منوعات

لماذا لا تسقط الطيور عن الأغصان أثناء نومها؟

هل تساءلت يوماً عن آلية نوم الطيور على الأغصان؟ إذا ما دققت جيداً، ستجد عصفوراً مثلاً ينام وهو يغلق مخالبه على الغصن…

وأحياناً تجده ينام بعين مفتوحة وأخرى مغلقة بل إن بعض الطيور كالببغاء قد تتعلق رأساً على عقب في الشجرة لأخذ غفوة. فكيف يمكن لهذه الكائنات أن تقوم بذلك؟

سنحاول في هذ المقال أن نعرف جواب العلم على هذا السؤال البسيط لكن المحير فعلاً.

نوم الطيور مختلف!

على الرغم من أن الطيور تنام، إلا أنها لا تنام مثلما يفعل البشر. أولاً إنها تنام أقل منا بكثير. فالبشر وبقية الثدييات بشكل عام لديهم دورات نوم أطول مقارنة بالطيور.

وبالنسبة لهم، فنوم الريم REM (وهو الجزء من دورة النوم عندما يكون النوم أعمق ما يمكن وأيضاً عندما نحلم) يدوم لعدة دقائق في الثدييات، في حين أنه بالكاد يصل إلى عشر ثوان في الطيور. فالطيور تنام بشكل رئيسي من خلال أخذ العديد من الغفوات القصيرة.

كما يمكن أيضاً للطيور أن تعدل من شدة نومها فيمكن لها أن تنام بنصف دماغ واحد مستيقظ ونصف دماغ نائم، وقد تلاحظ ذلك عندما تنظر إلى الطائر وترى عيناً واحدةً من عينيه مفتوحة.

والعين التي تكون مفتوحة تكون متصلة بنصف الكرة المخي المعاكس، لذلك إذا رأيت العين اليمنى مفتوحة فهذا يعني بأن نصف الدماغ اليساري هو المستيقظ والعكس بالعكس.

إن أسلوب النوم المرن والخفيف هذا يسمح للطيور بأن تهرب مباشرةً عند اقتراب مفترس حتى لو كانت في منتصف غفوة لها.


بل أكثر من ذلك: لا تنام جميع الطيور في أعلى الأغصان، فطيور كالنعام على سبيل المثال وهي أضخم الطيور على سطح الكوكب لا تستطيع تسلق الأشجار حتى لو كانت حياتها تعتمد على ذلك، ومعظم الطيور التي لا تطير تنام على الأرض مختبئة بين أوراق الشجر أو رأسها في الرمال.

كما أن بعض الطيور الأخرى تنام وهي واقفة على رجل واحدة في المسطحات المائية قليلة العمق مثل طيور الفلامينغو.

الآلية الأوتوماتيكية لإمساك الطائر بالغصن

عندما يغط الطائر في النوم، فإن جسده يمر بسلسلة من التغيرات الفيزيولوجية. إحدى هذه التغيرات تكون بأن العضلات تفقد من شدّها ويحصل هذا كنتيجة لتقليل تحكم الدماغ بحركة العضلة إضافة إلى العديد من التغيرات الفيزيولوجية الأخرى كي يتمكن الطائر من الوقوف، فكما نعلم إن الوقوف متوازناً تماماً على غصن في حين تكون العضلات مرتخية ليس بالأمر السهل.

عندما يقرفص الطائر فإن مخالبه تنحني أوتوماتيكياً وتقبض بشدة بالغصن على سبيل المثال، ولن تفلت المخالب قبضتها حتى تتمطط الرجل. هذا القفل يحدث بسبب آلية تصرف النسيج الذي يرتبط بالعضلات والذي يساعد العضلة على الانحناء وكيفية توضعه في الأرجل، فعندما ينحني كاحل وركبة الطائر يتمدد هذا النسيج حانياً معه المخالب.


وما يساعد هذه الآلية على الحصول أيضاً هو أن هذا النسيج له سطح خشن في حين أنه يكون ناعماً في معظم الحيوانات الأخرى، وهذا السطح الخشن يخلق الاحتكاك الذي يساعد على قفل الرجل في مكانها. إن هذه الآلية الميكانيكية هي ميزة في معظم الطيور وتسمح لها أن تتمسك بالأغصان بشدة دون القلق من أن تفقد إحكام قبضتها عليها وتسقط.

وليست فقط الطيور التي تقف على الأغصان من الأعلى هي التي تستفيد من هذه الميزة، فالببغاوات مثلاً تنام وهي معلقة نحو الأسفل من خلال نفس الآلية. بل إن هذه الآلية نفسها مفيدة في أشياء أخرى أيضاً.

فمن أجل الطيور المفترسة على سبيل المثال، يمكن لهذه القبضة الصلبة أن تمسك الفريسة أثناء طيران هذا الطائر إلى مكان آمن كي يتغذى عليها، كما أنها تساعد الطيور على التسلق والسباحة والتعلق.

الاستثناءات لقاعدة الإقفال السابقة لدى نوم الطيور

لقد بينت عشرات الأوراق العلمية أن هذه الآلية موجودة في العديد من أنواع الطيور المختلفة ولقد تبين لوهلة أن القضية قد أغلقت. إلا أن ورقة بحثية نُشرت عام 2012 وجدت بأن المدعوّة طيور الزرزور الأوروبي (European Starlings) النائمة لا تستخدم هذه الآلية عندما تنام.

فقد لاحظ الباحثون أن هذه الطيور تثني ركبها لمسافة قليلة فقط وليست كافية كي تعمل آلية الإقفال السابقة.

نتيجة لذلك كانت الأصابع إلى حد بعيد غير مثنية وقد كانت الطيور تتوازن حول النقطة المركزية من أرض القدم أثناء نومها. إضافة إلى ذلك فقد وجدوا بأنه عندما تم تخدير الطيور لم تتمكن هذه الطيور من التوازن على الأغصان. هذه النتائج تعني بأنه هناك المزيد لفهمه حول آلية توازن الطيور أثناء نومها إضافة إلى المقاربة السابقة البسيطة التي كنا نظنها هي الحل.


كيف تتوازن الطيور على الأغصان؟

دون آلية الإقفال التي ذكرناها لا بد من أن يكون لعضلات الطيور بعض الشد، وهناك بعض الأدلة التي تقترح بأنه يمكن للطيور إذا ما اقتضت الحاجة ألا تجعل عضلاتها ترتخي بالكامل. فقد بين البحث على طيور كالإوز والفلامينغو وغيرها أنه يمكن للطيور أن تحافظ على شد محدد للعضلات عندما يتطلب الأمر منها ذلك، وقد يكون لذلك علاقة بقدرة الطيور على إبقاء أحد نصفي الدماغ مستيقظاً وحقيقة أن لديها دورات ريم قصيرة، لا سيما وأننا نحتاج إلى شد عضلي محدود للغاية لإبقاء الطائر متوازناً حتى لو كان ذلك أحياناً على قدم واحدة.

على أية حال، إضافة إلى شد العضلات، فقد تكون هناك عوامل أخرى تلعب دوراً لإبقاء الطائر متوازناً على الغصن أثناء نومه، إلا أنه توجد هناك القليل من الأبحاث التي تحمل أدلة قاطعة على آلية توازن الطيور أثناء نومها وعن الآليات العصبية والفيزيولوجية التي تحكم هذا السلوك. اكتشاف مثير مثلاً وجد بأن الطيور، وخاصةً تلك التي تتوازن على الأغصان، لديها عضو توازن في أوراكها في مكان قريب من مؤخراتها. وهذا العضو قد يسمح للطيور بالحفاظ على توازنها إضافة إلى الأجزاء في أدمغتها المسؤولة عن ذلك. فإذا ما انحرف الطائر قليلاً عن التوازن، فإن هذا العضو يلعب دوراً في إعادته إلى الوضع المطلوب. إلا أن هذا لا يزال في المرحلة الحالية عبارةً عن تخمين محض، إذ ليس هناك دليل قاطع على الأمر بعد.

إن دراسة نوم الطيور لها العديد من التحديات. إذ أن الطيور هي كائنات متنوعة للغاية: فأجسادها وفيزيولوجياتها وسلوكياتها يمكن أن تكون مختلفة للغاية اعتماداً على أنواعها وأجناسها وعائلاتها المدروسة، ودورات النوم لديها تختلف بنفس القدر. فآلية نوم النعامة مختلفة بشكل كبير عن آلية نوم الفلامينغو مثلاً، وتشبيههما لبعضهما هو أمر غير حكيم.

وحتى عندما ننظر إلى آلية الإقفال الأوتوماتيكية التي تحدثنا عنها في البداية، فإن شكل قدم الطائر يلعب دوراً، وأشكال الأقدام تطورت لتلائم غايات مختلفة في الأنواع المختلفة، لذلك فشكل وقفة الطيور وحركتها قد يكون مختلفاً أيضاً. إذاً قد لا نعلم القصة كاملة حتى الآن، ولكن لا يمكننا أن ننكر بأنها لحقيقة مذهلة حقاً كيف تتمكن الطيور من موازنة نفسها أثناء نومها كل يوم.

 

Nasser Khatip

محرر مقالات_سوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى