على الرغم من امتلاكه برنامجًا ضخمًا للطاقة المتجددة، لم يُغفل المغرب الطاقة النووية ضمن خططه لتأمين الطلب المتنامي على الكهرباء خلال السنوات المقبلة.
وتعتزم المملكة الاستعانة بالطاقة النووية لتوفير احتياجاته من الكهرباء، إذ أجريت العديد من الدراسات خلال السنوات الماضية، استعدادًا لتنفيذ برنامج وطني لإنتاج الكهرباء من المحطات النووية.
وفي هذا الإطار، أكدت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، أن بلادها أجرت تقييمًا لاستخدام الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء سنة 2015، وأعدّت وزارتها تقريرا خلال العام الجاري من أجل تفعيل توصيات التقييم.
وأوضحت، خلال ردّها على أسئلة أعضاء مجلس المستشارين، أمس الثلاثاء، أن التقرير الذي أُعِدَّ يهمّ مجالات البنية التحتية اللازمة لاستعمال الطاقة النووية، والكفاءات البشرية، والجانب التشريعي.
الطاقة النووية في المغرب
أشارت ليلى بنعلي إلى أن المغرب لديه قاعدة مهمة من البيانات والخبرات في إطار الاستعدادات اللازمة من أجل اتخاذ قرار وطني لإنتاج الكهرباء من الطاقة النووية.
تأتي الدراسة المغربية بالتزامن مع مخاوف عدم كفاية مصادر الطاقة المتجددة من تأمين الطلب المتنامي على الكهرباء، وبالتزامن مع وقف تصدير الغاز الجزائري عبر الرباط، وعدم بدء الإنتاج من مشروعات الغاز المغربية.
كما يأتي الاهتمام بالطاقة النووية مع زيادة أسعار النفط والغاز، وتسجيلهما مستويات قياسية، وهو ما يرفع فاتورة توليد الكهرباء في المغرب.
وتوقّع المغرب أن تتسبّب زيادة أسعار النفط في ارتفاع فاتورة مشتريات الطاقة والمحروقات خلال العام الجاري، بنحو 25 مليار درهم (2.56 مليار دولار أميركي)، مقارنة بسنة 2021.
ويشكّل الوقود نسبة كبيرة في تكلفة إنتاج الكهرباء، إذ بلغت 44% خلال 2021، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 64% خلال 2022.
ويسعى المغرب إلى رفع حصة الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء الوطني إلى 52% بحلول عام 2030، منها 20% من المتوقع أن تأتي من الطاقة الشمسية، من 37% بحلول نهاية عام 2021.
الطاقة النووية في المغرب لتوليد الكهرباء
كان خبير اقتصادات وسياسات الطاقة، مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة، الدكتور أنس الحجي، قد أكد في تصريحات سابقة، أن الطاقة النووية حاليًا هي الحلّ الأساس لدول مثل المغرب والجزائر والسعودية ومصر، موضحًا أن هذه الدول في عام 2040 دون النووي ستعاني كارثة كبيرة؛ إذ إن هناك نموًا ضخمًا في السكان.
وأشار إلى أن الطاقة النووية تبرز حاليًا بصفتها حلًا للأزمة العالمية على المدى الطويل، بالإضافة إلى الحلول الأخرى، التي تشكّل “سلة كبيرة”.
وقال مستشار التحرير في منصة الطاقة المتخصصة، إن المغرب ليس لديه مصادر طاقة، ولن تكفي الطاقة المتجددة في المغرب على المدى الطويل.
وأوضح أن الرباط في حاجة إلى اكتشافات جديدة من الغاز، أو اللجوء إلى الطاقة النووية، أو الحلول الأخرى المتمثلة في خطوط أنابيب الغاز من أوروبا، وهذه مشكلة له.
ولفت إلى أن الزيادة الضخمة في النمو السكاني والنمو الاقتصادي، خاصة بعد عام 2035، ستؤدي إلى زيادة ضخمة في نمو الطلب على الطاقة، وهذا الطلب يحتاج إلى مصادر الطاقة البديلة؛ لأن مصادر الطاقة المتجددة لن تكون كافية، خاصة أنها متقطعة.
اقرأ أيضًا: اكتشافات الغاز في المغرب ترد على الباحث الفرنسي.. الحقيقة في باطن الأرض
في الوقت الذي شكك فيه عدد من الباحثين في إمكانات الرباط بمجال الهيدروكربونات، جاء إعلان اكتشافات الغاز في المغرب ليسكت العديد من الأفواه.
فمنذ إعلان وقف تصدير الغاز الجزائري -رسميًا- عبر الأراضي المغربية من خلال خط أنابيب المغرب العربي وأوروبا في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم يتوقف الحديث عن خطط الرباط لتأمين احتياجاتها من الغاز، وهل تنجح مشروعات التنقيب في وضع البلاد على خريطة الدول المنتجة للنفط والغاز.
وبالتزامن مع صدور تصريحات رسمية بالاستمرار في خطة اكتشافات الغاز في المغرب، خرجت رؤية صادمة من أحد الباحثين الفرنسيين تشكك في إمكان الاعتماد على الغاز المحلي لسد الطلب، المتوقع أن يشهد تناميًا خلال السنوات المقبلة.
تشكيك الباحث الفرنسي
قال الباحث الفرنسي فرانسيس بيرين -في مقابلة أجرتها صحيفة “ماروك إبدو” Maroc Hebdo الناطقة باللغة الفرنسية- إن الاعتماد على عملية التنقيب والاستكشاف يُعدّ “مخاطرة كبيرة”.
وأشار إلى أنه مع توقف إمدادات الغاز الجزائري، فقد خسر المغرب إمدادات الوقود اللازمة لتشغيل عدد من محطات الكهرباء، فضلًا عن حقوق النقل المرتبطة بمرور الغاز عبر أراضيه، وهو ما يجعله في حاجة إلى حلول سريعة لتلافي مشكلات التزوّد بالكهرباء
وأوضح بيرين -المتخصص في الطاقة، مدير الأبحاث في “أي آر أي إس” IRIS، وهي مؤسسة فكرية فرنسية تعمل على موضوعات جيوسياسية وإستراتيجية مستقلة- أنه “لحلّ المشكلة لا بد من الاتجاه إلى الاستثمار وتطوير الإستراتيجيات على المدى الطويل، أمّا على المدى القصير، فليس أمام المغرب إلّا خيار استيراد الوقود الأحفوري، ليحلّ محلّ الغاز الجزائري، أو استيراد الكهرباء من القارّة الأوروبية”.
وقال نصًا خلال حواره الصحفي: “هناك احتمال غير مؤكد طويل المدى باكتشاف حقول غاز جديدة في المغرب، ليس هناك ما يضمن حدوث ذلك، فالاعتماد على الاستكشاف هو مخاطرة كبيرة”.
حقل غاز أنشوا
لم تمر سوى 20 يومًا فقط على تصريحات الباحث الفرنسي، حتى جاء الرد من باطن الأرض، إذ أعلنت شركة شاريوت البريطانية في 10 يناير/كانون الثاني الجاري نتائج إيجابية بعد بدء الحفر في حقل أنشوا المغربي.
وقالت الشركة البريطانية إن أعمال التقييم والاستكشاف لبئر أنشوا-2، ضمن ترخيص “ليكسوس” قبالة الساحل المغربي، أظهرت زيادة كبيرة في احتياطيات الغاز المغربي.
وكانت الشركة قد توقعت أن احتياطي اكتشافات الغاز في المغرب تتعدى تريليون قدم مكعبة، بما يمثل زيادة قدرها 148% مقارنة مع التقدير السابق، وتشمل 361 مليار قدم مكعب من الموارد الطبيعية المؤكدة، و690 مليار قدم مكعبة من الموارد المحتملة.
ومن المقرر أن تجري الشركة تقييمًا لاحتياطيات البئر -التي تمتلك فيها حصة 75%، في حين يمتلك المكتب الوطني للهيدروكربونات والمعادن المملوك للدولة المغربية النسبة المتبقية 25%- بعد الانتهاء من عمليات جمع البيانات، والانتقال إلى مرحلة التحليل، لتقييم مستويات الغاز المتوافرة.
وأظهر التقييم الأولي لمعطيات البئر، التي يُتوقع أن تُوضع على خطوط الإنتاج خلال 2024، وجود تراكم للغاز على مستوى بئر “أنشوا-2” بسمك إجمالي صافٍ قدره 100 متر، موزع على 6 مناطق، يتراوح سمكها بين 8 و30 مترًا لكل منها.
اكتشاف غرسيف
مع توقف إمدادات الغاز الجزائري، خرج العديد من الخبراء بتصريحات تؤكد أن أراضي المملكة المغربية تحتضن إمكانات نفطية وغازية ضخمة غير مستغلة، وكيف لا يكون ذلك وجارتاها الجزائر وموريتانيا، اللتان تشترك معهما في العديد من الخصائص، تمتلكان احتياطيات مؤكدة ضخمة.
ولعل ما أكده الخبير المغربي في مجال النفط والصناعة الطاقية، الحسين اليمني، خير دليل على ذلك، عندما قال تصريحات صحفية: “لا يمكن أن تكون أعماق المغرب عاقرة لهذه الدرجة، ونحن سنستغل الطاقات الموجودة في الصحراء والجنوب والشمال”.
فبعد نحو أسبوع من إعلان شركة شاريوت اكتشاف حقل غاز أنشوا، جاء المدد مرة أخرى من شركة بريداتور أويل آند غاس البريطانية التي أعلنت اكتشافات ضخمة في ترخيص غرسيف، الذي تمتلك فيه نسبة 75% والمكتب الوطني للهيدروكربونات والمناجم 25%.
ونشرت الشركة البريطانية نتائج تقييم مستقل لبئر إم أو يو-4، عقب النتائج الإيجابية لعمليات حفر بئر إم أو يو-1، مع التعهد أنه بمجرد إثبات الاحتياطيات وتطوير البئر، ستدرس بجدية تصنيع الغاز الطبيعي المضغوط في الموقع.
وبلغ التقدير الإجمالي المسبق للمشروع 393 مليار قدم مكعّبة من الغاز المغربي، مع امتلاك بريداتور نحو 295 مليار قدم مكعّبة، بناءً على استخراج الغاز بنسبة 66% على مدار 13 عامًا.
وبناءً على تقدير الغاز الموجود في البداية للخزانات الأكثر سمكًا في اكتشاف بئر إم أو يو-4، فإن صافي الاحتياطيات المنسوبة إلى بريداتور يعكس نحو 708 مليارات قدم مكعّبة من الغاز.
اكتشافات الغاز المغربي
تعوّل الرباط على اكتشافات الغاز في المغرب، خاصة في حقل أنشوا وغرسيف، لتأمين جزء كبير من احتياجاتها المحلية من الغاز الطبيعي المسال، في ظل الأزمات الدبلوماسية مع جارتها الجزائر.
ومؤخرًا، أبرم المكتب الوطني للكهرباء والماء في المملكة عقدًا مع شركة ساوند إنرجي البريطانية، يمهّد لبدء عمليات استخراج وبيع وتصدير ما يقرب من 350 مليون متر مكعب سنويًا من غاز حقل تندرارة المغربي، لمدة 10 سنوات.
اكتُشف حقل تندرارة المغربي عام 1966، ومن المتوقع بدء الإنتاج منه خلال العام الجاري، ويتطلب تطويره حفر ما يقرب من 8 آبار، وتشير التوقعات إلى وصول الإنتاج من الحقل ذروته عام 2026، بما يُقدَّر بـ151 ألف برميل يوميًا من النفط الخام والمكثفات، بالإضافة إلى 50 مليون قدم مكعبة يوميًا من الغاز الطبيعي، مع استمرار إنتاج الحقل حتى عام 2067.
ولعل اكتشافات الغاز في المغرب تكون أبلغ رد على الباحث الفرنسي الذي زعم أنه لا يوجد إنتاج بالغ الأهمية للغاز في المغرب، وأنه من غير المؤكد أن تكون هناك اكتشافات غازيّة أخرى بخلاف حقل تندرارة.
وتعمل الرباط خلال المدة الأخيرة على تسويق اكتشافات الغاز في المغرب، لزيادة إنتاج البلاد الذي يُقدر بنحو 10 ملايين قدم مكعّبة يوميًا من الحقول البرية التي تديرها في الغالب شركة إس دي إكس البريطانية شمال شرقي الرباط.
الاحتياجات المغربية
كانت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة في المغرب ليلي بنعلي قد أكدت -في تصريحات سابقة أمام البرلمان- أن إنتاج بلادها من الغاز سيصل إلى 110 ملايين متر مكعب في 2021، في الوقت الذي يبلغ استهلاكها السنوي مليار متر مكعب، أي أن الإنتاج لا يتجاوز 11% من إجمالي الاحتياجات المحلية نتيجة ضعف كثافة الآبار.
وقالت إن شركات عالمية تعمل حاليًا للتوصل إلى اكتشافات الغاز في المغرب على مساحة تبلغ نحو 283 ألفًا و600 كيلومتر مربع، عبر 9 رخص استغلال، و53 رخصة استكشاف، منها 26 في المجال البحري، باستثمارات تُقدر بنحو 27 مليار درهم (2.98 مليار دولار).
وأكدت وزيرة الطاقة أن الأحواض الرسوبية المغربية غير مستكشفة بما فيه الكفاية، كون أن معدل كثافة الآبار في كل 10 آلاف كيلومتر مربع لا يتجاوز 4 آبار بالمقارنة مع المعدل العالمي الذي يناهز 1000 بئر.
وقالت بنعلي -وقتها- إن احتياجات بلادها من الغاز الطبيعي ستتضاعف 3 مرات إلى نحو 3 مليارات متر مكعب بحلول عام 2040، إذ تتطلع البلاد إلى الغاز المسال لتعزيز انتقالها المنخفض الكربون ومعالجة الإمدادات غير المنتظمة من مصادر الطاقة المتجددة.
المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية