب والطرق الجديدة في برمجة الأنظمة الحاسوبية التي يمكنها أن تُستخدَم في تطوير أنظمة تحاكي بعض عناصر ذكاء الإنسان، لكنه لا يلغي أهمية وجود العقل البشري في أيّ عملية يقوم بها، وهو إحدى التقنيات التي من المحتمل أن تغيّر التوازنات على الصعيد العالمي، كما ذكرت منظمة اليونسكو في رسالتها الدورية لعام 2018.
كان ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، قد أكد في كلمته خلال افتتاح أعمال القمة العالمية للذكاء الاصطناعي عام 2020، أهمية العمل للاستفادة من الذكاء الاصطناعي، وإطلاق أقصى إمكاناته في سبيل الارتقاء بالمجتمع والاقتصاد لتغدوَ المملكة نموذجًا للذكاء الاصطناعي في العالم.
منافسة بين الشركات
تختلف إمكانات الشركات الكبرى في تصنيع تقنيات هذه المركبات وأحجامها، في حين تعمل أكثر من 80 شركة متخصصة على تطوير تقنياتها، بعد أن جمعت من هذا المشروع، خلال عام 2021م، استثمارات قُدّرت بنحو 3 مليارات دولار، كما يعمل المصنّعون لهذه المركبات على معالجة التحديات التشريعية والتقنية والمجتمعية والتخطيطية التي تواجهها.
ووفقًا لمؤشر جاهزية الدول لهذه المركبات الصادر عام 2020م، فإن سنغافورة تحتلّ المركز الأول في تميزها بسياسات وتشريعات جودة الطرق، تليها هولندا؛ نظير تقدّمها في البنية التحتية، خاصة في معدل انتشار محطات شحن المركبات الكهربائية، ثم النرويج، التي حققت أعلى المعدلات في الحصة السوقية للسيارات الكهربائية، فأميركا؛ لتقدّمها في جوانب دعم التقنيات والابتكار ومجالات الحوسبة وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي.
المصدر: الطاقة – واقع إلكترونية