أكبر منتجين للنفط والغاز في الوطن العربي.. كيف قامت الجزائر ومصر بتعويض أوروبا عن إمدادات الغاز الروسي؟
أكد مدير الأبحاث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية والإستراتيجية (IRIS)، فرانسيس بيرين، أن الجزائر ومصر من بين بدائل الغاز الروسي المطروحة أمام دول أوروبا.
إذ ضاعف الأوروبيون اتصالاتهم مع مصدّري الغاز؛ لمعرفة من يمكنه التصدير إلى السوق الأوروبية إذا لزم الأمر، في ظل ارتفاع أسعار الطاقة المستمر، والاستغناء عن الإمدادات الروسية مع العقوبات المفروضة على موسكو في أعقاب غزوها لأوكرانيا.
وأوضح بيرين -في مقابلة أجراها مع المعهد الفرنسي- أن الأوروبيين تعهّدوا ببذل قصارى جهدهم لخفض واردات الغاز الروسي قدر الإمكان في غضون عام، والاستغناء عن النفط والغاز الروسيين تمامًا في غضون 5 سنوات.
فيما يتعلق بالغاز، سيحاول الاتحاد الأوروبي تحقيق أهدافه من خلال الحصول على إمدادات الغاز من خارج روسيا، والاعتماد على مصادر طاقة أخرى خاصةً لإنتاج الكهرباء بدلًا من الغاز، وتوفير استهلاك الغاز، بحسب بيرين.
بدائل الغاز الروسي المتاحة
أشار الباحث الفرنسي -في المقابلة- إلى أن أسعار النفط والغاز مرتفعة بالفعل منذ عام 2021، بسبب الانتعاش الاقتصادي القوي بعد جائحة فيروس كورونا، وشهد الطلب على الطاقة ارتفاعًا حادًا منذ العام الماضي ويكافح العرض لمواكبة الارتفاع.
كما ذكر أن أسعار الغاز آخذة في الازدياد، بوصفها نتيجة مباشرة للحرب الروسية والشكوك المرتبطة بالصراع، ولكن أيضًا نتيجة العقوبات الاقتصادية ضد روسيا.
ورأى أنه من بين الدول التي جرى الاتصال بها لتعويض إمدادات الغاز الروسية؛ قطر (التي يبدو أنها توافق على تصدير المزيد من الغاز الطبيعي المسال إلى السوق الأوروبية) والجزائر ومصر ونيجيريا والنرويج وأذربيجان، فضلًا عن إسرائيل وموزمبيق، بالإضافة إلى الولايات المتحدة.
وشدد بيرين -المتخصص في قضايا الطاقة- على أن الجزائريين حذرون؛ نظرًا لأنهم يتمتعون بعلاقات جيدة بروسيا؛ إلا أن السوق الأوروبية هي سوق الغاز الرئيسة لسوناطراك، وإذا جرى التعبير عن طلبات؛ فلن يكون من السهل على الجزائر تجاهلها.
ومن جانبها، لا تمتلك مصر مجالًا كبيرًا للمناورة في الوقت الحالي، كما أن إسرائيل تمتلك إمكانات، وفقًا لـ”بيرين”.
لذلك، يُمكن أن تكون لهذه الدول منافذ جديدة في السوق الأوروبية على المدى القصير والمتوسط والطويل، حسب الحالة.
اعتماد أوروبا على الواردات الروسية
ردًا على سؤال عما إذا كانت بعض الدول الأوروبية -خاصةً ألمانيا- تعتمد على الغاز الروسي أكثر من غيرها، أوضح بيرين أن الاتحاد الأوروبي يعتمد بنسبة نحو 25% على النفط الروسي و45% على الغاز الطبيعي، ولكن هذا المتوسط يخفي الاختلافات بين الدول.
وأشار إلى أن البعض أكثر اعتمادًا ويواجهون بالطبع المزيد من المشكلات، ومع ذلك، لم تمنع أي من هذه الدول -حتى الأكثر اعتمادًا- تبني السياسات الأوروبية التي تهدف إلى الاستغناء عن النفط والغاز الروسيين.
وشدد الباحث الفرنسي على أن هذا عنصر مهم؛ لأنه حتى وقت قريب كان يُعتقد أن دولًا مثل ألمانيا أو إيطاليا أو المجر يُمكن أن تؤدي إلى منع جزء من العقوبات الأوروبية ضد روسيا.
ولا تستطيع هذه الدول والاتحاد الأوروبي التوقف عن الاستيراد على الفور، لكنها لا تزال ملتزمة بوقف الواردات على المدى المتوسط.
رد فعل أوبك+ على الحرب الروسية
في سياقٍ متصل، وصف بيرين رد فعل تحالف أوبك+ على الارتفاع الجديد في أسعار النفط، بأنه “ليس كبيرًا”؛ إذ استمر التحالف في الزيادة الشهرية للإنتاج المقررة بمقدار 400 ألف برميل يوميًا بعد اندلاع الحرب، وكأن شيئًا لم يتغير منذ ذلك الحين، بحسب تصريحات بيرين.
كما اتُخِذ قرار مماثل في 31 مارس/آذار لشهر مايو/أيار، ووفقًا للتحالف، لا يوجد نقص في النفط في السوق العالمية، ومن ثم لا يوجد سبب لتغيير خريطة الطريق لزيادة 400 ألف برميل يوميًا كل شهر.
كما قال: “يجب أن نتذكر أن أوبك+ يضم روسيا.. يجب على الجميع الموافقة على اتخاذ قرار”.
وأشار إلى أن الدول المستهلكة الرئيسة -ولا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي- بعثت برسالة إلى أوبك+، وعلى وجه الخصوص إلى دولتين لديهما احتياطيات متاحة، وهما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
في الوقت الحالي، قالت الإمارات فقط إنها ترغب في تسريع زيادة الإنتاج، لكن هذه التصريحات سرعان ما نُفيت. ولا تزال السعودية حريصة على عدم القيام بأكثر من المتوقع والمحافظة على التحالف النفطي مع روسيا، بحسب بيرين.
وفيما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني؛ فإن المناقشات جارية في فيينا، وتُعَد واشنطن وطهران على وشك توقيع اتفاق، وإذا رُفعت العقوبات غدًا، ستكون إيران قادرة على إنتاج نحو 3.5-4 ملايين برميل يوميًا؛ ما يؤثر بشكل كبير في أسعار النفط.
اقرأ أيضاً: أوابك: الجزائر والسعودية تتصدران اكتشافات النفط والغاز العربية خلال 2022
تصدّرت كل من الجزائر والسعودية مؤشرات أوابك للاستثمار في عمليات اكتشاف النفط والغاز على المستوى العربي، خلال الربع الأول من عام 2022.
وقالت منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط أوابك، في بيان، إن الاستثمارات في مجال استكشاف وإنتاج النفط والغاز تراجعت في عام 2021 بنسبة 23% عن الاستثمارات في مدة ما قبل وباء كورونا، وتزامن ذلك مع تراجع الاكتشافات الجديدة في العام نفسه إلى أقلّ مستوى لها منذ عدّة عقود.
وقدّرت أوابك إجمالي حجم الاكتشافات الجديدة بنحو 4.7 مليار برميل مكافئ نفط خلال 2021، مثّل النفط منها نحو 66%، في حين انعكس تراجع الاكتشافات على تراجع احتياطيات النفط والغاز في العالم بنحو 1% لكل منهما.
زيادة الاستثمارات
أشارت أوابك إلى أن البيانات المتاحة كشفت أن العالم مقبل في 2022 على زيادة الاستثمارات في مجال الصناعة النفطية، لتصل إلى 628 مليار دولار، مقابل 602 مليار دولار عام 2021.
وتوقعت مؤسسة ريستاد إنرجي البحثية ارتفاعَ هذه الاستثمارات في مجال الاستكشاف والإنتاج بنسبة 7%، لتصل إلى 307 مليار دولار، مقابل 287 مليار دولار في عام 2021.
وأضافت أوابك: “لوحظ عمليًا ارتفاع عدد الحفارات العاملة في العالم بنحو 33% خلال الربع الأول من العام الحالي، إّ وصل متوسط عدد الحفارات العاملة خلال الربع الأول من عام 2022 إلى 1632 حفارة، مقابل 1228 حفارة في الربع الأول من عام 2021”.
وأوضحت أوابك أنها تابعت تحقيق 32 اكتشافًا جديدًا للنفط والغاز خلال الربع الأول من عام 2022، وهو ما يعكس ارتفاع الفعاليات في الاستكشاف، بعد التراجع الملحوظ في عدد الاكتشافات خلال عام 2021، حين جرى تحقيق 18 اكتشافًا جديدًا فقط على مستوى العالم خلال الربع الأول من العام الماضي.
الاكتشافات العربية
على الصعيد العربي، حققت الدول العربية 13 كشفًا جديدًا للنفط والغاز في الربع الأول من العام الحالي، منها 12 اكتشافًا في الدول الأعضاء في أوابك، واكتشاف واحد في دولة غير عضو.
وحققت الإمارات اكتشافًا كبيرًا للغاز في “الامتياز البحري- 2” بالمياه الضحلة قبالة سواحل أبو ظبي، وقُدّرت الاحتياطيات الجيولوجية فيه بما يتراوح بين 42 و56.6 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.
وتمكنت الجزائر من تحقيق 3 اكتشافات نفطية جديدة، الأول في “زملة العربي”، وقُدِّر الاحتياطي الجيولوجي فيه بنحو 140 مليون برميل، وأنتجت البئر “إتش دي إل إي-1” عند اختبارها بمعدل 7 آلاف برميل يوميًا، و142 ألف مترمكعب يوميًا من الغاز.
والاكتشاف الجزائري الثاني في “غرب عقلة الناصر”، إذ أنتجت البئر “غرب أوجليه ناصر – 2” بمعدل 5 آلاف و94 برميلًا يوميًا من النفط، و186 ألف متر مكعب من الغاز الطبيعي، في حين قُدِّرت الاحتياطيات فيه بنحو 415 مليون برميل.
أمّا الاكتشاف الثالث، فكان في منطقة “الوابد” عبر بئر “أولاد سيدي الشيخ-1″، التي أنتجت عند اختبارها بمعدل 925 برميل يوميًا من النفط، و6 آلاف و456 متر مكعب يوميًا من الغاز.
وبينما حققت سوريا اكتشافًا جديدًا للغاز في بئر “زملة-مهر –1” بريف مدينة حمص، تصدّرت السعودية القائمة بتحقيق 5 اكتشافات جديدة للغاز، وهي حقل “شدون” في المنطقة الوسطى شمال الرياض، وحقل “شهاب” في منطقة الربع الخالي، وحقل الشرفة في الربع الخالي، وحقل “أم خنصر” للغاز غير التقليدي، وحقل سمنة للغاز غير التقليدي في المنطقة الشرقية.
بدورها، حققت مصر اكتشافًا للغاز عبر البئر “إس دي-5إكس”، في منطقة جنوب دسوق، بجانب اكتشاف للنفط في منطقة شمال شرق رمضان، من المتوقع أن تصل احتياطياته إلى 100 مليون برميل.
وبالنسبة للدول غير الأعضاء في أوابك، حقّق المغرب اكتشافًا للغاز عبر البئر “أنشوا-2” في منطقة “ليكسوس” قبالة ساحل مدينة العرائش، في منطقة يبلغ عمق الماء فيها نحو 381 مترًا.
أهمية ضخ الاستثمارات
قالت منظمة أوابك، إن هذه النتائج الإيجابية، المحققة خلال الربع الأول من 2022، عالميًا وعربيًا، تؤكد أهمية ضخّ الاستثمارات في الصناعة النفطية عمومًا، وفي مجال الاستكشاف والإنتاج بشكل خاص.
وأوضحت أوابك أن الهدف من هذه الاستثمارات هو الحفاظ على توازن أسواق الطاقة في العالم، لأن الحفاظ على إنتاج مستقر يلبي الطلب العالمي على النفط والغاز، يستوجب البحث المستمر عن احتياطيات جديدة لاستبدال الكميات التي أُنتِجَت.
وأضافت: “الاستثمارات أيضًا ضرورية لمواجهة التراجع الطبيعي في معدلات إنتاج الآبار، والحدّ من تذبذب مصادر التوريد في الأحوال الطارئة، مثل التغيرات الجيوسياسية التي تجلّت في الأزمة الروسية الأوكرانية مؤخرًا”.
المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية