على مبدأ “البقاء للأرخص”.. كيف أطاح النفط الروسي والإيراني بالبرازيلي من مصافي الصين؟

أزاح كل من النفط الروسي والإيراني إمدادات البرازيل من مصافي التكرير المستقلة في الصين؛ لتسجل صادراتها إلى بكين، خلال شهر مايو/أيار الماضي، “صفرًا” للمرة الأولى منذ 6 أعوام.

ويعود ذلك لأسعار النفط الروسي والإيراني التي خُفضت لاجتذاب مشترين رئيسين، في محاولة للتغلب على العقوبات الأميركية المفروضة على الصادرات النفطية للبلدين، وفق بيانات ستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس (S&P Global).

وفي ظل ارتفاع أسعار النفط البرازيلي الذي لاقى رواجًا في أوروبا، لم تتمكن مصافي التكرير الصينية المستقلة من مقاومة الأسعار المنخفضة للنفط الروسي الذي تُشير التوقعات إلى استمرار توافره بتلك الأسعار خلال الآونة المقبلة.

يأتي ذلك في الوقت الذي يزاحم فيه النفط الإيراني لتحديد موقع مميز له في تلك المصافي، غير أن تهديدًا أميركيًا حديثًا يتعلق بالعقوبات كَبح جماح طموحات طهران، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

صادرات النفط البرازيلي إلى الصين

للمرة الأولى منذ مطلع عام 2016 تنخفض صادرات النفط البرازيلي لمصافي التكرير المستقلة بالصين، بعدما جذبت أسعار النفط الروسي والإيراني المنخفضة انتباه المشترين في بكين.


ويعوّل مشترو النفط البرازيلي المستقلون في الصين على واردات موسكو وطهران لتعزيز أرباح التكرير، بعدما تعمّدت الدولتان الخاضعتان للعقوبات الأميركية خفض أسعار خامهما لجذب المشترين.

وبدأت واردات النفط البرازيلي مسلسل التراجع بالمصافي الصينية المستقلة منذ مطلع العام الجاري، بالتزامن مع تصاعد وتيرة الأحداث الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا قبل غزو الأخيرة في 24 فبراير/شباط وانقلاب أسواق الطاقة رأسًا على عقب بعدها.

ومنذ شهر يناير/كانون الثاني حتى مايو/أيار، انخفضت صادرات النفط البرازيلي لمصافي التكرير الصينية المستقلة إلى 2.95 مليون طن متري، مسجلة تراجعًا على أساس سنوي بنسبة 61.2%.

ووفق معدل التراجع -الذي وصل إلى صادرات صفرية الشهر الماضي- يحتل النفط البرازيلي -حاليًا- المركز السابع ضمن أكبر موردي النفط لمصافي الصين المستقلة، بعدما كان يشغل المركز الرابع.

وبجانب إغراءات الشراء التي تطرحها أسعار النفطين الروسي والإيراني، يشكل تلبية الطلب بالسوق المحلية أولوية لشركة بتروبراس البرازيلية الحكومية التي تُشغل حقول توبي بحصة قدرها 67.216%، وفق مصادر تجارية لبلاتس.

بيانات الشراء

تُشير بيانات الصادرات الصينية إلى تراجع شحنات النفط البرازيلي إلى المصافي المستقلة -وتقع غالبيتها بمقاطعة شاندونغ- تدريجيًا منذ يوليو/تموز عام 2020؛ إذ سجلت حينها 3.8 مليون طن متري (899 ألف برميل يوميًا).

وواصلت الشحنات انخفاضها في شهر مايو/أيار عام 2021 الماضي، قبل أن تهبط إلى 499 ألف طن متري في شهر أبريل/نيسان الماضي، وتنتهي بـ”صفر” في شهر مايو/أيار الماضي.

وفي الوقت الذي انخفضت فيه صادرات النفط البرازيلي إلى المصافي الصينية المستقلة تمسّكت كاراكاس بالإبقاء على أسعار خام توبي في مستويات مرتفعة؛ نظرًا إلى الطلب الأوروبي القوي في ظل انخفاض المعروض.

ولفت تحويل شحنات النفط البرازيلي وجهتها إلى أوروبا -صاحبة الطلب القوي حتى في ظل ارتفاع الأسعار- نظر أحد المتعاملين الصينيين الذي أشار إلى أن القارة العجوز أصبحت تستورد خام توبي بمعدل أكبر من ذي قبل.

وفي الوقت ذاته أوضح تاجر نفط بالصين أن شحنات النفط البرازيلي التي تأتي للصين تستحوذ عليها المصافي الحكومية، متوقعًا أن تنخفض حصص المصافي المستقلة منه إلى شحنة أو شحنتين فقط في الآونة المقبلة.

أبرز واردات المصافي المستقلة

رصدت مؤسسة بلاتس صادرات النفوط المختلفة إلى المصافي الصينية المستقلة، خلال الأشهر الـ5 من يناير/كانون الثاني حتى مايو/أيار، بالمقارنة بين العام الماضي 2021 والعام الجاري، ضمن مجموعة رسوم بيانية.


وتصدّر نفط إسبو الروسي تلك القائمة؛ إذ اقترب خلال المدة المذكورة للعام الجاري من ملامسة حاجز 10 ملايين طن متري، مرتفعًا عن مستويات المدة ذاتها من العام الماضي المُقدرة بنحو 9.3 مليون طن متري.

وحل مزيج البيتومين -الذي تشتهر فنزويلا بإنتاجه- في المرتبة الثانية، مسجلًا ما يقرب من 6.1 مليون طن متري خلال المدة المذكورة العام الجاري، و9 ملايين طن متري خلال المدة ذاتها عام 2021.

وتعادلت صادرات النفط العماني للمصافي الصينية المستقلة، خلال الأشهر الـ5 الأولى للعامين الماضي والجاري، عند 6 ملايين طن متري.

وشق الخام العربي الخفيف -الذي تشتهر السعودية بإنتاجه- طريقه لتلك المصافي بصادرات تُقدر بنحو 3.5 مليون طن متري خلال الأشهر الـ5 من العام الجاري، بمعدل يرتفع عن صادرات المدة ذاتها العام الماضي المُقدرة بنحو 1.5 مليون طن متري.

وعزز خام البصرة المتوسط -المُنتج بالعراق- المصافي الصينية المستقلة بما يقارب 2.6 مليون طن متري خلال المدة المذكورة العام الجاري، بينما اقتربت شحناته من مليون طن متري خلال المدة ذاتها من العام الماضي.

النفط الروسي يكتسح

تضاعفت صادرات النفط الروسي خلال شهر مايو/أيار الماضي إلى 2.2 مليون طن متري مقارنة بالمدة ذاتها العام الماضي، وبارتفاع 8.1% عن الشهر السابق له، بحسب ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

وخلال الشهر الماضي، كان لمزيج إسبو الروسي نصيب الأسد ضمن حصص الصادرات مسجلًا 2.1 مليون طن متري، وهو معدل يرتفع عن صادرات أبريل/نيسان بنسبة 10.5%، ويقفز على أساس سنوي بنسبة بلغت 141.7%.

وبجانب صادرات مزيج إسبو الروسي إلى المصافي الصينية المستقلة، يستعد خام الأورال للانضمام لشحنات بكين خلال شهر يونيو/حزيران الجاري؛ إذ تترقب مصافي شاندونغ وصول 9 شحنات منه بمعدل يصل إلى 880 ألف طن متري.

وجاءت تلك الخطوة في مواصلة -منذ نهاية أبريل/نيسان الماضي- لاستقبال خام الأورال الروسي بالمصافي الصينية المستقلة عقب توقفه منذ نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي.

ونظرًا لطرح بدائل أقل سعرًا منه حينها؛ اتجهت مصافي شاندونغ لإمدادات بديلة، غير أن شحنات الأورال المرتقبة الشهر الجاري وحده تقارب في حجمها واردات المصافي الصينية المستقلة منه بالكامل خلال عام 2021 الماضي.

وقُدرت صادرات خام الأورال الروسي لمصافي الصين المستقلة بما يصل إلى 925 ألف طن متري عام 2021، منخفضة عن إمدادات عام 2020 المقدرة بنحو 5.14 مليون طن.

وحصلت المصافي الصينية المستقلة على خام الأورال الروسي -لتسليم يونيو/حزيران- بسعر ينخفض عن تقديرات خام برنت بما يتراوح بين 5 و6 دولارات للبرميل الواحد.

العقوبات تلاحق النفط الإيراني في الصين

بالنظر لظروف تحدي العقوبات الأميركية، ينافس النفط الإيراني -أيضًا- في السوق الصينية؛ لتحل واردات إيران وموسكو ذات الشحنات المخفضة بتسليمات العقود الآجلة للمصافي المستقلة محل النفط البرازيلي باهظ الثمن.

ولم تترك واردات النفط الروسية والإيرانية مجالًا لواردات النفط البرازيلي بالمصافي الصينية المستقلة، التي تسعى لتعزيز هامش أرباحها عبر اختيار العقود الأقل سعرًا.

ورغم طموحات طهران للتوسع في الصادرات النفطية؛ فإن القرار الأميركي الأخير بملاحقة الداعمين لتحايل إيران على العقوبات بالعقوبات دفَع المصافي الصينية للتراجع قليلًا عن شهية شراء خام طهران.

وتتراجع المصافي الصينية عن شراء الخام الإيراني بعد أن تطرقت العقوبات الأميركية الجديدة المُعلنة 25 مايو/أيار الماضي إلى أن مصافي مستقلة بالصين كانت ضمن المساهمين في نمو عمليات التهريب و”غسيل الأموال” التي تنتهجها طهران للتحايل على العقوبات.

ورغم ذلك؛ فقد دعا أحد المحلين في بكين المصافي المستقلة إلى مواصلة شراء الخامات زهيدة الثمن، في إشارة لمواصلة تجنب شراء النفط البرازيلي، واعتقاد أن النفطين الروسي والإيراني يساعدان على تلبية الطلب الآخذ في الارتفاع عقب التعافي نسبيًا من تداعيات جائحة كورونا.

المصدر: الطاقة

Exit mobile version