السيارات الذاتية القيادة تدخل عصرا جديدا في كاليفورنيا الأميركية؟
صناعة السيارات الذاتية القيادة تشهد تطورا سريعا وتمثل تحولا نوعيا في طريقة التفكير بشأن التنقل والسلامة على الطرق، لكن كيف سمحت كاليفورنيا لهذه النوعية من السيارات بدخول عصر جديد، وهل الولاية قادرة على مواجهة التحديات التقنية والقانونية والاجتماعية لهذه الصناعة الناشئة.
في فوز كبير للصناعة قد يمهد الطريق لتبني التكنولوجيا على نطاق واسع، صوت المنظمون في ولاية كاليفورنيا لصالح السماح لشركات السيارات الذاتية القيادة “وايمو” و”كروز” بتقديم خدمة سيارات الأجرة المدفوعة الأجر على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع في سان فرانسيسكو.
التصويت ألغى معظم القيود المفروضة على التشغيل وفرض رسوم على الرحلات، مما أدى بشكل أساسي إلى إنشاء المزيد من خدمات النقل دون السائقين.
بحسب المراقبين، فإن هذا التصويت يمثل لحظة محورية بالنسبة لصناعة النقل المستقلة، حيث يوسع إحدى أكبر حالات الاختبار لعالم تتصور فيه العديد من الشركات أنها لا تحتاج إلى سائقين بعد أن أصبحت السيارات دون سائقين مشهدا مألوفا في شوارع سان فرانسيسكو.
كاليفورنيا تدعم السيارات الذاتية القيادة
خلال التصويت، وافقت لجنة المرافق العامة في كاليفورنيا على تصاريح “وايمو” و”كروز”، وذلك بالرغم من معارضة القادة المحليين والعديد من السكان في سان فرانسيسكو، الذين يجادلون بأن المركبات الذاتية القيادة تسببت في حدوث فوضى في جميع أنحاء المدينة – من الاختناقات المرورية إلى مشاهد الطوارئ المعطلة.
بعد اجتماع استمر 7 ساعات في سان فرانسيسكو، جاءت نتيجة التصويت لصالح الشركات، حيث خرج مئات الأشخاص مؤيدين ومعارضين للمقترحات.
لكن يبدو أن الوكالة مؤمنة بأن هذه التكنولوجيا قادرة على زيادة الأمان عبر الطرقات، حيث قالت، “نخطو اليوم الخطوة الأولى من بين العديد من الخطوات لجلب المركبات المستقلة إلى كاليفورنيا، ووضع نموذج ناجح وشفاف للولايات الأخرى لاتباعه”.
لسنوات، جربت الشركات من “أمازون” إلى “جوجل” المركبات الذاتية القيادة. في كاليفورنيا وحدها، هناك أكثر من 40 شركة – بدءا من الشركات الناشئة إلى عمالقة التكنولوجيا – لديها تصاريح لاختبار السيارات في سان فرانسيسكو.
هذه الشركات تقطع مجتمعة ملايين الكيلومترات على الطرق العامة كل عام، إلى جانب مئات الحوادث الصغيرة في الغالب.
البيانات العامة حول اختبارات كاليفورنيا تُظهر التوسع الحاد في السنوات الأخيرة، في عام 2020، تم اختبار 551 سيارة على مسافة تزيد عن 2.9 مليون كيلومتر في كاليفورنيا، لكن بحلول عام 2022، زادت الأرقام إلى 1051 سيارة تم اختبارها على مدى أكثر من 7.5 مليون كيلومتر.
شركتا “وايمو” و”كروز” تعدان أكبر الشركات التي تختبر في الولاية حتى الآن، حيث توجد مئات السيارات على الطريق في سان فرانسيسكو في أي وقت.
لكن وفقا لبيانات عام 2022، فإن هناك أسماء أخرى معروفة في السباق أيضا، مثل “أبل”، التي التزمت الصمت إلى حد كبير بشأن تشغيل السيارة الذاتية القيادة التي يطلق عليها داخليا اسم “Project Titan”، حيث قامت باختبار نحو 50 سيارة على الطرق العامة. في حين تمتلك شركة “زوكس” من “أمازون” نحو 100 سيارة، إلى جانب خليط كبير من الشركات الناشئة الأخرى.
مدى المستقبل المنتظر
على الجانب الآخر، يعتزم معارضو السيارات الذاتية القيادة الاجتماع بعد التصويت لمناقشة الخطوات التالية، حيث من المحتمل تقديم طلب لإعادة الاستماع، الذي يكون مقدمة للتقاضي ضد اللجنة.
بالرغم من الحماسة التي تحيط بهذه الصناعة، يحذر العديد من الخبراء من أن المستقبل المنتظر لا يزال بعيد المنال على الأرجح.
بالفعل، توقعت شركات مثل “أوبر” و”تيسلا” أنها قد تنتشر على نطاق واسع بحلول منتصف عام 2020، لكن التكنولوجيا فشلت في تحقيق ذلك.
بينما تمتلك أكثر من 40 شركة تصاريح لاختبار تقنيتها في كاليفورنيا، لا يزال يتعين على العديد منها أن يكون لديها شخص واحد على الأقل يشرف على القيادة، ولا يبدو أن العديد من الشركات تختبر التكنولوجيا بنشاط.
علاوة على ذلك، يكافح المنظمون لمعرفة كيفية التحكم في هذه الصناعة السريعة التطور، ويمثل التصويت دعوة للاستيقاظ والتحرك بشكل أسرع بالنسبة لحكومة الولاية والحكومة الفيدرالية.
كاليفورنيا تشتهر بكونها رائدة ومبتكرة، ويريد الجميع أن يستمر ذلك، لكن في الوقت نفسه، من الصعب جدا على المنظمين معرفة من أين يبدأ تنظيم هذا الأمر.
الحوادث المتكررة
وفقا للبيانات، تم الإبلاغ عن 236 تصادما على الأقل من قبل الشركات مع سيارات تعمل في وضع القيادة الذاتية بالكامل في كاليفورنيا منذ عام 2019 – معظمها طفيف نسبيا.
لا يشمل ذلك العديد من الأمثلة الأخرى للمشكلات التي واجهتها السيارات عندما كانت تعمل في الوضع اليدوي، أو بعد أن استولى سائق بشري على السيارة المستقلة.
الغالبية العظمى من تقارير التصادم من “وايمو” و”كروز”، لكن الشركات التزمت بسجلاتها للسلامة مع التوضيح أن القيادة الذاتية تؤدي إلى شوارع أكثر أمانا.
في عام 2021، وبعد بضعة أشهر من حصول شركة “Pony.ai” على تصريح لاختبار سياراتها دون سائق عبر طرق كاليفورنيا، انقلبت إحدى سياراتها فوق حاجز مركزي وخربت إشارة مرور، مما أدلى إلى إلغاء تصاريحها في وقت لاحق.
الآن، وفقا لإدارة كاليفورنيا للسيارات، يُسمح للشركة بإجراء الاختبار طالما كان الإنسان موجودا لتولي زمام الأمور عندما تسوء الأمور. وفقا للبيانات العامة، كان لدى الشركة 41 سيارة نشطة في كاليفورنيا في عام 2022.
خلال نفس العام، اصطدمت سيارة “أبل” بالقرب من مقرها في كوبرتينو برصيف أثناء السير بسرعة 20 كيلومترا في الساعة.
في حالتين منفصلتين في شهري أيار/مايو وحزيران/يونيو من هذا العام، تعرضت “زوكس” من “أمازون” لحادثين طفيفين في سان فرانسيسكو تسببا في إصابات للسائقين البشر في السيارة.
التنظيم الحكومي مطلوب
كجزء من شروط التشغيل في كاليفورنيا، يتعين على الشركات الإبلاغ عن معلومات معينة، مثل الكيلومترات المقطوعة والاصطدامات، إلى الإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة، وإدارة كاليفورنيا للمركبات ذات المحركات، ولجنة المرافق العامة بكاليفورنيا.
لكن النقاد يشيرون إلى أن هذه البيانات غير موثوقة وغير كاملة، وذلك لأن الشركات غير مطالبة بالإبلاغ عن مجموعة من الحوادث الأخرى التي تؤثر بالجمهور، مثل عندما تنحرف السيارة إلى ممر للدراجات أو الحافلات أو تتوقف لفترة قصيرة وتعطل حركة المرور.
من أجل إثبات الجدوى الاقتصادية للمساهمين، تتعرض شركات السيارات الذاتية القيادة لضغوط شديدة لجني الأرباح، وهذا الأمر قد يأتي على حساب السلامة العامة.
لكن بالنظر إلى أن السيارات الذاتية القيادة يتم تنظيمها على مستوى الولاية في كاليفورنيا، فإن القادة المحليين ليس لديهم رأي كبير في كيفية ومكان عمل هذه السيارات في المدن.
هذا الأمر يظهر جليا في تصريحات جارفيس موراي، مدير النقل في لوس أنجلوس، حيث قال، “من غير المقبول السماح بتوسيع خدمة التنقل الجديدة دون مطالبة الشركات بالإبلاغ عن المزيد من البيانات وإعطاء المدن مزيدا من الرأي بشأن ما يحدث على طرقها العامة”.
موراي أضاف، “بصفتها وكالة في المدينة مكلفة بحماية سلامة جميع مستخدمي الطريق، لا تعتقد مديرية النقل في لوس أنجلوس أنه تم وضع بيانات أو دراسات أو تركيز كاف على كيفية تأثير هذه الصناعة بأهداف السلامة في المدينة أو كيفية تأثير هذه الخدمة بغير الركاب.
في الختام، بغض النظر عن الموافقة والمعارضة، فإن كاليفورنيا سمحت للشركات بتشغيل السيارات الذاتية القيادة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع في سان فرانسيسكو، الأمر يمثل انتصارا كبيرا لمشغلي تلك السيارات، الذين أنفقوا عشرات المليارات على التكنولوجيا بعائد ضئيل للغاية. لكن في الوقت نفسه، تطالب الولاية الشركات بمعالجة المشاكل المتمثلة إغلاق المركبات للطرق والتسبب باختناقات مرورية وإعاقة سيارات الطوارئ.
المصدر: إكسفار