كهرباء لمدى الحياة ..هل توليد الطاقة النظيفة في الفضاء ونقلها إلى الأرض بات وشيكًا؟
يومًا بعد الآخر تتطور تقنيات إنتاج الطاقة، فلم يعد الأمر قاصرًا على الأرض فقط، وإنما تعدى ذلك إلى إمكان توليد الكهرباء في الفضاء، من خلال الاستعانة بمحطات الطاقة الشمسية.
وللوهلة الأولى، قد يبدو توليد الكهرباء في الفضاء من خلال وضع محطة للطاقة الشمسية نوعًا من الخيال، لكنه ليس كذلك الآن.
وربما كانت الفكرة نوعًا من الخيال العلمي فيما مضى، إذ وصف عميد الخيال العلمي الأديب الأميركي إسحاق أسيموف عالمًا حصد فيه البشر الطاقة الشمسية من الفضاء، حسبما ورد في قصته القصيرة “ريزون” عام 1941.
حينذاك، تصوّر إسحاق أسيموف أن الألواح الشمسية العملاقة، التي تدور حول الأرض، قد بعثت الطاقة المتجددة عبر موجات الراديو.
أما الآن، بعد مرور 80 عامًا، فقد تصبح رؤية أسيموف حول توليد الكهرباء في القضاء حقيقة واقعة، وفقًا لما نشر موقع “إنرجي مونيتور” في 26 مايو/أيار الجاري.
وتدرس الحكومة البريطانية مشروعًا بقيمة 16 مليار جنيه إسترليني (20.18 مليار دولار) لوضع محطة طاقة شمسية في الفضاء.
الطاقة الشمسية الفضائية
في مارس/آذار 2022، كشف وزير العلوم البريطاني، جورج فريمان، عن أن الحكومة تدرس مقترحًا بقيمة 16 مليار جنيه إسترليني (20.11 مليار دولار أميركي) لتوليد الكهرباء في الفضاء، باستخدام الطاقة الشمسية الفضائية التي تُعدّ واحدة من التقنيات في محفظة الابتكار الحكومية “نت زيرو”.
وتقدر شركة الحلول الهندسية والأنظمة والتكنولوجيا المبتكرة فرايزر ناش البريطانية أن هناك مساحة في المدار لأقمار الطاقة الشمسية لتوفير أكثر من 100% من متطلبات الطاقة المتوقعة في العالم في عام 2050.
ووصف تقرير -أعدته شركة فرايزر ناش مؤخرًا للسلطات البريطانية- الطاقة الشمسية الفضائية بأنها “واضحة ووفيرة وممكنة تقنيًا” بحلول عام 2040، ووصفها تحليل أميركي في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2021 بأنها تقنية إضافية متاحة للتعامل مع تغير الطقس المحلي.
وفرة الطاقة الشمسية على مدار الساعة
يمثّل نظام توليد الكهرباء في الفضاء من خلال مركبة فضائية ضخمة مجهزة بمجموعة منتشرة من الألواح الشمسية.
ويُجرى توليد الكهرباء في الفضاء من خلال الألواح الشمسية، وبعد ذلك تُرسل لاسلكيًا إلى الأرض باستخدام موجات الراديو عالية التردد.
وعند الاستقبال، يُستخدم هوائي أرضي، “مُقَوِّم”، لتحويل موجات الراديو إلى كهرباء، ثم تُنقل بعد ذلك إلى شبكة الكهرباء.
وتضيء الشمس محطة توليد الكهرباء من الفضاء من الطاقة الشمسية في المدار 24 ساعة يوميًا، وتُنتَج الكهرباء باستمرار.
وتُعدّ السمة ميزة واضحة على الطاقات المتجددة القائمة على الأرض، التي تولد الكهرباء فقط عندما تهب الرياح وتشرق الشمس.
الطلب على الكهرباء
نظرًا إلى توقع زيادة الطلب العالمي على الطاقة بنحو 50% بحلول عام 2050، يمكن أن يكون توليد الكهرباء في الفضاء أساسيًا للمساعدة في تلبية الطلب المتزايد على قطاع الطاقة في العالم ومعالجة ارتفاع درجة الحرارة العالمية، حسبما أشارت رئيسة قسم الهندسة الميكانيكية وهندسة التصميم في جامعة بورتسموث، جوفانا رادولوفيتش.
وعلى الرغم من أنها ليست تقنية جديدة، فإن الإنجازات المتميزة الأخيرة جعلت توليد الكهرباء في الفضاء من خلال المحطة الشمسية أقرب إلى الواقع.
وقال مدير أعمال الفضاء في شركة فرايزر ناش، رئيس مبادرة الطاقة الفضائية (إس إي آي) في بريطانيا، مارتن سولتاو، إنه حتى العقد الماضي، جرى تجاهل تقنية توليد الكهرباء في الفضاء عبر الطاقة الشمسية الفضائية باعتبارها غير اقتصادية، ويرجع ذلك أساسًا إلى التكلفة الباهظة لإطلاق الأقمار الصناعية.
وأضاف أن تغيرًا جذريًا حصل حينما عرضت شركة سبيس إكسبلورشين تكنولوجيز الأميركية صواريخ قابلة لإعادة الاستخدام وانخفضت تكلفة الإطلاق بنسبة 90%.
وتمثل بعض أحدث تصميمات الأقمار الصناعية للألواح الشمسية وحدات معيارية فائضة -بالتالي فهي مناسبة للتصنيع بالجملة- ما يقلل بشكل كبير من تكلفة الأجهزة، إذ تطورت التقنيات ذات الصلة مثل الروبوتات المستقلة والتجميع في الفضاء بشكل كبير.
وأوضح سولتاو أن كل ذلك يتعدى الإصرار المتزايد على تحقيق الحياد الكربوني وإدراك أنه سيكون من الصعب جدًا تحقيقه باستخدام التقنيات الحالية.
وأشار إلى أن تراكم كل هذه المشكلات معًا في الوقت نفسه، تسبب في تجدد الاهتمام بتوليد الكهرباء في الفضاء عبر الطاقة الشمسية.
الطاقة النظيفة المُطْلقة
تُعدّ الطاقة الشمسية القائمة في الفضاء إحدى تقنيات الطاقة النظيفة المطلقة، إذ توجد مساحة في مدار لأقمار الصناعية التي تعمل بالطاقة الشمسية لتوفير أكثر من 100% من متطلبات الطاقة المتوقعة في العالم في عام 2050، وفقًا لتقرير شركة فرايزر ناش.
وسوف تندمج تقنيات توليد الكهرباء في الفضاء مع التقنيات المتقطعة مثل الرياح والطاقة الشمسية الأرضية لأنها قابلة للتوزيع -بمعنى آخر-، يمكنها الاستجابة بسرعة للطلب المتغير الناجم عن الإنتاج المتغير لمصادر الطاقة المتقطعة.
وسيكون لمحطة توليد الكهرباء في الفضاء من الطاقة الشمسية تأثير بيئي ضئيل نسبيًا، إذ تتوقع شركة فرايزر ناش أن تحتل البنية التحتية الأرضية الخاصة بها 8% فقط من مساحة مزرعة الرياح التقليدية للإنتاج نفسه، ويمكن -أيضًا- أن ترسو في الخارج.
ويمثل القمر الصناعي كاسيو بي إيه للطاقة الشمسية بقيمة 12.75 مليار جنيه إسترليني (16 مليار دولار)، نموذجًا أوليًا لتصميم الطاقة الشمسية عبر الأقمار الصناعية طورته شركة الهندسة البريطانية إنترناشونال إلكتريك، يستخدم تقنية الطاقة الشمسية المركزة.
وهذا يعني أن النموذج يحتاج إلى واحد على 6 آلاف من المساحة الكهروضوئية لمزرعة شمسية أرضية.
وأشار تقييم حديث لدورة حياة محطة توليد الكهرباء في الفضاء من الطاقة الشمسية، -أجرته جامعة ستراثكلايد في إسكتلندا-، إلى أن يكون للمحطة بصمة كربونية تبلغ 24 غرامًا من ثاني أكسيد الكربون لكل كيلوواط/ساعة، وهو ما يعادل نصف تلك الموجودة في الطاقة الشمسية الأرضية.
وفقًا لشركة فرايزر ناش، ستكون المحطة آمنة نسبيًا؛ وستؤمن التوجيه الصاعد المشفر والتوجيه الدقيق لألواح الطاقة الشمسية، وستبلغ ذروة شعاع موجات الراديو ربع كثافة شمس منتصف النهار.
وتوقعت شركة فرايزر ناش أن تبلغ تكلفة مستوية للكهرباء 26 جنيهًا إسترلينيًا لكل ميغاواط/ساعة، أي نحو ثلث تكلفة الطاقة النووية وأرخص من كل من طاقة الرياح والأرضية الشمسية.
سباق الفضاء العالمي الجديد
تستكشف مجموعة من الدول الصناعية إمكانات التكنولوجيا، ويعمل مشروع “سبيس سولار باور”، في الولايات المتحدة، على تطوير خلايا شمسية عالية الكفاءة بالإضافة إلى نظام تحويل ونقل للكهرباء مُحسَّن للاستخدام في الفضاء.
بدوره، اختبر مختبر الأبحاث البحرية الأميركية وحدة طاقة شمسية ونظام تحويل طاقة في الفضاء في عام 2020.
وقال مدير أعمال الفضاء في شركة فرايزر ناش، رئيس مبادرة الطاقة الفضائية (إس إي آي) في بريطانيا، مارتن سولتاو: إن الجيش الأميركي طور “وحدات الساندويتش”، التي تعد أحد العناصر الأساسية لأقمار الطاقة الشمسية، مضيفًا أن الجيش الأميركي أكمل عروض شعاع الطاقة حتى 1 كيلوواط وعلى مسافة ميل واحد.
من ناحيتها، أعلنت الصين -مؤخرًا- إحراز تقدم في محطة الطاقة الشمسية الفضائية “بيشان” لديها، وتهدف إلى الحصول على نظام عامل بحلول عام 2035.
وصمم الباحثون الصينيون نظامًا يسمى “أوميغا”، الذي من المفترض أن يكون قادرًا على توفير 2 غيغاواط من الكهرباء لشبكة البلاد بحلول عام 2050.
وتعمل وكالة الفضاء اليابانية على تصميم نظام للطاقة الشمسية الفضائية، وتخطط لإظهار توجيه حزمة الكهرباء من الفضاء لعام 2025.
ومن المحتمل أن تكون اليابان الدولة الرائدة عالميًا في مجال توجيه موجة الكهرباء، بفضل برنامج تقوده الحكومة وسياسة وطنية معلنة لتطوير التكنولوجيا.
تمويل مشروعات الفضاء
تتطلع وكالة الفضاء الأوروبية إلى تمويل مشروعات توليد الكهرباء في الفضاء من خلال محطات الطاقة الشمسية الفضائية، وفي بريطانيا، جرى اعتبار نظام الطاقة الفضائية المقترح بقيمة 16 مليار جنيه إسترليني مفهومًا قابلاً للتطبيق بناءً على أبحاث شركة فرايزر ناشالأخيرة.
وعند إرساء المشروع، من المتوقع أن يبدأ بتجارب صغيرة، بهدف إنشاء محطة تشغيلية للطاقة الشمسية الفضائية في عام 2040.
وقال سلتاو إن افتراض التشغيل يقتضي أن يكون لدى بريطانيا 15 قمرًا صناعيًا للطاقة الشمسية بحلول عام 2050، كل منها يوفر 2 غيغاواط للشبكة.
وقالت المحاضرة لدى جامعة بورتسموث، جوفانا رادولوفيتش: إنه نظرًا إلى التكاليف الأولية المرتفعة وبطء العائد على الاستثمار، سيحتاج المشروع إلى موارد حكومية كبيرة بالإضافة إلى استثمارات من الشركات الخاصة.
اقرأ أيضًا: صناعة خلايا الطاقة الشمسية على سطح القمر.. هل تتحقق المعجزة؟
يبدو أن الطاقة الشمسية ينتظرها مستقبل واعد على سطح القمر، بعدما زادت فاعليتها على كوكب الأرض خلال الأعوام الماضية.
وفي محاولة للاستفادة من نجاحاتها، يعمل مجموعة من العلماء في إستونيا على دراسة بلورات معدن البيريت -المشهور باسم الذهب الكاذب- واستخدامها لتصنيع الخلايا الشمسية.
ومن المقرر استخدام نتائج هذه الأنشطة البحثية لتوفير الكهرباء لقاعدة قمرية مستقبلية تابعة لوكالة الفضاء الأوروبية وشركائها الدوليين.
الطاقة الشمسية على القمر
ستؤدي الطاقة الشمسية دورًا رئيسًا في المستقبل لتشغيل المهمات الفضائية طويلة المدى، وتلبية احتياجات الوجود البشري على سطح القمر أو المريخ.
ومع أن ذلك قد يبدو خيالاً لبعضهم، فإن مهمة العثور على مواد فاعلة لصنع الخلايا الشمسية أُسندت إلى مجموعة من العلماء بوكالة الفضاء الأوروبية، بحسب ما نشره موقع بي في ماغازين.
ويعكف باحثون من جامعة تالين للتكنولوجيا في إستونيا -حاليًا- على دراسة بلورة دقيقة من بيريت الحديد، بوصفها مادة جديدة لإنتاج الخلايا الشمسية.
والسبب الرئيس لاهتمامهم بهذه المادة لا يرجع إلى كفاءتها أو فاعليتها أو تكلفتها، وإنما إلى وفرتها على سطح القمر والمريخ.
وقالت رئيسة معمل مواد الطاقة الشمسية بالجامعة، ماريت كوك كوزيك، إن الباحثين يعملون على تقنية خلايا الرقائق الأحادية لغرض التطبيقات الأرضية منذ عقدين، وبدأت وكالة الفضاء الأوروبية تهتم بالبحث منذ 6 سنوات، عندما وجدوا أن التقنية واعدة للتطبيقات الفضائية.
وكان الهدف من أول مشروع تعاوني هو اختبار مدى كفاءة التقنية وقدرتها على تحمّل بيئة الفضاء.
وبعد اجتياز الاختبارات، نشأت فكرة استخدام التقنية في تشغيل قاعدة قمرية مستقبلية، وكان الهدف هو استخدام المواد المتاحة في التربة القمرية.
وقدّم العلماء خلية شمسية تشبه ورق الصنفرة تحتوي على آلاف البلورات الدقيقة بقطر 50 ميكرومتر مثبتة داخل بوليمر، في رقاقة واحدة متصلة، وتعمل هذه البلورات على امتصاص أشعة الشمس.
بعد ذلك، تُغلف هذه البلورات بطبقات عازلة ونافذة، وبهذه الطريقة تعمل كل بلورة بصفة خلية شمسية مستقلة وتولد الكهرباء.
استيطان القمر
قال مهندس التصنيع في وكالة الفضاء الأوروبية، أدفينيت ماكايا: “نحن ندرس دور هذه البلورات الدقيقة على نحو يدعم استيطان القمر في المستقبل”.
وتابع: “يجب أن تكون القاعدة القمرية في المستقبل بعيدة عن الأرض لتحقيق التنمية المستدامة، ويمكن الحصول على الحديد والكبريت اللازمين لإنتاج البيريت مباشرة من سطح القمر”.
وأشار إلى أن نطاق المشروع بصدد استكشاف الإمكانات التقنية المتاحة للاستيطان على سطح القمر وتحديد موقع الموارد.
وأوضح العالم تافي روديك أن الهدف هو تطوير تقنية نمو بلورات البيريت الدقيقة وتطبيقها على خلايا رقائق أحادية، إذ تعمل كل بلورة دقيقة بوصفها خلية شمسية مستقلة.
وقال: “مقدار الكهرباء المولدة بوساطة خلية شمسية صغيرة ضئيل، لكن مع تركيب وحدة بحجم عادي، سيتوفر مليارات من هذه البطاريات، ومبدئيًا لا يوجد قيود على الحجم والشكل.. بالإضافة إلى ذلك، هدفنا هو جمع الموارد الضرورية على سطح القمر في بيئتها الأصلية”.
استخلاص النحاس قد يكون كلمة السر في صناعة الطاقة الشمسية (تقرير)
ويعدّ عامل الإمداد بالكهرباء مهمًا في اختيار موقع القاعدة القمرية المستقبلية، ولاحظ الباحثون أن القطب الجنوبي للقمر هو الأنسب لتركيب الطاقة الشمسية، إذ ستكون متاحة باستمرار تقريبًا.
وستموّل جامعة تالين ووكالة الفضاء الأوروبية أطروحة لدراسة معدن بيريت، ومدى ملاءمته للاستخدام على المدى الطويل في البيئات الصعبة خارج الغلاف الجوي للأرض.
المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية