في مطلع الثلاثينيات، وُلد محمود العربي، في محافظة المنوفية، وقد عانى في عمر صغير، مرار فقد الأب، وبدأ مبكرًا النزول لسوق العمل، ليعمل في متجر لبيع الأدوات المكتبية.
وبدأ محمود العربي رحلة العمل في القاهرة، ولم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره، وعمل لسنوات في متجر الأدوات المكتبية، وظل فيه حتى اكتسب أول خبراته العملية.
في هذا العمر، كان محمود يوفر مبلغا ب 30 او 40 قرشاً سنوياً – وليس شهريا – ، ثم يذهب الى القاهرة قبل العيد ليشتري بضاعة من الألعاب النارية والبالونات ، ثم يعود بها الى بلدته ” قرية أبو رقبة ” ليبيعها الى أقرانه.
لم يحصل الطفل على أي درجة تعليمية، وتوقف تعليمه عند الرابعة الإبتدائية ، ثم ترك التعليم ليلتحق بمصنع في القاهرة للعطارة، وعمل بعض الوقت في مهن مختلفة، الى أن قرر أن يدخل مرحلة جديدة من حياته.
يقول: ” أنا لا أملك أي شهادة تعليمية، ولم أحصل على الدرجة الإبتدائية. خرجت من التعليم في الرابعة الإبتدائية، وتوجهت الى التجارة ، ثم الي الصناعة التي تخدم التجارة “.
شراكة وتوسعات تجارية
بدأ محمود العربي يفكر بجدية، في ضرورة أن يكون له عمله الخاص، وذلك من الستينيات، رغم أنه في ذلك الوقت لم يكن لديه رأس مال يسمح بذلك، ورأى إمكانية تحقيق ذلك من خلال مشاركة اثنين من زملائه، وقد شارك واحد من ثلاثتهم برأس المال، أما الآخران فشاركاه بالمجهود.
وبالفعل تم افتتاح أول متجر لهؤلاء الثلاثة في محافظة القاهرة، ولم تجر الأقدار في صالح هذا المتجر، إذ مرض أحد الشركاء، وانشغل آخر، ولم يكن أمام محمود العربي سوى أن يدير المتجر، وحده.
قضى محمود العربي ساعات طويلة، كل يوم، في ذلك المتجر، فشهد أول نجاح له، إذ بدأ يحقق أرباحًا تفوق المتاجر المجاورة، والتي تعمل في نفس القطاع، وقد أسهم في ذلك أخلاقه التي شهد لها من تعامل معه، لاسيما في بداية انطلاقته في عالم التجارة.
وقد اعتمد محمود العربي في إدارته لهذا المتجر، على إغراء العملاء، بعروض وتخفيضات مستمرة، بجانب تنظيم عمل المتجر، والاهتمام، في المقام الأول، بخدمة العملاء.
وقد استمرت الشراكة بين هؤلاء الثلاثة، لمدة عامين، ثم استقل محمود العربي عنهما، من خلال متجر آخر، خاص به، والذي نجح منذ بداية تأسيسه، فتبعه متجر آخر، افتتحه بعد فترة وجيزة، وتوالت النجاحات، حتى تحولت متاجر محمود العربي، إلى شركة مساهمة.
لكن تضررت بعض هذه المتاجر، بسبب بعض العوارض الاقتصادية خلال هذه الفترة الزمنية، ليقرر من بعدها ضرورة أن يتجه لقطاعات حيوية، مثل تجارة الأجهزة الكهربائية، مثل الراديو والتلفاز وغير ذلك.
إنفتاح على الأسواق الخارجية
ومع حالة الانفتاح التي شهدها عصر الرئيس الراحل محمد أنور السادات، تسارعت وتيرة صعود عددًا من القطاعات، ومنها تلك القطاعات المعتمدة على الاستيراد من الخارج، وهو الأمر الذي شجع محمود العربي، لاقتحام هذه المجالات، وتحقيق إنجازات ملموسة فيها.
سافر العربي الى اليابان، وقد نفسه بإعتباره رجل صناعة مصري ملتزم أمام اليابانيين، ليحصل على توكيل إحدى العلامات التجارية اليابانية المميزة التي كانت مزدهرة بشكل كبير. وهو ما لفت أنظار شركة توشيبا اليابانية تحديداً.
وحدث ذلك على يد أحد اليابانيين، الذي كتب لشركة توشيبا اليابانية، التي يعمل بها، تقريرًا عن متاجر محمود العربي، وما لمسه فيها عندما زار القاهرة في جولة تفقدية، من كفاءة واقتدار، في إداره وإنجاز العمل.
وكان تقرير هذا الياباني بمثابة الضوء الأخضر لتوشيبا اليابانية، للتعاقد مع محمود العربي، ومنحه توكيلًا لإحدى شركاتها، ليصبح هو القائم على بيع منتجـاتها فى مصر.
لم يقف محمود العربي عند هذا الحد، بل زار دولة اليابان عدة مرات، وبعد مناقشات طويلة نجح في إقناع اليابانيين لإنشاء مصنع كبير تابع لشركة توشيبا في مصر، بحيث يتولى هذا المصنع إنتاج أجهزة كهربائية ذات جودة عالية، وتصنيعها داخل مصر ، بدلاً من إستيرادها من اليابان.
نهاية الرحلة والوفاة
في العام 1982، بنى محمود العربي مجمعا صناعياً في مدينة بنها المصرية ، ثم توسعت أعمال العربي لترفع شراكاتها مع الشركات اليابانية الاخرى مثل سوني وهيتاشي.
مؤخراً، وصلت عدد منتجات مجموعة العربي الى أكثر من 400 منتج يتم توزيعها في مصر و22 دولة حول العالم ، وتشمل اكثر من 2800 مركز بيع ، و180 مركز ما بعد البيع.
في العام 2009، حصل الحاج محمود العربي على أرفع وسام ياباني على الإطلاق ، وهو وسام الشمس المشرقة ، من الإمبراطور الياباني شخصياً ، وذلك لدور محمود العربي في دعم العلاقات اليابانية المصرية.
توفى الحاج محمود العربي في العام 2021 ، عن عمر يناهز 89 عاماً ، ليغيب التراب واحداً من أهم النماذج العصامية المصرية ، لشخص بدأ من تحت الصفر، وتحول الى رائد الصناعات في مصر والمنطقة، بثروة كبيرة وعدد كبير من المصانع المنتشرة في مصر والمنطقة العربية.
اليوم تضم مجموعة العربي حوالي 40 ألف موظف، وتحول الطفل القادم من بلدة أبو رقبة البسيطة الى رمز من رموز الصناعة المصرية، بثروة قدرت بحوالي مليار ونصف المليار جنيه لحظة وفاته. وكان للحاج محمود علامات مهمة في تنمية المجتمع المصري والأعمال الخيرية، بالإضافة الى تميزه في التجارة والصناعة.يقول الحاج محمود العربي في أحد تصريحاته:
“بدأ العمل معي شخص واحد وتمنيت حينها أن يكون معانا 10.. في عام 2000 كان وصل عدد العاملين معي ألفي عامل. أقول معنا ، ولا أقول أن أحد منهم كان يعمل عندي. لأنه في الحقيقة يعمل معنا ونعمل معه ، وأصبحنا نزيد كل سنة ألف شخص ، وكلما وسّعنا العمالة يزداد كرم الله علينا. القصة ليست فقط قصة مال ، بل رزق وبركة ” !