ثورة النفط الصخري.. أتاحت إمكان خلق 4.3 مليون فرصة عمل في أميركا.. تعرف على الثروة الضخمة التي يمتلك العرب حصة فيها
يمثّل النفط الصخري أهمية كبرى، مع زيادة أسعار الغاز الطبيعي بنسبة 150% العام الماضي، وتضاعف أسعار النفط عمّا كانت عليه في مايو/أيار 2021، ما أدى إلى تفاقم معاناة الناس بسبب الارتفاع الكبير في تكاليف الطاقة، التي لا تقتصر فقط على وقود النقل وتوليد الكهرباء والتدفئة والطهو.
ويمثّل النفط والغاز الطبيعي المواد الأولية لجميع الاستخدامات تقريبًا في العالم المعاصر، ابتداءً بالتعبئة والتغليف والأسمدة والأسفلت وصولًا إلى الأدوية وآلاف المنتجات الأخرى.
في هذه الآونة، لا تتحدث الحكومات عن ارتفاع أسعار الطاقة فقط، بل تتعدى ذلك إلى نقص الطاقة، وكان ذلك تراجُعًا مؤلمًا للثروة بالنسبة لسعر وتوافر النفط والغاز الطبيعي، وما يدعو للقلق أن الأمور ستزداد سوءًا قبل أن تتحسن.
وقد يغيب فارق بسيط في عبارة “تراجُع الثروة” عن أذهان كثير من الناس لأنهم نسوا، أو لم يعرفوا أبدًا، أن هناك ثروة أصلية، النفط والغاز منها.
النعمة المذهلة التي أتحدث عنها هي ثورة النفط الصخري التي أطلقتها الإبداعات والابتكارات التكنولوجية للتكسير المائي (الهيدروليكي) والحفر الأفقي.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت المستفيد الأول، فإن بقية العالم استفادت أيضًا بشكل مباشر وغير مباشر من الارتفاع الهائل في أسعار النفط والغاز الطبيعي منخفضة التكلفة.
ثورة النفط الصخري
أنتجتُ مقطع فيديو لصالح مؤسسة “كلير إنرجي ألاينس”، الأميركية الإعلامية المعنية بتسليط الضوء على مواضع الخلل والتضليل في شؤون الطاقة، بشأن إبداعات ثورة النفط الصخري في أكتوبر/تشرين الأول 2018 (يمكن مشاهدته على قناةClearEnergy على YouTube).
واستند مقطع الفيديو إلى دراسة أجرتها غرفة التجارة الأميركية، إذ كانت الأرقام مذهلة، وفقًا للغرفة، وكشفت الدراسة أنه إذا لم تحدث ثورة النفط الصخري، لم يُتَحْ إمكان خلق 4.3 مليون فرصة عمل، وكان الاقتصاد الأميركي أصغر بمقدار 500 تريليون دولار.
وأشارت الدراسة إلى أنه لولا ثورة النفط الصخري لارتفعت أسعار الكهرباء بنسبة 31%، وارتفعت أسعار وقود السيارات بنسبة 43%، وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي السكني بنسبة 28%، وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي الصناعي بنسبة 94%.
أكبر منتجي النفط والغاز
علاوة على ذلك، انتقلت الولايات المتحدة، بين عامي 2006 و 2015، من استيراد نحو 60% من منتجاتها النفطية إلى 24% فقط، وأصبحت أميركا بعد سنوات قليلة أكبر منتج للنفط الخام في العالم، وهو إنجاز لافت للانتباه.
واستمرت واردات النفط والغاز في الانخفاض حتى عام 2020، ولكي يبقى متفوقًا، إذ تضاعف إنتاج الغاز الطبيعي تقريبًا في الولايات المتحدة بين عامي 2005 و 2021.
وتجلّت تأثيرات ثورة النفط الصخري بشكل خاص في 4 ولايات أميركية، هي: تكساس وبنسلفانيا وأوهايو وويسكونسن، وكانت الاقتصادات في هذه الولايات فائقة القوة بفضل النفط الصخري، متجاوزةً جميع الولايات الأخرى تقريبًا في نمو الوظائف ومقاييس التوسع الاقتصادي الأخرى.
تجدر الإشارة إلى أن سبب إثارة هذه المسألة لا يكمن في أن ثورة النفط الصخري خبر قديم، فأنا أكتب عن التأثير المذهل للثورة الصخرية؛ لأن الناس بحاجة إلى أن يتذكروا أهمية الموارد الأساسية التي تتيح للعالم المعاصر أداء وظائفه.
إن تجاهل أهمية الأساسيات يسمح لواضعي السياسات بالانخراط في جميع أنواع التخيلات الخطرة، ولا يقتصر دور هذه التخيلات على تشتيت الانتباه فقط عن الطبيعة الحقيقية للاعتماد على الموارد، بل يتعداه إلى تقويض الأساسيات التي صنعت كل هذه الثروة الجيدة في المقام الأول.
وهذا هو الوضع الذي تواجهه أميركا والكثير من دول العالم المتقدم اليوم.
فائض ثورة النفط الصخري
أنفق صانعو السياسات الفوائد الفائضة لثورة النفط الصخري على الإعانات الضخمة لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح والطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية، وتواجه الولايات المتحدة ودول أخرى، حاليًا، بعض مشكلات الطاقة الكبيرة.
وتؤدي تكاليف الوقود المرتفعة إلى تفاقم نقطة الاختناق المحفوفة بالمخاطر في سلسلة التوريد، وأصبح نقص الطاقة يشكّل خطرًا جسيمًا.
وكما تَبيَّن، يُعدّ الاعتماد على هبوب الرياح وأشعة الشمس غير الموثوق بها مقامرة أكثر مما يُعلَن، وتمثّل ولاية تكساس، التي أعيش فيها، واحدة من أسوأ الأمثلة.
في السادس من مايو/أيار من هذا العام، بدأ مزوّدو الكهرباء بإخبار المواطنين بتقليص استخدام الكهرباء طواعية بين الساعة 4:00 مساءً و 9:00 مساءً حتى 9 مايو/أيار، ثم مُدِّدَ الطلب لعدّة أيام أخرى.
من ناحية ثانية، لا تملك ولاية تكساس ما يكفي من الكهرباء القابلة للتوزيع؛ لأنها سمحت ببناء عدد كبير جدًا من توربينات الرياح التي تصبح عديمة القيمة في الأيام الحارة عندما تسكن الرياح، وحذّرت ولاية كاليفورنيا، التي تمرّ بظروف مشابهة، مواطنيها من أنه من المحتمل حدوث انقطاع للتيار الكهربائي هذا الصيف.
وتحذّر الهيئة المستقلة لتشغيل النظام في منطقة ميد كونتيننت (إم آي إس أو)، التي تشرف على عمليات الشبكة في معظم أنحاء الغرب الأوسط الأميركي، من انقطاع التيار في الصيف.
أزمة محتملة في أوروبا
من المحتمل أن تواجه ألمانيا والمملكة المتحدة ودول أوروبية أخرى ظروفًا أكثر صعوبة.
وفي حين كون أسعار الوقود السائل والكهرباء لن تنخفض في أيّ وقت قريب، يبدو أنه من المرجح أن تتجه للارتفاع.
وسينفّذ صانعو السياسة إجراءاتهم المعهودة، وسوف يزعمون أن عوامل خارجة عن سيطرتهم تسبّبت في كل الآلام الاقتصادية.
وستكون بعض هذه الأعذار صحيحة (مثل تفشّي وباء كوفيد-19، وغزو روسيا لأوكرانيا)، لكن إهدار الطاقة الهائلة على أوهام طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والسيارات الكهربائية، يمثّل جوهر أزمة الطاقة اليوم.
خلاصة القول، إن 3 إنجازات لثورة النفط الصخري هي التي جلبت الرخاء لأميركا وخارجها، وإن 3 أخطاء لواضعي السياسات تسبّبت في إهدار ثروة النفط الصخري على تخيلات الطاقة.
* مارك ماثيس، مؤلف وصانع أفلام وثائقية متخصص في شؤون الطاقة.
المصدر: الطاقة