منوعات

مواقد من العصور القديمة.. الأوروبيون يلجؤون إلى أقدم طرق التدفئة في العالم

ليس بعيدا عن مطار تمبلهوف في برلين، يقوم بيتر أنجليك بتركيب بوابة أمنية جديدة لمستودعاته بسبب مخاوف من الأشخاص اليائسين الذين قد يسرقون مخزونه الثمين من الحطب المعرض للخطر.

تعكس تصرفات أنجليك القلق المتزايد في جميع أنحاء أوروبا مع مواجهة القارة نقصًا محتملا في الطاقة وربما انقطاع التيار الكهربائي تماما هذا الشتاء. وتمثّل عمليّة التخريب الواضحة لخط أنابيب الغاز “نورد ستريم” أحدث دليل على الموقف الحرج الذي تمرّ به المنطقة، حيث خفضت روسيا الإمدادات نتيجة المناوشات القائمة حول الحرب في أوكرانيا.

خلال القمة المنعقدة في براغ يوم الجمعة، فشل زعماء الاتحاد الأوروبي في الاتفاق على حد أقصى لسعر الغاز وسط مخاوف من أن أي خطوة من هذا القبيل قد تهدد تدفق الإمدادات إلى المنطقة. 70 بالمئة من التدفئة الأوروبية متأتية من الغاز الطبيعي والكهرباء، ومع الانخفاض الكبير في الشحنات الروسية أصبح الخشب الذي يستخدمه بالفعل حوالي 40 مليون شخص للتدفئة سلعةً مطلوبة للغاية.

تضاعفت أسعار الجسيمات الخشبية المضغوطة تقريبًا لتصل إلى 600 يورو للطن في فرنسا، وهناك أيضا مؤشرات عن تزايد الإقبال على شراء هذا الوقود الأساسي في العالم لدرجة أن المجر قرّرت حظره بينما وضعت رومانيا حدا أقصى لأسعار الحطب لمدة ستة أشهر، لكن الآن من الممكن أن يستغرق إيصال المواقد الخشبية إلى أصحابها شهورًا.

بصرف النظر عن المخاوف المتزايدة بشأن النقص، تفاقم أزمة الطاقة الارتفاع في نفقات المعيشة حيث بلغ التضخم في منطقة اليورو رقمًا مزدوجًا للمرة الأولى على الإطلاق في أيلول/ سبتمبر، وتواجه الأسر التي تعاني من ضائقة ماليّة في جميع أنحاء المنطقة معضلة الاختيار بين التدفئة والضروريات الأخرى.

حيال هذا الشأن، قال نيك سنيل، العضو المنتدب في شركة “سيرتنلي وود” البريطانية لبيع الحطب بالجملة: “لقد عدنا إلى الأيام الخوالي التي لم تكن فيها تدفئة المنزل بأكمله ممكنة، بل كان أفراد العائلة يجلسون حول النار ويستخدمون حرارة الموقد ثم يأوون إلى الفراش. سنشهد الكثير من هذه الأيام المماثلة هذا الشتاء”.

نتيجة لهذه النزعة، شهدت شركة “غابريال كاكيلوغنار” المختصة في تصنيع مواقد قرميدية عالية الجودة تبلغ تكلفتها في المتوسط ​​86000 كرونة سويدية (7700 دولار) ازدهارا في الطلب. يمكن للمواقد أن تحافظ على دفء الغرفة لمدة 24 ساعة بفضل طريقة بنائها المعقدة والمميّزة من خلال استخدام قنوات مختلفة تحمل الحرارة وتوزعها.

قال جيسبر سفينسون، المالك والمدير الإداري لهذه الشركة التي تقع على مسافة أقل من ساعة بالسيارة من أكبر مفاعل نووي في السويد: “خلال الوباء، بدأ الناس الاستثمار أكثر في منازلهم، وبالطبع، لقد تزايد ذلك أكثر الآن”. تضاعفت الطلبات أكثر من أربعة أضعاف، وأصبح يتعين الآن على العملاء الانتظار حتى شهر آذار/ مارس لتسلّم طلبهم مقارنة بفترة الانتظار التي لم تكن تتجاوز أربعة أسابيع قبل سنة.

 

يتمثّل الشاغل الرئيسي بالنسبة للعديد من الأوروبيين في القيام بكل ما يلزم لتوفير التدفئة خلال الأشهر المقبلة خاصة مع اقتراب الشتاء البارد، علما بأن هذا البحث اليائس عن سبل التدفئة قد يؤدي إلى مشاكل صحية وبيئية.

صرّح روجر سيدن، رئيس وحدة جودة الهواء في وكالة حماية البيئة السويدية، بأنه يشعر بالقلق من لجوء الناس إلى حرق كل ما سيتمكّنون من الحصول عليه”، محذرًا من مخاطر سوء التهوية ومحاولة حرق الحطب الرطب. وأضاف أنه “من المتوّقع أن نشهد مستويات تلوث عالية جدًا عندما يحاول الأشخاص إشعال الخشب دون معرفة الطريقة الصحيحة للقيام بذلك”، موضحًا أن الجسيمات يمكن أن تصل إلى أعماق الرئتين وتسبب النوبات القلبية والسكتات الدماغية والربو، وأن الخطر الأكبر يتركّز بشكل خاص في المناطق الحضرية.

تبدو ألمانيا قليلة الخبرة في هذا المجال، حيث تتعامل جمعية منظفي المداخن في البلاد مع فيض من الطلبات على خدمة ربط المواقد الجديدة بالقديمة، كما يستفسر بعض العملاء عن إمكانيّة حرق روث الخيول وأنواع الوقود الأخرى غير المعروفة.

هناك أيضا علامات على وجود ورطة كبيرة. في فرنسا، قال فريدريك كويرير، الرئيس التنفيذي لشركة “بوجولات” المختصة في صناعة فتحات المداخن وتنتج الوقود الخشبي، إن بعض العملاء اشتروا طُنّين من الجسيمات الخشبية المضغوطة في حين أن أقل من طن واحد يكفي عادة لتدفئة منزل كامل لمدة عام.

قال تروند فجورتوفت، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة بيع الخشب النرويجية “كورترايست فا”: “الناس في أمس الحاجة إلى الخشب ويشترونه بكميات أكثر من المعتاد. عادة ما كان ذلك يحدث عندما تبدأ درجات الحرارة في الانخفاض، لكن هذا العام بدأت عمليّة الشراء في حزيران/ يونيو” أي في الوقت الذي خفضت فيه روسيا إمدادات الغاز.

في برلين، كان للأزمة أصداء مقلقة تشبه الخراب الذي أعقب الحرب العالمية الثانية. فمع نقص الوقود عمد السكان إلى قطع جميع الأشجار تقريبًا في حديقة تيرغارتن المركزية من أجل التدفئة. وفي حين أن سكان برلين لم يصلوا إلى هذه المرحلة بعد فإن المخاوف بشأن الحفاظ على التدفئة منتشرة على نطاق واسع. لم يقم أنجليك بتركيب بوابة أمنية إضافية لحماية جذوع الأشجار وقوالب الفحم وزيت التدفئة فحسب، بل كان عليه أيضًا التوقف عن التعامل مع أي عملاء جدد، حيث قال: “إننا نتطلع إلى هذا الشتاء بقلق بالغ”.

المصدر: بلومبيرغ

Nasser Khatip

محرر مقالات_سوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى