جدل لا ينتهي.. هل الأرض كروية أم مسطحة؟
عام 2017 نشر المغني الأميركي “بوبي راي سيمونز” Bobby Ray Simons تغريدات على موقع تويتر أثارت جدلا واسعا. فقد زعم أن الأرض مسطحة، واستدل على ذلك بأنه لو كان هناك انحناء حقا لما رأينا المدن البعيدة عند النظر إلى الأفق البعيد. ودشن مغني الراب الشاب حملة تبرعات لإطلاق قمر اصطناعي لإثبات أن الأرض مسطحة وليست كروية.
ولكن سيمونز ليس سوى واحد من مئات المؤيدين لنظرية أن الأرض مسطحة، فقد أجرت شركة “يوغوف” YouGov للأبحاث استطلاعا للرأي عام 2018 عن معتقدات الأميركيين عن شكل الأرض، وخلص الاستطلاع إلى أن 2% من الأميركيين البالغين مقتنعون بأن الأرض مسطحة، وأبدى 14% من الشباب الأحدث سنا تشككا حيال شكل الأرض.
حركة الأرض المسطحة
انضم سيمونز حديثا إلى جمعية الأرض المسطحة Flat Earth Society التي تأسست في خمسينيات القرن الماضي، وتضم الآن مئات الأعضاء. وتستند إلى أفكار المخترع البريطاني في القرن الـ 19 صموئيل بيرلي روبوثام الذي استمد آراءه عن شكل الأرض من التفسير الحرفي لفقرات من العهد الجديد.
ورأى روبوثام أن الأرض قرص منبسط يتوسطه القطب الشمالي ومحاط بمحاذاة حافته الجنوبية بجدار من الجليد، وتبعد الشمس والقمر والكواكب والنجوم عن سطح الأرض مئات الأميال فقط.
ويزعم المؤمنون بهذه النظرية أن موظفي وكالة ناسا الفضائية يحرسون الجدار الجليدي المحيط بالأرض لمنع الناس من تسلقه خشية السقوط من حافة القرص. وبحسب تقرير نشرته مجلة “فوربس” Forbes خطط بعض المؤيدين لنظرية “الأرض المسطحة” لتدشين بعثة استكشافية للقارة القطبية الجنوبية بحثا عن “حافة الأرض”.
أما عن الصور التي التقطت من الفضاء، فيزعم مؤيدو هذه النظرية أنها مجرد خدعة نسجتها وكالات الفضاء العالمية بمشاركة حكومات عديدة. ويقولون إن الظلال التي تبدو على القمر أثناء الخسوف القمري ليست ظلال الأرض، بل ربما تكون ظلال جرم سماوي آخر.
كيف أثبت اليونانيون كروية الأرض؟
كان معظم الفلاسفة والعلماء الإغريق عام 500 قبل الميلاد يعتقدون أن الأرض كروية. وبحسب موقع “الإدارة الوطنية لبحوث المحيطات والغلاف الجوي “نوا” NOAA فإن أرسطو قدر مسافة محيط الأرض (بمحاذاة خط الاستواء) بنحو 45 ألف ميل. وعام 250 قبل الميلاد، أثبت الفيلسوف الإغريقي إيراتوستين أن الأرض كروية مستدلا بعصا وزاوية سقوط الشمس.
إذ لاحظ إيراتوستين أن الشمس وقت الظهيرة، في أطول أيام الصيف، تضيء بئر عميقة في مدينة أسوان (سين قديما) دون أن تلقي أي ظلال، ثم قاس زاوية الظلال التي تلقيها عصا وقت الظهيرة في نفس اليوم بمدينة الإسكندرية شمالا، ووجد أنها كانت 7 درجات.
فلو كانت الأرض مسطحة لكانت زاوية سقوط الشمس متطابقة بالمدينتين. وتوصل إيراتوستين إلى أن محيط الأرض ينبغي أن يعادل 50 ضعف المسافة بين الإسكندرية وأسوان، أي يبلغ نحو 25 ألف ميل، علما بأن القياس المقبول لمحيط الأرض في الوقت الراهن يبلغ 24 ألفا و855 ميلا.
واستدل العلماء الإغريق قديما بأدلة أخرى على كروية الأرض، منها مواقع النجوم والكوكبات النجمية التي تبدو مختلفة في نصف الكرة الأرضية الشمالي عنها في الجنوبي، ولاحظوا ظلال كوكب الأرض المستديرة على القمر أثناء خسوف القمر.
وتطور عبر السنين علم مساحة الأرض “الجيوديسيا” Geodesy لقياس مساحة الأرض وقوة جاذبيتها وتحديد شكلها ونمط دورانها، واستطاع العلماء تقديم قياسات دقيقة تثبت كروية الأرض.
وبفضل التطورات في قطاع الطيران، وصل المصورون إلى ارتفاعات لم يكن بوسع الفلاسفة اليونانيين الوصول إليها في الماضي، وسجلوا بكاميراتهم انحناء الأرض. ووثق رواد الفضاء والمسابير الفضائية كروية الأرض بصور واضحة من مسافات بعيدة.
بيد أن الأرض ليست كروية تماما. فإنها أقرب إلى الشكل البيضاوي منه إلى الكروي. إذ يبدو كوكب الأرض مسطحا نسبيا عند خط الاستواء، بسبب قوى الطرد المركزي الناتجة عن دوران الأرض الدائم.
وترتفع الجبال 30 ألف قدم عن سطح البحر، ويصل عمق المحيطات إلى 36 ألفا، وكل هذه العوامل تشوه شكل الأرض. وتتسبب التفاوتات الدقيقة في المجال المغناطيسي للأرض في ظهور التلال والوديان.
ناهيك عن أن شكل الأرض دائم التغير. وقد يطرأ هذا التغير تارة في فترات منتظمة، مثل المد والجزر اليومي الذي يؤثر على المحيط والقشرة المحيطية، وتارة على فترات زمنية طويلة وببطء، مثل انحراف الصفائح التكتونية. وقد يكون هذا التغير عنيفا ومفاجئا، كما هو الحال في الزلازل والبراكين.
ظواهر طبيعية تثبت كروية الأرض
ثمة طرق أخرى للتأكد من كروية الأرض بالعين المجردة. فإذا ذهبت إلى الميناء ونظرت إلى السفن أثناء مغادرتها الميناء فستلاحظ أنها تختفي تدريجيا في الأفق، بدءا بالبدن وانتهاء بالصاري.
وثمة ظاهرة أخرى تدل على دوران الأرض وكرويتها وهي “قوة كوريليوس” Coriolis force التي تؤثر عموديا على اتجاه حركة الكتلة التي تدور. وهذا التأثير يفسر دوران الأعاصير الدوامية باتجاه الساعة في نصف الكرة الأرضية الجنوبي، وعكس اتجاه الساعة في نصف الكرة الأرضية الشمالي.
وفي الوقت الذي أنكر بعض المؤمنين، بأن كوكبنا مسطح، وجود انحناء بالكرة الأرضية، بالقول إنه لو كان هناك انحناء بالفعل لاختفت المدن البعيدة والمباني المرتفعة التي نراها بالأفق، فقد فند علماء مزاعمهم بالقول إن صورة هذه المباني مجرد سراب يتشكل عند وجود طبقة من الهواء البارد الكثيف فوق طبقة من الهواء الأقل كثافة والأكثر دفئا، كما هو الحال أيام الصيف القائظة، فإن الأرض الدافئة تعمل على تسخين الهواء بالقرب منها، وتنكسر أشعة الشمس لتشكل السراب. ولهذا قد نرى أحيانا السفن البعيدة تطفو في الهواء.
المصدر : الجزيرة