تقارير

يعادل إمدادات الغاز الروسي لأوروبا.. حرق الغاز يعتبر طاقة مهدورة قد تكون “طوق النجاة” من تداعيات غزو أوكرانيا؟.. الإجابة الشافية لدى الخبراء

عامًا بعد عام تبرز على السطح الحاجة المُلحة للتوقف عن حرق الغاز، لا سيما أن إمداداته تحولت إلى “كنز” تتسابق الدول للحصول عليها بعدما شهدت أسواق الطاقة تقلبات عدة عقب غزو أوكرانيا.

وجدد الاحتياج الأوروبي إلى الغاز -في ظل اضطراب إمداداته الروسية- الحديث عن أهمية وقف ممارسات الحرق، مدفوعًا باعتبارات جيوسياسية ومناخية في الوقت ذاته.

ويعود تكثيف العمل خلال الآونة الحالية إلى إنهاء ممارسات حرق الغاز تدريجيًا حتى عام 2030، التزامًا بمبادرة البنك الدولي، بالنفع على الأسواق الدولية وينقذها خلال فترة حرجة.

وللإسراع من وتيرة إنهاء ممارسات حرق الغاز إيجابيات عدة برزت في 4 جوانب استعرضها مقال رأي للمحرر المؤسس لنشرة “إنرجي فلكس” الإخبارية المستقلة، سيب كيندي، نُشر بصحيفة إنرجي مونيتور (energymonitor) واطلعت عليه منصة “الطاقة” المتخصصة.

وبجانب العوائد الإيجابية لإنهاء حرق الغاز، رصد المقال الأداء العالمي لتلك الممارسات، وألقى الضوء على التعامل الأميركي والروسي حيال الأمر، كما طرح حلولًا لتسريع وتيرة الالتزام الدولي، من بينها دعوة مُستوردي النفط لتخصيص المناطق النائية بالعالم لممارسات الحرق.

أولًا: إيجابيات تسريع إنهاء حرق الغاز

تلبية الاحتياج الأوروبي

لتلبية الاحتياج الأوروبي عقب غزو أوكرانيا يظهر وقف حرق الغاز سبيلًا يضمن تعويض إمدادات القارة العجوز من الغاز الروسي بصورة فورية، إذ إن هدره بإحراقه بصفته غازًا مُصاحبًا لعمليات استخراج النفط يُعد علامة استفهام مثيرة للجدل في الآونة التي تسعى خلالها أوروبا لدق أبواب الأسواق العربية والأفريقية وكذلك الأميركية والآسيوية.

وباعتبار أن الغاز الروسي شكّل سوقًا مُغرية للاتحاد الأوروبي طوال السنوات الماضية لانخفاض أسعار تعاقداتها من الغاز المسال، فإن تعويض غياب تلك الإمدادات التي شهدت اضطرابًا عقب الغزو الروسي لأوكرانيا قد يُكلف الاتحاد ودول القارة العجوز الأموال الطائلة رغم وجود بديل عالمي قد ينقذ الأسواق من الأسعار الملتهبة.


ويكفي القول إن ممارسات حرق الغاز بصورة روتينية عام 2021 الماضي في العالم تقارب نسبيًا معدل الواردات الأوروبية من الغاز الروسي؛ ما يبرهن على أن وقف تلك الممارسة قد يحمي الأسواق العالمية -خاصة الأوروبية- من التعرض لأزمة نقص إمدادات الغاز.

إنقاذ العائدات مُهدرة

رغم ارتفاع معدلات حرق الغاز بقدر ضعيف العام الماضي مسجلة نحو 143 مليار متر مكعب، فإن هذه المعدلات تُعادل نحو 93% من الواردات الأوروبية للغاز الروسي، بحسب بيانات البنك الدولي.

ومن جانب آخر، تعادل تلك الكميات توليد كهرباء بمعدل 1800 تيراواط/ساعة (تقارب ثلثي الكهرباء المُولدة محليًا بالاتحاد الأوروبي).

وبالنظر إلى بيانات البنك الدولي نجد أن هدر الطاقة بصناعة النفط (بما يشمل حرق الغاز وحرق السوائل النفطية وتسرب الميثان بالبنية التحتية لكل من النفط والغاز) يُسجل 264 مليار مليار متر مكعب من الغاز المكافئ.

ويفوق معدل هدر الطاقة بالصناعة 1.7 أمثال الواردات الأوروبية الإجمالية من الغاز الروسي خلال عام 2021 الماضي، في حين يعادل 7% من الاستهلاك العالمي للغاز الطبيعي.

وقدّر مزود بيانات وحلول حرق الغاز “كابتيريو” الحجم الضخم للطاقة المهدرة خلال عمليات الحرق بنطاق سعري في مستوى 7.5 دولارًا/مليون وحدة حرارية بريطانية، ويحظى حرق الغاز وحده بنحو 47 مليار دولار من تلك العائدات المهدرة.

خفض الأسعار العالمية وتوفير الإمدادات

لوقف ممارسات حرق الغاز والالتزام بمبادرة البنك الدولي أهمية حيوية في الوقت الحالي في ظل حرب دائرة بين روسيا وأوكرانيا وإمدادات مهددة خلال وقت التخزين الأوروبي صيفًا استعدادًا لتلبية الطلب خلال فصل الشتاء.

ورغم أن كثافة حرق الغاز في الدول الأوروبية تُسجل معدلات منخفضة للغاية، فإن إضافة ما يتراوح بين %5 و7% من إمدادات الغاز -عبر وقف ممارسات الحرق في الدول النفطية- للأسواق العالمية من شأنه إضفاء حالة من التوازن لتلك الأسواق، سواء على صعيد الأسعار أو ضمان أمن الإمدادات.

وتعاني الأسواق قبل أزمة الطلب الأوروبي وحرب أوكرانيا ارتفاع أسعار الغاز ونقص الإمدادات، وزادت حدة الأمر باشتعال المنافسة في السوق العالمية الفورية للغاز المسال عقب إعلان الاتحاد الأوروبي البحث عن بدائل للغاز الروسي.

وأثرت تلك الأحداث بصورة غير مباشرة في توافر إمدادات الغاز في العالم، لا سيما الدول النامية، خاصة أن الاحتياج الأوروبي دخل في منافسة مع الدول الآسيوية.

وبالنظر إلى تلك الاعتبارات، يمكن القول إن إنهاء حرق الغاز في مناطق العالم الغنية بالنفط يؤدي بصورة مباشرة إلى خفض أسعار الغاز خاصة في الشرق الأوسط، ووسط آسيا، وشمال أفريقيا وغربها، وكذلك بعض المناطق في الأميركتين.


ويسمح توفير إنهاء حرق الغاز للمزيد من الإمدادات بزيادة الهوامش الربحية لمُنتجي ومُصدري الغاز المسال؛ ما يترتب عليه زيادة قدرتهم على طرح شحنات بالسوق الفورية بأسعار ملائمة تسمح بحصول الأسواق الحساسة لاضطرابات التسعير (مثل الهند وباكستان) على إمداداتها دون التأثر بالضغوط الأوروبية والصينية على السوق الدولية والتسعير.

خفض الانبعاثات وإنهاء الحرق الروتيني

تسببت عمليات حرق الغاز المصاحب لاستخراج النفط، عام 2021 الماضي، في زيادة حجم انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى نحو مليار طن مكافئ ضمن الانبعاثات المُسببة للاحتباس الحراري.

وبدوره، أكد الرئيس التنفيذي لـ”كابتيريو”، مارك ديفيس، أن عمليات هدر الطاقة أصبحت “غير مقبولة” في ظل معاناة العالم من غياب أمن الطاقة وارتفاع أسعارها، بجانب مواجهة أزمة مناخ تضر بدول العالم كافّة.

ويدفع وقف ممارسات حرق الغاز نحو خفض المعدلات العالمية للانبعاثات بصورة كبيرة، ما يجعل وقفه واجبًا أخلاقيًا ومناخيًا، سواء خلال أوقات توافر الإمدادات أو فترات الحروب والحاجة إلى إمداداته مثل حرب أوكرانيا والاحتياج الأوروبي.

وباعتبار أن حرق الغاز بصورة روتينية داعم رئيس لصناعة النفط، فإن المقياس الفعلي لصدق تعهدات تخلي الصناعة عن انبعاثاتها ووقف الممارسات البيئية الضارة يتجلى في وقف عمليات الحرق بصورة فورية.

وتنتشر تلك الممارسات في القارات الـ5، إذ ترصد الأقمار الصناعية وأجهزة رصد البيانات العالمية انبعاث الأدخنة السوداء من مداخن الحرق في سماء العالم بأسره وتضيء ليله، لتكشف وجود فجوة بين تعهدات خفض انبعاثات النطاق 1 لصناعة النفط وواقع التطبيق الفعلي.

ثانيًا: الأداء العالمي لحرق الغاز

في الوقت الذي اتفقت خلاله غالبية حكومات الدول وشركات النفط على وضع حد زمني لوقف ممارسات حرق الغاز بحلول عام 2030، كشفت البيانات عن ثبات معدلات الحرق طوال العقد الماضي.

وتفصيليًا، أسهم الموقعون على مبادرة البنك الدولي لوقف الحرق الروتيني بحلول عام 2030 بنسبة تقارب 70% من معدلات حرق الغاز العالمي.

ويستلزم الوفاء بتعهدات المبادرة وتحقيق مستهدفاتها، خفض معدل احتراق الغاز العالمي نسبة تصل إلى 44% سنويًا على مدار العقد الجاري.

وأشارت أصابع الاتهام إلى 5 دول تصدرت قائمة الدول صاحبة النصيب الأكبر في تلك المعدلات، هي: روسيا، والعراق، وأميركا، ونيجيريا، والمكسيك.

وتُجدر الإشارة هنا إلى أن الدولة الوحيدة التي استجابت إلى المبادرة وسعت لخفض كثافة حرق الغاز المصاحب لتطور صناعة النفط تلبية لمبادرة البنك الدولي كانت أميركا فقط.

الحرق في روسيا

زاد إنتاج روسيا من النفط الخام خلال عام 2021 بنسبة 2.5%، ما دفع نحو زيادة معدلات حرق الغاز بنحو 0.9%.

وتتربع روسيا على عرش الدول الداعمة بقوة لممارسة حرق الغاز، إذ بلغ معدل الحرق بموسكو العام الماضي ما يقارب 25.4 مليار متر مكعب، متفوقة على معدلات الحرق بالعراق (17.8 مليار متر مكعب)، وإيران (17.4 مليار متر مكعب)، وأميركا (18.8 مليار متر مكعب).


ومقابل معدلات الحرق المرتفعة، تواجه روسيا -حاليًا- معضلة جديدة قد تهدد خطط إنهاء حرق الغاز، بسعي الدول الأوروبية للبحث عن بدائل تعوّض غياب إمدادات موسكو واضطراب العلاقات عقب غزو أوكرانيا قبل نحو 3 أشهر.

وقد تضطر موسكو إلى التخلي عن آبار عدة مُنتجة للغاز بغرب سيبيريا؛ نظرًا إلى أن شبكة بنيتها التحتية المخصصة للنقل والتوزيع متصلة بصورة مباشرة بأوروبا.

ومؤخرًا، قطعت روسيا إمدادات الغاز إلى 3 دول أوروبية (بولندا وبلغاريا وفنلندا) في خطوة أولى، لرفضها الاستجابة إلى قرار الرئيس فلاديمير بوتين بدفع الدول غير الصديقة بالروبل الروسي مقابل إمدادات الغاز.

وزادت تلك الخطوة من أزمة “تراكم” كميات الغاز داخل خطوط الأنابيب الروسية دون أن تجد منفذًا لها؛ ما يجعل إضافة كميات الغاز المصاحب الموفرة عبر إنهاء الحرق تزيد من أعباء وتكدس إمداداتها.

ويعزز الحديث عن حظر النفط الروسي -أيضًا- من توقعات زيادة إسهام موسكو بانبعاثات حرق الغاز بدلًا من إنهائه، خاصة أن شركات نفط عالمية كبرى سحبت استثماراتها وأعلنت تخارجها من البلاد.

الحرق في أميركا

بلغت صادرات الغاز المسال الأميركي 100.2 مليار متر مكعب العام الماضي، وفي المقابل حرقت صناعة النفط غازًا مصاحبًا يُقدر بنحو 8.8 مليار متر مكعب.

ويدفع توفير كميات الغاز للضخ المحلي بدلًا من حرقها نحو خفض الأسعار في أميركا، وتهدئة النزاع بين ترجيح كفة السياسة الخارجية على حساب تلبية الطلب ودعم الاقتصاد المحلي.

ويأتي ذلك في إشارة إلى زيادة حجم صادرات الغاز المسال الأميركي إلى أوروبا، وفق تعهد الرئيس جو بايدن عقب غزو أوكرانيا بمدة وجيزة.

وشهدت أسعار الغاز في السوق الأميركية ارتفاعًا إلى مستويات قياسية على المستوى المحلي بمؤشر هنري هاب لتوزيع الغاز الطبيعي، وتصاعدت الدعوات مؤخرًا إلى ضرورة خفض معدل صادرات الغاز المسال الأميركي لتوفيرها للولايات الأميركية.

ويُجنّب وقف حرق الغاز في أميركا الجهات المعنية مسؤولية خفض الصادرات لتلبية الطلب المحلي بتوفير المزيد من الإمدادات.

ثالثًا: حلول تباطؤ إنهاء الحرق

خلُص المقال إلى أن هناك عدة عوامل أدت إلى تباطؤ حرق الغاز بالمعدلات المطلوبة، لتحقيق أهداف مبادرة البنك الدولي بحلول عام 2030، وقد يؤدي تجنبها إلى تسريع وتيرة إنهاء تلك الممارسة.

غياب الإرادة الدولية

غلب على الأداء العالمي لإنهاء ممارسات حرق الغاز في الآونة الماضية غياب الإرادة السياسية وحوكمة آليات تنفيذ الحرق، وعلى مدار عام 2021 الماضي سجلت 3 دول أكثر معدلات الخفض (أميركا بنسبة 3.1 مليار متر مكعب، والجزائر 1.0 مليار متر مكعب، ونيجيريا 0.6 مليار متر مكعب).

ورغم التخفيضات الكبيرة للدول الـ3 فإنها قُوبلت بارتفاع معدلات الحرق في 4 دول نفطية (العراق، والمكسيك، وليبيا، وإيران)؛ ما أسهم بزيادة معدل الحرق الإجمالي للعام الماضي بنحو 8.8 مليار متر مكعب.

الصراعات السياسية

تعاني البلدان -التي تشهد صراعات داخلية تهدد استقرارها وإدارتها- زيادة معدلات كثافة حرق الغاز، ومن ضمن تلك الدول (فنزويلا، وسوريا، واليمن).

وتعكف تلك الدول على حرق كميات من الغاز المصاحب لكل برميل نفط تفوق الدول الأخرى، وفق ما رصده المقال.

الغاز المصاحب لواردات النفط

لا يقتصر حرق الغاز وتعهدات إنهائه على الدول المُنتجة للنفط فقط، وإنما يمتد إلى الدول المستوردة أيضًا، فكلا الطرفين (المُصدر والمستورد) يقع عليه الالتزام ذاته بالعمل على خفض كثافة حرق الغاز.

وخصّص البنك الدولي مؤشرًا حمل اسم “حرق الغاز المستورد” لرصد معدل الاحتراق المرتبط بواردات النفط بين الدول وبعضها.

ولفت المؤشر إلى أن الدول الغنية التي خفّضت معدلات الحرق داخل أراضيها يتعيّن عليها الالتزام بالتعهدات ذاتها في حالة إذا ما كانت دولة مُصدرة أو مستوردة للنفط.

ووفق المؤشر، فإن دولًا مثل (إستونيا الأوروبية، وأستراليا، وسويسرا) تُسجل معدلات حرق عالية؛ نظرًا إلى أن وارداتها من النفط تعود جذورها إلى دول تسجل معدلات مرتفعة لحرق الغاز مثل (ماليزيا، وليبيا، والغابون).

ويُسجل مؤشر حرق الغاز المستورد في (اليونان، وإيطاليا، وإسبانيا) معدلات أعلى من الهند والصين، كما أن فرنسا وألمانيا وهولندا سجلت مستويات تفوق متوسط المعدلات العالمية.

المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى