مضى شهر واحد فقط على إعلان الجزائر الرسمي وقفَ تصدير الغاز عبر خط أنابيب المغرب العربي وأوروبا، وفي أحدث تطور وقّعت الرباط عقدًا مع شركة بريطانية، لاستغلال الخط في تصدير الغاز المغربي
وكانت الجزائر قد أصدرت قرارًا رسميًا بعدم تجديد اتفاقية تصدير الغاز إلى أوروبا عبر الأراضي المغربية، لتحسم الجدل الدائر منذ الإعلان عن قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ يونيو/حزيران الماضي
مع انتهاء الاتفاق مع الجزائر، أصبح خط الأنابيب خاصًّا بالرباط، إذ إنه بموجب الاتفاقية بعد انتهاء العقد يصبح الأنبوب مِلكًا للدولة العابر لأراضيها
وهو ما نجحت الرباط في استغلاله من خلال الاتفاق مع شركة ساوند إنرجي البريطانية المتخصصة في استكشاف حقول النفط والغاز
ضمن سلسلة الصراع بين البلدين، حاولت الجزائر أن تضع شروطًا في اتفاقاتها مع إسبانيا، المستورد الرئيس للغاز عبر خط أنابيب ميدغاز، بعدم استخدام خط أنابيب غاز المغرب العربي وأوروبا في الاتجاه العكسي، إلّا أن العقد الجديد بين الرباط والشركة البريطانية يعمل على استغلال الخط في تصدير الغاز المغربي باتجاه أوروبا
تفاصيل عقد غاز المغرب
ينصّ العقد الذي أبرمته الرباط مع ساوند إنرجي على بيع 350 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا، على مدى 10 أعوام، من حقل تندرارة شرق البلاد
ومن المقرر نقل غاز حقل تندرارة عبر الجزء المغربي من أنبوب المغرب العربي-أوروبا، الذي كان ينقل الغاز الجزائري نحو إسبانيا حتى نهاية تشرين الأول/أكتوبر
وقبل وقف صادرات الجزائر، كان المغرب يستفيد من إنشاء أنبوب الغاز من خلال الحصول على رسوم عبور، إضافة إلى حصة سنوية من الغاز الطبيعي تُستَخدَم في تشغيل محطتين لتوليد الكهرباء شمال وشرق البلاد
صدّرت الجزائر منذ عام 1996 نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا، إلى اسبانيا والبرتغال، عبر خط أنابيب المغرب العربي-أوروبا
وفي مقابل عبور خط أنابيب الغاز أراضيها، كانت الرباط تحصل سنويًا على نحو مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، وهو ما يمثّل 97% من احتياجات البلاد، وفق خبراء، إضافة إلى تعويضات مالية قُدّرت بنحو 50 مليون دولار، العام الماضي
قالت ساوند إنرجي، إنها ستزوّد البلاد بالغاز الطبيعي من حقل تندرارة، بعد أن وقّعت صفقة مبيعات ملزمة مع المكتب الوطني المغربي للكهرباء والماء
وتعهدت الشركة البريطانية بشروط إنتاج ومعالجة وتسليم الغاز من غاز تندرارة وفقًا لمواصفات الغاز المطلوبة من المكتب الوطني المغربي للكهرباء والماء، ليمرّ عبر خط أنابيب الغاز “المغاربي-الأوربي”
كانت الرباط قد أعلنت في وقت سابق مشاورات مع فاعلين إقليميين ودوليين لتوفير بديل للغاز الجزائري، وفقًا لتصريحات وزيرة الطاقة ليلى بنعلي، أمام البرلمان.
وأكدت ليلى بنعلي في وقت سابق من هذا الشهر، إنه في حين كون محطتي الكهرباء اللتين تعملان بالغاز الذي كان يُنقل عبر خط الأنابيب -الذي كان ينقل الغاز الجزائري- معطلتين حاليًا، فإن الرباط قادرة على تلبية الطلب للكهرباء
تسييل الغاز
من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لشركة ساوند، غراهام ليون: “الاتفاقية خطوة مهمة طال انتظارها ستسمح للشركة بالتقدم في التخطيط التنموي للمرحلة الثانية المقترحة”.
تشمل صفقة غاز المغرب -بالإضافة إلى تطوير المرحلة الأولى في حقل تندرارة- بناء منشأة لإنتاج الغاز الطبيعي المسال، من أجل تسييل موارد الغاز في المشروع.
الاتفاقية الجديدة مشروطة بعدد من المواعيد النهائية التي يجب الوفاء بها في غضون 90 يومًا، وتشمل الموافقة على جميع التصاريح اللازمة لبناء منشآت الغاز في المرحلة الثانية، وموافقة السلطات المغربية على قرار الاستثمار النهائي بمجرد اتخاذه
واتفاقية الربط البيني مع مشغّل خط أنابيب المغرب العربي وأوروبا وبدء العمل في توصيله بحقل تندارة، ويُسمح بالتمديد إلى حدّ 90 يومًا بموافقة جميع الأطراف
وقال ليون: “إن تلبية الشروط السابقة في إطار جدول زمني ضيق مدّته 90 يومًا يمثّل تحديًا، لكن جميع الأطراف أعربت عن دعمها الانتهاء من الأمر مع الممولين”
تتضمن الاتفاقية سعرًا موحدًا ثابتًا للحجم السنوي، والذي سينتج عنه إجمالي الإيرادات السنوية المنسوبة إلى امتياز حقل تندارة، البالغ نحو 84 مليون دولار
تمتلك الرباط إنتاجًا محليًا محدودًا للغاية يُوَفَّر للعملاء الصناعيين المحليين، بما في ذلك شركات صناعة السيارات ومصانع الورق
كما إن الرباط بصدد تقييم العطاءات من الأطراف المهتمة بتزويد الدولة الواقعة في شمال أفريقيا بمنشأة عائمة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال
في سياق متصل، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة ساوند إنرجي البريطانية، غراهام ليون، أنه على استعداد للمضي قدمًا في أعمال تطوير حقل غاز تندرارة شرقي المغرب، فور حل النزاع الضريبي الذي بدأ في عام 2020
كما أكد أن الشركة مستمرة في مشروعها الصغير للغاز الطبيعي المسال في المغرب؛ إذ وقعت اتفاقية بيع الغاز مع شركة “أفريقيا غاز” المحلية -التي تمتلك أيضًا حصة صغيرة في ساوند إنرجي
تأتي تصريحات ليون في أعقاب قطع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر، وتهديد إمدادات النفط والغاز؛ ما دفع البلدان إلى البحث عن توفير البدائل داخل البلاد وخارجها
مشروعات معلقة
قال ليون في مقابلة مع منصة إس آند بي غلوبال بلاتس إن الشركة مستعدة للقيام بالمزيد من أعمال التطوير في حقل تندرارة، بما في ذلك توقيع صفقة مبيعات رئيسة مع المكتب الوطني المغربي للكهرباء والماء
ومع ذلك؛ فإن المطالبة الضريبية غير المتوقعة ضد الشركة -التي أُعلنت لأول مرة في سبتمبر/أيلول 2020- أدت إلى إبقاء ساوند إنرجي على خطط التطوير الأكبر قيد المراجعة، مع المضي قدمًا في المشروع الصغير للغاز الطبيعي المسال
ففي فبراير/شباط 2020، قالت ساوند إنرجي -التي تؤخر التعامل مع أكبر اكتشاف للغاز على الإطلاق في المغرب- إنها ستواصل بناء منشأة صغيرة لإنتاج الغاز الطبيعي المسال من أجل تحقيق الدخل المبكر من موارد الغاز في حقل تندرارة
وقال ليون إن الشركة ستنظر عن كثب في المضي قدمًا في قرار استثماري نهائي بشأن مشروع التنمية الأكبر “في حين أن الخلاف الضريبي يثقل كاهلنا.. وهذه هي الطريقة التي سنتعامل بها”
حل سريع
تشترك ساوند إنرجي في حقل تندرارة الذي يمتلكه المكتب الوطني المغربي للهيدروكربونات والمناجم، الذي دعم قرار الشركة لمحاربة المطالبة الضريبية بملايين الدولارات
وقال ليون: “المكتب الوطني للهيدروكربونات والمناجم كان داعمًا للغاية ويدرك أننا على حق”، مضيفًا أنه سيجري الاستماع إلى الاستئناف بدءًا من الشهر المقبل
وأعرب عن أمله في حل القضية سريعًا، لكنه حذّر من أنها قد “تطول”؛ ما يعني أن ساوند إنرجي لن تكون في وضع يمكنها من إحراز تقدم كبير في تطوير تندرارة
اتفاقية بيع الغاز
كانت شركة ساوند إنرجي قد وقعت في أواخر عام 2019 مذكرة تفاهم لتوريد 300 مليون متر مكعب من الغاز إلى المكتب الوطني للكهرباء والماء من حقل تندرارة، وهو ما يكفي لتلبية نحو ثلث احتياجاته من الغاز
وشدد ليون على أنه “مهتم” بتوقيع اتفاقية بيع الغاز النهائية مع المكتب الوطني للكهرباء والماء على أي حال، إلا أن الخلاف الضريبي لا يزال يمثل عقبة أمام تطوير حقل تندرارة بالكامل
وأشار إلى أن ساوند إنرجي كانت تستعد لاستثمار 250 مليون دولار في المشروع، بما في ذلك الآبار الجديدة، ومحطة لمعالجة الغاز، وخط أنابيب بطول 120 كيلومترًا لربطه بخط أنابيب المغرب العربي-أوروبا
نقص في الاستكشاف
أكد ليون أن هناك أيضًا فرصًا مهمة للاستكشاف والإنتاج في قطاع الغاز يُمكن استغلالها في شرق المغرب
وقال ليون: “لدينا الكثير من إمكانات الاستكشاف، ربما 30 موقعًا مختلفًا يمكننا التفكير في الحفر فيها”
وأضاف: إذا نجح 10% فقط، فسنكون قادرين على تلبية الطلب المحلي على الغاز في المغرب، بمجرد أن نلبي الاحتياجات المحلية للمغرب، يمكننا البيع في أوروبا”
وشدد ليون على أن المغرب يعاني نقصًا شديدًا في الاستكشاف مقارنةً بالجزائر المجاورة، قائلًا: “نؤخر التعامل مع خزانات ذات جيولوجيا مماثلة للجزائر، وقد قمنا بجزء بسيط من التنقيب الذي قام به الجزائريون”.
وتابع: “أنا متأكد من أننا سنحقق نجاحًا جيدًا، ولكن لماذا نستكشف بينما لا توجد بنية تحتية”
يُمكن أيضًا استخدام اكتشافات الغاز الجديدة في المغرب لتزويد إسبانيا عبر خط أنابيب المغرب العربي-أوروبا، الذي كان يمتلئ تاريخيًا بالغاز الجزائري
ومع ذلك، من المقرر أن تنتهي صلاحية صفقة نقل الغاز في نهاية أكتوبر/تشرين الأول، ويبدو من المرجح أن الصادرات عبر الرابط ستتوقف بدءًا من الشهر المقبل، إذا لم يُتَوَصل إلى صفقة في اللحظة الأخيرة
وقال ليون إنه لن يتفاجأ إذا جرى التوصل إلى اتفاق، حتى بعد “يوم أو يومين” من توقف الإمدادات
وصرح بأن “تهديد الجزائريين بوقف غازهم قد ركز أذهان المغاربة أكثر قليلًا على محاولة تطوير بعض مواردهم المحلية، بدلًا من استيراد الطاقة”
وقد شكّل المغرب هذا الشهر حكومة جديدة حريصة على التركيز على الإنتاج المحلي للغاز، الذي يُعد وقودًا انتقاليًا رئيسًا، وهو ما أكد ليون أنه يتناسب مع شركته
المصادر: الطاقة – مواقع الكترونية