اكتشاف أثري “مذهل” يجعل مصر قريبة من العثور على قبر كليوباترا وعشيقها
اكتظت وسائل إعلام عالمية اللغات، بخبر ملخصه أن مصر تقترب مما يمكن تسميته “أهم اكتشاف أثري في القرن الحالي” حتى الآن، بعد العثور على نفق طوله 1463 مترا وارتفاعه 1.82 سنتيمتر، قد يؤدي وجوده أسفل مدينة قديمة في الإسكندرية، إلى مقبرة مفقودة منذ 2000 عام، تضم رفات المنتحرين الشهيرين كليوباترا وعشيقها Marcus Antonius الأب منها لثلاثة أبناء.
النفق الذي اكتشفته بعثة مصرية-دومينيكية، يوناني-روماني الطراز، شبيه بنفق Eupalinos المعتبر في جزيرة Samos اليونانية “معجزة هندسية” وفقا لما ورد عن الاكتشاف بمجلة National Geographic المعرفية الأميركية، وتم العثور عليه محفورا في الصخور أسفل بقايا مدينة بناها “بطليموس الثاني فيلادلفوس” بين 280 و270 قبل الميلاد.
وهي المعروفة للمؤرخين باسم Taposiris Magna الواقعة آثارها في الساحل الشمالي المصري، حيث كانت في الماضي مركزا ثقافيا ودينيا كبيرا بعد أن قام الإسكندر الأكبر في 332 ق.م بغزو مصر، تلاه بناء الإسكندرية.
وتعتقد عالمة الآثار الدومينيكية Kathleen Martinez بوجود فرصة نسبتها 1% للعثور على ضريح كليوباترا ومارك أنتوني هناك، اعتقادا منها أن كليوباترا خططت بعد انتحار مارك أنتوني، لدفن جثمانها بجواره في النفق “بعد أن فاوضت أوكتافيان للسماح لها بدفن زوجها في مصر”، مضيفة أنها أرادت إعادة تمثيل أسطورة إيزيس وأوزوريس، لأن المعنى الحقيقي لعبادة أوزوريس في طقوس مصر القديمة هو أنها تمنح الخلود “لذلك فبعد وفاتهما ستسمح الآلهة لها بالعيش مع أنتوني في شكل آخر من أشكال الوجود، بحيث يكون لديهما حياة أبدية معًا” وفق تعبيرها.
“قبر أوزوريس العظيم”
وأكدت مارتينيس اكتشاف جزء من النفق تحت مياه البحر الأبيض المتوسط، كما كشفت الحفريات عن عدد من الجرار والأواني الخزفية، جنبا إلى جنب مع كتلة مستطيلة من الحجر الجيري مخبأة تحت الطين والرواسب الرملية، إضافة إلى اكتشاف عدد من المومياوات المسلطة الضوء على عملية التحنيط خلال الفترتين اليونانية والرومانية.
ولدى عالمة الآثار، الناشطة مع جامعة “سان دومينغو” بجمهورية الدومنيكان الواقعة في بحر الكاريبي، بحسب ما قرأت عنها “العربية.نت” في خبر المجلة الأميركية، كما بغيرها من وسائل إعلام بريطانية نقلت الخبر عنها، اقتناعا لأكثر من عقد من الزمن بأن كليوباترا وعشيقها أنتوني دفنا داخل المعبد الذي يعني اسمه “قبر أوزوريس العظيم” ومن المؤكد أن النفق يمكن أن يكون الطريق إلى المدفن المزدوج.
وكانت كليوباترا، حكمت بعد وفاة والدها بطليموس الثاني عشر، من 51 قبل الميلاد إلى حين وفاتها في 30 قبله. أما مارك أنطوني فمات بين ذراعيها بعد أن طعن نفسه طعناً قاتلاً، لاعتقاده أن كليوباترا قتلت نفسها. مع ذلك، انتحرت هي بعد فترة وجيزة من وفاته، لا بلدغة أفعى سامة، بحسب ما تردد روايات شعبية رفضها مؤرخون وأكاديميون، مالوا إلى أنها صنعت نوعا من الكوكتيل السام تجرعته في 12 أغسطس 30 قبل الميلاد، أي بعد 11 يوما من انتحار عشيقها وزوجها مارك أنطوني.
كليوباترا: جميلة سمراء؟
يُطرح على أيِّ دارس لتاريخ كليوباترا عادةً سؤالان، هما: «أكانت كليوباترا جميلة؟» و«هل كانت سمراء؟» وعادةً ما يُطرح السؤال الثاني بصيغة تعبِّر عن تحيزٍ أوروبي واضح؛ نحو: «لم تكن كليوباترا سمراء، أليس كذلك؟» على الرغم من أن هذين السؤالين تسيطر عليهما توقعات حديثة، فإنهما يرتبطان بكليوباترا بوصفها شخصية تاريخية ويستحقان إعطاءهما المزيد من الاهتمام في سياق هذا الكتاب.
يمكن الإجابة ببساطة عن هذين السؤالين عن كليوباترا بأننا لا نعرف هل كانت كليوباترا جميلة وسمراء، أم بيضاء وغير جذابة، أم مزيجًا من أيٍّ من هذه المفاهيم الحديثة. نحن لا نملك جثمانها حتى نحدد العِرق الذي كانت تنتمي إليه عبر تحليل الحمض النووي، ورغم ذلك، يجب ألا تمنعنا هذه الحلقة المفقودة من رؤية هذه الملكة على أنها شخصية أفريقية بارزة، وفي الواقع تؤيد الأدلة الأثرية المتبقية فكرة أن كليوباترا كانت تَعتبر نفسها مصرية. كليوباترا بالطبع من أصل يوناني مقدوني، لكنها عندما اعتلت العرش عام ٥١ قبل الميلاد كانت أسرتها تعيش في مصر منذ ٢٧٢ سنة. بالإضافة إلى هذه الحقيقة نحن لا نعلم هوية جَدة كليوباترا، التي يُرجح احتمال أنها كانت محظية أكثر من كونها زوجة رسمية، ومؤخرًا بدأ التشكيك في هوية والدة كليوباترا (هس ١٩٩٠).
إن الهدف من هذا الكتاب هو وضع كليوباترا في سياق حياتها في مصر والنظر إليها باعتبارها أحد حكام مصر، وليس على أنها حاكمة إغريقية. إن إعادة ترتيب الأفكار لتتناسب مع أسلوب التفكير هذا — بعيدًا عن المصادر الرومانية المكتوبة التي يعتمد عليها الناس عادةً — تطرح قضايا مشابهة للسؤال عن كون كليوباترا ملكة أفريقية. والهدف من هذا الفصل هو دحض وجهات النظر الأوروبية التقليدية عن كليوباترا.
ترسخت هوية كليوباترا بوصفها مصرية، وليست إغريقية، بوضوح في أثناء حياتها، فعقب وفاتها مباشرةً وصف المؤرخ سترابو الملكة بأنها «المصرية» («الجغرافيا» ١٣. ١. ٣٠). في هذا الموضع يصف سترابو إغارة أنطونيو على أحد المعابد من أجل الحصول على تمثال أحد الأبطال الإغريق وتماثيل بعض الآلهة من أجل إرضاء «المصرية». هذا وقد وصف المؤرخ الروماني لوسيوس أنيوس فلورس في القرن الثاني الميلادي كليوباترا بأنها «تلك المصرية» («الحروب» ٢. ٢١. ١–٣؛ وجونز ٢٠٠٦: ١٠٦).
شخصية أفريقية بارزة
يثير موضوع الانتماء العرقي لكليوباترا جدلًا واسعًا وعادةً ما يُستبعد من الدوائر الأكاديمية. شهدتُ بالمصادفة مثالًا على إحدى هذه المناقشات بين زوار متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك في صيف عام ٢٠٠٦. أحد أكثر معروضات المتحف فخامة ومهابة هو معبد دندور الصغير، ويحتوي هذا المعبد على نقوش من نصوص وصور تتعلق بالإمبراطور الروماني أغسطس. درستُ هذا المعبد عدة مرات خلال زياراتي السابقة للمتحف، لكني كنت أولي اهتمامًا كبيرًا بالنقوش المحفورة في ضوء الإعداد لموضوع هذا الكتاب. وبينما كنتُ أفحص الجزء الخارجي من المعبد وقف أب وأبناؤه بالقرب مني. قال الرجل — الذي اتضح من لكنته أنه أمريكي ومن الحوار الذي جرى أن له أصولًا يونانية — لأبنائه إنهم سيخبرونهم في المدرسة أن المصريين هم أجداد الأمريكيين من أصل أفريقي لكن هذا ليس صحيحًا. ثم سأل أطفاله إذا كانوا يرون أن صور الأشخاص على جدران المعبد تشبه الأمريكيين من أصل أفريقي، فهز الأطفال رءوسهم معبرين عن اتفاقهم مع ما يقوله والدهم، الذي أضاف إنه يجب عليهم تذكُّر أن كليوباترا كانت ملكة مصر وأنها كانت إغريقية، تمامًا مثل أجدادهم. قدَّم هذا الرجل معلومات خاطئة على صعيدين؛ أولًا: يرجع تاريخ هذا المعبد إلى أوائل العصر الروماني؛ لذا كيف يمكن لصور الأشخاص أن تبدو مثل الأفارقة؟ وثانيًا: لم تكن كليوباترا إغريقية فقط.
أنا لستُ من أصول أفريقية؛ لذا لا يمكنني فعليًّا أن أفهم فهمًا كاملًا أهمية ادعاء أن كليوباترا كانت ملكة أفريقية. لقد حظيتُ بفرصة العمل مع عدد كبير من أعضاء مجتمعات البريطانيين من أصل أفريقي كاريبي، الذين يشتركون في وجهات نظهرهم عن علاقة كليوباترا بأفريقيا وبالتراث الثقافي الأفريقي. لا يمكننا إنكار أن كليوباترا كانت ملكة لإحدى الدول الأفريقية. تقع مصر في قارة أفريقيا ويعتقد كثير من الأفارقة من جميع أنحاء القارة أن مصر هي جزء من تراثهم الثقافي (أوكونور وريد ٢٠٠٣: ١–٢٣).
لا يَعتبر كثير من المصريين في عصرنا الحالي أنفسهم جزءًا من أفريقيا، وإنما ينظرون إلى كليوباترا على أنها أحد الملوك المصريين، وتظهر بوصفها مصرية على العديد من المنتجات المتنوعة بداية من العلامة التجارية المحلية للسجائر والخمر، وحتى محطات الترام والقطار المحلية (ووكر وأشتون ٢٠٠٦: ٢٣–٢٧).
بصرف النظر عن درجة لون بشرة كليوباترا، فإن أدلة قوية من حياتها في مصر تشير إلى رغبتها في أن يُنظر إليها على أنها مواطنة مصرية في موطنها الأصلي وأنها أهملت تراثها الإغريقي لصالح تقاليدها (المصرية) الأصلية. وقد تعرَّض الباحثون الذين شكَّكوا في انتماء كليوباترا الثقافي لليونان ودعموا تراثها المصري (والأفريقي بالتبعية) إلى الازدراء في أفضل الحالات، وفي أسوأ الحالات اتُّهموا بأن حجتهم غير علمية نتيجة لتأثرهم بهويتهم الثقافية. ويرجع ذلك إلى أن قلة من الباحثين البيض اهتموا بالنظر إلى أهمية كليوباترا باعتبارها نموذجًا أسمر وشخصية سمراء بارزة. كتبت باحثة أمريكية سمراء في مجال الأدب الكلاسيكي ما يلي: «إنها [كليوباترا] تعبِّر عن التاريخ المزدوج للنساء السُّمر المعاصرات من القمع والكفاح للبقاء على قيد الحياة» (هيلي ١٩٩٣: ٢٩). تحكي هيلي، بصفتها امرأة أمريكية سمراء، عن تشكيكها في التراث الثقافي الشفهي الأمريكي الأفريقي الذي يَعتبر كليوباترا امرأة سمراء (١٩٩٣: ٢٨-٢٩ والنقطة رقم ٤). فعادةً ما يُشكَّك في دوافع الأكاديميين السُّمر الذين يستقون من هويتهم الثقافية من قِبل من لا ينطبق عليهم مثل هذا الوضع. فيبدو أن ثمة شكًّا متأصلًا في أولئك الذين يُعتقد في وجود دوافع خفية لديهم تتعلق بالأقليات، حتى إن بعض النقاد حاولوا العثور على مبررات لما يمكن اعتباره وجهة نظر فردية متطرفة (بيرنال ٢٠٠١: ٢٠٦–٢٠٨).
تُظهر حقيقة أن علينا الدفاع عن مجرد احتمال ارتباط كليوباترا بأفريقيا في حد ذاتها مدى تغلغل المركزية الأوروبية في المفاهيم الأساسية للدراسات الكلاسيكية وعلم المصريات. ومع ذلك عليَّ أن أتساءل هل نحن الأوروبيين حريصون على ضم حكام الأسرة ٢٦ المصرية ضمن سياق التاريخ الكلاسيكي، وذلك عندما استقر الإغريق في ناوكراتيس؟ بالطبع لا؛ فإن هذا أمر منافٍ للعقل. لا توجد حاجة بوجه عام للدفاع عن تراث كليوباترا الأوروبي، حتى إن لم تهتم الملكة كثيرًا بإظهار هذا الجانب في شخصيتها (أشتون ٢٠٠٣د: ٢٥–٣٠).
زعم دارسو التاريخ الكلاسيكي أن انتماء كليوباترا للإغريق يمكن أن يتضح من اسمها، وأن لها أصولًا مقدونية، وأن أسرتها فرضت نفسها على مصر، وأن تحدُّثها اللغة المصرية كان بطلاقة، كما يرد في الروايات، لم يجعلها مصرية (ليفكوويتز ١٩٩٦: ٤). يبدو أن جزءًا من المشكلة يكمن في عدم قدرة كثير من هؤلاء الدارسين على فهم أو تفسير الجانب المصري من شخصية كليوباترا؛ فهم لا يستطيعون قراءة النصوص، وكل الصور تبدو متشابهة في أعينهم التي تدربت على النموذج الأوروبي التوجه، وحتى عند شرح الاختلافات لهم، تُستبعد الأدلة التي تشير إلى مصريتها وتُفسَّر على أن كليوباترا كانت تعبِّر عن ولائها المصطنع للدولة التي كانت تحكمها. لا تقتصر هذه المشكلة على كليوباترا فحسب؛ ففي الواقع، تجاهل دارسو التاريخ الكلاسيكي لسنوات طويلة الجوانب المصرية لحكم البطالمة في مصر، وقدموا شرحًا خاطئًا بالغ التحيز لتلك الفترة بوجه عام. أدرك كثيرون أن هؤلاء الدارسين أقل كفاءة عند دراستهم لموضوع منقسم فعليًّا بين ثقافتين مختلفتين تمامًا، وأدركوا وجود تحيز هلنستي/يوناني (على سبيل المثال، رولاندسون ٢٠٠٣، وطومسون ١٩٨٨). أسهم هؤلاء الدارسون بمعرفة علمية مهمة في هذا الموضوع وأنا لا أشير للحظة إلى ضرورة إغفال التقليد اليوناني، لكن من الضروري إعادة النظر في توازن هذه المعرفة العلمية. أنا لا ألوم زملائي على هذه المشكلة، وأشعر أن لدي مبررًا قويًّا لإثارة الموضوع بسبب ما تلقيته من تعليم، في البداية كدارسة للتاريخ الكلاسيكي. ترجع هذه الصعوبة بالكامل إلى طريقة تدريس هذا الموضوع في الجامعات، التي تُسهِّل على المرء خداع نفسه باعتقاد أن طريقة تفكيره صائبة. بعد ثلاث سنوات من دراسة الثقافة المادية المصرية واللغات المصرية، اضطررتُ إلى إعادة كتابة أول فصلين من رسالة الدكتوراه. في البداية، لم آخذ بعين الاعتبار سوى رؤية الإغريق للثقافة المادية وفسرتُ التمثال الذي كنتُ أدرسه من منظور يوناني. وبجانب التحيز المعتاد، تتجلى حقيقة أن كل شخص يرى الثقافة من خلال ما تعلمه ومن تجاربه الشخصية، رغم ما قد يبذله من جهد لمنع نفسه من فعل ذلك.
إذن، فإن وجهة النظر الأوروبية لكليوباترا تمتد أيضًا إلى دراسة الباحثين الكلاسيكيين لها، الذين أنكر كثير منهم شخصيتها المصرية؛ فحتى وقت قريب كان كثير من الناس يرون أن الصورة الإغريقية لكليوباترا هي السائدة (كلاينر ٢٠٠٥: ١٣٨-١٣٩). يبدو من غير اللائق إذن أن تغفل رويستر (٢٠٠٣)، التي تنتقد وجهة النظر الأوروبية لكليوباترا، الهدف من المعرض الذي أقيم في شيكاجو عام ٢٠٠٢ والذي يحاكي المعرض الخاص الذي أقامه المتحف البريطاني تحت عنوان «كليوباترا ملكة مصر: بين التاريخ والأسطورة». فقد خُصص جزء كبير من هذا المعرض لعرض الجانب المصري من شخصية كليوباترا وقدَّم عددًا من الصور المكتشفة حديثًا التي تُظهر هذه الملكة في صورة مصرية بدلًا من صورها الكلاسيكية فقط التي كانت موجودة حتى هذا الحين (أشتون ٢٠٠١ب). وقد تعرف الباحثون على كليوباترا في هذه الصور من خلال تتبع التغييرات الأسلوبية والتصويرية بدلًا من مقارنتها مع «صورها الشخصية» الكلاسيكية التي تظهر على العملات. تشكو رويستر من غياب صورة كليوباترا كشخصية أمريكية أفريقية بارزة من المعرض إلى حد كبير (٢٠٧–٢١٠)، ولها الحق في ذلك، إلا أن شكواها من أن الصور ذات الطابع المصري تُعتبر أسلوبية وتتبع المذهب الطبيعي الإغريقي (٢٠٣)، تكشف عن عدم فهم للتقاليد الفنية القديمة؛ فكليوباترا التي عبَّر عنها شكسبير أو التي ظهرت في الأفلام الحديثة لا تعبِّر عن الشخصية الحقيقية لكليوباترا.
بعيدًا عن الرأي الزاعم بأن كليوباترا ذات أصل أفريقي جزئي على الأقل وعليه يمكن اعتبارها جزءًا من ثقافة أصحاب البشرة السمراء وتاريخهم، يوجد بُعد آخر يتجاهله عادةً أصحاب التوجه الأفريقي يمكنه، في رأيي، أن يدعم قضيتهم، خاصةً إذا اعتبرنا مصر جزءًا من الحضارة الأفريقية الأكثر اتساعًا. فقد ظهرت كليوباترا على أنها مصرية في مصر، وفي روما في مناسبة واحدة على الأقل. وكما ذكرنا، كثيرًا ما أشار المؤرخون الرومان إلى أن كليوباترا مصرية، ولم تكن تلقى ترحيبًا على الإطلاق في الثقافة الأوروبية التي تمثِّلها روما؛ في الواقع كانت منبوذة.
يُضعف الباحثون ذوو التوجه الأفريقي قضيتهم من خلال استخدامهم حججًا ضعيفة من أجل دعم قضية ظهور كليوباترا في صورة مصرية رغم كونها قضية قوية بالفعل. أحد الأمثلة على هذه الحجج أن شكسبير وصف كليوباترا بأن بشرتها «سمراء مائلة إلى الصفار»؛ إذن فقد كانت سمراء (كلارك ١٩٨٤: ١٢٦-١٢٧). في الواقع لا يهمنا وصف شكسبير لكليوباترا؛ لأنه لم يكن معاصرًا لها. ومع ذلك، فإن مجرد إلقاء نظرة على تماثيل الملكة وصورها يثبت أن اليونان لم يكن لها أي دور فعلي في أسلوب تصويرها في وطنها مصر.
قد لا نجد الكُتاب الرومان يشيرون إلى لون بشرة كليوباترا، وهل كانوا سيلاحظون حتى أنها كانت ربع أفريقية؟ ربما لا. ومع ذلك، فإن هذه الحقيقة لا تقلل من جاذبية كليوباترا للجمهور الأسمر المعاصر، ويجب ألا تقلل. نظرًا لمدى قوة الفكرة الزاعمة بأن كليوباترا كانت بيضاء وذات مظهر أوروبي كامل، كثيرًا ما تستخدم حجة أخرى ضعيفة من أجل التصدي للتوجه الأفريقي وهي أنه ما دام لم يذكر أي مؤلف أن كليوباترا كانت سمراء، فلا بد إذن أنها كانت بيضاء. على سبيل المثال، كتب ليفكوويتز (١٩٩٦: ٢٢ رقم ٢): «مَن كانت عشيقة [بطليموس التاسع]؟ نظرًا لعدم وجود مصادر تخبرنا بعكس ذلك، فإن الافتراض الطبيعي أنها إغريقية، مثل البطالمة. هذا بالطبع لا يُثبت أنها لم تكن أفريقية، لكن لا يوجد دليل على الإطلاق يثبت أنها كانت أفريقية.»
إن التصور الزاعم بأن كليوباترا كانت سمراء تعرَّض للهجوم على أساس تقبُّل التراث الشفهي الأمريكي الأفريقي له، وهو ما يطرح مرة أخرى التساؤل حول ما إذا كان في وسعنا النظر إلى التقاليد الرومانية المكتوبة على أنها صالحة وأكثر موثوقية أم لا (بالتر ١٩٩٦: ٣٥٢). على الرغم من استشهاد كثير من الدارسين بقلة الأدلة المكتوبة التي تُثبت أن كليوباترا كانت سمراء كدليل على نقاء أصلها الأوروبي، فإن ثمة جوانب أخرى غير واضحة بالمثل عن حياتها وشخصيتها ولكنها مقبولة بوجه عام. لقد كان جزءٌ من كليوباترا إغريقيًّا بالتأكيد، لكن تجدر بنا الإشارة أيضًا إلى أن افتراض وجود جزء أفريقي لديها لا يعتمد على محض الخيال وإنما على حقيقة أننا لا نعرف هوية والدة بطليموس الثاني عشر، ومن ثم هوية جدة كليوباترا لوالدها.
لم يتسبب إلا عدد قليل من الشخصيات التاريخية في مثل هذا الصراع بين أناس يدَّعون نسبهم إليهم. ربما تكون أكثر النقاط جاذبية في شخصية كليوباترا جمعها بين الثقافتين الأوروبية والأفريقية؛ فقد كانت سيدة من أصل إغريقي، ربما كان لديها جانب مصري في أصولها، اختارت أن تربط نفسها بالثقافة المصرية؛ لذا ربما تمثِّل لنا نموذجًا استثنائيًّا يُحتذى به في مجتمعنا المعاصر.
مصر وأفريقيا
ترتبط قضية الهوية الأفريقية لكليوباترا بشدة بقضية كون مصر جزءًا من أفريقيا. يعبِّر هذا عن التناقض بين التاريخ/الهوية السمراء والهوية الكلاسيكية/الأوروبية ويعكس الاستيلاء الأوروبي على الثقافة الأفريقية. تظهر قضية لون بشرة كليوباترا وهويتها العرقية في عدد من الإصدارات التي تتحدث عن تأثير مصر على اليونان وكون مصر جزءًا من التراث الثقافي الأفريقي. يميل الباحثون إلى الجدل بشدة لصالح فكرة كون مصر دولة أفريقية أو ضدها (انظر على سبيل المثال العمل الذي حرره ليفكوويتز وماكلين روجرز ١٩٩٦). وعلى الرغم من سعي كثيرين إلى إنكار هذه العلاقة في حالة كليوباترا، يستخدم آخرون أصولها المختلطة كدليل على أن تلوث هذه الأسرة الحاكمة المقدونية أدى إلى انهيارها (بيانشي ٢٠٠٣: ١٣).
في أمريكا الشمالية يَعتبر بعض الأفراد ممن يحملون أثرًا من التراث الأفريقي أنفسهم من السود، ويُستخدم مصطلح السود على نطاق واسع في بريطانيا في عصرنا الحالي للإشارة إلى مجتمعات (جنوبية، كما ورد في المصدر) آسيوية (بيرنال ٢٠٠١: ٢٠٩). هذا وقد ضم معرض حديث عن الشخصيات السمراء من العصر الفيكتوري (مارش ٢٠٠٦) صورًا لأفراد لهم أصول إسلامية. أشار بيرنال إلى أن كلمة أسود تعني للأوروبيين في العصر الحديث «نموذجًا لسكان غرب أفريقيا»، في حين تتسم قارة أفريقيا بتنوع شديد، بما في ذلك شمال أفريقيا. أنا أستفيض في الحديث عن هذه النقطة حتى أوضح طريقة تعاملنا مع معاني الكلمات. ومع ذلك من الظلم أن يقول الباحثون إن قضية الهوية الأفريقية في مقابل الهوية الكلاسيكية (الأوروبية) لم تكن موجودة في العصور القديمة؛ فعند تصوير صانع الخزف الأثيني إكسيكياس لأحمس، الخادم المصري لممنون، في القرن الخامس قبل الميلاد، أظهر شكله على أنه أفريقي أسود، بشعر أفريقي الشكل وملامح «أفريقية» مبالغ فيها. وقيل أيضًا إن هذا كان إشارة إلى أحد صناع الخزف المنافسين له الذي كان يعمل في أثينا في ذلك الوقت. إذن كان الإغريق يرون المصري على أنه أفريقي. وفي الأدب الإغريقي كان يُشار إلى المصريين دومًا على أنهم إثيوبيين.
من المهم أيضًا إدراك أن الانتماء العرقي لا يتعلق فقط بدرجة لون البشرة أو الثقافة، وإنما أيضًا بالاختيار؛ ومن ثم فإن الأطفال ذوي الأصل العرقي المختلط عادةً ما يقررون اتباع إحدى الثقافات السائدة، وعادةً ما يصبح الأفراد المنحدرون من العرقين الأبيض والأسمر سُمرًا، ويرجع هذا جزئيًّا إلى أن المظهر الخارجي (لون الجلد ونوع الشعر) لأبناء الوالدين اللذين يكون أحدهما أبيض اللون والآخر أسمر يكون أقرب عادةً إلى مظهر الوالد صاحب اللون الأسمر؛ ولذلك يتعامل معهم المجتمع بأكمله على هذا الأساس. توجد جاذبية كبيرة أيضًا لثقافة السُّمر؛ فيتبع كثير من الناس في بريطانيا في عصرنا الحالي ثقافة السُّمر أو يقلدونها (في الموسيقى والأفلام)، لكنهم ليسوا من السُّمر. توجد صورتان مختلفتان تمامًا لكليوباترا؛ الأولى والسائدة: هي صورتها المصرية، هذا وقد اعتنقت كليوباترا ثقافتها الأصلية بوصفها حاكمة لمصر (فيجب أن نتذكر أنه في وقت اعتلائها للعرش كانت أسرتها قد عاشت في مصر نحو ٣٠٠ عام). لم تظهر كليوباترا على أنها أوروبية إلا عند إصرار جمهورها على ذلك فقط، ورغم هذا ما زالت أوروبا تنسبها إلى نفسها متجاهلة علاقتها بأفريقيا.
كليوباترا كنموذج يُحتذى به
قلة قليلة من النساء يضاهين شهرة كليوباترا، أو حصلن على ما حصلت عليه من سلطة؛ ونتيجة لهذا، ينظر كثير من الكُتَّاب المعاصرين إلى كليوباترا على أنها شخصية نسائية بارزة، بينما يبذل آخرون قصارى جهدهم من أجل التقليل من شأن هذا الدور.
إن دور كليوباترا كمثال يُحتذى به للنساء يطرح إشكالية مثل كونها رمزًا أسمر اللون. يوجد تفسير بسيط لهذه المشكلة، تفسير قد يقدِّم فهمًا عميقًا لضرورة التعليق على مظهرها الخارجي على حد زعم البعض؛ فقد كانت الغالبية العظمى من كُتَّاب سيرة كليوباترا وبالتأكيد الغالبية العظمى من المؤرخين القدامى الذين تحدثوا عنها في أعمالهم رجالًا من أصل أوروبي. سنتحدث في الفصل الثاني عن هذه المشكلة من خلال مقارنة كُتَّاب شمال أفريقيا بنظرائهم الأوروبيين.
إن المؤرخين المعاصرين الذين يدرسون التاريخ الأفريقي والهوية الأفريقية، أو الذين لهم أصول أفريقية، أكثر تعاطفًا مع فكرة كون كليوباترا شخصية سمراء بارزة، ربما بسبب معرفتهم بالتراث الشفهي الأمريكي الأفريقي. لا عجب إذن أن تتعامل المؤرخات السيدات بتعاطف أكثر مع الملكة، لا سيما المتخصصات في «أسطورة» كليوباترا، وقد يرجع هذا ببساطة إلى إدراكهن مدى ما حدث لشخصيتها من تشوه بمرور الزمن (هامر ١٩٩٣ و٢٠٠٣؛ هيوز-هالت ١٩٩٠).
لا يمكن للمعرفة العلمية التشكيك في كون كليوباترا امرأة مثلما شككت في هويتها الثقافية، لكن بعض العلماء شككوا في مكانة كليوباترا كقدوة للنساء. فيجب ألا تكون كليوباترا شخصية تاريخية معصومة من الخطأ حتى تؤدي هذا الدور، تمامًا مثلما لا يرتبط مفهومها الشخصي أو المفهوم المعاصر للون بشرتها بتقبُّلها كشخصية بارزة سمراء اللون. فإذا استطاع بعض أعضاء مجموعتَي «أقلية» (ومن بينهما النساء) النظر إلى كليوباترا، إحدى الشخصيات التاريخية الملهمة، على أنها قدوة يُحتذى بها، فلِمَ يضايق هذا مَن لا توجد صلة حقيقية لهم بها؟ أنا لا أقول إن كليوباترا كانت معصومة من الخطأ، بل إنه من الخطأ إنكار الانجذاب المعاصر إليها، والقائم على كونها امرأة أو سمراء أو حتى مصرية.
المواقف تجاه الحكام النساء
يذكر بعض الباحثين المعاصرين، عند حديثهم عن سجل إنجازات كليوباترا السابعة كحاكمة، بعض الكوارث الطبيعية مثل انخفاض عدد الفيضانات في الجزء الأول من حكمها على أنها أمثلة على إدارتها السيئة لمصر؛ فقد كتب أحدهم (هازارد ٢٠٠٠: ١٥٩) في استنتاج مذهل: «لا تقدِّم ملكات البطالمة أي أمثلة مضيئة للمؤمنين بالمساواة بين الجنسين إذا حكموا عليهن بقيمتهن للشعوب؛ إذ لم يُحسِّن ظهور تلك الملكات جودة الحكم ووضع بنات جنسهن إلا في أضيق الحدود. وينطبق هذا على وجه الخصوص على الملكة كليوباترا الأخيرة، التي أصبحت حاليًّا أسطورة أكثر من كونها شخصية تاريخية؛ فقد كان تجاهل كليوباترا الأخيرة لحقِّ أخيها (في الحكم) عام ٥١، وخدمتها لمصالح رعاتها في روما طوال فترة حكمها، وقتلها لثلاثة من المطالبين بالعرش وتحصيلها لضريبة ضخمة من شعبها؛ من العوامل التي جعلتها أعظم من رفاقها الرجال، لكنها حكمت بقسوة تضاهي أي ملك آخر.»
على الرغم مما يبدو من معاناة بعض المؤرخين المعاصرين مع مفهوم الرمز النسائي القوي، فقد لعبت النساء دورًا رئيسيًّا في مصر منذ عهد الأسرة الأولى، وكانت تشغل بوضوح دورًا خاصًّا قريب الصلة بدور الآلهة ذات النفوذ. تولى حكم مصر حاكمات من النساء، لكن هذا الوضع لم يكن إلا استثناءً. في مقال عن نماذج السلطة (النسائية) وفيما يتعلق باعتلاء حتشبسوت للحكم، تحدثت روث عن الظروف التي أحاطت بارتقاء النساء إلى منصب الحاكم الرئيسي (٢٠٠٥: ٩–١٤). فقد وصل كثير من النساء إلى السلطة عقب وفاة زوجها المفاجئة. بينما كانت تتولى أخريات السلطة، لكن دون الحصول على لقب المُلك، كوصيَّات على العرش أو في دور والدة الملك (روث ٢٠٠٥: ١٠–١٢). من الواضح أن المصريين كانوا يتقبَّلون الحاكمات النساء ويتأقلمون معهن، وكان يُنظر إلى النساء على أنهن قادرات على حماية مصر، وربما كُنَّ يُدفنَّ بصحبة أشياء تتعلق بالشجاعة العسكرية (روث ٢٠٠٥: ١١). لا يُعتبر هذا أمرًا مفاجئًا إذا نظرنا إلى ربَّات مثل سخمت، التي تتضمن شخصيتها جانبًا خاصًّا بتقديم الحماية وآخر لشن الحروب.
يوجد لدى الإغريق إلهة تشبه سخمت ذات رأس اللبؤة؛ وهي أثينا. كان وجود المحاربات في اليونان القديمة مقتصرًا على عالم الأساطير؛ فلم يكن يوجد نظير إغريقي للمنصب الذي تقلدته نساء الأسرة الملكية المصريات. ومع ذلك، نرى في مقدونيا في عصر الإسكندر الأكبر ظهور نوع مختلف تمامًا من النساء، فكما كان يحدث في مصر كانت النساء تستخدم في توطيد الولاء السياسي؛ فكانت لدى فيليب الثاني المقدوني، والد الإسكندر الأكبر، سبع زوجات ولم يُطلق أيًّا منهن. كانت زوجات فيليب وبناته محاربات يذهبن إلى المعارك، ورتَّبن زواج بناتهن وعملن على ترقية أبنائهن (أشتون ٢٠٠٣أ: ١٤). كانت والدة الإسكندر سيدة بالغة القوة وواسعة السلطة، وعقب وفاته بذلت كل ما في وسعها من أجل الحفاظ على مكانتها، حتى إنها وضعت تمثالًا لها بجوار تمثال ولدها المؤلَّه في ضريح للأسرة في مدينة أولمبيا باليونان (ستيوارت ١٩٩٣: ٣٨٦-٣٨٧). واتباعًا لهذا النموذج المقدوني على وجه الخصوص سعت ملكات البطالمة الأوليات إلى زيادة سلطتهن؛ فقد سعين بنشاط في القرن الثاني قبل الميلاد إلى تعزيز مكانتهن، وهو ما كان يحدث عادةً على حساب أزواجهن.
على الرغم من هذا، شهد العصر البطلمي حكمًا مباشرًا لأم وابنتها؛ فقد حكمت كليوباترا الخامسة (ترايفينا)، زوجة بطليموس الثاني عشر (والد كليوباترا السابعة)، مع ابنتهما كليوباترا برنيكي الرابعة من عام ٥٨ إلى ٥٥ قبل الميلاد. في الواقع يحدث هنا الارتباك بشأن عدد اللاتي أُطلق عليهن اسم كليوباترا. يشير فرفوريوس إلى أن كليوباترا برنيكي الرابعة كانت أخت كليوباترا الخامسة وليست ابنتها، وهو ما يشير إلى وجود كليوباترا خامسة أخرى وإلى وجود كليوباترا سادسة (أشتون ٢٠٠٣أ: ٦٧-٦٨). لا توجد أدلة كثيرة تدعم وجود سيدة أخرى باسم كليوباترا الخامسة ويُحتمل أن يكون فرفوريوس قد أخطأ (وايتهورن ١٩٩٤: ١٨٢-١٨٣). كذلك فإن الملكة التي نعرفها باسم كليوباترا السابعة هي في الواقع كليوباترا السادسة. ومن أجل تجنب المزيد من الحيرة سنشير إليها في هذا الكتاب ببساطة باسم كليوباترا أو برقمها المألوف.
لم يكن الرومان سعداء بفكرة الحاكمات النساء، وفي كثير من الأحيان كانوا يتدخلون من أجل وضع حاكم رجل على العرش بدلًا من المرأة. وكان أكثر هذه التدخلات تدميرًا زواج كليوباترا برنيكي التي حكمت مع عمها بطليموس العاشر ووالدها بطليموس التاسع، ثم تسلمت حكم مصر وحدها بعد وفاة والدها. حكمت كليوباترا برنيكي لمدة ستة أشهر قبل اختيار الرومان ابن أخيها ليحكم معها، وفي غضون أسابيع قتلها زوجها. فأخذ أهالي الإسكندرية بثأرهم وقتلوا ملكهم الجديد.
جمال كليوباترا
في ١٤ من فبراير عام ٢٠٠٧، نشرت الصحف الشعبية في بريطانيا العظمى مقالات تحمل عناوين مثل «كليوباترا الدميمة». وحتى الصحف كبيرة الحجم احتوت على مقالات تتساءل عن جمال كليوباترا. كان الدافع وراء هذا متحف جامعة نيوكاسل، الذي عثر على عملة من نوع شائع نسبيًّا وعرضها في يوم عيد الحب.
شكل ١-١: عملة تُظهر صورةً لكليوباترا السابعة على أحد وجهيها ومارك أنطونيو على الوجه الآخر. ضُربت هذه العملة في أنطاكية عام ٣٦ قبل الميلاد. متحف فيتزويليام في كامبريدج.
من السهل تجاهل التساؤلات المتعلقة بجمال كليوباترا (هامر ٢٠٠٣: ١٢٦)، ومع ذلك، فإن هذا الموضوع يستحق مزيدًا من الدراسة. تستخدم الصور الظاهرة على العملة (شكل١-١) كدليل ضد جمال الملكة المزعوم لمجرد أنها لا تتماشى مع المفهوم الغربي المعاصر عن الشكل الجذاب المقبول. لم يضطر إلا عدد قليل من الشخصيات التاريخية الذكورية إلى التعرض لمثل هذا النوع من الإهانة الناتجة عن الحكم عليهم بناءً على صورة لا تُظهر محاسنهم. وعند إلقاء نظرة خاطفة على صور كليوباترا الأخرى يظهر لنا نوع من الصور مختلف تمامًا عن «صورها» اللاحقة المطبوعة على العملات، وفي الواقع بناءً على الروايات الكلاسيكية، نجد أن تلك الصور الأخرى تتماشى بسهولة أكبر مع الصورة المثالية الغربية القياسية، رغم أنني لا أشير للحظةٍ إلى أن هذه الصور أكثر جمالًا من صورها الأخرى. لماذا إذن أصبحت الصور المطبوعة على العملات، التي تُظهر ملامح ذكورية واضحة لكليوباترا، هي الدليل الأكثر شيوعًا لإثبات قُبح كليوباترا؟ يبدو الأمر كما لو أنه من الأفضل ألا تكون كليوباترا فائقة الجمال. يشير ذلك أيضًا على نحو محزن إلى النمط الغربي المعاصر لمفهوم الشكل الجذاب وغير الجذاب.
عادةً ما يربط الناس جمال كليوباترا بواقعة سقوط هذه الملكة ومعجبيها كما ذكر لوكان في قصيدته «فرساليا» (السطر ١٦٤). لم يكن جميع الكُتَّاب الرومان بمثل قدر سطحية نظرائهم المعاصرين، فيشير بلوتارخ إلى جمال الملكة الداخلي وجاذبية شخصيتها في أجزاء عدة من كتابه «حياة أنطونيو»، ويقول في الفصل ٧٣ أن كليوباترا كانت «تعي جمالها الشخصي وتفخر به بشدة». تعرَّض إنكار جمال كليوباترا الخارجي — وبالتالي سلطتها الملحوظة على الرجال — إلى التشكيك، تمامًا مثل التراث الأفريقي لكليوباترا. القضيتان كلتاهما أكثر تعقيدًا بمراحل مما تبدوان عليه للوهلة الأولى، فكيف نعرِّف (أو على وجه الدقة كيف كان المصريون القدماء يُعرِّفون) الجمال أو «سمار البشرة»؟ كلاهما تعريفان مؤقتان، يعتمدان على الثقافة والزمن (هامر ٢٠٠٣: ١٢٦؛ شوحط ٢٠٠٣: ١٢٩).
مواقع عربية