حول العالم

تتفوق على الزلزال المدمر.. تعرف إلى أعنف كوارث الطبيعة وأكثرها فتكا

تتفوق على الزلزال المدمر.. تعرف إلى أعنف كوارث الطبيعة وأكثرها فتكا

في واحدة من أعنف كوارث الطبيعة المميتة وأكثرها فتكا في العصر الحديث، ضرب الإعصار “بولا” المدمّر بنغلاديش في عام 1970، وكان أحد أسباب اندفاع البلاد نحو حربٍ استقلالية خاضتها مع باكستان في العام التالي، بعد أن كانتا تتشاطران تمثيل دولة واحدة.

لقد أدّى الإعصار إلى دمار شامل في البنية التحتية على خط الجزر الواقعة على دلتا نهر الغانج الذي يصب في خليج البنغال، كما أودى بحياة 300 ألف نسمة، ووفقا لتقديرات أخرى يصل هذا الرقم إلى نحو نصف مليون ضحية على الأقل.

أمطار الصيف.. لحظات الجمال التي تسبق العاصفة القاتلة

لم يكن إعصار بولا إلا تفرّعا من العاصفة الاستوائية “نورا” التي نشأت في المحيط الهادئ، وأخذ يتنامى ويتكثف في أثناء رحلة سيره نحو اليابسة إلى الشمال حيث كانت الشواطئ تعجُّ بالسكان المحليين والصيادين متنعمين بأمطار الصيف الموسمية، وفي غضون 3 أيام تحوّل الإعصار إلى وحش هائج يسير في سرعة قصوى بلغت 185 كم في الساعة، وضغط مركزي بلغ 966 باسكالا، وعلى حين غرّة دبّ الإعصار بكامل ثقله على المناطق الساحلية حاصدا الأرواح دون رحمة.

لكن الوحش العظيم سرعان ما اضمحلّ واستكان، بعد أن انتقل إلى بقية المدن والقرى المجاورة وتوغل أكثر إلى اليابسة، وكانت الحصيلة من بين الأماكن المتضررة أن تعرضت مدينة تعظيم الدين للخسارة الكبرى بفقدانها أكثر من 45% من سكانها، ودمار أكثر من 85% من مساكنها، وخسائر بلغت قيمتها نحو 490 مليون دولار.

ولم يمض كثير من الوقت بعد تغيبه عن المشهد لقرابة 20 عاما، حتى أطلّ من جديد زائرٌ ثقيل الظل أشد فتكا من الذي سبقه؛ إعصار بنغلاديش عام 1991، وهو الأشد ضراوة من بين الأعاصير المدارية التي ضربت كوكب الأرض، ومجددا كانت الضحية ذاتها؛ إذ كانت بنغلاديش في طور التعافي بعد حلول الكارثة، وعلى الرغم من الخسائر الفادحة كان عدد الضحايا أقل بكثير من الذي سبقه، بسبب التدابير اللازمة ووعي المسؤولين بحجم الكارثة المتوقعة.1
دمار شامل سببه إعصار بنغلاديش عام 1991

لكن كما يبدو من المشهد، فمهما سعت الحكومات لأخذ حيطتها لمجابهة هذه الوحوش الضارية، فإنّ ثمة خسارات فادحة ستطيح بأعتى اقتصادات العالم، ففي عام 2005 ضرب الإعصار الهائل “كاترينا” السواحل الجنوبية من الولايات المتحدة الأمريكية متسببا في خسائر هي الأضخم على مر التاريخ بلغت 89 مليار دولار.

وفي ظلّ الغموض الذي يخيم على هذا النوع من الكوارث الطبيعية، تثار تساؤلات كثيرة حول ماهية الأعاصير وآلية تشكلها والأضرار الناجمة عنها، وكيفية تصنيف شدّتها، وما هو السر وراء تسميتها وفق أسماء هي مألوفة لنا.
خط الاستواء.. هواء دافئ يدمج العواصف في أعالي المحيطات

على امتداد خط الاستواء الذي يتوسط الكرة الأرضية شمالا وجنوبا، يتبخر كثير من المياه أعلى المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، بسبب تمركز أشعة الشمس على مدار العام على هذا الحزام الجغرافي، فتبرز العوصف الرعدية بسبب الحركة التصاعدية السريعة للهواء الدافئ الرطب فوق مياه المحيطات، ويحدث أن توجد أكثر من عاصفة رعدية في المنطقة، فتندفع جميعها إلى الدوران حول نقطة يكون فيها الضغط الجوي في أقل مستوياته، وتُعرف المنطقة بالمنخفض الجوي.

تتشكل معظم الأعاصير حول منطقة الاستواء بسبب ارتفاع درجات الحرارة والتيارات الهوائية الناشئة هناك

وبعد أن تندمج العواصف، يتشكّل إعصار هائل يقع في مركزه ما يُعرف بجدار العين، حيث يندفع الهواء من الأسفل إلى الأعلى بسبب اختلاف الضغط الجوّي، وعند ارتفاعات عالية للغاية يُطلَق الهواء من المركز إلى محيط الإعصار، وهذا من شأنه أن يولّد حركة دوامية مستمرة من الأسفل إلى الأعلى، كما تبقى الجدران الهوائية المحيطة في حركة دورانية حول المركز بسرعة تتجاوز 120 كم في الساعة. ويبلغ قطر الأعاصير الاعتيادية حوالي 480 كم، وقد تكون أعرض من ذلك بكثير.

وبفضل اندفاع الرياح المستمر فوق مياه المحيطات، تنطلق هذه الحلزونات أو الدوّامات الهوائية الضخمة نحو مواضع الضغط الهوائي المنخفض، وفي بعض الأحيان إلى اليابسة، وفي أثناء رحلتها تتغذى بشراهة على الهواء الدافئ والرطب فوق مياه المحيطات فتزداد قوة وشراسة، وتزداد كذلك سرعتها فتتسبب بأضرار جمّة على المناطق الساحلية المكشوفة، وبالأخص تلك المحاذية للمحيطات.

وحركة دوران الإعصار تمثّل علامة فارقة في تحديد موقعه، سواءً كان في الشمال أو الجنوب، فالأعاصير التي تنشأ فوق خط الاستواء تدور عكس حركة عقارب الساعة، وأما تلك التي تنشأ تحت خط الاستواء فإنّها تدور مع حركة عقارب الساعة. ويعزى سبب الاختلاف في الحركة إلى تأثير “كوريوليس” (Coriolis Effect) الناجم عن دوران الأرض. وعلى بعد 500 كيلومتر من خط الاستواء تفقد الأعاصير قدرتها على التشكّل، وهذا يفسّر عدم وجودها في كثير من المناطق.3
سفير-سيمبسون.. مقياس مستويات الأعاصير وأخطارها

لتحييد أخطار الأعاصير والتنبؤ بمخاطرها سعى المهندس المدني “هربر سفير” وخبير الأرصاد الجوية “بوب سمبسون” إلى وضع مقياس يصنف شدّة الأعاصير على خمس مستويات وفقا لسرعتها القصوى فقط، وحمل المقياس اسميهما “مقياس سفير-سيمبسون للأعاصير” حين ظهوره للعلن في بداية سبعينيات القرن الماضي.

وربما تبدأ الأعاصير على هيئة زوبعات هوائية أو عواصف رعدية ورياح شديدة، لكن لا يمكن تسميتها بالإعصار إلا عندما تتجاوز سرعتها 119 كم في الساعة. وبالاستعانة بمقياس سفير-سيمبسون يمكن توضيح مدى شدة كلّ درجة ابتداء من الأقل خطورة.

تعتمد شدة الأعاصير على سرعة الرياح المصاحبة لها

المستوى الأول: تتراوح السرعة بين 119-153 كم في الساعة، وتتجسد الأضرار في أسطح البيانات وانحناء المزاريب، وفي انكسار أغصان الأشجار الكبيرة، وكذلك من المحتمل إتلاف الأعمدة وخطوط الكهرباء، مما يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي عدّة أيام. مثال عليه إعصار “باربرا”.

المستوى الثاني: تتراوح السرعة بين 154-177 كم في الساعة، ويتسبب الإعصار بأضرار جسيمة مثل اقتلاع الأشجار الضحلة، وسد الطرقات وسبل الاتصال بين الأماكن المتضررة، كما تشهد انقطاعا كليا للكهرباء قد يستمر لعدّة أسابيع. مثال عليه إعصار “خوان”.

المستوى الثالث: تتراوح السرعة بين 178-208 كم في الساعة، وينتج عن الإعصار نتائج مدمرة مثل اقتلاع الأسقف للبيوت الخشبية، وسقوط الكثير من الأشجار واقتلاعها، وحدوث انقطاع للماء والكهرباء لعدة أسابيع. مثال عليه إعصار “إيزيدور”.

المستوى الرابع: تتراوح السرعة بين 209-251 كم في الساعة، وتحدث حينها أضرار كارثية تتمثل بفقدان هياكل السقف والجدران الخارجية للمنازل، وستسقط غالبية الأشجار وتغطي الطرق فتعزل المناطق السكنية بعضها عن بعض، كما ينقطع التيار الكهربائي لعدة أشهر، وستصبح المنطقة غير مؤهلة للسكن لأسابيع أو شهور ربّما. مثال عليه إعصار “دانيال”.

المستوى الخامس: تتراوح السرعة بين 252 كم في الساعة وأكثر، ويعد أكثر المستويات فتكا وضررا، وغالبا ما يترك وراءه مناطق غير صالحة للحياة لعدة أشهر. مثال عليه إعصار “باتريسيا”.4

كما تتعدد تسمياتها الرسمية في وكالات الأنباء العالمية وفقا لموقعها الجغرافي، إذ تسمى “هوريكاين” (Hurricanes) في المحيط الأطلسي وشمال شرق المحيط الهادئ، و”تايفون” (Typhoon) في شمال غرب المحيط الهادئ، و”سيكلون” (Cyclone) في جنوب المحيط الهادئ وجنوب المحيط الهندي.

تعقب الأعاصير.. توقعات التكنولوجيا تسبق الكارثة

بات من الممكن اليوم بالنسبة لخبراء الأرصاد الجوية تحديد مسار الأعاصير بناءً على بعض المعطيات المهمة، مثل درجة الحرارة وتشكّل السحب ونمط دوران الهواء في المنطقة المحيطة. جميع تلك المعلومات يمكن الحصول عليها بواسطة عدّة وسائل، سواء كان ذلك بالطائرات أو بالأقمار الصناعية أو رادارات مراقبة الطقس.

وعلى المستوى البسيط ثمّة أجهزة مراقبة تطفو في المحيطات تعمل على إخطار الأجهزة المعنية بالتغيرات الطارئة السريعة في حركة الأمواج والرياح.

ومع التطور الكبير في عالم الحاسوب، يمكن لتلك البيانات أن تساعد على تصميم نماذج محاكاة لمسارات الأعاصير والتنبؤ بمستقبلها على نحو دقيق، وهذا من شأنه تعزيز سلامة المقيمين في المناطق الساحلية إما بأوامر من المسؤولين بالاحتماء المنزلي أو الهروب من المنطقة إذا ساء الحال.

أعاصير بأسماء النساء.. تقليد قادم من عالم البحارة

ما يمكن ملاحظته من عالم الأعاصير أنّ جزءا كبيرا منها يحتفظ بأسماء مميزة كأسماء البشر، وقد بدأت هذه العادة في الظهور منذ عام 1953، على أن يحصل الإعصار على اسم ومؤشر لخطورته. وتجري عملية التسمية وفق التسلسل الأبجدي، مع استثناء بعض الحروف الصعبة مثل “Q, U, X, Y, Z”. وتعد المنظمة العالمية للأرصاد الجوية المسؤولة عن اختيار الاسم من بين 20 اسما يطرح مسبقا.

وعلى مدار الـ25 سنة الأولى، كانت الأعاصير تُمنح أسماء نسائية حصرا، وهي عادة يُعتقد بأنّها مأخوذة من البحارة الذين كانوا يطلقون أسماء إناث على سفنهم لافتقادهم وبُعدهم عن سيداتهم في رحلاتهم طويلة الأمد. وفي عام 1979 تغير الأمر إذ بات يُطلق على الأعاصير أسماء ذكور وإناث. وأسماء أخرى مثل “دافيد” و”كاترينا” و”أندرو” و”لورا”، وقد رُفعت من القائمة تماما لأنها نالت نصيبها من الأعاصير المدمرة.

يطلق على الأعاصير أسماء ذكور وإناث بحسب ما يتم التوافق عليه من قبل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية

إن الأعاصير من سمات الطبيعة التي يحفل بها كوكب الأرض، وتحدث بشكل دوري فوق مياه محيطاته بالقرب من خط الاستواء، ومنها ما يتّجه إلى اليابسة بين الفينة والأخرى محدثا أضرار جسيمة. ولم تزل المحيطات العظيمة تعج بالعواصف والأعاصير، ولا تتوانى في إرسالها، وآخرها إعصار “روسلين” من الدرجة الرابعة الذي ضرب جزءا من سواحل المكسيك، وما سبقه من إعصار “إيان” الذي دبّ على ولاية فلوريدا محدثا خسائر تفوق 50 مليار دولار في نفس الشهر.

ومهما تكبدت به هذه الكوارث الطبيعية من أضرار، لا ينبغي أن تكون سلامة الإنسان إلا في قمة الأولويات، ولعلّ سعي الدول في تأمين بعض سبل النجاة مثل بناء الملاجئ تحت الأرض، وتمهيد الطرقات المتوغلة إلى اليابسة بعيدا عن السواحل، وسرعة الاستجابة والتحذير هي أفضل الحلول وأسماها في ظلّ انعدام القدرة على مجابهة هذه الوحوش الحلزونية ذات القوام الهوائي.

الجزيرة الوثائقية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى