البحث عن الطعام الحلال
رغم أن الحياة في اليابان تعد حلما لدى البعض خاصة من جيل الشباب في الوطن العربي ودول العالم المختلفة، بفضل انتشار بعض من أشكال الثقافة اليابانية الشعبية مثل الأنيمي، المانغا، الكوسبلاي، إلا أن المعيشة في اليابان تقابلها بعض التحديات التي قد تواجه المقيمين بسبب اختلاف اللغة أو الدين أو العادات والتقاليد. وربما أول شيء يشعر به أي شخص مسلم في اليابان هو كيفية التعامل مع مسألة عدم وفرة الطعام الحلال في اليابان بالشكل المناسب. ”أرابيسك“ هي فكرة تولدت من رحم المعاناة حرفيا، حيث بدأت خمس سيدات سودانيات تشاركهن بعض السيدات من جنسيات عربية أخرى يعشن في طوكيو تجربة ربما تكون الأولى من نوعها في إعداد بعض الأطعمة العربية الحلال وتسويقها عبر منصات التواصل الاجتماعي للعرب والمسلمين سواء الذين يعيشون في طوكيو أو من يأتون لليابان بقصد السياحة أو الزيارات القصيرة.
”لقد بدأت الفكرة بالصدفة عندما كنا نعد بعض الأطعمة العربية الحلال في العديد من المناسبات المختلفة التي تقام في طوكيو مثل تلك التي تعقد في المركز الإسلامي أو الجمعيات الإسلامية في طوكيو، حينها لاحظت مدى الإقبال على المأكولات الحلال بسبب عدم توافرها بالشكل المناسب والمريح الذي يرضي الناس خلال حياتهم اليومية في اليابان. كذلك كانت لي صديقة تقوم بتقديم دروس في الطبخ بمنزلها عبر أحد المواقع اليابانية الشهيرة يدعى Tadaku وهو موقع يقوم من خلاله الأجانب المقيمين في اليابان بتقديم دروس طهي منزلية غير رسمية لتعليم أطباق بلادهم ومشاركة ثقافتهم. ومن هنا كانت بدايتي، حيث اشتركت فيه، ثم قررت من بعد ذلك البدء بنفسي في هذا العمل“. تقول سارة التي تعيش في اليابان منذ 12 عاما مع زوجها وأطفالها الثلاثة، ورغم دراستها للهندسة إلا أن حبها للطهي وإدراكها للمشكلة التي تواجه العرب والمسلمين في اليابان جعلها تبدأ أولى الخطوات نحو تأسيس عمل يساعد الناس على التغلب على واحدة من أكثر العقبات التي تواجههم أثناء معيشتهم في اليابان. حيث يمكن طلب علب الطعام الحلال بعد اختيار المحتوى من قائمة الطعام، ثم تقوم بتوصيلها للزبائن، كما تقوم بإعداد أصناف المأكولات العربية المختلفة التي تناسب الحفلات والمناسبات الكبرى.
وتضيف قائلة ”نحن لا نقوم بإعداد المأكولات السودانية فقط، بل نضع في اعتبارنا اختيارات الزبائن وتنوع واختلاف أذواقهم، لذلك قمنا بتغيير قائمة المأكولات لتشمل بشكل أساسي المأكولات المشتركة بين الدول العربية والتي لا يختلف عليها الناس، حتى نسهل الأمور علينا وعلى الزبائن أيضا“.
زيادة الطلب في رمضان
يحاول المسلمون في اليابان المحافظة على غالبية العادات والتقاليد المرتبطة بشهر رمضان الكريم، على الرغم من أن الحياة في اليابان بوتيرتها السريعة التي لا تهدأ تجعل الأمر أكثر صعوبة بحكم اختلاف العادات والتقاليد واختلاف نمط الحياة عنها في الدول الإسلامية. تقول أم أحمد وهي إحدى السيدات المشتركات في المشروع ”في رمضان بشكل خاص يزداد الطلب على المأكولات الحلال، حيث يطلب العديد من الأشخاص الذين يعدون مائدة إفطار لأصدقائهم ومعارفهم مأكولات عربية حلال من أرابيسك، خاصة مع انشغال الناس في أعمالهم والتي تنتهي في وقت متأخر من اليوم، ربما قبل الإفطار بقليل“
وتضيف ”نقوم بشراء المنتجات الحلال لإعداد المأكولات من بعض المتاجر التي توجد بالقرب من السكن مع الخضروات اليابانية والمكونات الأخرى مثل البهارات التي تستخدم في المطبخ العربي حتى يستطيع الزبائن الاستمتاع بالنكهة العربية الخالصة لطعام منزلي معد من أجلهم“.
تحدى الإمكانيات
مع اقتراب موعد انطلاق أولمبياد طوكيو العام القادم في 2020، تستعد اليابان – في كل من القطاعين العام والخاص – للترحيب بموجة جديدة من الزوار الأجانب القادمين من الخارج، وقبل كل شيء آخر، هناك حملات لطمأنة هؤلاء الضيوف الأجانب بأن اليابان بلد آمن وممتع وهذا الأمر يعزز الوعي في اليابان بالحاجة إلى خلق بيئة صديقة للمسلمين تضمن لهم تجربة ممتعة على أرض اليابان، خاصة أن المأكولات والأطعمة هي أكثر ما يشغل بال المسلمين بسبب المتطلبات الدينية الواجب توافرها في الطعام. وتباع في اليابان المنتجات والأطعمة الحلال التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية. لكن لا يزال أمام اليابان الكثير والكثير لتفعله من أجل راحة الزوار المسلمين. تقول سارة ”عندما بدأنا تلك الفكرة كنا نضع نصب أعيننا موضوع استضافة طوكيو للألعاب الأولمبية، ونود أن نصل لجميع الأشخاص ويعرفنا جميع الناس المهتمين بالمأكولات الحلال، وأن يصبح ”أرابيسك“ أحد الخيارات المفضلة للناس، لكن يزال هناك بعض العوائق التي تقف في طريقنا لتأسيس مطعم، سواء عوائق مادية أو إجرائية، لكن تظل الفكرة مطروحة ونسعى لتنفيذها، وقد نجد من يدعمنا ماديا للاستثمار معنا في هذه الفكرة لترى النور“.
معاناة الوجبات المدرسية!
تقوم المدارس اليابانية عادة بتقديم وجبات الغداء للتلاميذ، والتي يتم إعدادها داخل المدرسة، وتتكون من الخضار والبروتين والأرز الأبيض وبعض الحساء. وتقوم المدارس بإرسال قائمة الطعام الخاصة بكل شهر لأولياء أمور التلاميذ بشكل دوري. وبتلك الطريقة يمكن التعرف على محتويات المأكولات التي يتناولها الأطفال في المدارس. في ذلك الشأن تقول السيدة أم محمد ”نحن نعاني بالطبع في ذلك الأمر لأن المدارس اليابانية الحكومية لا توجد بها رفاهية اختيار أو توفير مأكولات حلال، لذلك أقوم بمراجعة قائمة الطعام بشكل دقيق، وفي حالة وجود أطعمة تحتوي على الخنزير أو مكونات لا يمكننا تناولها كمسلمين، أعد عوضا عنها علبة طعام لطفلي بنفس المحتوى ونفس الشكل لكن حلال، وهو أمر مرهق بشكل كبير. حيث أقوم بإعداد علبة الطعام ربما ثلاث أو أربع في الأسبوع، مما يعكس قلة توافر المأكولات التي يمكن لطفلي تناولها في المدرسة“. وتضيف قائلة ”عندما كان أطفالي في مرحلة رياض الأطفال كنت أعمل جاهدة من أجل إعداد علبة طعام تشبه تلك التي يتناولها زملائهم حتى لا يشعروا بأنهم مختلفون، وهو ما كان يمثل عبئا إضافيا وضغطا نفسيا كبيرا علي“.
”لكن على الجانب الأخر هناك تفهم في بعض الأمور من ناحية المدرسة التي يتردد عليها أطفالها، حيث اعتادت المدرسة على وجود أطفال أجانب ومسلمين، الأمر الذي دعاها لتوفير مكانٍ للصلاة للتلاميذ المسلمين احتراما لهم ولديانتهم بعد أن طلبنا منهم ذلك“.
وتقول سارة ”إن الوقت الذي يقيضه الأطفال في المنزل قليل للغاية، فغالبية اليوم في المدرسة، أما في المنزل يقومون بعمل الواجبات المدرسية والمذاكرة، ناهيك عن الأنشطة المدرسية أيضا، فلا أجد الوقت الكافي في نهاية المطاف لأعلمهم اللغة العربية وقراءة القرآن على سبيل المثال، وكلما انتقلوا لمرحلة تعليمية أكبر كلما زادت الأنشطة والأعباء عليهم، وبالتالي يقل الوقت الذي يمكنني أن أقضيه معهم“.
وفي النهاية فإن تجربة ”أرابيسك“ لتوفير المأكولات العربية الحلال، وعلب الطعام، للجاليات العربية والمسلمين في اليابان، ربما تسلط الضوء على المعاناة التي تؤرق قطاعا كبيرا من العرب الذين يعيشون في اليابان، وتفتح الطريق أمام تجارب أخرى ربما ترى النور قريبا خاصة مع اقتراب موعد انطلاق أولمبياد طوكيو 2020.