ارتفعت أسعار الزنك إلى أعلى مستوياتها في أكثر من 3 أسابيع اليوم الإثنين، ما سيسهم بدوره في ارتفاع أسعار السيارات الكهربائية بصفة خاصة، نظرًا لأهميته في الصناعة الآخذة في النمو.
إذ جرى تداول الزنك القياسي في بورصة لندن للمعادن بزيادة بنسبة 2.7% عند 3.948 دولارًا للطن، ولامست أسعار المعدن 3.995 دولارًا للطن، وهو أعلى سعر منذ 5 مايو/أيار الماضي.
وجاءت الزيادة في أسعار الزنك مدفوعة بتوقعات الطلب القوي في أعقاب تخفيف عمليات الإغلاق الناجمة عن فيروس كورونا في الصين -أكبر دولة مستهلكة-، فضلًا عن انخفاض المخزونات، وتراجع الدولار.
عوامل ارتفاع الأسعار
إلى جانب ارتفاع أسعار الزنك، شهدت المعادن الأخرى زيادات ملحوظة؛ إذ ارتفع النحاس بنسبة 0.7% إلى 9530 دولارًا، وزاد الألومنيوم 0.6% إلى 2890 دولارًا، حسبما نقلت منصة “فايننشال بوست”.
كما زاد الرصاص 1.1% إلى 2183.5 دولارًا، وارتفع القصدير 1.6% إلى 34.65 ألف دولار، وقفز النيكل 5.9% إلى 29.95 ألف دولار للطن.
وقال أحد التجار: “عاد التفاؤل بشأن الطلب الصيني إلى الظهور، ويبدو أن القيود ستُرفع تدريجيًا. لكن، في الحقيقة، قصة الزنك تدور حول المخزونات وخفض الإنتاج”، حسب رويترز.
فقد سُمح للمقيمين في منطقتين ببكين بالعودة إلى العمل، في حين اقتربت شنغهاي من رفع الإغلاق الناجم عن الجائحة بدءًا من يوم الأربعاء، إذ انخفض عدد الإصابات في جميع أنحاء الصين.
انخفاض مخزونات الزنك
من بين العوامل الرئيسة التي أدت إلى ارتفاع أسعار الزنك، هو انخفاض مخزونات المعدن في المستودعات المسجلة في بورصة لندن للمعادن إلى 84.7 ألف طن، عند أدنى مستوياتها منذ أبريل/نيسان 2020.
وتشير الضمانات الملغاة -التي تمثل المعدن المخصص للتسليم- بنسبة 48% إلى أن المزيد من الزنك من المقرر أن يغادر مستودعات بورصة لندن للمعادن.
كما تواجه أوروبا نقصًا حادًا في الزنك، إذ أدت تكاليف الطاقة العالية القياسية إلى خفض الإنتاج، بحسب المعلومات التي جمعتها منصة الطاق المتخصصة.
وتمثل أوروبا نحو 15% من الطاقة الإنتاجية العالمية للزنك المكرر، والتي تقدر بنحو 14 مليون طن في عام 2022.
وتبلغ مخزونات الزنك في مستودعات بورصة لندن للمعادن في أوروبا 225 طنًا، ولكن هناك 25 طنًا فقط من هذا الرقم متاحة في السوق.
عوامل أخرى لارتفاع أسعار الزنك
أدت المخاوف بشأن الإمدادات إلى زيادة قسط التأمين النقدي على عقد الزنك لمدة 3 أشهر، إلى 25 دولارًا للطن، مقارنةً بدولار واحد قبل أسبوعين.
كما تواجه أسعار الزنك مقاومة عند المتوسط المتحرك لمدة 50 يومًا والذي يقع حاليًا حول 4010 دولارات أميركية، في حين يأتي الدعم القوي من المتوسط المتحرك لـ100 يوم حول 3840 دولارًا.
إلى جانب ذلك، يجعل ضعف العملة الأميركية المعادن المقومة بالدولار أرخص لحاملي العملات الأخرى، ما قد يعزز الطلب على المعادن الصناعية.
أهمية الزنك واستخداماته
يلعب الزنك دورًا مهمًا في دعم تقنيات الطاقة النظيفة، إذ يمتلك قدرة فائقة على حماية المعادن من التآكل، إلى جانب إمكانية استخدامه في تخزين الكهرباء.
ويأتي الزنك بالمركز الرابع في قائمة أكثر المعادن استخدامًا، بعد الحديد والألومنيوم والنحاس، مع سوق تُقدر بنحو 40 مليار دولار سنويًا، حسبما جاء في تقرير اطلعت عليه منصة “الطاقة” المتخصصة.
وفي ظل التوجه إلى تسريع اعتماد السيارات الكهربائية، تُعد بطاريات الزنك أيون أكثر أمانًا من بطاريات الليثيوم أيون؛ ما يقضي بشكل فعّال على مشكلة الحرائق التي تؤرق الصناعة.
فضلًا عن ذلك، يستخدم المصنعون معدن الزنك في طلاء هياكل السيارات الكهربائية.
كما يسهم الزنك في تمكين التقنيات الخضراء الأخرى، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح؛ إذ تحمي الطلاءات المصنوعة من معدن الزنك، الألواح الشمسية وتوربينات الرياح من الصدأ.
اقرأ أيضًا: ارتفاع أسعار النيكل يهدد صناعة السيارات الكهربائية (تقرير)
أدت العقوبات على شركات النفط والغاز الروسية إلى ارتفاع أسعار الطاقة، لكن يبدو أن سوق السيارات الكهربائية ستتأثر في ظل ارتفاع أسعار النيكل، والتداعيات الاستثنائية التي شهدها العالم خلال اليومين الماضيين؛ إذ لجأت بورصة لندن للمعادن إلى إيقاف تداول النيكل لمدة غير محددة بعد ارتفاع الأسعار غير المنضبط.
وأدى الارتفاع غير المسبوق في أسعار النيكل ببورصة لندن للمعادن إلى تعطيل عمليات المنتجين والمصنّعين في الصين.
وأثار ذلك مخاوف مصنّعي السيارات الكهربائية؛ حيث يُعَد النيكل مكونًا رئيسًا في البطاريات، وأدى القلق إزاء ارتفاع أسعار المركبات إلى التفكير في استخدام الليثيوم بصفته بديلًا محتملًا.
الشركات الصينية في مأزق
خلال الأسبوع الماضي، أرسلت العديد من الشركات الصينية المنتجة والموردة لمركبات النيكل إلى عملائها تحذر من نقص في الإمدادات، وارتفاع في الأسعار، إلى جانب تباطؤ في قدرتها على قبول أو تلبية الطلبات.
وجاء ذلك بعدما وصلت أسعار عقد النيكل، يوم الثلاثاء الماضي 8 مارس/آذار، إلى 100 ألف دولار أميركي للطن المتري، ودفع ذلك بورصة لندن للمعادن إلى تعليق التداول.
وبذلك يكون سعر الإغلاق الأخير للعقود عند 48.078 دولارًا للطن المتري، يوم الإثنين الماضي 7 مارس/آذار؛ أي قرابة الضعف مقارنة بمستويات الأسبوع السابق، ولم تحدد البورصة موعد استئناف تداول النيكل مرة أخرى، حسب وول ستريت جورنال.
وأدى الغزو الروسي لأوكرانيا دورًا رئيسًا في ارتفاع الأسعار، وتأثيره ظهر واضحًا على الشركات العالمية والصينية، ولا سيما أن روسيا تُعَد رابع أكبر منتج للنيكل في العالم، وتُسهِم بقرابة 10% من الإنتاج العالمي.
ففي أستراليا، على سبيل المثال، قالت شركة “آي جي أوه”، اليوم الإثنين 14 مارس/آذار، إن صفقتها لشراء منجم للنيكل بقيمة 800 مليون دولار قد تتأخر بسبب الارتفاع الهائل في الأسعار.
وسبق لشركة “جيلين جيان نيكل إنداستري” -شركة منتجة لكبريتات وكلوريد النيكل ومقرها الصين- أن أخبرت عملاءها، يوم الأربعاء الماضي 9 مارس/آذار، باحتمال تعرضها لخسارة مالية بسبب الزيادة المفاجئة في تكاليف المواد الخام المستوردة، والتي تُحَدد وفقًا لأسعار النيكل في بورصة لندن للمعادن.
وأضافت الشركة المملوكة للقطاع الخاص أن الخسائر الفادحة لم يعد من الممكن تجنبها، وأبلغت العملاء بأنها ستسلم نصف الكميات المحددة من الطلبات المقبولة.
أما “ميركل أوتوميشن إنجينيرينغ”، وهي شركة لصناعة التشغيل الآلي ومقرها مدينة ووشي الصينية؛ فقد أخبرت المستثمرين بأنها قد تضطر إلى رفع أسعار منتجاتها حال استمرار ارتفاع أسعار النيكل.
في حين قررت شركة فوشون سبيشال للصلب ومقرها لياونينغ، التوقف عن قبول أي طلبات جديدة حتى تستقر الأسعار.
ومع تصاعد الأحداث، أعربت الجمعية الصينية لصناعة المعادن غير الحديدية، يوم الجمعة الماضي 11 مارس/آذار، عن قلقها إزاء ما سمّته “الارتفاع اللامنطقي” في أسعار النيكل ببورصة لندن للمعادن.
وتعتقد أن أسعار النيكل قد انحرفت بشدة عن القواعد، وتسببت في أضرار جسيمة للصناعات والشركات المتعلقة بسلاسل توريد النيكل العالمية.
وحاول المتحدث باسم الجمعية مواساة الشركات الصينية التي اضطرت إلى خفض الإنتاج والتوقف عن تلقي طلبات جديدة، وقال إن الحكومة الصينية دعّمت الشركات عندما ارتفعت أسعار بعض المعادن غير الحديدية، مثل النحاس والألومنيوم، العام الماضي، وأسهَم ذلك في حل مشكلاتها.
تداول النيكل
يستورد العديد من منتجي النيكل في الصين الخام من الخارج، ويعتمدون على أسعار بورصة لندن للمعادن المقيَّمة بالدولار الأميركي، معيارًا لعمليات الشراء.
وفي هذا الشأن، قال محللون في الصناعة إن الشركات تميل -أيضًا- إلى استخدام عقود النيكل الآجلة في بورصة لندن للمعادن لأغراض تحوطية.
ورغم وجود سوق للعقود الآجلة للنيكل في بورصة شنغهاي فيوتشرز إكستشينج؛ فإن التداول داخل البلاد مقيَّم بعملة الصين، اليوان، ويرى التجار أن السوق صغيرة وأقل سيولة من نظيرتها البريطانية.
واستمر تداول النيكل في شنغهاي، خلال الأسبوع الماضي؛ حيث توقف لمدة يوم واحد بعد ارتفاع الأسعار عن الحد الأقصى المسموح به.
ووصلت عقود النيكل إلى 42.225 دولارًا للطن المتري، يوم الأربعاء الماضي 9 مارس/آذار، قبل أن ينخفض إلى 32.624 دولارًا.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، عملت البنوك والسماسرة العالميون على حل الأزمة؛ ومن بينهم مجموعة “تسينغشان هولدينغ غروب” الصينية العملاقة، التي تمتلك صفقات بيع ضخمة في العقود الآجلة للنيكل ببورصة لندن، وأصبحت في مأزق وتواجه خسائر بمليارات الدولارات في السوق بعد ارتفاع الأسعار.
هل سوق السيارات الكهربائية في خطر؟
تسببت الزيادة الحادة في إلحاق الضرر بسوق النيكل العالمية والصناعات المرتبطة بها.
ويُعَد ذلك أمرًا مهمًا لصناعة السيارات الكهربائية؛ لأن النيكل عنصرًا رئيسًا في صناعة بطاريات الليثيوم أيون.
ويشعر المحللون والمستثمرون بالقلق إزاء البرامج الطموحة لإنتاج السيارات الكهربائية في جميع أنحاء العالم؛ ففي حال استمرار سعر النيكل في الارتفاع بالمعدل نفسه؛ فمن المحتمل أن يعني ذلك ارتفاع تكلفة السيارات الكهربائية.
وربما بدأ يظهر أثر ذلك عندما قامت شركة تيسلا الأميركية بمراجعة أسعار طرازي “3” و”واي”، وزادت أسعار الطرازات بعيدة المدى بمقدار 1000 دولار، وفقًا لموقع إلكتريك.
وسبق للشركات المصنعة للمركبات الكهربائية أن رفعت الأسعار، خلال العام الماضي، بسبب قيود سلاسل التوريد الناجمة عن جائحة كورونا.
ورغم أنه لم يتضح ما إذا كان هناك ارتباط بين أسعار النيكل وارتفاع أسعار تيسلا؛ فإن الموقع أشار إلى أن الشركة الأميركية رفعت فقط أسعار السيارات التي تعمل ببطاريات النيكل.
وأيّد هذه الأفكار المحللون في مؤسسة مورغان ستانلي للخدمات المالية، ويرون أن أسعار النيكل قد تضيف 1000 دولار لإنتاج السيارات الكهربائية.
وأشارت المؤسسة إلى أنها كانت تتوقع عجزًا في النيكل بحلول عام 2026، وسيستمر في النمو حتى نهاية العقد، وكان ذلك قبل الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتقول المؤسسة إنه حان الوقت للمستثمرين لتقليل توقعات أرباح شركات السيارات؛ إذ تخطط شركة فورد لإنتاج مليوني مركبة كهربائية سنويًا بحلول عام 2026، وتهدف شركة جنرال موتورز إلى بيع مليون مركبة كهربائية بحلول منتصف العقد، وإطلاق 30 نموذجًا.
بينما تخطط ستيلانتس لبيع 5 ملايين مركبة بحلول نهاية العام، إلى جانب إنتاج شركة تيسلا البالغ مليون وحدة.
ويبقي السؤال: كيف يمكن لشركات صناعة السيارات زيادة العرض في غضون بضع سنوات فقط في ظل حدوث أزمات للمكونات الرئيسة؟
وأحد الحلول التي طرحتها مؤسسة مورغان ستانلي هو الاستفادة من بطاريات فوسفات الحديد الليثيوم؛ لأنها لا تعتمد على النيكل، لكن العيب الوحيد هو أن هذه البطاريات أقل كفاءة مقارنة ببطاريات النيكل.
المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية