عرب وعالم

أنشودة تعيش ألف سنة وتبقى خالد فى ذاكرة ووجدان العرب والعالم.. ماذا تعرف عن حكاية أنشودة “مولاي إني ببابك”؟

يظل صوت الشيخ النقشبندى أيقونة رمضانية إلى جوار صوت الشيخ محمد رفعت وكلاهما شكل مذاقا وملمحا رمضانيا، وللشيخ النقشبندى باقة من التواشيح خالدة فى ذاكرة الكثيرين، غير أن كل التواشيح التى أداها لم تكن ملحنة، إلى أن جمعه التعاون مع الملحن الكبير بليغ حمدى والذى لحن له مجموعة من التواشيح فى ألبوم كامل كانت فيه الغنائية الأشهر والأخلد هى «مولاى إنى ببابك» غير أن وراء قصة التعاون بين القطبين تفاصيل جميلة، كانت البداية فيها قد شهدها حفل زواج ابنة الرئيس السادات الذى حضره كوكبة من نجوم الفن والغناء، وكان بينهم الشيخ النقشبندى، وأثناء تحيته للسادات والذى قال لوجدى الحكيم – رئيس الإذاعة آنذاك – وبليغ حمدى: «عايز أسمع النقشبندى مع بليغ».

وفى سياق مختلف السادات قال: «احبسوا النقشبندى وبليغ مع بعض لحد ما يطلعوا بحاجة»، فكان التعاون الاستثنائى بينهما، وبعد إلحاح ومحاولات إقناع قام بها وجدى الحكيم مع النقشبندى إلى أن رضخ رغم عدم اقتناعه بهذا التعاون، حتى إنه قال لوجدى الحكيم: «ما ينفعش أنشد على ألحان بليغ الراقصة»، ووجه الحكيم بفتح استوديو الإذاعة لهما، وذهب الحكيم بصحبة النقشبندى إلى الاستوديو، واتفقا على إشارة فيما بينهما خاصة أن النقشبندى اعتاد أداء التواشيح دون موسيقى مصاحبة.

وكانت الإشارة هى أن يخلع النقشبندى عمامته دلالة على إعجابه باللحن، أما إذا لم يخلعها فهذه دلالة على عدم إعجابه باللحن، ومن ثم يتعين على الحكيم أن يتعلل بأن عطلا فنيا لحق بالاستوديو لإنهاء اللقاء، وظل النقشبندى يردد: «على آخر الزمن يا وجدى، يلحن لى بليغ على آخر الزمن أتعاون مع ملحن أغانى بهية وعدوية»، لقناعته بأن بليغ سيصنع له لحنًا راقصًا لن يتناسب مع جلال كلمات الأدعية والابتهالات.

لكن بعد دقائق من دخولهما الاستوديو واستماع النقشبندى للحن بليغ إذا به يخلع العمامة والجبة والقفطان أيضا وإذا به يقول لوجدى الحكيم: «يا وجدى بليغ ده جن» وينتهى اللقاء بتلحين بليغ لموشح «مولاى إنى ببابك» واستمر المشروع بينهما لينتهى بإنجاز ستة ابتهالات رائعة قال عنها النقشبندى فى حديث جمعه بالإذاعى الكبير وجدى الحكيم «لو مكنتش سجلتهم مكنش بقالى تاريخ بعد رحيلى»، واستمر التعاون بين «النقشبندى» و«بليغ» وقدما نحو 14 عملًا أذيعت فى شهر رمضان، من خلال برنامج «أنغام الروح»، بقى القول إن ابتهال «مولاى إنى ببابك قد بسطت يدى» كانت للشاعر عبدالفتاح مصطفى.

قصة أنشودة “مولاي إني ببابك”
مَولاي إنّي ببابكَ قَد بَسطتُّ يَدي
مَن لي ألوذُ به إلاك يا سَندي؟
أقُومُ بالليل والأسحارُ سَاهيةٌ.
أدعُو وهَمسُ دعائي بالدُّموُع نَدي
بِنورِ وَجهِكَ إني عَائذٌ وجل
ومن يعُذ بك لن يَشقى إلى الأبدِ.
مَهما لَقيتُ من الدُنيا وعَارِضِها

2-“مَولاي إنّي ببابكَ”للمنشد الديني المصري الشيخ سيد النقشبندي والتي ارتبطت روحانيا ووجدانيا بشهر رمضان المبارك، فهزت كلماتها ولحنها وجدان الناس، وتمكن صوت منشدها من القلوب ولا تزال الأغنية تذاع وتقدم عبر المحطات الإذاعية والقنوات التلفزيونية العربية في المناسبات الدينية الأخرى

3-النقشبندي ولد عام 1920وتوفي عام 1976صاحب الصوت الخاشع العذب الذي يعيش بيننا حتي الآن رغم وفاة صاحبه منذ44عام وسيظل كالذهب ويبقي الإبتهال الأكثر شهرة من أعمال الشيخ النقشبندي ويزيدنا إحساساً برمضان كتب كلماتها عبد الفتاح مصطفي ولحنها بليغ حمدي أول تعاون مع الشيخ النقشبندي

4-أما حكاية “مولي اني ببابك “فتعود للرئيس الراحل أنور السادات الذي كان عاشقًا للإنشاد الديني وبدأت علاقته مبكرا مع الشيخ سيد النقشبندي حينما كان رئيسا لمجلس الأمة وقبل ان يصبح رئيسا للجمهورية عن طريق الدكتور محمود جامع أحد أصدقاء السادات المقربين.

5-زادت شهرة النقشبندي بعد إحيائه عدة ليال بالحسين بالقاهرة حيث استمع إليه الإذاعي الكبير أحمد فراج وكان اول دخول للنقشبندي للإذاعة المصرية عام 1967 ليسجل إبتهالات وأدعية دينية لتذاع في رمضان بعد المغرب ويسجل عددا من البرامج ليظل إسم النقشبندي مرتبطاً برمضان

6- عام1972كان احتفال الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات بخطوبة إحدى بناته في تلك المناسبة التقى السادات بالشيخ سيد النقشبندي والموسيقار بليغ حمدي والإذاعي وجدي الحكيم حيث كان ثلاثتهم من بين الحضور وكان السادات من محبي صوت شيخ المنشدين وقتئذ فطلب من بليغ حمدي أن يلحن للنقشبندي

7-وكان بمثابة الأمر الرئاسي لكن الأمر أصاب النقشبندي بالحرج لكونه ليس مطربا بل هو قارئ ومنشد من أتباع الصوفية وفي الطرق الصوفية لايجوز للمنشد أن يغني على الإيقاعات الراقصة أما بليغ حمدي فكان الأمر الرئاسي بالنسبة إليه مفاجأة سارة وهدية جاءته من السماء فلقد كان يعشق صوت النقشبندي

8-ولكي يرفع الحرج على الشيخ طلب من الشاعر عبد الفتاح مصطفى أحد أبرز شعراء الصوفية في مصر أن يكتب له نصا دينيا مشحونا بالرضا والتوكل على الله، وهي كلمات يرددها الشعب المصري والشعوب العربية والإسلامية في وقت المحن والصعاب وفي لحظات الدعاء والخشوع

9-وعندما سمع النقشبندي ذلك وافق محرجاً وتحدث مع الحكيم بعدها محرجاً “ماينفعش أنشد علي الحان بليغ الراقصة”وقد تعود علي الانشاد على ما يعرفه من المقامات الموسيقية دون ان يكون هناك ملحن ويعتقد ان اللحن يفسد حالة الخشوع التي تصاحب الابتهال لذلك كان رد الشيخ”علي آخر الزمن هغني ياوجدي”

10-في إشارة ان الابتهال الملحن يجعل من الأنشودة الدينية أغنية وطاب من الحكيم الإعتذار لبليغ! لكن الحكيم أقنعه أن يستمع فقط لألحان بليغ واصطحبه الي استديو الإذاعة وأن يتركه مع بليغ نصف ساعة وان تكون هناك إشارة بينهما ليعرف منها الحكيم هل أعجبته ألحان بليغ أم لا

11-يقول الحكيم اتفقنا ان ادخل عليهما بعد نصف ساعة فإذا وجدت النقشبندي أعجب خلع عمامته فهذا يعني أنه أَعجب بألحان بليغ وإذا وجدته مازال يرتديها فهذا يعني أنها لم تعجبه واتحجج بأنه هناك عطل في الاستديو لإنهاء اللقاء ونفكر بعدها في كيفية الإعتذار لبليغ

12-ويضحك الحيكم قائلاً :دخلت وجدت النقشبندي قد خلع العمامة والجبة والقفطان وقال لي “يا وجدي بليغ ده جنّ”وفي هذا اللقاء انتهي بليغ من تلحين “مولاي اني ببابك “التي كانت بداية التعاون بين بليغ والنقشبندي أسفر بعد ذلك أعمال وابتهالات عديدة مثل “اشرق المعصوم،اقول امتي ،أي سلوي وعزاء

13-رباه يامن اناجي،انغام الروح ،ربنا إنا جنودك ،يارب انا امة،ياليلة في الدهر،ليلة القدر ،دار الأرقم،اخوة الحق،ايها الساهر، ذكري بدر وفي نفس هذا اللقاء الأول لحن بليغ للنقشبندي خمس ابتهالات أخرى وكان بليغ من اختار كلماتهم بالإتفاق مع الشاعر عبد الفتاح مصطفى

14-ولم يتلقي بليغ النقشبندي اجرا عنها ورغم وفاة صانعيه ظل ابتهال مولاي باقياً محققا شهرة ومعجبين من كل الأعمار
وعاشت في القلوب والبيوت أكثر من 45 سنة وكانت ولا تزال الإبتهال الأكثر حضورا في رمضان

15-الشيخ النقشبندى أشهر المنشدين والمبتهلين فى تاريخ الإنشاد رغم عمره القصير الذى لم يتجاوز 55 عاما إلا أنه استطاع أن يعيش بيننا بصوته وروائعه إلى أبد الدهر قيثارة السماء وصوت الملائكة يلمس روحك حين تسمعه
رحل عن عالمنا14فبراير1976ولأنه إنسان استثنائى كانت قصة وفاته استثنائية وكأنه كان يتوقع موته قبل ساعات من انتقاله إلى جوار ربه.

16-فى يوم الجمعة الموافق 13 فبراير 1976 كان الشيخ النقشبندى يقرأ القرآن فى صلاة الجمعة بمسجد التلفزيون وأذن للصلاة على الهواءوبعد انتهاء الصلاة خرج مسرعا على غير عادته ولم يسافر لبيته فى طنطا لكنه ذهب لبيت شقيقه بالعباسية

17-وفور دخوله طلب ورقة وقلم من شقيقه ودخل إلى غرفة وكتب بعض الكلمات ثم طوى الورقة ووضعها فى مظروف وأعطاها لأخيه وطلب منه ألا يفتحها إلا وقت اللزوم وانصرف مسرعا إلى منزله بطنطا.

يحكى سيد شحاتة النقشبندى حفيده تفاصيل هذه الساعات قائلا”اصطحب جدى بطانته وعاد إلى بيته فى طنطا

18-وبعد ساعات قليلة وفى اليوم التالى شعر ببعض التعب رغم أنه لم يكن يعانى من أى مرض ” فذهب للدكتور محمود جامع فى مستشفى المبرة بطنطاوحكى الدكتور جامع أنه دخل عليه على قدمه وقال له أشعر بألم فى صدرى وفاضت روحه فى غرفة الكشف خلال دقائق”

19-أما سر الورقة التى كتبها الشيخ النقشبندى قبل وفاته بساعات”فتح أخوه الورقة فوجدها وصية يوصى فيها بأن يدفن مع والدته فى مقابرالطريقة الخلوتية بالبساتين كما كتب لاتقيموا لى مأتما ويكفى العزاء والنعى بالجرائد وأوصى برعاية زوجته وأطفاله

20-وتصادف أثناء عودته من القاهرة فى المرة الأخيرة أنه شهد سرادقا كبيرا لعزاء أحد كبار تجار الفراشة بطنطا فقال«إيه السرادق العظمة ده»وبعد وفاته كان هذا السرادق مازال مقاماوبعد أن صلى الآلاف عليه بمسجد السيد البدوى تم دفنه بالقاهرة أمر المحافظ بأن يبقى السرادق مقاما لعزاء الشيخ سيد

المصادر : مواقع الكترونية عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى