تقف المصافي الأوروبية اليوم بين مطرقة حظر النفط الروسي في القارّة العجوز، وسندان البحث عن مصادر بديلة.
وخلال الشهور الماضية، وجّهت هذه المصافي بوصلتها لمناطق بعيدة لتوفير النفط الخام، على رأسها الشرق الأوسط وأفريقيا، إلى جانب بحر الشمال.
وتتطلع المصافي الأوروبية لاستبدال الخام الروسي عن طريق درجات تدفّقت بقدر محدود إلى أوروبا في السنوات الأخيرة، وزيادة الصادرات من مصادر تستعين بها بانتظام، قبل شنّ موسكو حربها على أوكرانيا، حسب موقع إس آند بي غلوبال بلاتس (S&P Global Platts).
وفي ضوء ذلك، بدأت المصافي الأوروبية شراء شحنات من مناطق مثل أبوظبي وأنغولا، بالإضافة إلى كميات إضافية من بحر الشمال، ومن المتوقع أن تتسارع وتيرة هذا الاتجاه بعد اتفاق قادة الاتحاد الأوروبي حظر النفط الروسي المنقول بحرًا، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
فبعد موافقة المجر، قرر الاتحاد الأوروبي حظر قرابة 90% من واردات النفط الروسية، بحلول نهاية العام الجاري.
استعدادات المصافي الأوروبية
يحتلّ خام الأورال نصيب الأسد من الإمدادات النفطية الأوروبية، واستبعاده يمثّل تحديًا صعبًا للمصافي في أوروبا.
ففي مطلع مايو/أيار، كشفت شركة “بي كيه إن أورلن” البولندية عن استعداداها للامتثال لاقتراح الاتحاد الأوروبي بحظر واردات الخام الروسي في غضون 6 أشهر، بعد توقّفها عن شراء خام الأورال الروسي في السوق الفورية إثر غزو أوكرانيا.
وزادت عمليات الشراء الفورية من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وغرب أفريقيا والنرويج.
كما توقّفت مصفاة “أورلن ليتوفا” التابعة للشركة البولندية في ليتوانيا عن استلام أيّ شحنات روسية منذ نهاية مارس/آذار، وتخطط لمعالجة النفط السعودي فقط.
بالإضافة إلى ذلك، أكد عدد من المصافي الأوروبية أن النفط الخام من الشرق الأوسط بديل جيد لخام الأورال الروسي.
وقالت شركة “هيلينك بتروليوم” اليونانية، إن درجات الشرق الأوسط قد تحلّ محلّ الأورال الروسي، وسارعت بتأمين مصادر بديلة للنفط الخام، دون أن تتأثر وحداتها وإمدادات السوق.
وأوضحت أنها استفادة من مرونة المصافي لمعالجة أنواع مختلفة من النفط الخام، وحسن التعاون مع الدول المنتجة الأخرى.
الخيار الأول: الشرق الأوسط
بدأت مصافي التكرير الأوروبية تتسابق للاستفادة من درجات الشرق الأوسط؛ لتحلّ محلّ البراميل الروسية، وتلبية الطلب المتزايد.
ووفقًا للتجّار، أصبحت درجات الشرق الأوسط هي الرابح الأكبر، إذ اتجهت هذه المصافي لشراء المزيد من الخام الحامض.
ومع بدء اتجاه خام الأورال شرقًا، باتت درجات الخليج العربي بحاجة لإيجاد طريق آخر.
وحصلت المصافي الأوروبية على درجات الخليج العربي، ومن بينها خام مربان وخام زاكوم العلوي من أبوظبي، والخام العماني، وخام البصرة المتوسط من العراق.
كما يتوقع التجّار ارتفاع أسعار البيع الرسمية في الشرق الأوسط المتجهة إلى أوروبا، مع مواصلة بحث المصافي الأوروبية عن خام حامض بديل.
ومن المتوقع أن يشهد خام البصرة المتوسط والثقيل طلبًا قويًا في أوروبا بعد استبداله بخام الأورال الروسي، الذي يتميز بخصائص مماثلة.
وقال مسؤولون في شركة تسويق النفط سومو، إنها تعتزم تغيير مسار تدفقات الخام من آسيا إلى أوروبا، حسب تقارير إس آند بي غلوبال بلاتس، التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
وصرّح المدير العامّ للشركة العراقية، أمس الثلاثاء 31 مايو/أيار، أن الشركة تواصلت مع تجّار فرنسيين لتوفير إمدادات لأوروبا.
وخلال العام الماضي، تلقّت أوروبا قرابة 15% من صادرات النفط العراقية، أو 439 ألف برميل يوميًا، وفي مايو/أيار، بلغت الصادرات قرابة 390 ألف برميل يوميًا، أي نحو 12%.
وأظهرت بيانات كبلر أن آسيا حصلت على نصيب الأسد من إجمالي صادرات الخام العراقي في 2021، بنسبة 76%.
الخيار الثاني: أفريقيا
لفتت القارّة الأفريقية اهتمام المصافي الأوروبية -أيضًا-؛ كونها بديلًا لخام الأورال الروسي.
ويتجه خام غرب أفريقيا إلى أوروبا بدلًا من الهند والصين، إذ يسعى المشترون الآسيويون لاقتناص الخام الروسي بسعر رخيص.
وفي أبريل/نيسان، ارتفعت واردات الخام من غرب أفريقيا بنسبة 17%، وفقًا لبيانات شركة بترو-لوجيستيكس.
وخلال شهر مايو/أيار، بلغت الصادرات من أفريقيا إلى أوروبا نحو 660 ألف برميل يوميًا، كان أغلبها من نيجيريا، والكاميرون، وأنغولا.
وزادت التدفقات من أنغولا، وارتفعت الصادرات إلى أوروبا في مايو/أيار إلى 353 ألف برميل يوميًا، مقابل 318 ألف برميل يوميًا في أبريل/نيسان، وهو أعلى مستوى لها منذ أغسطس/آب 2016، حسب بيانات كبلر.
الخيار الثالث: بحر الشمال
في الوقت نفسه، غيّرت بعض المصافي الأوروبية بوصلتها إلى بحر الشمال.
واتجهت شركة بريم السويدية، التي كانت من أوائل الشركات التي توقّفت عن شراء الخام الروسي، لتوفير الإمدادات من النرويج وبحر الشمال، وفعلت شركة غروبا لوتس البولندية الشيء نفسه.
ورغم أن خام فورتيس ببحر الشمال لا يُقارن بخام الأورال الروسي، زاد الإقبال عليه من مصافي التكرير المحلية في الأيام الأخيرة، إذ تراجعت قيمته عن درجات أخرى، مثل إيكوفيسك.
وخلال 15-17 مايو/أيار، حملت ناقلة النفط كرونفيكن خام فورتيس، ونقلته إلى ميناء روستوك بألمانيا، إذ يوجد خط أنابيب يربط الميناء بمصفاة شفيدت في شمال شرق البلاد.
وقال المسؤلون، إن الوارادت المنقولة بحرًا عبر روستوك، وميناء غدانسك البولندي، يمكن أن تساعد في تغذية مصفاة شفيدت، التي اعتادت معالجة الخام الروسي بعد نقله من خط أنابيب دروجبا.
ومع ذلك، لم يُتخذ قرار بشأن الإمدادات إلى المصفاة فور فرض الحظر بحلول نهاية العام، وأعربت السلطات المحلية عن مخاوفها إزاء مستقبل المصفاة، وطالبت بإعفائها من الحظر حتى عام 2030، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
أمّا شركة توتال إنرجي، فتتوقع الاستغناء بالكامل عن الخام الروسي في 2023 داخل مصفاة ليونا بألمانيا، والتي تتلقى الإمدادات -أيضًا- من خط دروجبا.
وانخفضت الإمدادات من الخام الروسي إلى 550 ألف طن في مايو/أيار، مقارنة بـ800 ألف طن في فبراير/شباط، و900 ألف طن في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وأعلنت الشركة الفرنسية أنها حصلت على قرابة 700 ألف طن من خط أنابيب غدانسك لتغذية المصفاة، ومن المتوقع الحصول على الخام من أماكن أخرى، لكنها تتطلع لتوفير الإمدادات من بحر الشمال وأفريقيا.
في الوقت نفسه، كشفت الشركة أن الإمدادات البديلة ستزيد من التكلفة مقارنة بالخام الروسي.
بيد أن المصافي تتمتع بهوامش جيدة تحفّزها لدفع قيمة أعلى مقابل الخام من أيّ مكان آخر لاستئناف عملها.
في غضون ذلك، وفّرت مصفاتا التكرير الفرنسية فوس وغرافينشون -التابعتان لإكسون موبيل- إمدادات بديلة عقب غزو أوكرانيا، وقالت، إن أغلب الإمدادات في العام الماضي جاءت من الشرق الأوسط وأميركا الشمالية وأفريقيا وبحر الشمال.
اقرأ أيضًا: النفط العراقي يطرح نفسه بديلًا للخامات الروسية في أسواق أوروبا
قد تتزايد تدفقات النفط العراقي نحو أوروبا خلال المدة المقبلة، بعد توافق دول القارّة العجوز على خفض إمدادات الخام الروسية ردًا على غزو أوكرانيا.
وفي الوقت الذي يسعى فيه الاتحاد الأوروبي إلى تنويع الإمدادات بعيدًا عن موسكو، يبرز النفط العراقي، وخامات الشرق الأوسط، لتحتلّ نصيب الأسد لتلبية احتياجات دول الاتحاد.
وفي هذا الإطار، كشفت شركة تسويق النفط العراقية “سومو”، اليوم الثلاثاء، عن محادثات بين بغداد وباريس، حول إمكان قيام العراق بتزويد السوق الأوروبية بالنفط.
التطلع إلى السوق الأوروبية
قال مدير عامّ سومو، علاء الياسري، خلال استضافته في لجنة النفط والغاز والثروات الطبيعية النيابية، إن الشركة هي المسؤولة الوحيدة عن تصدير النفط واستيراد مشتقاته، موضحًا أن شركة التسويق هي حلقة وسطى بين وزارة النفط والجهات المستفيدة من النفط.
وأشار إلى إجراء محادثات مع الجهات الفرنسية المعنية بإمكان العراق تزويد السوق الأوروبية بالنفط.
تأتي تحركات بغداد في وقت بدأت فيه الأسواق الآسيوية، المستورد الرئيس للنفط العراقي، بزيادة وارداتها من الخامات الروسية، التي تعرض بأسعار مخفضة مقارنة بأسعار النفط من الشرق الأوسط.
وخلال الأشهر الـ3 الماضية، منذ بدء غزو أوكرانيا، زادت واردات الهند من موسكو بنحو 3 أضعاف، كما عززت المصافي الصينية وارداتها من الخامات الروسية.
قرارات أوبك
أكد المسؤول في شركة تسويق النفط العراقي أن بلاده ملتزمة بقرارات أوبك، مشيرًا إلى اهتمام سومو بالشركات الحكومية الهندية النفطية والصينية؛ لأنها تتعامل بعقد طويل الأمد، ولا يمكن للشركة أن تخسر عملاءها.
وأوضح أن الجهات المستهدفة للنفط الخام العراقي هي مصافي النفط، معبرًا عن أمله بدعم لجنة الطاقة النيابية لعمل الشركة.
كان وزير المالية العراقي، علي علاوي، قد أكد في تصريحات، مؤخرًا، أن بلاده غير قادرة على زيادة صادرات النفط استجابةً لارتفاع أسعار النفط وتعطّل الإمدادات بسبب روسيا، قائلًا: “من غير المحتمل أن نتمكن من تصدير المزيد، لكن يمكننا بالتأكيد استبدال واردات مشتقات النفط والغاز”.
كانت صادرات النفط العراقي قد سجلت 3.380 مليون برميل يوميًا خلال أبريل/نيسان الماضي، مقارنة بـ3.244 مليون برميل يوميًا خلال مارس/آذار الماضي.
المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية