تبحث دول شمال أوروبا إنشاء شبكة كهرباء تحت سطح بحر الشمال لربط مزارع الرياح البحرية، في إطار سعيها نحو تعزيز أمن الطاقة والتخلص من واردات الطاقة الروسية.
وتتمثّل الفكرة في إقامة شبكات بحرية، مع ربط مزارع الرياح الجديدة بمراكز أو جزر للطاقة، وتوصيلها بخطوط الربط الكهربائي؛ ما يوفّر إمدادات للعديد من الأسواق الأوروبية بدلًا من سوق واحدة فقط، وفقًا لما نقلته وكالة “رويترز”.
وأكد رئيس اتحاد ويند يوروب، جيلز ديكسون، أنه جرى التخطيط للعديد من خطوط الربط الهجينة في جميع أنحاء أوروبا، لكن العقبة الرئيسة هي الافتقار إلى إطار تنظيمي أوروبي واضح، بحسب ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
عقبات أمام المشروعات الهجينة
تجمع المشروعات الهجينة بين عناصر التوليد والنقل، وتربط بين سوقين أو أكثر؛ على عكس مزارع الرياح البحرية الحالية التي ترسل الكهرباء الخاصة بها إلى الشاطئ عبر الخطوط الفردية إلى بلد واحد.
ومع ذلك، فمن غير الواضح كيف يمكن تبادل الكميات الضخمة من الكهرباء الخضراء عبر الحدود، دون التحميل الزائد على الشبكات البرية، أو إنشاء مجموعة متشابكة من الخطوط على قاع البحر.
كما سيستغرق إنشاء شبكة الربط عقدًا من الزمن، وربما سيتكلف مليارات الدولارات.
ومن غير الواضح -أيضًا- من الذي سيستثمر ويطوّر هذه المشروعات التي تشمل العديد من الدول، حسبما جاء في التقرير الذي اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
ولذلك، شدد ديكسون على أنه لا داعي للتأخير في المشروعات إذا أوضحت المفوضية الأوروبية الشكل الذي يمكن أن يبدو عليه التنظيم، قائلًا: “يمكن القيام بذلك بسرعة كبيرة، إذا كانت هناك إرادة سياسية”.
ربط جزيرتي طاقة
يوجد خط هجين واحد يعمل في أوروبا حتى الآن، يربط العديد من مزارع الرياح في بحر البلطيق بالدنمارك وألمانيا.
وتدير هذا الخط شركة إنرجيت ومشغل الشبكة الألمانية 50 هيرتز، الذي تعود ملكية 80% منه إلى المشغل البلجيكي لشبكة نقل الكهرباء “إيليا”.
وفي هذا الإطار، تناقش شركة الشبكة الدنماركية إنرجينت ربط جزيرتي طاقة في الأجزاء الدنماركية من بحر الشمال وبحر البلطيق مع ألمانيا وبلجيكا.
وقال مسؤول تطوير جزر الطاقة في إنرجينت، هان ستورم إيدليفن، إن هناك محادثات مع النرويج وهولندا وألمانيا حول المشروعات المستقبلية، بحسب المعلومات التي جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وأعلنت الدنمارك وهولندا وألمانيا وبلجيكا عن خطط في منتصف مايو/أيار لبناء 150 غيغاواط من سعة الرياح البحرية بحلول عام 2050، ارتفاعًا من نحو 15 غيغاواط اليوم، وهي قفزة بمقدار 10 أضعاف.
وقال وزير المناخ والطاقة الدنماركي، دان جورغنسن، لرويترز: “الجديد تمامًا أننا نرى أن بناء مصادر الطاقة المتجددة يكون أفضل عندما يُجرى بصفة مشتركة”.
أهمية شبكة بحر الشمال
من جانبه، أوضح الرئيس التنفيذي للمشغل البلجيكي لشبكة نقل الكهرباء “إيليا”، كريس بيترز، أن شبكة بحر الشمال توّفر المال، وتساعد على إدارة تقلبات الإنتاج، مع اختلاف إنتاج الرياح حسب الموقع.
وقال -في تصريحات إلى رويترز-: “الكثير من هذه الظواهر للأرصاد الجوية -مثل الرياح- تميل إلى التحليق فوق أوروبا، إذ تمر من البحر الأيرلندي فوق بحر الشمال باتجاه بحر البلطيق”.
ويتيح مركز الطاقة في البحر -أيضًا- أن تبقى طاقة الرياح المنتجة في البحر، حتى يحتاجها المستهلكون على الأرض.
وقال بيترز: “لدينا هذه الجزيرة، وهي تجمع الرياح من حولها، ثم تجلبها إلى الشاطئ، أو تنقلها إلى مركز آخر يقودها إلى شاطئ البلد الذي لديه الطلب في تلك اللحظة من الزمن”.
وبذلك، يُتجنب التحميل الزائد للشبكة البرية، وهي مشكلة شائعة مع ألمانيا تدفع منتجي الرياح الدنماركية -بصورة معتادة- إلى إيقاف توربينات الرياح الخاصة بهم لمدّة من الوقت؛ للحدّ من الواردات وتجنب توتر الشبكة.
اقرأ أيضًا: أزمة الغاز الروسي قد تجبر ألمانيا على العودة لبحر الشمال
تتجه كثير من الدول الأوروبية، ومن بينها ألمانيا، إلى البحث عن بدائل الغاز الروسي، بعدما أثرت الحرب في الاحتياجات المحلية لهذه الدول، خاصة مع ارتفاع أسعار النفط والغاز عالميًا.
وضمن خطط البحث عن بدائل، قال وزير المالية الألماني، كريستيان ليندنر، إن على بلاده إعادة النظر في الحظر المفروض على عمليات الحفر الجديدة للتنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال، في الوقت الذي تحاول فيه تقليص اعتمادها على الغاز الروسي بعد غزو أوكرانيا، حسب رويترز.
وبموجب اتفاق ائتلافي بين الحزب الديمقراطي الاشتراكي برئاسة المستشار الألماني أولاف شولتس، وحزب الخضر والديمقراطيون الأحرار، توقفت ألمانيا عن منح أي تصاريح جديدة للتنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال، خارج الإطار الحالي.
تطورات عالمية
قال وزير المالية الألمانية، في تصريحات لصحيفة “تاجشبيغل”: “علينا أن نشكك في القرار الوارد في اتفاق التحالف.. بسبب تطورات أسعار سوق النفط والغاز العالمية، يبدو هذا أكثر اقتصادًا”.
وتحاول ألمانيا -التي تعتمد على روسيا في ثلثي وارداتها من الغاز الطبيعي- توفير مصادر بديلة للطاقة بشكل عاجل، بما في ذلك بناء أول محطة للغاز الطبيعي المسال.
ومع ذلك يرى وزير المالية أن بلاده ستظل في حاجة إلى النفط والغاز على الأقل لمدة انتقالية؛ لذا: “في ظل الخلفية الجيوسياسية المتغيرة، من المستحسن دراسة إستراتيجية الطاقة الكاملة لبلدنا دون أي قيود على التفكير”.
ورغم الارتفاع الحاد في أسعار الوقود في المحطات، رفض ليندنر منح خفض مؤقت في ضريبة المبيعات من 19% إلى 7% للبنزين والديزل، وهو اقتراح كان قد قدمه بعض السياسيين لحل الأزمة.
وأوضح الوزير أنه “إذا طالب المحافظون بوقف ارتفاع أسعار الوقود؛ فعليهم أن يقولوا ما يريدون خفضه في الميزانية، أو يعترفوا بأنهم مستعدون لتحمل ديون جديدة من أجل ذلك”.
بدائل الغاز الروسي
مع استمرار الضغوط والاحتياجات الداخلية المتسارعة لإمدادات الطاقة من الخارج، تبحث ألمانيا عن استيراد المزيد من الغاز المسال من الخارج؛ فكانت قطر أهم وجهاتها بديلًا للغاز الروسي.
وكان مساعد وزير الخارجية الألماني، جورغ كوكيز، قد أعلن، أمس السبت 12 مارس/آذار، أنه أجرى مباحثات مع نائب رئيس وزراء قطر، رئيس صندوق الاستثمار السيادي في البلاد الشيخ محمد بن عبدالرحمن الثاني، لاستيراد الغاز المسال.
وتأتي الخطوة الألمانية، بعد تراجع البلاد عن تمديد تشغيل آخر 3 مفاعلات نووية، حيث طُرِحَت الطاقة النووية ضمن بدائل خفض الاعتماد على الغاز الروسي.
كما أعلنت الحكومة بدائل أخرى، من بينها بناء أكبر محطتين للغاز الطبيعي المُسال في شمال ألمانيا خلال عامين، بتمويل من بنك الاستثمار والتنمية الألماني -المملوك للدولة- ودعم شركة “آر دبليو إي” والشركة المشغلة لشبكة الكهرباء “غاسوني”.
المصدؤ: الطاقة – مواقع إلكترونية