ميدان جديد للحرب بين العمالقة على تخوم الوطن العربي.. كيف أزاحت الصين أميركا عن عرش تصنيع مكونات الطاقة الشمسية؟
يبدو أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين انتقلت إلى ميدان الطاقة الشمسية، وذلك بعد أن خيّب الرئيس جو بايدن آمال الحكومة الصينية في إلغاء الرسوم الجمركية متّبعًا خطى سلَفه -دونالد ترمب- أول من أشعل فتيل الأزمة بين البلدين.
وأصدر بايدن يوم الجمعة الماضية قرارًا بتمديد العمل بالرسوم الجمركية على معدّات الطاقة الشمسية، والذي صدر في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، لمدة 4 سنوات، مع استبعاد الألواح ثنائية الوجه التي تولّد الطاقة على كلا الجانبين، والتي تُستخدم بكثرة في المشروعات الأميركية الكبرى.
وتمتصّ الألواح ثنائية الوجه ضوء الشمس من الجانبين، وهو ما يزيد من كفاءة ومعدل إنتاجها للطاقة الشمسية مقارنة بالألواح أحادية الجانب.
استنكار صيني
قالت وزارة التجارة الصينية، إن تمديد الرسوم الجمركية الأميركية على منتجات الطاقة الشمسية يضرّ بالتجارة العالمية، ويعرقل خطط التحول الأخضر نحو بيئة نظيفة خالية من الانبعاثات.
وفرض ترمب الرسوم الجمركية على ورادات الطاقة الشمسية للمرة الأولى في عام 2018، بقيمة 30%، وظلّت تتراجع بقيمة 5% كل عام، وصولًا إلى 15%.
واستنكرت وزارة التجارة الصينية إصرار الولايات المتحدة على تمديد العمل بالرسوم الجمركية رغم المعارضة المحلية والدولية، مؤكدة أن القرار يضرّ الصناعة المحلية الأميركية، ويُلحق أضرارًا بالغة بالتجارة الدولية في الخلايا الكهروضوئية، كونها منتجًا جديدًا للطاقة.
وأعربت بكين عن أملها في أن تتخذ الولايات المتحدة إجراءات حاسمة لتسهيل التجارة الحرة بمنتجات الطاقة الجديدة، والإسهام في التنمية الدولية لاقتصاد منخفض الانبعاثات.
وبدأت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في عام 2019، إذ تبادلت القوّتان العظميان فرض رسوم جمركية على بعضهما تُقدَّر بمليارات الدولارات.
وفرض ترمب رسومًا جمركية بنحو 250 مليار دولار على البضائع الصينية، لحماية المنتجات الأميركية من هيمنة البضائع الصينية والممارسات التجارية الصينية “غير العادلة”، على حدّ وصفه، في حين فرضت الصين رسومًا على 110 مليارات دولار من المنتجات الأميركية.
قال الرئيس الأميركي جو بايدن: “أعتقد أن تمديدًا لهذا الإجراء الوقائي سيؤدي إلى فوائد اقتصادية واجتماعية أكثر مما سينتج عنه من تكاليف”.
ودفعت الزيادة في الرسوم الجمركية وزيادة الطلب المحلي مصنّعي الطاقة الشمسية في الصين إلى التركيز على زيادة الإنتاج محليًا.
وسجلت معدلات إنتاج الطاقة الشمسية في الصين مستويات قياسية خلال 2021، لتصل إلى 306.6 غيغاواط، مقابل 54.9 غيغاواط العام الماضي.
وتهدف الصين إلى أن يصل إجمالي إنتاج الطاقة النظيفة من الرياح والطاقة الشمسية، 1200 غيغاواط بنهاية العقد، من 635 غيغاواط في نهاية العام الماضي.
وتُعدّ الصين أكبر دولة في إنتاج الطاقة الشمسية، تليها غريمتها التقليدية -الولايات المتحدة- بفارق كبير، وتمثّل بكين وحدها 35.6% من إجمالي السعة العالمية، في حين تُشكّل أميركا 10.6%.
وفي عام 2019، أنتجت الشركات الصينية نحو66% من البولي سيليكون في العالم، وهو أساس صناعة الألواح الشمسية، وتستهدف الصين التحول الى دولة خالية من الانبعاثات الكربونية في عام 2060.
تسعى مصادر الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة الأميركية في عهد الرئيس بايدن لترسيخ وجودها في الأسواق، رغم المنافسة الصينية الشديدة التي أزاحتها عن عرش صناعة الطاقة الشمسية، ونالت مركز الصدارة في تصنيع مكونات أنظمتها.
وتتّسم أجواء التنافس باتخاذ الولايات المتحدة إجراءات تجارية وقانونية وعقابية تجاه الصين، لاضطهادها مسلمي الإويغور في إقليم شينجيانغ الصيني، مصدر تصنيع مكوّنات جميع ألواح الطاقة الشمسية التي تُباع في أنحاء العالم.
ولتسليط الضوء على هذا الموضوع، كتبت مراسلة شؤون الطاقة والبيئة لدى وكالة بلومبرغ، جينيفر دلوهي، مقالًا بعنوان “كيف تغلّبت الصين على الولايات المتحدة لتصبح بطلة العالم للطاقة الشمسية؟”، استعرضت فيه جوانب التنافس والسياسات المتبعة والآفاق المستقبلية.
إمدادات أنظمة الطاقة الشمسية
تذكر الكاتبة أن الصين تنتج 3 أرباع إمدادات العالم من أنظمة الطاقة الشمسية، وأنها أصبحت بلا منافس في هذا الميدان، في حين أن الولايات المتحدة -التي أنفقت مليارات الدولارات من الحوافز الحكومية، وقطع رؤساؤها وعودًا بدعم الصناعة- فشلت في إرساء صناعة منافسة للصين.
وتشير جينيفر -في مقالها- إلى أن افتتاح مصنع الألواح الشمسية بقيمة 440 مليون دولار في مدينة “هيلسبورو” بولاية أوريغون في عام 2008 مثّل نقلة نوعية في ظل المخاوف من تبعات تغيّر المناخ.
واستبشر الأميركيون بتأكيدات البيت الأبيض ووعوده، والمجالس التشريعية، أن الطاقة الشمسية ستصبح أحد أسرع مصادر الطاقة نموًّا، وأن هذا القطاع سيوفّر فرص عمل مستقرة وتحلّ محل وظائف قطاع النفط ومناجم الفحم.
عوامل تفوّق الصين
تقول مراسلة بلومبرغ، جينيفر دلوهي، إن بكين حرصت على تأكيد تفوّق نموذج السوق الاشتراكية لديها، إذ وظّفت الاستثمارات الحكومية في تصنيع الطاقة الشمسية، وتغلّبت على الولايات المتحدة.
وجدير بالذكر أن الصين تصنع -حاليًا- معظم كميات البولي سيليكون، في العالم، التي تُمثّل المادة الأساسية لتصنيع الألواح الشمسية، في إطار سلسلة الإمداد الشاملة التي أنشأتها.
وأبدت الصين استعدادها لدعم العمليات غير المربحة، كما حافظت على الحد من تكاليف القوى العاملة، لتبقى دون مستويات البلدان الصناعية.
ولم تولِ الصين اهتمامًا بدعوات نشطاء البيئة لإغلاق محطات توليد الكهرباء بالفحم، التي تزوّد مصانع معدات الطاقة الشمسية بالكهرباء زهيدة الثمن.
ويزعم أحد منتقدي السياسة الصينية، عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية أوريغون، رون وايدن، أن ممارسات الصين التجارية غير عادلة، وأنها سخّرت العمالة القسرية في سلسلة التوريد لديها، وهذا ما ساعدها في التفوّق على الولايات المتحدة.
ويقول المحللون إن عزم الصين على الهيمنة على السوق لعب دورًا أساسيًا في نجاح إستراتيجيتها في تصنيع الطاقة الشمسية.
فشل الشركات الأميركية
قالت رئيسة قسم تحليل الطاقة الشمسية لدى مركز بلومبرغ لتمويل الطاقة الجديدة، جيني تشيس، إن الشركات الأميركية التي صنعت 22% من أنظمة الطاقة الشمسية -قبل 20 عامًا- تنتج 1% فقط داخل الولايات المتحدة، حسبما نشر موقع بلومبرغ.
وأضافت أن معظم المصانع الـ75 -التي كانت تنتج مكونات أنظمة الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة- قد أغلقت، وبعد 13 عامًا من افتتاحه، أغلق مصنع “هيلسبورو” أبوابه، إذ خسر نحو 170 موظفًا فيه وظائفهم في شهر مارس/آذار الماضي.
ولم تُجدِ الرسوم الجمركية المشددة التي فرضها الرئيسان السابقان باراك أوباما ودونالد ترمب على الصين، في انتقال المصانع منها إلى دول آسيوية أخرى.
وبخلاف الصين عاقبت الولايات المتحدة الخصوم التجاريين، وقدّمت حوافز قصيرة الأجل، ما حفّز الصين على مواصلة التنافس دون أن تشهد المصانع الأميركية نقلات نوعية.
وستلقي السياسات الفاشلة للرؤساء الأميركيين السابقين بظلالها على صناعة الطاقة الشمسية، رغم تعهّدات الرئيس بايدن بجعل استثمارات الطاقة المتجددة في صميم مبادراته المتعلقة بتغيّر المناخ وخطة البنية التحتية التي تُقدّر بمليارات الدولارات.
الآفاق المستقبلية
تقول مراسلة بلومبرغ، جينيفر دلوهي، إن وفاء الرئيس بايدن بوعوده في أن توفّر سياسة المناخ مزيدًا من الوظائف ليس بالأمر السهل.
وتشير توقعات المحللين إلى أنه رغم توظيف 30 ألف شخص في تصنيع الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة، كحد أقصى، سيكون من الصعب تحمّل خسارة التنافس في مضمار الطاقة النظيفة مستقبلًا.
وترى كاتبة المقال أن كلا البلدين مهتم بالتنافس في صناعة السيارات الكهربائية، وقد تعهّد الرئيس بايدن بتفوّق الولايات المتحدة في تصنيع تلك السيارات.
ولفتت دلوهي إلى أنه رغم سعي ولاية ديترويت الأميركية لإحداث ثورة في صناعة السيارات الكهربائية لا يزال الكونغرس منهمكًا في إقرار الإعفاءات الضريبية ودفع رسوم محطات الشحن.
وفي المقابل، ركّبت الصين نحو 800 ألف جهاز شحن عام، وهو ما يعادل 8 أضعاف العدد في الولايات المتحدة.
واستثمرت بكين حزمة الإعانات والحوافز الضريبية والقروض منخفضة الفائدة لدعم مصانعها وتطويرها، واحتلّت المرتبة الأولى في إنتاج السيارات في العالم، على مدى 6 سنوات متتالية.
وفي خضمّ التنافس تُصنِّع مئات الشركة الصينية السيارات الكهربائية في عشرات المصانع المتخصصة، بغرض الاستفادة من انخفاض أسعار أشباه الموصلات والبطاريات، حسبما نشر موقع بلومبرغ.
ويعتزم الرئيس شي جين بينغ جعل الصين قوة صناعية عظمى، بوصفها جزءًا من إستراتيجية شاملة ترمي إلى الهيمنة على صناعة الألواح الشمسية عالميًا.
تقول جينيفر دلوهي إن تربُّع الصين على عرش صناعة الألواح الشمسية دفع المؤيدين السابقين لإستراتيجية الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة إلى الكفّ عن منافسة الصين والاكتفاء بوظائف التركيب التي وفّرتها المعدات الصينية منخفضة التكلفة.
وقال الحاكم السابق لولاية أوريغون الأميركية، توم هيوز، إن فقدان موظفي شركة إنتل وظائفهم أظهر مخاطر اعتماد مدينة “هيلزبورو” على قطاع التكنولوجيا الفائقة المتقلّب.
وفي المقابل، وعدت شركة “سولار وورلد” الأميركية بتوفير عمال السيليكون المدربين وائتمان ضريبي حكومي يعوّض 35% من تكاليف المشروع، كما أطلقت الكليات المحلية برامج لتدريب العاملين في تصنيع الطاقة الشمسية.
وأسهم تدفق الإمكانات في حفز توم هيوز لحشد مُصنّعين آخرين لدعم صناعة الطاقة الشمسية في ولاية أوريغون، بناءً على وعد شركة باسيفيك نورثويست الأميركية.
وأوضح هيوز أن مساعيه جذبت 12 شركة إلى المدينة، لكنّ كل شيء انهار قبل مواصلة دعم الشركات.
وقالت جينيفر أ. دلوهي إن الألواح الشمسية التي صنعتها شركة “سولار وورلد” في الولايات المتحدة أخفقت في منافسة نظيرتها الصينية الرخيصة، لدرجة أن مركز مؤتمرات ولاية أوريغون اختار المعدّات الصينية.
المصادر : مواقع الكترونية عربية – الطاقة