زاد كبار المصنعين في السنوات الأخيرة بحوثهم على صناعة وتطوير السيارات الكهربائية، لما لها من مزايا عديدة، فهي صديقة للبيئة لا تنبعث منها الغازات الضارة.
كما أنها سهلة التشغيل ولا تصدر أصواتاً مزعجة. ولجأت حكومات العديد من الدول إلى تشجيع مواطنيها على التحول للسيارة الكهربائية التي تضرب عصفورين بحجر واحد، فهي من ناحية تساعد على تحقيق أهداف الدول بتقليل الانبعاثات الغازية، كما أنها تقلل من معدلات التلوث في المدن.
ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، ففي الوقت الذي تعلن فيه الشركات المصنعة رسمياً تبنيها فكرة عالم بلا انبعاثات، إلا أن المواقف على أرض الواقع تختلف إلى حد كبير.
فقد كافح اتفاق عالمي للتخلص من انبعاثات الكربون المسببة للاحتباس الحراري من السيارات الجديدة بحلول 2040 لجذب عمالقة صناعة السيارات في العالم والحكومات بما في ذلك الولايات المتحدة والصين؛ للتوقيع عليه في قمة «كوب 26» الأخيرة.
ونقل تقرير نشرته صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية عن مصادر أن المفاوضات الجارية لضم شركات صناعة السيارات للاتفاق المذكور كانت صعبة للغاية ورفضت الكثير من الشركات التوقيع على أي اتفاقات.
وتضمن الاتفاق، الذي رفض توقيعه عمالقة صناعة السيارات في العالم، تعهداً بالتزامهم العمل أن تكون جميع مبيعات السيارات والشاحنات الجديدة صفرية الانبعاثات على مستوى العالم بحلول عام 2040، وفي موعد أقصاه 2035 في الأسواق الرائدة. ولفتت الصحيفة إلى أن غياب الولايات المتحدة والصين .
وكذلك ألمانيا عن التوقيع على الاتفاق أحد أسباب امتناع العديد من شركات صناعة السيارات عن الموافقة، ونقلت عن مسؤولين بريطانيين قولهما إن حكومات دول ألمانيا والصين والولايات المتحدة لم تقم بالتوقيع على الاتفاق بعد.
مشكلات
وبالإضافة إلى مشكلة رفض الشركات التوقيع على اتفاق ملزم، تبرز مشكلة أخرى تتعلق بالسيارات الكهربائية ذاتها والتي أكدت الكثير من البحوث أنها ليست الحل المثالي لتقليل الانبعاثات.
فحينما يعتمد تشغيل السيارة على الكهرباء المستمدة من حرق الوقود الأحفوري، فهذا لا يضيف الكثير لمساعي حماية المناخ. في الوقت نفسه يحتاج إنتاج السيارة الكهربائية لطاقة أكبر من السيارات التقليدية وهو أمر يرجع لبطارية السيارة المعقدة. كما أن التخلص من هذه البطاريات بعد ذلك يمثل عبئاً على البيئة.
ورغم عدم انبعاث غازات ضارة من السيارة الكهربائية أثناء سيرها على الطريق، إلا أن هذه الغازات تنبعث من المفاعلات التي تقوم بتوليد الكهرباء اللازمة لتشغيل السيارة.
ويحتاج إنتاج السيارة الكهربائية لمعادن مثل النحاس والكوبالت والنيوديميوم النادر، ويرجع مصدر الكثير من هذه المعادن للصين وللكونغو ويتم استخراجه بعمليات لا تخلو من خروق حقوق الإنسان والإضرار بالبيئة.
وذكرت تقارير أن إنتاج السيارات الكهربائية يحتاج للمزيد من الطاقة مقارنة بالسيارات التقليدية، إلا أنه بمجرد دخولها حيز العمل، فإنها تكون أكثر فاعلية من ناحية استهلاك الطاقة علاوة على أنها أكثر نظافة من ناحية العوادم، مقارنة بالسيارات العادية.
وحذر المعهد الألماني للبيئة، من زيادة الكثافات المرورية بسبب السيارات الكهربائية، ففي النرويج على سبيل المثال، ارتفعت مستويات مبيعات السيارات الكهربائية بشكل رائد على مستوى أوروبا، ولكن هذا الارتفاع تزامن مع تراجع شديد في عدد مستخدمي وسائل المواصلات العامة.
من جهتها حذرت منظمة «السلام الأخضر»، من أن دعم السيارات الكهربائية قد يسهم في زيادة عدد مالكي السيارات. ورأت المنظمة أن الطريق الأفضل التركيز على تطوير وسائل النقل العام بدلاً من تشجيع الناس على اقتناء السيارات الكهربائية.
وفي ما يخص قضية العوادم الضارة الناتجة من السيارات، أظهرت دراسات أن السيارة التي تعمل ببطارية وتستمد الكهرباء من الوقود الأحفوري، أكثر إنتاجاً للغازات الضارة في فترة استخدامها، من سيارات الديزل، ولكنها في الوقت نفسه أقل إصداراً للعوادم من السيارات التي تعمل بالبنزين.
أما السيارة الكهربائية التي تعمل بكهرباء مستمدة من مصادر متجددة للطاقة، فإن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصادرة عنها طيلة فترة تشغيلها، أقل ست مرات من السيارة التي تعمل بالبنزين. وتؤكد هذه النتائج ضرورة تركيز الدول على طرائق إنتاج الكهرباء، حتى تصير السيارة الكهربائية أكثر فاعلية.
وفي الوقت نفسه تحتوي بطارية السيارة الكهربائية معقدة التركيب، على مواد كيميائية سامة، وهنا يأمل الخبراء التوصل في المستقبل لطريقة تسمح بإعادة استخدام هذه البطارية لأهداف أخرى عديدة. ويعمل العديد من العلماء في الجامعات والمعاهد البحثية من أجل التوصل لطريقة يمكن من خلالها إعادة استعمال بطاريات السيارات الكهربائية، في مجالات صناعية على سبيل المثال.
إغلاق متوقع
ومع مرور الوقت، تجد شركات صناعة السيارات نفسها بشكل متزايد في سباق لإغلاق أو تبديل أو بيع المصانع المنتجة لمحركات الاحتراق الداخلي، وذلك مع قرارات حكومية بالتحول نحو السيارات الكهربائية لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وفقاً لصحيفة «غارديان» البريطانية.
وحذر أحد المحللين البارزين من أن المصنعين التقليديين يواجهون مشكلة، لأن النمو في مبيعات السيارات الكهربائية يضر بقيمة مصانع محركات الاحتراق الداخلي، والتي تعد أصولاً عالقة.
وقال فيليب هوشوا المحلل في بنك «جفريس» الاستثماري، إن أسعار أسهم شركات صناعة السيارات ستعتمد إلى حد كبير على قدرتها على تجنب الخسائر في صناعة محركات الاحتراق، والتحول بشكل أسرع نحو السيارات الكهربائية.
وخطت صناعة السيارات بالفعل خطوات كبيرة بعيداً عن الوقود، ويعد عام 2020 عاملاً رئيساً للسيارات الكهربائية بسبب لوائح الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة التي فرضت حداً لمتوسط انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وأدت اللوائح إلى زيادة سريعة في مبيعات السيارات الكهربائية، إذ سارع صانعو السيارات لتجنب غرامات تقدر بمئات الملايين من اليورو، على الرغم من أن «فولكس فاغن» على سبيل المثال، اعترفت بالفعل بأنها لن تحقق هدفها لعام 2020 وتكبدت غرامة تقدر بنحو 270 مليون يورو (330 مليون دولار).
وأعلنت شركة «بي أم دبليو» أنها ستصنع 250 ألف سيارة كهربائية أكثر مما كانت تخطط له في السابق حتى عام 2023.
وقال أوليفر زيبسي الرئيس التنفيذي للشركة، إنه يريد أن تكون نحو 20% من السيارات التي تبيعها الشركة كهربائية بحلول 2023، ارتفاعاً من 8% هذا العام.
وتم بيع أكثر من 560 ألف سيارة كهربائية تعمل بالبطاريات في العام الحالي في أوروبا الغربية، وشكلت السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطارية 8.7% من إجمالي مبيعات السيارات في نوفمبر، بزيادة من 2.7% فقط في العام السابق.
شركات تعمل
وقالت جنرال موتورز إنها تعتزم تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2040 وتتطلع إلى وقف بيع المركبات ذات الانبعاثات بحلول عام 2035. وقالت ماري بارا الرئيسة التنفيذية للشركة، إن صانع السيارات تعاون مع صندوق الحماية البيئية من أجل وضع رؤية مشتركة لمستقبل كهربائي تماماً.
وقال دين باركر مدير الاستدامة لدى جنرال موتورز: نأخذ خطوات لكي نستطيع إنهاء انبعاثات العادم بحلول 2035، وأن نضع هدفاً لخمسة عشر عاماً من الآن هو أمر قابل للتحقق.
وذكرت جنرال موتورز أن أكثر من نصف إنفاقها الرأسمالي وأطقم تطوير المنتجات لديها ستكرس لبرامج السيارات الكهربائية وذاتية القيادة. وباعت جنرال موتورز 2.55 مليون سيارة في الولايات المتحدة العام الماضي، منها نحو 20 ألف سيارة كهربائية.
وأكدت أنها ستشغل مصانعها ومقارها بالطاقة المتجددة بنسبة 100% في الولايات المتحدة بحلول عام 2030 وفي مواقعها العالمية بحلول عام 2035.
من جهتها، أكدت شركة «فولفو» أنها تتطلع بحلول عام 2030 إلى أن تصبح بالكامل شركة مصنّعة للسيارات الكهربائية النقية وتخطط لطرح طُرُز جديدة كاملة منها في السنوات المقبلة.
وتعدّ صناعة السيارات الكهربائية واحداً من أكثر التوجهات طموحاً. وهي جزء من رؤية الشركة أن تصبح محايدة مناخياً مع حلول عام 2040، والتي يدعمها سَعيها المستمر لتزويد سياراتها مواصفات خافضة لانبعاثات الكربون.
وسَوفَ تحتاج الشركة إلى دعم الحكومات وقطاع الطاقة، في حال اعتزمت تزويد سياراتها المواصفات الكاملة الكفيلة بتقليص انبعاثات الكربون، إذ إنه بالاستناد إلى تقرير تقييم دورة الحياة الجديد لإعادة شحن سيارات فولفو الكهربائية من طراز C40، فإن تسخير الطاقة النظيفة في تصنيع وشحن سيارات فولفو الكهربائية من شأنه إحداث فارقٍ كبير من ناحية تأثير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وقال هاكان سامويلسون، الرئيس التنفيذي لشركة سيارات فولفو: لقد اتخذنا قراراً استراتيجياً واعياً بأن نصبح شركة رائدة في تصنيع السيارات الكهربائية النقية.
ولكن لا يمكننا اتخاذ خطوة الارتقاء نحوَ الحياد المناخي هذه بمفردنا، نحن بحاجة إلى تضافر الحكومات وشركات الطاقة في جميع أنحاء العالم لتكثيف الاستثمارات في الطاقة النظيفة والبنية التحتية للشحن ذات الصلة، ليمكن للسيارات الكهربائية بالكامل أن تفي حقاً بوعودها بتنقّلٍ أنظف وأكثر احتراماً للمناخ.
تحول
هناك تحدٍّ آخر تركز عليه شركات السيارات فهو مدى قدرة البطاريات الجديدة على تخزين الطاقة، إلى جانب مشكلة سعرها باهظ الثمن. وقد تم تدريجياً معالجة هذين التحديين.
فأصبحت الأسعار مرادفة تقريباً للسيارات التقليدية. وتم تحسين وتوسيع الطاقة التخزينية للبطاريات الجديدة؛ بحيث أصبح من الممكن استعمالها لمسافات طويلة قبل الحاجة لشحنها ثانية. والبحوث جارية لتوسيع سعة تخزين البطاريات.
كام أن هناك شكوكاً في تمكن الدول النامية من تغيير جميع سياراتها القديمة للحديثة بحلول عام 2035، وكذلك تغيير المحطات لتزويد الوقود الجديد بسرعة. فهذا الأمر سيتطلب استثمارات باهظة الثمن من القطاعين الخاص والعام. ولا توجد مؤشرات جدية في معظم دول العالم الثالث لهذا التغيير الشمولي لمركباتها حتى الآن.
المصدر: البيان