وداعاً للغطرسة الروسية.. إعادة فتح أكبر مواقع تخزين الغاز البريطانية ردًا على اضطراب إمدادات روسيا

تسعى بريطانيا بشتى الطرق لضمان توفير الإمدادات اللازمة لعمليات تخزين الغاز خلال الآونة الحالية، لا سيما أن غالبية دول القارة الأوروبية تعزّز مخزوناتها خلال فصل الصيف، استعدادًا لتلبية الطلب المتنامي في الشتاء.

وانعكس اضطراب إمدادات الغاز الروسية على خطوات انتقال الطاقة في بريطانيا، إذ تخوض الحكومة مباحثات مع الشركة المالكة لإعادة فتح أكبر مواقع تخزين الغاز في المملكة المتحدة.

وجاءت تلك الخطوة بعدما تسبّب قرار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بإلزام الدول “غير الصديقة” بالدفع بالروبل مقابل الغاز، ما أدى إلى وقف الإمدادات عن كل من: بولندا وبلغاريا وهولندا، لرفضها الاستجابة إلى طلب تغيير عملة الدفع.

وتخشى دول أوروبية عدة تأثير تداعيات انقطاع الإمدادات الروسية على أسعار الغاز في الأسواق العالمية، لا سيما في ظل زيادة الطلب المتوقعة خلال الشتاء.

مخاوف نقص الإمدادات

تدرس بريطانيا إعادة فتح أكبر مواقع تخزين الغاز في البلاد “راف” خلال شهر، ويخوض وزير الأعمال، كواسي كوارتنغ، مباحثات حول خطط التشغيل وبدء التخزين مع شركة سنتريكا المالكة للموقع.


وتهدف الحكومة من تلك الخطوة إلى إنقاذ ما يقرب من 6 ملايين أسرة بريطانية من خطر انقطاع التيار الكهربائي خلال فصل الشتاء، وفق ما نقلته صحيفة إنرجي فويس عن “ذي تليغراف”.

ويتزامن الاتجاه نحو فتح أكبر مواقع تخزين الغاز في البلاد مع إجراءات أخرى من شأنها ضبط معدلات الاستهلاك وتقنين حصص الكهرباء.

وعلى الصعيد الرسمي، استبعدت الحكومة البريطانية إمكان تعرُّض المستهلكين لنقص بالإمدادات، في حين عوّل باحثون على إعادة موقع تخزين الغاز “راف” لتوفير الإمداد.

وكان الأستاذ في جامعة وارويك، مايك برادشاو، قد طالب -في مارس/آذار الماضي- لجنة في مجلس العموم البريطاني بإعادة النظر في قضية تخزين الغاز، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

وأشار إلى أن المملكة المتحدة تفتقر إلى التخزين الإستراتيجي، إذ تعتمد على تخزين إمدادات ضئيلة لتلبية الطلب وضمان توازن السوق.

واقترح برادشاو إمكان الاستفادة من محطات الغاز المسال الـ3 بالبلاد بصفتها مواقع تخزين للغاز قصيرة المدى، لضمان مستويات أمن المخزونات في فصل الشتاء.

تحديات تُهدد التخزين في “راف”

يواجه أكبر مواقع تخزين الغاز في المملكة المتحدة “راف” تحديات تعوق خطط إعادة فتحه في غضون شهر، وتعود غالبية تلك التحديات إلى توفير الدعم الحكومي.

وكان موقع تخزين الغاز “راف” قد أُغلق عام 2017، بعدما عجزت الشركة المالكة سنتريكا عن توفير تكلفة التشغيل والتخزين دون دعم حكومي.

وتتطلّب خطط إعادة فتح الموقع توفير تكلفة تصل إلى ملياري جنيه إسترليني، وهو ما يدور ضمن مباحثات كوارتنغ مع مسؤولي الشركة المالكة التي علقت إعادة فتح “راف” على توافر الدعم من قبل الحكومة البريطانية.

وحول سعة تخزين الغاز في الموقع، كان “راف” يتسع في السابق لنحو 70% من سعة التخزين في البلاد، لكن إعادة فتحه في الساحل الشرقي لإنجلترا توفر لها إمدادات موثوقة لمدة 10 أيام خلال الشتاء المقبل.

(الجنيه الإسترليني = 1.26 دولارًا أميركيًا)

تأجيل خطط الهيدروجين


كانت المملكة المتحدة تُخطط للاستفادة مستقبلًا من أكبر مواقع تخزين الغاز في البلاد “راف” لتخزين الهيدروجين.

وأكد متحدث باسم الحكومة أن الغزو الروسي لأوكرانيا وتداعياته على أسواق الطاقة يفتح المجال أمام الخيارات كافّة، لضمان أمن الإمدادات ومن ضمنها عمليات تخزين الغاز، وفق ما نقلته وكالة بلومبرغ عنه دون الإفصاح عن اسمه.

وأضاف المتحدث أن هناك خططًا مستقبلية تتعلق بخيارات تخزين الطاقة النظيفة والهيدروجين ومواقعهما، غير أنه لم يتناول تفاصيلها بالحديث.

وتتزامن مساعي الحكومة البريطانية لتوفير مواقع يمكن الاستفادة منها في تخزين الغاز الطبيعي مع مواجهتها تحديات تتعلق بتكاليف المعيشة في ظل ارتفاع فواتير الطاقة.

وتوقعت إدارة أسواق الغاز والكهرباء الحكومية غير الوزارية تعرّض ما يقرب من 12 مليون أسرة لفقر الوقود، في ظل تجاوز الفواتير حاجز 2800 جنيه إسترليني في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ويترقب البريطانيون إسهام حزمة المساعدات التي أقرتها الحكومة الأسبوع الماضي بتخفيف وطأة أعباء فواتير الطاقة على المستهلكين.


جاهزية حكومية

على الجانب الآخر، أكدت وزارة الأعمال والطاقة والإستراتيجية الصناعية في المملكة المتحدة جاهزية الحكومة لأي سيناريوهات تتعلق بإمدادات الطاقة خلال فصل الشتاء المقبل.

ونفت الوزارة وجود أي تحديات تعوق إمدادات الغاز والكهرباء، مشيرة إلى استعداد الحكومة لأي سيناريوهات طارئة قد تواجهها، وفق ما نقلته ستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس عن بيان لها.

وتحفظت الوزارة على التطرق إلى الحديث عن طرح “تقنين” الاستهلاك بوصفه أحد خيارات ضمان توفير إمدادات الطاقة خلال فصل الشتاء المقبل.

وفي 27 مايو/أيار الجاري، طالب وزير الأعمال كواسي كوارتينغ، الشبكة الوطنية “إسو” التي تعمل بمثابة موزع للكهرباء في أنحاء بريطانيا كافّة، بالتعاون مع محطات الكهرباء العاملة بالفحم، لضمان إمدادات مُولدة عبر مصادر لا تتعلق بالغاز.

واستكمالًا للخطط الحكومية للتخلص من سيطرة الإمدادات الروسية، لجأت الحكومة إلى الطاقة النووية بجانب تخزين الغاز ودعم محطات الفحم.

وتبحث الوزارة إمكان تمديد عمل محطة هينكلي بوينت بي للطاقة النووية -التي تبلغ سعتها 963 ميغاواط- بعدما كان مقررًا إغلاقها في يوليو/تموز المقبل.

اقرأ أيضاً: تخزين الغاز في أوروبا يشهد نشاطًا ملحوظًا وسط زيادة الاحتياطيات


زادت مستويات تخزين الغاز في أوروبا؛ إذ ضخت القارة المزيد من الإمدادات إلى منشآت التخزين تحت الأرض على مدار الأيام الماضية، وسط تعافي توليد الكهرباء من الرياح، وارتفاع درجة الحرارة في المنطقة.

وجاءت عمليات الضخ أيضًا وسط زيادة احتياطيات الغاز الطبيعي المسال في المحطات، وإمدادات الغاز النشطة من روسيا عبر طرق مختلفة، سواء عبر أوكرانيا، أو خطوط أنابيب الغاز يامال-أوروبا ونورد ستريم.

إلا أن سحب الغاز لا يزال يتجاوز حجم إعادة التعبئة بشكل طفيف، وفقًا للبيانات المقدمة من جمعية مشغلي البنية التحتية للغاز في أوروبا، والتي نقلتها وكالة “تاس” الروسية، اليوم الإثنين.

وفي 12 مارس/آذار، أُعيد ملء منشآت تخزين الغاز في أوروبا بمقدار 175 مليون متر مكعب، بينما بلغ سحب الغاز من منشآت التخزين الأوروبية، في اليوم نفسه، نحو 196 مليون متر مكعب.

وتجاوز ضخ الغاز أحجام السحب في البرتغال وبولندا وألمانيا وفرنسا وهولندا ولاتفيا.

أسعار الغاز في أوروبا

واصلت أسعار الغاز في أوروبا الانخفاض، الأسبوع الماضي، وسط إشارات إلى أن المحادثات لوقف الحرب في أوكرانيا قد تتقدم؛ ما يخفف التوترات بشأن قيود الإمدادات الروسية المحتملة.

ومن شأن أي تقدم في المفاوضات نحو وقف محتمل لإطلاق النار، أن يمنح سوق الغاز استراحة بعد الأسعار القياسية والتقلبات الكبيرة في الأسابيع القليلة الماضية، حسب وكالة “بلومبرغ”.

وانخفض سعر الغاز القياسي للشهر المقبل في هولندا بنسبة تصل إلى 16%، في حين تراجعت أسعار الكهرباء في شمال غرب أوروبا أيضًا بأكثر من 10%.

وانخفضت العقود الآجلة للغاز في الشهر التالي بنسبة 11% لتصل إلى 116.76 يورو لكل ميغاواط/ساعة، صباح اليوم الإثنين، على مؤشر آي سي إي في أمستردام. لقد تراجعت 32% الأسبوع الماضي.

كما تراجعت أسعار الكهرباء للشهر المقبل في ألمانيا -أكبر سوق في المنطقة- لليوم الخامس؛ إذ انخفضت بنسبة 12%، لتصل إلى 250 يورو لكل ميغاواط/ساعة.

الحاجة إلى الغاز في أوروبا

كانت تدفقات الغاز من روسيا -أكبر الموردين- عند مستويات طبيعية عبر أوكرانيا وعلى طرق أخرى، وقد ينخفض الطلب أيضًا بسبب وصول طقس أكثر اعتدالًا، بحسب بلومبرغ.

وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يخطط للحد من الواردات من روسيا بمقدار الثلثين هذا العام؛ فإن هناك حاجة ماسة للوقود لملء منشآت التخزين، التي تُعد عند مستويات تقترب من أدنى مستوياتها القياسية.

وتشير توقعات الطقس أيضًا إلى درجات حرارة أكثر اعتدالًا من المتوسط في شمال غرب أوروبا في الأسبوع المقبل.

كما أن وصول المزيد من السفن التي تحمل الغاز الطبيعي المسال إلى الموانئ الأوروبية سيعزز الإمدادات.

مستويات تخزين الغاز في أوروبا

انخفضت مستويات تخزين الغاز في أوروبا أقل مما كان يُخشى، بعد شتاء معتدل وتسليمات غير مسبوقة من الغاز الطبيعي المسال، إلا أن إعادة التعبئة ستكون تحديًا هذا الصيف، حسبما أكدت وكالة “رويترز”.

إذ تقل مستويات التخزين في شمال غرب أوروبا بنسبة 10% تقريبًا عن أحجام 2021، وفقًا لبيانات أصدرتها شركة الاستشارات ريستاد إنرجي في شهر فبراير/شباط الماضي.

كما أظهرت بيانات منظمة مشغلي البنية التحتية للغاز في أوروبا -في ذلك الوقت- أن التخزين في جميع أنحاء أوروبا لا يزال عند أدنى مستوى له في 5 سنوات بنسبة 32.6%.

ويمتد موسم الغاز الشتوي من أكتوبر/تشرين الأول إلى مارس/آذار، ويبدأ موسم الغاز الصيفي في أبريل/نيسان، وعادةً ما تنخفض أسعار الغاز بالجملة والطلب عليه في موسم الصيف، ويذهب المزيد من الغاز إلى التخزين.

ومع ذلك؛ فإن هذا لم يحدث، العام الماضي، إذ كان المعروض العالمي شحيحًا بسبب ارتفاع الطلب الآسيوي على الغاز الطبيعي المسال وتدفقات خطوط أنابيب الغاز الروسية الأقل من المعتاد.

وكانت أسعار الجملة شديدة الارتفاع بشكل غير عادي لموسم الصيف، وقيدت ضخ الغاز في التخزين، ونتيجةً لذلك دخلت أوروبا الشتاء مع تخزين الغاز عند أدنى مستوياته منذ 10 سنوات على الأقل.

مقترح الاتحاد الأوروبي لتخزين الغاز

أظهرت مسودة وثيقة أن الاتحاد الأوروبي يقترح مطالبة الدول بملء مخزون الغاز الطبيعي قبل كل شتاء للمساعدة في تعزيز المخزونات والتعامل مع اضطرابات الإمدادات، حسب رويترز.

وقالت المفوضية -في مسودة الوثيقة التي تخضع للتغيير-: “تقترح المفوضية شرطًا قانونيًا على الدول الأعضاء لضمان حد أدنى من التخزين بحلول 30 سبتمبر/أيلول من كل عام”.

وأوضحت المفوضية أنه من غير المرجح أن تخزن الشركات ما يكفي من الغاز بناءً على حوافز السوق وحدها؛ إذ من المتوقع أن تظل أسعار الغاز مرتفعة على الأقل حتى نهاية هذا العام.

المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية

Exit mobile version