خزائن روسيا امتلأت بعشرات المليارات.. أوروبا رهينة احتياجاتها للوقود الاحفوري الروسي

ما تزال موسكو تحقق مكاسب قوية من بيع الوقود الأحفوري الروسي إلى الاتحاد الأوروبي، رغم العقوبات وانخفاض الواردات.

وبلغت قيمة واردات الاتحاد الأوروبي من مصادر الطاقة الروسية 60 مليار يورو (64.4 مليار دولار أميركي) منذ شنّ روسيا حربها على أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي، حسب أداة تتبُّع حديثة طوّرتها حملة “يورب بيوند كول” أو “أوروبا ما بعد الفحم”.

(اليورو = 1.07 دولارًا أميركيًا)

وترى الحملة أنه كان من الممكن استغلال هذه الأموال لتمويل مصادر الطاقة المتجددة بدلًا من مواصلة أوروبا اعتمادها على الوقود الأحفوري الروسي، وفقًا لما نشره موقع إمرجينغ يورب (Emerging Europe).

وتأسست الحملة عام 2017، وتضم مجموعة من منظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء القارّة الأوروبية، وتهدف إلى إنهاء اعتماد أوروبا على الوقود الأحفوري، والانتقال العادل إلى الطاقة المتجددة بحلول عام 2035، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

نفقات الاتحاد الأوروبي

كشفت الحملة أن الاتحاد الأوروبي أنفق قرابة 32.5 مليار يورو على النفط الروسي، و25.9 مليار يورو على الغاز، و1.6 مليار يورو على الفحم.


وأظهرت حسابات الحملة أن القارّة أهدرت هذه المليارات على الوقود الاحفوري منذ غزو أوكرانيا، وكان بإمكانها تنفيذ العديد من المشروعات الخضراء، والتي تشمل إضافة 735 ألف من الخلايا الشمسية على الأسطح، و7 آلاف و300 مزرعة شمسية بحجم ملاعب كرة القدم.

ويضاف إلى ذلك تركيب 1900 توربين رياح بري، و300 توربين رياح بحري، وما يقرب من مليون مضخة حرارية، وبناء 270 ألف منزل معزول حراريًا.

وصرّحت مديرة الحملة، كاثرين غوتمان، أن الحكومات وقطاع الطاقة بحاجة إلى إنهاء نفقات الوقود الأحفوري فورًا، والاستثمار في الطاقة المتجددة، إذا أرادا إحلال السلام، وتحقيق استقلال الطاقة، والتصدي لتغير المناخ، وغلاء المعيشة.

الحظر الأوروبي

في أبريل/نيسان، وافق الاتحاد الأوروبي على حظر جميع واردات الفحم الروسي بدءًا من أغسطس/آب المقبل، في حين وافق الأسبوع الماضي على حظر جزئي لواردات النفط الروسي.

وسيتمكّن الاتحاد الأوروبي من حظر 90% من واردات النفط الروسي بحلول نهاية 2022، إلّا أن دولًا، مثل التشيك والمجر وسلوفاكيا، ضمنت إعفاءً على الواردات من خطوط الأنابيب.

وحتى الآن، لم يتطرق الاتحاد الأوروبي لفكرة فرض عقوبات على صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا، إلّا أنه كشف في مايو/أيار عن خطة لإنهاء القارّة اعتمادها على جميع أنواع الوقود الأحفوري الروسي بحلول عام 2027، بما في ذلك الغاز، وتسريع تحولها إلى الطاقة المتجددة، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

أوروبا رهينة

في الوقت نفسه، تواصل روسيا ممارسة ضغوط سياسية كبيرة على الاتحاد الأوروبي من خلال اللعب على وتر احتياجه الشديد للطاقة، وعدم امتلاك قدرات خضراء تدفعه للتخلي عن الوقود الأحفوري الروسي.

ولم يستفد من حالة التقلبات وعدم الاستقرار في أسواق الطاقة نتيجة العقوبات سوى روسيا.

ووفقًا لإحصاءات بنك روسيا، يمثّل العام الجاري عامًا قياسيًا للخزانة العامة الروسية، وتحقق روسيا -حاليًا- فائضًا في الحساب الجاري بقيمة 96 مليار دولار، على خلفية ارتفاع أسعار السلع الأساسية.

ووفقًا لتقديرات بلومبرغ، تتوقع وصول إجمالي إيرادات النفط والغاز لهذا العام إلى 285 مليار دولار.

وقالت قائدة حملة “ستاند ويز أوكرين”، سفيتلانا رومانكو: “إن دول الاتحاد الأوروبي تغذي حربًا وحشية على بلادنا، وصراعات في أماكن أخرى من العالم من خلال شراء الوقود الأحفوري الروسي”.


وترى أن دول الاتحاد الأوروبي ملزمة أخلاقيًا لإنهاء ما وصفته بـ”المهزلة”، من خلال فرض كامل على جميع واردات الفحم والنفط والغاز من روسيا.

وتابعت: “لن يشكرهم الأوكرانيون فقط على ذلك، بل ستشكرهم شعوبهم -أيضًا-، لأنهم على المدى الطويل سيحققون أمن الطاقة وخفض فواتير الطاقة”.

خطأ أخلاقي وإستراتيجي

عّق رئيس قسم الطاقة في منظمة “إكوأكشن” الأوكرانية غير الحكومية، كوستيانتين كرينيتسكي، أن كبار مشتري الوقود الأحفوري الروسي في أوروبا تغاضوا على مدى عقود عن انتهاكات الكرملين لحقوق الإنسان والقوانين البيئية والدولية.

وقال: “العواقب الوخيمة لهذا الخطأ الأخلاقي والإستراتيجي باتت واضحة الآن للجميع.. ويجب أن تتوقف إسهاماتهم لدعم آلة الحرب الروسية”.

في حين وصف كبير محللي مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف، لوري ميليفيرتا، الدول الأوروبية بـ”المغيبة”؛ لمواصلة الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي.

وقال: “يتمثل الواجب الأخلاقي الآن في وقف استيراده بسرعة”.

وأشار إلى أن زيادة الإنفاق على كفاءة الطاقة ومصادر الطاقة المتجددة أمر ضروري لاستبدال الإمدادات الروسية، وسيساعد في الحدّ من الأسعار العالمية التي تحقق أرباحًا غير متوقعة لروسيا.

اقرأ أيضًا: أسعار الوقود في الولايات المتحدة على صفيح ساخن (تقرير)


من المتوقع أن تواصل أسعار الوقود في الولايات المتحدة الأميركية اشتعالها خلال موسم الصيف الذي يشهد عادةً ذروة الطلب على القيادة، مع تراجع إنتاج مصافي التكرير المحلية، والارتفاع العالمي في أسعار الطاقة، الذي فاقمت الحرب الروسية على أوكرانيا من حدّته.

وبفضل الهجوم الروسي، تخطّت أسعار النفط حاجز 139 دولارًا للبرميل في مارس/آذار الماضي، قبل أن تهبط فوق مستوى 110 دولارات، لكنها ما تزال أعلى بكثير من متوسط أسعار العام الماضي، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

ويبدأ موسم القيادة الصيفي في الولايات المتحدة اليوم الإثنين 30 مايو/أيار، الذي يتزامن مع عطلة يوم الذكرى.

تراجع إنتاج مصافي التكرير

يرجع ضعف الإمدادات المحلية من الوقود في أميركا إلى إغلاق العديد من المصافي خلال السنوات الأخيرة، أو تحوّلها لتصنيع أنواع أخرى من الوقود؛ ما قلّل من قدرة التكرير الأميركية، وأسهم في تأثّر البلاد بارتفاع الأسعار العالمية للنفط الخام.

وارتفعت معدلات تشغيل مصافي تكرير النفط الأميركية الأسبوع الماضي إلى 93.2%، عند أعلى مستوياتها منذ ديسمبر/كانون الأول 2019، وهو معدل غير متوقع لموسم يشهد عادًة عمليات صيانة المصافي.

وقال المحلل في شركة ميزوهو للأوراق المالية، روبرت يوغر: “نحن مستعدون للفشل”.


وأضاف: “نحن جاهزون لارتفاع الأسعار، وزيادة التضخم، وهي كلها أمور لا تبشر بالخير”.

مشكلة قدرة التكرير المحدودة لا تقتصر -فقط- على مصافي الولايات المتحدة، بل هي مشكلة عالمية، وفقًا لمذكّرة صادرة عن أوراسيا غروب.

وتراجعت الطاقة التكريرية على الصعيد العالمي، بمقدار 2.13 مليون برميل يوميًا، وفقًا لبيانات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

وقالت أوراسيا: “إن الطلب المتزايد على الوقود يفوق كلًا من سعة التخزين والإنتاج، مما يؤدي إلى العجز”.

وتبذل إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قصارى جهدها لإقناع الشركات العاملة في صناعة النفط بإعادة تشغيل المصافي المغلقة، أملًا في حلّ أزمة أسعار الوقود التي تتفاقم يومًا تلو الآخر.

في الوقت الحالي، يتجاوز الطلب على النفط سعة التخزين أسرع بكثير مما يمكن استبداله؛ ما يقلّص من الاحتياطيات الإستراتيجية، ويرفع أسعار المنتجات المكررة.

وعلى الرغم من زيادة الطاقة الإنتاجية لمصافي التكرير العالمية بحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية، فإنها ما تزال أقلّ من مستويات ما قبل جائحة كورونا.

وبحسب ريستاد إنرجي، من المحتمل أن يتراجع إنتاج مصافي التكرير العالمية بنحو 3 ملايين برميل يوميًا، حال تشديد الحظر على النفط الروسي.

وبالإضافة إلى ارتفاع أسعار النفط الخام، أثّر الغزو الأوكراني أيضًا في توريد بعض المنتجات المكررة، خاصةً زيت الغاز منخفض الجودة والقادم من روسيا.

أسعار الوقود في الولايات المتحدة

ارتفعت أسعار البنزين في الولايات المتحدة بأكثر من 70% إلى مستوى قياسي بلغ نحو 4.60 دولارًا للغالون، وهو أعلى معدل منذ 10 سنوات، ويتوقع محلّلو جي بي مورغان أن تظل الأسعار فوق صفيح ساخن هذا الصيف، لتتجاوز 6 دولارات للغالون.

وتتوقع الجمعية الأميركية للسيارات أنه على الرغم من ارتفاع أسعار البنزين في أميركا؛ فإن 34.9 مليون شخص سيسافرون 50 ميلًا أو أكثر في يوم الذكرى، بزيادة 5% عن عام 2021، ولكن بانخفاض بنسبة 7% عن عام 2019.

وانخفض عدد مصافي التكرير الأميركية العاملة بنسبة 13% خلال العقد الماضي، وهي الآن عند أدنى مستوياتها في العصر الحديث.

ومن بين قائمة مصافي التكرير التي أُغلِقَت، محطة فيلادلفيا لحلول الطاقة، والتي كانت أكبر مصفاة لتكرير النفط في شمال شرق الولايات المتحدة قبل إغلاقها في يونيو/حزيران 2019، بسبب انفجار، وفقًا لتقرير لموقع بيزنس نيوز (businessnews)

ومن بين هذه القائمة، بعض المصافي التي عُلِّقَ العمل بها مع ظهور وباء كورونا بسبب انخفاض الطلب على الوقود، مثل مصفاة ماراثون بتروليوم في نيو مكسيكو، والتي لم يُعَدْ تشغيلها حتى الآن.

وتراجع متوسط استهلاك البنزين في الولايات المتحدة بنسبة 13% في عام 2020، الذي شهد انتشار وباء كوفيد-19، وتسبّب في إغلاق العديد من الدول، وبلغت أسعار البنزين والديزل أدنى مستوياتها في 4 سنوات خلال العام ذاته.

إغلاق مصافي التكرير

قال الرئيس التنفيذي لشركة ليبو أويل أسوشيتس، أندي ليبو: “لقد أصبحت هذه القضية مصدر قلق كبير هنا في الولايات المتحددة، إذ فقدنا مليون برميل من طاقة التكرير خلال العام الماضي”.

وأغلقت شركة شل مصفاة تكرير تابعة لها في لويزيانا، العام الماضي، بقدرة 240 ألف برميل يوميًا، ولجأت شركة فيليبس 66 إلى إغلاق مصفاة في لويزيانا؛ بعد الأضرار الناجمة عن الإعصار، بقدرة 255 ألف برميل يوميًا.

وبحلول نهاية عام 2023، ستغلق شركة ليونديل بازل إندستريز مصفاة للنفط الخام في هيوستن، ويعني ذلك فقدان السوق نحو 263 ألف برميل أخرى من البنزين والديزل ووقود الطائرات.

وإلى جانب المصافي التي أُغلِقَت، حوّلت مصافي التكرير الأميركية الكبرى بعض طاقتها الإنتاجية إلى الوقود الحيوي والأنواع الأخرى من الوقود المتجدد، في إطار تغيير سياساتها لمعالجة التغير المناخي.


وتحوّل شركة هولي فرونتير 52 ألف برميل يوميًا في مصفاتها بمدينة تشيني من إنتاج البنزين إلى وقود الديزل المتجدد.

في الوقت ذاته، تستعد شركات تصنيع السيارات الكبرى -مثل جنرال موتورز وفورد- لضخّ استثمارات كبيرة في صناعة المركبات الكهربائية، والتي يمكن أن تقلل من حصة البنزين في وقود النقل، كما تعهدت شركات الطيران الكبرى باستخدام المزيد من الوقود المتجدد؛ ما يقلل الطلب على وقود الطائرات، وهو منتج آخر يُستخدم في مصافي النفط.

حظر سيارات الوقود الأحفوري

أشار الخبراء -أيضًا- إلى سياسات، مثل فرض حظر على بيع السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين بعد عام 2035، وهو ما يفكر فيه الاتحاد الأوروبي.

وتخطط أميركا والمملكة المتحدة للتوقف نهائيًا عن بيع السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري بحلول عام 2030.

وقال محلل شركة كونفلوينس إنفيستمينت مانغمنت، بيل أوجرادي: “سياسات مثل هذه هي مؤشر واضح على أن الطلب على النفط سينخفض في مرحلة ما”.

وأضاف: “هناك القليل من الحوافز للاستثمار”.

وقال ريتشارد سويني، أستاذ الاقتصاد في كلية بوسطن، إن بناء مصفاة جديدة يتطلب رأس مال ضخمًا، وسنوات من التخطيط والموافقة التنظيمية، ولن يؤتي ثماره قبل 10 إلى 20 عامًا.

وتُحوّل الكثير من المصافي السيولة الفائضة من المكاسب التي حققتها من ارتفاع أسعار الوقود إلى توزيعات الأرباح وعمليات إعادة شراء الأسهم التي يفضّلها وول ستريت.

وافتتحت آخر مصفاة أميركية كبرى في الولايات المتحدة في عام 1977، وبُنِيَت 5 محطات جديدة فقط في الأعوام الـ20 الماضية، وجميعها مصافٍ أصغر حجمًا.

وعادةً ما كانت المصافي تزيد طاقتها الإنتاجية من خلال توسيع المحطات القائمة، وليس عبر إقامة منشآت جديدة.

المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية

Exit mobile version