الزراعة بالإضاءة الاصطناعية نقلة ثورية في الفضاء .. مصنع صيني يعتمد على الزراعة بالإضاءة الاصطناعية بدلًا من ضوء الشمس
أهمية التربة والشمس للنباتات مثل الماء والهواء للإنسان، لكن ماذا سيحدث عندما تحل الزراعة بالإضاءة الاصطناعية محل ضوء الشمس، والمغذيات بالتربة؟ هل من الممكن أن يساعد ذلك في توفير نظام غذائي صحي لرواد الفضاء خلال رحلاتهم الطويلة؟
فرغم أن تكنولوجيا الزراعة في الفضاء لم تصل إلى المستوى المنشود، فإن التغلب على التحديات يُعد إنجازًا بحد ذاته، وهذا ما يحاول مركز جيوتشيوان لإطلاق الأقمار الصناعية تحقيقه، حسب ما نشرته صحيفة سي جي تي إن الصينية (CGTN).
فقد كشف المركز -الذي يقع في صحراء هوبي بشمال غرب الصين- النقاب عن مصنع يعتمد على الزراعة بالإضاءة الاصطناعية، ويهدف إلى تزويد رواد الفضاء بفواكه وخضراوات طازجة، وحماية نظامهم الغذائي اليومي، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
فأهمية النباتات الطازجة لا تكمن في توفير طعام صحي لرواد الفضاء فحسب، وإنما مهمة لتحسين حالتهم النفسية وخلق بيئة جميلة تسر النظر.
الزراعة بالإضاءة الاصطناعية
منذ أكثر من 60 عامًا تمكّن الإنسان من اختراق عالم الفضاء، واعتاد رواد الفضاء على أكل الأطعمة المجففة، ورغم التحسينات التي طرأت على هذه المأكولات، يعمل العلماء دون كلل لابتكار طرق جديدة لتحسين الزراعة في الفضاء.
لذا يولي مركز جيوتشيوان لإطلاق الأقمار الصناعية اهتمامًا خاصًا بطعام رواد الفضاء وأسلوب حياتهم على الأرض من خلال تطوير مصنع الخضراوات الذكي بمساحة تبلغ 728 مترًا مربعًا.
إلا أن مهمة المركز لم تكن سهلة على الإطلاق، لا سيما أنه يعكف على تطوير مصنع صديق للبيئة مزود بأحدث التقنيات.
وما يميز هذ المصنع أنه يعتمد على الزراعة المعقمة، إذ يتطلب من أي شخص يرغب في دخول المصنع ارتداء ملابس واقية والمرور بعدة عمليات تعقيم.
والأهم من ذلك، أن المصنع تمكّن من استبدال المغذيات بالتربة، وطيف النبات من الثنائي الباعث للضوء (إل إي دي) بضوء الشمس، وغير مسموح باستخدام أي مبيدات حشرية طوال عملية الإنتاج.
بالإضافة إلى ذلك، يستطيع المصنع التحكم في نمو النبات تلقائيًا من خلال نظام الكمبيوتر، ويمكن قطف الثمار وأكلها في غضون 35 يومًا فقط، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
الزراعة الذكية
أسلوب الزراعة الذكية يختلف إلى حد كبير عن الزراعة التقليدية، سواء في درجات الحرارة أو المغذيات أو الرطوبة.
ومن جانبه، أكد مركز جيوتشيوان أن مصنع الخضراوات الذكي يتمتع بـ3 مزايا مهمة.
الأولى هي استخدام وهج الإضاءة الاصطناعية البنفسجي والوردي للتحكم في النباتات، الذي يُضفي جوًا أقرب إلى مشهد من فيلم خيال علمي.
والميزة الثانية تتعلق بإمكان التحكم في درجات الحرارة والرطوبة.
والميزة الأخيرة تتعلق بنظام الإمداد بمحلول المغذيات، إذ يمكن للنباتات تجديده تلقائيًا لتعويض أي نقص، ويكتفي الموظفون بالمراقبة عن بعد.
كما أن المصنع يحاكي البيئة الطبيعية، لكنه لا يخضع لقيودها، إذ يمكنه إنتاج خضراوات وفواكه عالية الجودة لرواد الفضاء، فضلاً عن التقنيين وعائلاتهم.
إمكانات الإضاءة الاصطناعية
تتجاوز إمكانات تطوير الإضاءة الاصطناعية عبر الثنائيات الباعثة للضوء (إل إي دي) تطبيقات الحياة اليومية، ويمكنها أن تزيد من كفاءة المحاصيل.
فمنذ ظهور النباتات على الأرض، اعتمدت على ضوء الشمس لتتغذي وتنمو من خلال عملية التمثيل الضوئي.
وبحسب العلماء، قد تُسهم الزراعة بالإضاءة الاصطناعية في زيادة معدل نمو المحاصيل، وأتاح التطور السريع لتقنية الثنائي الباعث للضوء ميزة توفير الطاقة على نحو أفضل من مصادر الإضاءة التقليدية.
كما أن هذه المصابيح يمكنها الحد من استهلاك الكهرباء، وتنسيق الأطياف المختلفة وضبط مصادر الضوء بمرونة وفقًا لمراحل نمو النباتات المختلفة، بهدف تسريع نموها، حسب ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تحل الإضاءة الاصطناعية محل ضوء النهار الطبيعي، وسيفتح ذلك الباب لخلق بيئة لم تكن مناسبة لزراعة النباتات.
والأهم من ذلك، أنها تقلل من الآثار البيئية، مثل الحاجة إلى استغلال الأراضي، والمياه، والمبيدات الحشرية.
ثورة غذائية لرواد الفضاء
في الوقت الذي تبحث فيه الصين عن طرق لتحسين أطعمة رواد الفضاء، تبحث وكالة ناسا -أيضًا- عن طرق حديثة تساعدها على الزراعة والحصول على أفضل النتائج.
فاكتشاف طرق لتغذية رواد الفضاء يُعد جزءًا رئيسًا من جهد أكبر لإثبات مدى جدوى استقرار الإنسان على المدى الطويل في بيئات خارج كوكب الأرض.
كما أنها مهمة للحفاظ على صحة رواد الفضاء في المهمات الطويلة، ويمكن أن يسبب نقص الفيتامينات عددًا من المشكلات الصحية هم في غنى عنها، وهنا تتزايد الحاجة إلى تناول منتجات طازجة بدلًا من بعض الحبوب المغذية.
وتبحث وكالة ناسا عن طرق لتزويد رواد الفضاء بعناصر غذائية، عبارة عن فواكه وخضراوات طازجة مزروعة حديثًا، لكن التحدي يكمن في كيفية توفير ذلك دون ضوء الشمس أو الجاذبية الأرضية، وفقًا لما نشرته عبر موقعها الإلكتروني.
واعتمدت ناسا -أيضًا- في نظام إنتاج الخضراوات -المعروف باسم “فيجي”- على مجموعة من الثنائيات الباعثة للضوء (إل إي دي) لإنتاج ضوء مناسب لنمو النباتات.
وفي أغسطس/آب 2015، كشفت ناسا عن مقطع فيديو يوثق لحظة تاريخية لطاقم محطة الفضاء الدولية يأكلون من حدائقهم الفضائية.
فنظرًا إلى أن النباتات تعكس الكثير من الضوء الأخضر، وتستخدم أطوالًا موجية باللونين الأحمر والأزرق، فإن حجرة الخضراوات تضيء عادة باللون الوردي والأرجواني.
كما أن جذور النباتات عادةً تنمو لأسفل، إذ يسهل عليها امتصاص الماء والمغذيات الموجودة في التربة، لكن في الفضاء تنمو الجذور في كل اتجاه وتطفو المياه والمغذيات الأساسية الأخرى.
وحتى الآن، نجحت ناسا في زراعة مجموعة متنوعة من النباتات، أهمها الخس، والملفوف الصيني، وأوراق الميزونا، واللفت الأحمر الروسي، وزهور زينيا.
ويحصد أفرد الطاقم النباتات لتناولها، وإعادة بعض العينات على الأرض لتحليلها؛ خوفًا من تعرضها للميكروبات الضارة، إذ كشفت أغلب الاختبارات بعد ذلك أنها آمنة للأكل.
ويتطلع فريق مركز كينيدي للفضاء إلى زراعة العديد من الأطعمة في المستقبل، مثل الطماطم والفلفل، والتوت والفاصوليا، والأطعمة الأخرى الغنية بمضادات الأكسدة المفيدة لحماية رواد الفضاء من الإشعاعات الفضائية.
تجارب استثنائية
كان الكشف عن زراعة نباتات خضراء صغيرة على القمر في مطلع عام 2019 سابقة أولى من نوعها.
فقد وصلت بذور القطن على متن مسبار “تشانج آه 4” الصيني إلى الجانب البعيد من القمر، الذي لا يمكن رؤيته من الأرض.
وأعطى رؤيتها تنمو وسط بيئة قاحلة أملًا لرواد الفضاء للحصول على طعامهم من الفضاء بدلًا من الإمدادات من الأرض، لكن ذلك لم يستمر كثيرًا، وماتت النباتات بعد قرابة أسبوع فقط.
ويرجع ذلك إلى افتقار هذا الجزء من القمر إلى ضوء الشمس، إذ انخفضت درجات الحرارة إلى -52 درجة مئوية، وتجمدت النباتات.
ورغم أن تجربة الصين هي الأولى من نوعها لزراعة نباتات على سطح القمر، فإن النباتات ازدهرت في الفضاء منذ سنوات طويلة، فقد نجحت محطة فضائية روسية في زراعة أول نبات في الفضاء عام 1982.
ومنذ ذلك الوقت، بدأت محطة الفضاء الدولية زراعة النباتات داخل غرف خاصة مجهزة بالإضاءة الاصطناعية والمغذيات، وتسمح بتدفق المياه بعناية ودقة إلى الجذور.
الغرفة بحجم ثلاجة صغيرة تقريبًا، بها مستشعرات دقيقة للمراقبة، وكل ما يحتاجه رواد الفضاء هو إضافة الماء وتغيير المرشحات.
كما يمكن للعلماء على الأرض التحكم في كل شيء، بداية من درجات الحرارة والرطوبة إلى مستويات الأكسجين وثاني أكسيد الكربون.
وما يميز هذه التجارب هو توصل العلماء إلى أن الجاذبية لا تعرقل نمو النباتات عند توفير بيئة مناسبة.
ماذا سيحدث عند السفر إلى كوكب المريخ؟
تسيطر حالة من التفاؤل عند النظر إلى المستقبل الغذائي لرواد الفضاء، خاصة مع مواصلة ناسا والعلماء لتوفير وجبات مختلفة متكاملة بالعناصر الغذائية لطاقمها.
إلا أن هذه الوجبات لن تنجو خلال الرحلات الطويلة إلى كوكب المريخ، وفقًا لكبيرة العلماء في محطة الفضاء الدولية، جولي روبنسون، حسب مجلة ذي أتلانتيك.
وأوضحت روبنسون أن رواد الفضاء لا يتوافر لديهم حتى الآن نظام يحافظ على جميع العناصر الغذائية في الطعام طوال ذلك الوقت، حتى مع تجميده.
لذا يمثّل تزويد رواد الفضاء بكميات ضخمة ومتنوعة من الطعام تحديًا هائلًا لعلماء الأغذية في الوكالة، خاصة أنه من المتوقع أن الرحلات إلى المريخ ستدوم عامين أو أكثر.
وسيصعب على رواد الفضاء تناول الوجبات نفسها لمدة عامين؛ لذا بات من الضروري توفير أطعمة غنية بالعناصر الغذائية التي تدوم طويلًا.
وخلال رحلات رواد الفضاء إلى المريخ في المستقبل، سيحملون معهم مجموعة متنوعة من البذور، ومن المرجح أن تنمو النباتات في بيوت زجاجية، نظرًا إلى أن تربة المريخ تشبه الرماد البرماني وخالية من المواد العضوية، كما أنها تحتوي على مركبات كيميائية سامة.
وسيتحكم رواد الفضاء في المناخ والمغذيات والإضاءة مع توصيل المياه من خلال محاليل سائلة إلى الجذور أو عن طريق رذاذ خفيف منبعث من السقف.
وعلى الجانب الآخر، أظهرت الأبحاث أن العناية بالحدائق وأعمال البستنة مفيدة للصحة العقلية.
وسيحتاج رواد الفضاء في المستقبل -المحاصرون داخل مركبة فضائية صغيرة لسنوات مع الأشخاص أنفسهم- إلى أنشطة مختلفة لتهدئة حالتهم النفسية.
وقد تساعد النباتات، خاصة زهور الزينة، في إضفاء بعض المتعة لحياة رواد الفضاء، وتوفير شعور بالراحة.
المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية