ما هو سر الدوائر الكبيرة التي لا يعرف بها معظم سكان الأردن وسوريا؟
مهما بلغنا نحن البشر من علمٍ ومعرفة، وكان لدينا الطّرُق والآليات الخاصة باكتشاف كل جديد، يفاجئنا الكون في كل مرة بإحدى عجائبه، ويجعلنا نبحث ونتبحّر في الكم الهائل من المعلومات، نربط الأحداث ونستثني غير الواقعي منها، آملين في الوصول إلى حقيقة كل شيء في الحياة.
بالحديث عن العجائب، التُقطت صور دوائر حجرية قديمة وضخمة في الشرق الأوسط، كشفت عن تفاصيل هيكلية يكتنفها الغموض منذ عقود، لنتعرّف عن كثب عما توصّل إليه العلماء بالنسبة إلى تلك الدوائر.
حقيقة وجود دوائر كبيرة في الشرق الأوسط
التقط علماء الآثار في الأردن صورًا جوية ذات دقة عالية جدًا، تُظهر إثنى عشر دائرة كبيرة، ثمانية منها تقع في غرب وسط الأردن، بين وادي الأحساء وحافة جرف الشرع، وأربعة تتمركز شمال واحة الأزرق، يبلغ قطر كل دائرة حوالي (220-455) متر. يقول العلماء، هذه الدوائر عبارة عن جدران حجرية مرتفعة لا يزيد ارتفاعها عن بضعة أقدام. كما لم تكن هذه الدوائر تحتوي على فتحات للدخول منها، إذ كان الناس يقفزون فوق الجدار للدخول، إذن، ما هي هذه الدوائر وكم عمرها؟ إليك التفاصيل.
تاريخ تشييد الدوائر الكبيرة
ليس هناك دليل واضح على تاريخ بناء هذه الهياكل. بالنظر إلى تحليلات الصور المُلتقطة، والتمعّن في القطع الأثرية الموجودة على الأرض، أشارت المعلومات إلى أن تاريخ وجود هذه الدوائر يعود إلى 2000 عام على الأقل، وغالبًا أنها أقدم من ذلك، فمن الممكن أن تكون قد شُيّدت في عصور ما قبل التاريخ، أي قبل اختراع الكتابة، لكن وعلى الرغم من رصد الطائرات لها في عشرينات القرن الماضي؛ إلّا أنه لم تُجرَ أبحاثٌ ذات أهمية حولها، بل هناك الكثير من العلماء لا يعلمون بوجودها حتى!
الدوائر الكبيرة التي لا يعرف عنها معظم سكان الأردن وسوريا!
بالإضافة إلى الـ 12 دائرة التي ذكرناها أعلاه في الأردن، كشف الباحثون عن وجود دوائر كبيرة مماثلة في سوريا وتركيا، ولكن من الواضح أنها غير مكتملة كليًا، فبحسب ما تبيّن في صور الأقمار الصناعية، وما أقر به الأستاذ ديفيد كينيدي (David Kennedy)، وهو أستاذ في جامعة أستراليا الغربية، ويعمل على توثيق المواقع الأثرية في الشرق الأوسط من خلال مشروع للتصوير الجوي، أقرّ أنه يوجد دائرتين رئيسيتين كبيرتين في طريقهما إلى الاندثار، إحداهما في الأردن والأخرى في سوريا، فالدائرة الموجودة في سوريا، حُطّمت في العقد الأخير، أما تلك الموجودة في الأردن، حُطّمت قبل عدّة عقود، أما في تركيا فهناك دائرتان فقط.
قام فريق بحثي خاص في إحدى الجامعات البريطانية، جامعة دورهام (Durham University)، بالبحث والتحقيق في الدائرة التي رُصدت في سوريا عام 2002 بالقرب من مدينة حمص، وكان ذلك لمعرفة معلومات عنها قبل أن تختفي تمامًا.
هل بُنيت الدوائر فعليًا؟!
عندما ننظر إلى إنجاز يدوي كبير مثل هذه الدوائر، قد يخيّل لنا العديد من الأفكار، فليس من المعقول أن يبذل الإنسان جهدًا وتعبًا وربما بعض الأموال، إلا في حال كانت هناك غاية، ربما تكون الغاية معنوية، ولكن على الأقل يبقى هناك هدف من البناء.
حقيقةً، يشير العلماء أنه لم يكن من الصعب بناء هذه الدوائر، فبحسب التحليلات والدلائل، بنيت الدوائر من صخور محليّة، وتقديريًا، تحتاج الدائرة منها إلى مدة أسبوع بناء فقط، وذلك طبعًا بوجود عشرات العمّال، ومهندس معماري واحد. كيف ذلك؟! مهندسًا واحدًا لتشييد دائرة يصوّرها القمر الصناعي بشكل واضح؟!.
قد يكون الأمر معقدًا، ولكن يقول الأستاذ كينيدي أن هذه الدوائر شبه دقيقة، ليست دقيقة بالكامل فيوجد بعض مواطن الخلل، فإذا افترضنا أن هناك مهندسًا معماريًا قام بعملية البناء، يحتاج الأمر ببساطة أن يربط حبلًا طويلًا إلى عمود، ويسير بشكل دائري، طبعًا يُعزى وجود مواطن الخلل إلى أن الأرض غير مستوية، فلا يمكن للمهندس أن يسير في دائرة مثالية بهذا الشكل.
ما الهدف من بناء هذه الدوائر الكبيرة؟
كما أسلفنا الذكر، يجب أن يكون هناك هدف لهذا البناء، ولكن حاليًا وللأسف، لم ينجح العلماء بالوصول إلى الهدف. عزا البعض غرض البناء إلى الحاجة لوجود حظائر لاقتناء الحيوانات، ولكن في الواقع، ارتفاع الجدران الضئيل لا يرجح هذا السبب، إذ ترتفع الجدران بضعة أقدام فقط، كما لا تحتوي الجدران على هياكل خاصة للحفاظ على قطيع حيواني، فكما نعلم، يجب أن يكون للحظيرة تصميم معيّن ودقيق.
من جهةٍ أخرى، وبما أن الهدف من الممكن أن يكون ليس ذي منفعة عمليّة، فغالبًا بُنيت تلك الصخور للتمتّع بمنظرها الطبيعي فقط، حيث تُعتبر هياكل حجرية مغليثية (الهياكل المغليثية Megalithic هي أحجار ضخمة مقطّعة بشكل نادر وبطريقة صعبة)، وتأتي هذه الصخور في أشكال متنوعة، ولكن الشكل العام لها يشبه عجلات السيارة تمامًا.
إذن بصراحة، يمكننا القول أن الغرض من بناء هذه الدوائر الكبيرة، ما زال لغزًا حتى الآن.
تفاصيل الدوائر بالصّور
إليك في البداية أدناه صورة جوّية للدوائر في الأردن، كما نلاحظ عن قُرب، هذه إحدى الدوائر الكبيرة، أُطلق عليها تسمية J2، يبلغ قطرها حوالي 390 مترًا، وتقع على بعد 5 كيلومتر غرب سكة حديد الحجاز. يُعرف موقعها اليوم باسم سيرات أم الحيان.
أما الصورة التالية، فتُظهر تفصيل خط الدائرة J2 على الأرض، كما نلاحظ، لا يزيد ارتفاعها عن الأرض بضعة أقدام ولا يوجد منفذ للدخول، لذا يتوجب القفز من فوقها.
هنا في الصورة الثالثة، نرى تفاصيل الدائرة الكبرى، J1، يبلغ قطرها حوالي 390 متر، عبارة عن دائرة مثالية فيها بعض مواطن الخلل، وتقع على بعد 4 كيلومتر غرب سكة الحجاز، ومعروف موقعها الآن باسم قصر أبو العناية. أثّرت في هذه الدائرة عمليات التجريف الحديثة، فخلقت داخل الدائرة مساحات مفتوحة، طبعًا يعتبر ذلك عاملًا مساعد بالنسبة لعلماء المستقبل، حيث ستجعلهم هذه التجريفات على دراية بالدوائر الحجرية الغامضة.
لاحظ في الصورة التالية للدائرة J1، رغم تعرّضها للتلف بسبب التجريف؛ إلّا أنها تظهر كدائرة من القمر الصناعي واضحة ومرئية، بل وتظهر الدائرة بشكل دقيق.
تُظهر الصورة الخامسة دائرة كبيرة أخرى تسمى J3. تقطع هذه الدائرة الطرق والحقول المُنشئة حديثًا في الشرق الأوسط، ويصل قطرها إلى حوالي 400 متر.
في الصورة التالية للجدار الحجري من الدائرة J3، يمكنك رؤية حفرة مؤلفة من عدّة طبقات، وهي تبيّن ارتفاع الجدار عن الأرض.
وهنا صورة للدائرة المتزعزعة J10، كما هو واضح في الشكل أنها غير منتظمة. يتراوح القطر ما بين 360-430 متر، ويمكنك ملاحظة وجود خط واضح في الصورة يقطع الدائرة، إنه طريق روماني.
والصورة الأخيرة هنا تُظهر معالم الدائرة السورية، القريبة من مدينة حمص، وسُميت S1. الآن، دُمّرت هذه الدائرة فعليًا، والصورة في الأسفل هي من أرشيف الصور من غوغل إيرث (Google Earth)، إذ فُحصت هذه الدائرة على أرض الواقع قبل تدميرها.
من المعلومات أعلاه، نلاحظ أنه تمت تسمية الدوائر الأردنية بالحرف “J”، مرقّمة جميعها بالأرقام من 1 إلى 12، وتتميز كل دائرة بقطر محدد، مثلًا بالنسبة للدوائر الأخرى، يبلغ قطر J4 حوالي 420 متر، وأما الدائرتين J5 وJ6، فيبلغ قطر كل منهما 400 متر، وتتميز J7 بالقطر الصغير نسبيًا، 220-250 متر. يتراوح قطر الدائرتين J9 وJ11 بين 400-455 متر، وأخيرًا قطر J12، يتراوح بين 370-430 متر.