ماذا تعلم عن مبنى ”البعصة“ في بيروت؟
هل يمكن لأحد أن يتصور ما يمكن أن يفعله الحقد بالنفس البشرية؟ نعم، نحن متأكدون بأنك تستطيع أن تذكر أمثلة عن أمور قام بها بعض الأشخاص نتيجة حقدهم على أشخاص آخرين، ولكن هل لك أن تتوقع أن يكون ناتج هذا الحقد هو تشييد مبنى كامل لحرمان شخص تكن له الضغينة من إطلالة جميلة على البحر؟ كيف لو كان الطرفان المعنيان إخوة من أب واحد وأم واحدة؟
يدعوا السكان المحليون هذا المبنى باسم ”مبنى البعصة“، ونعم هناك سبب لهذا، حيث بُني هذا المبنى الرفيع على قطعة أرض تبلغ مساحتها 120 متراً مربعاً في منطقة (المنارة) في بيروت، خصيصاً لكي يحجب صاحب المبنى رؤية المحيط عن صاحب مبنى آخر.
ووفقاً لما يشاع، فإن هذين الشخصين إخوة، وأثناء تقسيم تركتهما التي ورثاها، حصل كل منهما كل قطعة أرض، ولكنهما لم يتوصلا لقسمة ترضي الطرفين، حيث حصل أحدهما على قطعة أرض صغيرة جداً، وكان يشعر بالمرارة نتيجة حصوله على النصيب الأقل.
تقول قصة أخرى بأن المخطط التنظيمي الذي عمدت على تنفيذه الدولة اللبنانية من شق للطرقات التي مرت ضمن أرض الأخ ”الحقود“، أدى إلى تقليص مساحتها لدرجة أصبح من غير الممكن إنشاء أي شيء مفيد عليها.
ونتيجة عدم قدرته على استغلالها في أي استثمار، عمد هذا الرجل الذي شعر بغيرة كبيرة تجاه أخيه إلى إنشاء بناء رفيع وضيق فوقها يبدو وكأنه جدار، فقط ليحجب منظر البحر عن قطعة أرض أخيه، آملاً أن يؤدي ذلك إلى انخفاض سعرها وتدهور قيمتها التجارية والاستثمارية.
يبلغ ارتفاع هذا المبنى 14 متراً وعرضه لا يزيد عن 4 أمتار، ولكنه يبدو من الأمام بناء كاملا، يعود ذلك لوجود الشرفات والنوافذ التي توحي بأن وراءها غرف فسيحة.
وفقا لسكان الحي، بُني هذا المبنى سنة 1954، ويتراوح عرضه من أربعة أمتار في أوسع نقطة منه إلى 60 سنتيمتراً في أضيق نقطة، أي أنّ عرض أوسع غرفة 4 أمتار وأضيق غرفة 60 سنتيمتراً، يُقسم كل طابق إلى شقتين منفصلتين، كل شقة هي عبارة عن سلسلة من الغرف المتصلة مع بعضها، والتي يمكنك الدخول إليها من خلال رواق مشترك، في الشقة الأولى تتباين الغرف في حجمها ومساحتها كلما ابتعدت عن أكبرها، إلى أن تصل إلى مساحة ضيقة جداً يتم توظيفها كخزانة ملابس.
تقع الشقة الثانية على الجانب العريض من الأرض، وبالتالي كل شقة منها هي شقة واسعة نسبياً، ولكل غرفة منها نافذتان، تطل الأولى على أرض الشقيق الثاني -والتي تشغلها الآن مدرسة ألمانية- أما النافذة الثانية فهي ذات إطلالة خلابة على البحر الأبيض المتوسط.
على الرغم من كون هذا المبنى عديم المنفعة عملياً، فإن مالكيه الحاليين ليس لديهم أي نية في هدمه وإزالته، وذلك لعدم إمكانية القيام بأي مشروع آخر فوق تلك الأرض الصغيرة، كما أن قوانين المدينة الحالية لا تساعد أيضاً على القيام بهذا الأمر بسبب التشريعات التي تفيد بوجوب ترك وجائب -مساحة بُعد عن ممتلكات الدولة أو عوام الشعب- عن الشارع وعن الأبنية المحيطة، ولذلك فإن ترك المبنى على حاله وتأجيره سوف يعود على مُلّاكه بالنفع أكثر من عملية إزالته.
خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية، استعملت إحدى الشقق كبيت للدعارة، وكانت الشقة الأخرى ملجأ لإحدى الأسر التي كانت تبحث عن الأمن والأمان من نيران تلك الحرب، وفي عام 2014 تم تأجير الطابق الأرضي لميكانيكي افتتح فيه محل صيانة السيارات.
المصدر: موقع amusingplanet