تشتري ملايين الأطنان بأسعار رخيصة.. ما حكاية الفحم الروسي الذي يتدفق بغزارة غير مسبوقة نحو الهند
نجح تجار الفحم الروسي في خلق سوق بديلة للقارة الأوروبية، من خلال تقديم خصومات جاذبة تقترب من ثلث السعر إلى دول آسيا المتعطشة للإمدادات لتأمين احتياجات شعوبها من الطاقة.
وعلى الرغم من العقوبات الدولية على الكرملين، ارتفعت مشتريات الهند من فحم موسكو، خلال الأسابيع الأخيرة، إذ يقدّم التجار خصومات تصل إلى 30%، بحسب رويترز.
وحذّرت روسيا -التي تواجه عقوبات غربية قاسية بسبب غزوها لأوكرانيا- الاتحاد الأوروبي في أبريل/نيسان الماضي، من فرض عقوبات على إنتاجها من الفحم الروسي، قائلة إنها ستؤدي إلى نتائج عكسية، إذ سيُعاد توجيه الوقود إلى أسواق أخرى.
وتلقّت أوروبا ثلث صادرات الفحم الروسي، البالغة 237.7 مليون طن متري في العام الماضي، بحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
واردات الهند من الفحم الروسي
تُعد الهند والصين أكبر مشتري الفحم الروسي في قارة آسيا، وفي مايو/أيار الماضي، استوردت بكين قرابة 1.37 مليون طن من فحم الكوك، ارتفاعًا من 750 ألف طن في أبريل/نيسان 2021.
وامتنعت الهند عن إدانة روسيا، التي تربطها بها علاقات سياسية وأمنية طويلة المدى. وبينما تنادي بإنهاء العنف في أوكرانيا؛ دافعت نيودلهي عن مشترياتها من مصادر الطاقة الروسية بصفتها جزءًا من جهودها لتنويع الإمدادات، متحججة بأن التوقف المفاجئ من شأنه أن يرفع الأسعار العالمية ويضر المستهلكين الهنود.
يُذكر أن الهند استوردت 1.76 مليون طن متري من الفحم من روسيا في عام 2021، وفقًا لبيانات إيمان ريسورسيز.
وبينما يتجنب المستوردون الأوروبيون التجارة مع موسكو، يستحوذ المشترون الهنود على كميات ضخمة من الفحم الروسي على الرغم من ارتفاع تكاليف الشحن.
وقفزت مشتريات الهند من الفحم الروسي والمنتجات ذات الصلة، أكثر من 6 أضعاف خلال 20 يومًا، من 27 مايو/أيار وحتى 15 يونيو/حزيران مقارنة بالمدة ذاتها من العام السابق، لتصل إلى 331.17 مليون دولار، بحسب بيانات هندية حكومية غير منشورة.
وبالمثل، استحوذت المصافي الهندية على النفط الروسي الرخيص، الذي نبذته الدول الغربية، وقفزت قيمة تجارة النفط الهندية مع روسيا في 20 يومًا حتى الأربعاء الماضي، بأكثر من 31 ضعفًا إلى 2.22 مليار دولار.
ووفق مصادر، فإن التجار الروس يظهرون مرونة في تقبل طرق الدفع، ويقبلون سداد مستحقاتهم بالروبية الهندية والدرهم الإماراتي، مضيفين: “الخصومات جذابة، وستستمر الهند في شراء الفحم الروسي”، بحسب ما نقلت رويترز.
خصومات تصل إلى 30%
قدّمت الوحدات البحرية لتجار الفحم الروسي، مثل سويك، وكيه تي كيه، وكاربو وان القبرصية، في أماكن مثل دبي وسنغافورة خصومات تتراوح بين 25% و30%، ما أدى إلى عمليات شراء كبيرة للفحم الحراري الروسي، من قبل التجار الذين يزودون شركات المرافق وصانعي الأسمنت.
وتُعد الهند ثاني أكبر مستوردي الفحم في العالم، وتعتمد عليه في توليد 70% من احتياجاتها من الكهرباء.
وتقبل وحدة سويك، التي تتخذ من سنغافورة مقرًا لها، المدفوعات بالدولار.
وحظر الاتحاد الأوروبي دوله من إبرام عقود جديدة للفحم الروسي، وبحلول منتصف أغسطس/آب المقبل، سيجبر أعضاءه على إنهاء العقود القائمة.
واشترت الهند فحمًا روسيًا بنحو 16.55 مليون دولار يوميًا، خلال الأسابيع الـ3 الماضية، حتى منتصف الشهر الجاري، أي أكثر من ضعف مشترياتها في الأشهر الـ3 الأولى التي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط، والتي بلغت 7.71 مليون دولار.
وبلغ متوسط مشتريات النفط الروسي 110.86 مليون دولار يوميًا في مدة الـ20 يومًا، أي أكثر من 3 أضعاف المبلغ الذي أنفقته في الأشهر الـ3 المنتهية في 26 مايو/أيار، والبالغ 31.16 مليون دولار.
وأظهرت بيانات تتبع السفن من “رفينيتيف أيكون” أن الهند ستواصل شراء الفحم الروسي خلال الأيام المقبلة.
ومن المتوقع أن تكون واردات يونيو/حزيران هي الأعلى في 7 سنوات ونصف السنة على الأقل.
وبدأت شحنات الفحم الحراري الروسي تتدفق إلى الهند في الأسبوع الثالث من مايو/أيار الماضي، بطلبات من شركات وتجار الأسمنت والصلب، وفقًا لبيانات الشحن التي رصدتها رويترز.
اقرأ أيضًا: هل تنقذ ورادات النفط والفحم الروسي الهند من ارتفاع أسعار الطاقة؟
وجدت الهند ضالتها في واردات النفط والفحم الروسي، لتأمين احتياجاتها من الوقود بالتزامن مع ارتفاع أسعار الطاقة لمستويات قياسية في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية.
ومع تضييق الدول الغربية الخناق على موسكو، وجد الفحم والنفط الروسي في نيودلهي منفذًا للتوسع في المبيعات التي عُرِضَت بأسعار مخفضة، مقارنة بصادرات الطاقة من الدول الأخرى.
تهدف الهند إلى زيادة وارداتها من النفط والفحم الروسي في محاولة لخفض تأثير الارتفاع الصاروخي في الأسعار، والذي نتج إلى حدّ كبير عن العمل العسكري الروسي في المقام الأول، حسبما ذكر تحليل لوكالة رويترز.
ويعرض مصدّرو الطاقة الروس شحنات بخصومات كبيرة، مع تجنّب المشترين التقليديين في أوروبا وآسيا السلع الروسية أعقاب الهجوم على أوكرانيا.
ظلت الهند حتى الآن متمسكة بحليفها القديم، رافضةً إدانة الغزو، وتتطلع نيودلهي إلى خفض فواتير استيرادها المعوقة من خلال التحول إلى واردات النفط والفحم الروسي.
الفحم الروسي
يُعدّ الفحم أفضل بديل فوري للهند، بالنظر إلى أن درجات الفحم الحراري الروسية تشبه ما تستورده الهند من أستراليا وجنوب أفريقيا، فضلًا عن أن هناك أيضًا تجارة راسخة في الوقود الملوث، مما يعني أن المشترين الهنود لديهم علاقات مع المصدّرين الروس.
وحصة روسيا من واردات الفحم الهندية صغيرة نسبيًا، إذ بلغت 3.4% فقط في عام 2021، مع 5.54 مليون طن من إجمالي الواردات البالغة 164.8 مليونًا، وفقًا لبيانات جمعتها رفينيتيف أيكون (وحدة أبحاث رويتر).
كانت أستراليا -التي تشحن الفحم الحراري وفحم الكوك إلى الهند- أكبر مورّد إلى نيودلهي بـ 64.91 مليون طن، تليها إندونيسيا 47.42 مليون طن، وجنوب أفريقيا 23.01 مليون طن.
وستسعى الهند إلى استبدال الشحنات الأسترالية والجنوب أفريقية بإمدادات من روسيا، نظرًا للارتفاع الهائل في الأسعار القياسية لهذه الدرجات منذ غزو أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي.
أسعار الفحم
جرى تقييم الفحم الحراري الأسترالي في ميناء نيوكاسل من قبل غلوبال كول عند 336.71 دولارًا للطن أمس الأربعاء، ورغم أن السعر يعدّ منخفضًا عن الارتفاعات الأخيرة فوق 400 دولار، فإنه لا يزال أعلى بكثير من 226.39 دولارًا للأسبوع السابق للهجوم الروسي.
حتى لو عادت أسعار الفحم الأسترالي والجنوب أفريقي إلى المستويات التي كانت عليها قبل غزو أوكرانيا، فإنها لا تزال مرتفعة للغاية بالنسبة للعديد من المرافق في الهند، والتي من شأنها أن تبيع الكهرباء بخسارة.
العديد من المعطيات تجعل الفحم الروسي المخفض أكثر جاذبية للهند، لكن المشكلة تكمن في لوجستيات الدفع الفعلي مقابل الشحنات ونقلها.
ورغم أن صادرات الطاقة الروسية لا تخضع للعقوبات الغربية، تراجعت المصارف وشركات التأمين وشركات الشحن عن التعامل مع روسيا وسط مخاوف من مخاطر على السمعة، بالإضافة إلى تحديات ترتيب المدفوعات.
قد تكافح الهند لتأمين أكبر قدر تريده من الفحم الروسي، بينما سيحاول المشترون في أوروبا تأمين المزيد من الشحنات من جنوب أفريقيا، في وقت قد يضطر بعض المستوردين الآسيويين -مثل اليابان وكوريا الجنوبية- إلى شراء المزيد من أستراليا لتحلّ محل الإمدادات الروسية.
النفط الروسي
من المرجح أيضًا أن تسعى الهند إلى الحصول على المزيد من النفط الروسي، بالنظر إلى أن خام الأورال الروسي يُقدَّم بخصومات تزيد عن 30 دولارًا للبرميل مقارنةً بمعيار برنت القياسي العالمي.
على غرار الفحم، لم تكن الهند مشتريًا رئيسًا للخام الروسي، إذ قدرت رفينيتيف التدفقات الداخلة بنحو 350 ألف طن شهريًا في عام 2021، أي ما يعادل نحو 84 ألف برميل يوميًا، وهو جزء ضئيل واردات الدولة الواقعة في جنوب آسيا الذي يُقدَّر بنحو 4.2 مليون برميل يوميًا.
وكانت مصادر قد كشفت قبل أيام عن أن الهند تخطط لزيادة مشترياتها من روسيا، وذلك للاستفادة من الخصومات الكبيرة التي تعرضها روسيا، حسب رويترز.
مصافي التكرير الهندية
سيتعين على مصافي التكرير في الهند التخطيط لمعالجة الخام الروسي، والذي من المحتمل أن يكون له صفات مختلفة عن درجات الشرق الأوسط الأكثر شيوعًا، إذ قد يتعين إعادة تشكيل بعض وحدات المصافي لمعالجة الخام الروسي، وتضيف عملية تبديل الدرجات إلى تحديات النقل المزيد من المعوقات التي قد تواجه نفاذ الشحنات الروسية إلى الأسواق الهندية.
يتعين على الهند أيضًا أن تزن فائدة الحصول على النفط الخام المخفض مقابل الدعاية العالمية السلبية المحتملة لمواصلة دعم روسيا، وسط اتهامات لموسكو من قبل الدول الغربية بأنها تشنّ حربًا غير قانونية في أوكرانيا.
قد ينزعج مورّدو الهند التقليديون في الشرق الأوسط أيضًا من فقدان حصتهم في السوق في الهند، على الرغم من أنهم على الأرجح سيكونون قادرين على بيع البراميل التي كانت ستذهب إلى الهند لعملاء آخرين يسعون لإيجاد بدائل للنفط الخام الروسي.
عمومًا، يبدو أن الهند ستكون قادرة على زيادة واردات النفط والفحم الروسي، ولكن ربما لن تكون بكميات كافية لتخفيض فاتورة وارداتها من الطاقة بشكل ملموس، حسبما ذكرت رويترز.
مزيد من شحنات النفط
من جهة أخرى، قالت مصادر تجارية، اليوم الخميس، إن شركة التكرير الهندية هندوستان بتروليوم قامت بشراء مليوني برميل من خام الأورال الروسي للتحميل في مايو/أيار.
وقالت مصادر، إن الشحنة باعتها شركة فيتول، وتأتي بعد شراء شركة النفط الهندية “إنديان أويل” أكبر شركة تكرير في البلاد، نحو 3 ملايين برميل من الدرجة الروسية نفسها هذا الأسبوع للتحميل في مايو/أيار.
ودفعت العقوبات الغربية على روسيا العديد من الشركات والدول إلى الابتعاد عن نفطها، مما أدى إلى انخفاض الخام الروسي لمستويات خصم قياسية.
ريلاينس تتجنّب الشراء
من جانبها، قد تتجنب شركة ريلاينس إندستريز الهندية، المشغّلة لأكبر مجمع تكرير في العالم، شراء الوقود الروسي لمصانعها في أعقاب العقوبات الغربية على موسكو بسبب غزوها لأوكرانيا.
وقال نائب الرئيس الأول ورئيس قسم الأعمال في الشركة، راجيش راوات: “حتى لو تمكنّا من الحصول على بعض الوقود من روسيا، فمن المحتمل أننا سنخرج منها بسبب العقوبات”.
تشتري ريلاينس من روسيا خام الأورال وزيت الوقود، في حين تشتري شركة التكرير الخاصة في الغالب لَقيمها البتروكيماوي من الشرق الأوسط والولايات المتحدة.
ودفعت العقوبات المفروضة على روسيا العديد من الشركات والدول إلى الابتعاد عن نفطها، مما أدى إلى انخفاض الخام الروسي إلى مستويات خصم قياسية.
وقال راوات، إن معظم إمدادات النفط من روسيا في الهند تذهب إلى الشركات التي تديرها الدولة.
وأضاف: “من المحتمل أن تستمر تدفقات التغذية هذه، أو قد يكون لها تأثير أقلّ مقارنة باللاعبين في القطاع الخاص، نظرًا لأننا نتعامل مع المصارف”.
المصدر: مواقع إلكترونية