حكومات تلجأ لخفض الرسوم وزيادة الدعم وترقب بالأميركتين.. العالم ينتفض وأسعار الوقود تشعل الاحتجاجات في 3 قارات
رغم أن الربع الأول من العام الجاري لم ينتهِ بعد؛ فقد طالت الاحتجاجات الرافضة لارتفاع أسعار الوقود دولًا في 3 قارات، بينما المشهد ما زال قيد الترقب بالأميركتين، عقب تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في حالة من الاضطراب بالأسواق العالمية.
وكان ارتفاع سعر الوقود ونقص إمداداته جناحي إشعال الاحتجاجات الشعبية في بلدان عدة، منذ مطلع العام الجاري؛ إذ تصاعدت وتيرة تلك الاحتجاجات بصورة لافتة للنظر.
وتتزامن الاحتجاجات ضد أسعار الوقود مع إقرار موازنات العام المالي الجديد في أكثر من دولة أبدت رغبتها في إلغاء الدعم؛ لتحرير ميزانيتها من مخصصاته التي تشكل عبئًا عليها.
ويأتي ارتفاع أسعار النفط بصورة جنونية في الأسواق العالمية -خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا- ليلقي بأعباء إضافية على الحكومات التي كانت تحاول التحرر من حجم الإنفاق الضخم على دعم الوقود.
وفي التقرير التالي، ترصد “الطاقة” أبرز الاحتجاجات والإجراءات المتعلقة بملف الوقود خلال الأشهر القليلة الماضية.
قارة آسيا
الوقود يُشعل قازاخستان
استهلت قازاخستان العام الجاري باحتجاجات شعبية رافضة لارتفاع أسعار الوقود، واستفاد المحتجون من عطلات بداية العام للخروج في مظاهرات تطالب الحكومة بالسيطرة على تلك الارتفاعات ووضع سقف لها.
ولتهدئة تلك الاحتجاجات في الدولة الواقعة بآسيا الوسطى، قرر رئيس البلاد، قاسم توكاييف، إقالة الحكومة، بجانب اتباع إجراءات صارمة للتغلب على ارتفاع الأسعار.
ومن ضمن تلك الإجراءات، أعلن توكاييف الالتزام بحدود أسعار الوقود المقررة بنهاية العام الماضي والمعمول بها قبل اندلاع الاحتجاجات.
وأعلنت الحكومة المؤقتة -خلال النصف الأول من شهر يناير/كانون الثاني العام الجاري- حزمة قرارات؛ من بينها: ضبط سعر الوقود بالأسواق وتفعيل إجراءات تنظيمية لسوق المنتجات النفطية، وتعليق البيع الإلكتروني لغاز النفط المسال وغيرها.
وبخلاف الإجراءات الفورية، تبنّت حكومة قازاخستان المؤقتة مسارين متوسطي الأجل لدعم قطاع الطاقة في البلاد، عبر إعادة تأهيل مصافي النفط، وتعزيز الاحتياطي النفطي للبلاد.
يُشار إلى أن قازاخستان ما زالت تحتفظ بمستويات احتياطيات النفط المؤكدة منذ عام 2007 حتى نهاية العام الماضي، البالغة 30 مليار برميل، لكن الإنتاج النفطي سجّل ارتفاعًا عام 2021 عند مستوى مليون و860 برميلًا.
باكستان.. معارضة أسعار الوقود تتسع
في جنوب قارة آسيا، تحوّلت كيانات موالية للحكومة الباكستانية إلى خندق المعارضة الشعبية الرافضة لارتفاع أسعار الوقود.
وقررت الحكومة، بدءًا من 16 فبراير/شباط الماضي، رفع سعر المنتجات النفطية، وخاصة البنزين الذي شهد زيادة وصلت إلى 12 روبية، مسجلا 160 روبية/لتر، وفق صحيفة ذي إكسبريس تريبون المحلية.
1 روبية باكستانية = 0.0056 دولارًا أميركيًا
وعلى إثر تلك الزيادة، انضم حزبا الرابطة الإسلامية والحركة القومية المتحدة المواليان للحكومة من الأساس إلى الكيانات المعارضة للقرارات الحكومية برفع الأسعار لمستويات تجاوزت الأرقام القياسية السابقة كافة.
واجتمعت المعارضة الباكستانية المدعومة من أحزاب سبق أن أيدت الحكومة على رفض زيادة الأسعار، ورفع أسعار البنزين والطاقة والغاز لمستويات غير مسبوقة، وطالبوا بإعادة الأسعار لمستوياتها السابقة تجنبًا لاشتعال الاحتجاجات.
أفريقيا.. الطوابير تخنق نيجيريا
من وسط آسيا وجنوبها إلى غرب أفريقيا؛ حيث اصطفت طوابير السيارات الخانقة أمام المحطات في نيجيريا؛ بحثًا عن إمدادات الوقود، بينما على الجانب الآخر اشتعلت الاحتجاجات العمالية والطلابية.
ولم تكن الأزمة النيجيرية مقصورة على ارتفاع أسعار الوقود فقط، لكن امتدت لندرة إمداداته أيضًا، وتصاعد الموقف الشعبي، خلال الشهرين الماضيين، بعدما تضمّن قانون صناعة النفط -الذي أقرته الحكومة في أغسطس/آب العام الماضي- إلغاء دعم الوقود.
أزمة نقص الوقود في نيجيريا
وتوالت التهديدات العمالية والشعبية بالاحتجاج على ارتفاع الأسعار ونقص الإمدادات منذ مطلع العام الجاري؛ ما دفع الرئيس النيجيري، محمد بخاري، إلى التراجع عن إلغاء دعم الوقود والتقدم للبرلمان بمقترح يحمل تفاصيل ميزانية تكميلية تُخصص للإنفاق على الوقود.
وأعدت كيانات نيجيرية ونشطاء قائمة بأسماء مسؤولين كبار في قطاع النفط (بما فيها شركة النفط الوطنية النيجيرية التابعة للحكومة)، وطالبوا الحكومة بإقالتهم؛ لاتهامات بالتورط في نقص إمدادات الوقود وغش البنزين.
وأمهل النشطاء الحكومةَ 3 أيام -أواخر فبراير/شباط الماضي- للاستجابة لمطالبهم أو خروج الاحتجاجات الشعبية، ولم تصدر حينها أي ردة فعل حكومية، غير أن وفودًا دولية كانت موجودة في أبوجا لحضور قمة نيجيريا الدولية للطاقة لعام 2022 بمشاركة مسؤولين في أوبك اصطدمت باحتجاجات الغاضبين من نقص إمدادات الوقود.
وتجددت الاحتجاجات في أكبر الدول الأفريقية إنتاجًا للنفط، الأسبوع الماضي، بعدما دعت رابطة طلابية للاحتجاج على نقص الوقود.
أوروبا.. القارة العجوز تنتفض
شلل في النقل
انعكس ارتفاع أسعار الوقود ونقص الإمدادات في دول قارة أوروبا، سلبًا على قطاع النقل؛ إذ طالبت رابطة النقل البري في المملكة المتحدة بخفض الأسعار دعمًا لوفاء شركات النقل بتعهداتها.
ورغم محاولة الحكومة الأيرلندية خفض رسوم استهلاك البنزين بنسبة 20% والديزل بنسبة 15%؛ فإن شركات النقل اعتبرتها خطوة غير كافية لحل أزمة ارتفاع الأسعار، وسط تحذيرات من اندلاع الاحتجاجات.
وأعلن أحد اتحادات النقل الكبرى في إيطاليا بدء الاحتجاج، من الإثنين 14 مارس/آذار الجاري؛ لعدم قدرتهم على توفير تكلفة عمل الشاحنات بعد ارتفاع أسعار الوقود، وفق شبكة ترانس إنفو.
وخاطبت رابطات النقل الرئيسة في فرنسا رئيسَ الوزراء، جين كاستيكس؛ لرفض أسعار الوقود والتحذير من ركود عمل شاحنات شركات النقل.
وتبحث شركات النقل البري في إسبانيا بدء إضراب؛ احتجاجًا على أسعار الوقود المرتفعة بالفعل والآخذة في الارتفاع لمستويات أعلى يومًا بعد يوم منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، وأعلن الاتحاد الوطني لجمعيات النقل الإسبانية عزمه التظاهر الإثنين 14 مارس/آذار الجاري.
تهديد بالاحتجاج.. وتخزين الوقود
أعلنت الرابطة الفيدرالية للنقل البري والتخلص من النفايات في ألمانيا عقد اجتماع طارئ؛ لبحث إجراءات مواجهة ارتفاع أسعار الوقود.
وما زال الأمر قيد السيطرة في بولندا وبلجيكا وهولندا، غير أن شركات النقل أعلنت عزمها تحميل أسعار الوقود المرتفعة للعملاء والمستهلكين.
ودعت كيانات غير حكومية حكومة الدنمارك والاتحاد الأوروبي لإدراج “الديزل” ضمن تبعات تأثر إمدادات الطاقة بالحرب على أوكرانيا، وإلغاء الضرائب المفروضة عليه بصورة مؤقتة.
واضطرت محطات وقود عدة في المجر للإغلاق، الأربعاء 9 مارس/آذار الجاري؛ نظرًا لنقص الإمدادات ومتوقع إدخال المزيد من المحطات حيز الإغلاق.
وحمّلت شركة النفط المجرية الحكومية شركات النقل الأجنبية مسؤولية إغلاق المحطات ونقص الإمدادات لاستغلالها انخفاض أسعار الوقود في بودابست في مرحلة سابقة للتخزين.
لكن في المقابل اتهمت محطات الوقود الحكومة برفع أسعار الوقود في الآونة الحالية؛ ما يسبب خسارة في عمليات بيع البنزين والديزل.
وفي رومانيا، داهم آلاف السائقين محطات البنزين، الأربعاء 9 مارس/آذار، وحمّلوا المزيد من الإمدادات خوفًا من رفع مرتقب لأسعار الوقود.
ألبانيا.. تيرانا تتمرد
تواصلت الاحتجاجات الرافضة لارتفاع أسعار الوقود، إلى أوروبا، تلك القارة العجوز التي تعاني نقص إمدادات الطاقة منذ الشتاء الماضي، وزادت حدته عقب الغزو الروسي لأوكرانيا.
وحتى السبت 12 مارس/آذار الجاري، دخلت الاحتجاجات الشعبية يومها الرابع في ألبانيا -إحدى دول البلقان الواقع جنوب شرق أوروبا- رفضًا لارتفاع أسعار الوقود لما يزيد على 40% خلال أسبوع واحد.
واحتشد المتظاهرون حول المصالح الحكومية في العاصمة الألبانية تيرانا، ورغم إعلان الحكومة إجراءات عدة على الصعيد الاجتماعي لتخفيف حدة الاحتجاجات؛ فإنها تمسكت بفرض الضرائب الإلزامية على المنتجات النفطية؛ ما اعتبرها المحتجون خطوة غير كافية لخفض أسعار الوقود.
وتضررت ألبانيا بشدة من الغزو الروسي لأوكرانيا؛ إذ ترتب عليه نقص في إمدادات الطاقة وارتفاع أسعار الوقود، وتبعها -أيضًا- ارتفاع في أسعار السلع الغذائية، وفق صحيفة يورو نيوز.
وقفزت أسعار الوقود لمستويات قياسية في ألبانيا عقب الغزو الروسي لأوكرانيا؛ إذ ارتفع سعر ضخ الديزل من 180 ليك ألبانيًا (يزيد على 1.61 دولارًا أميركيًا) في 24 فبراير/شباط الماضي إلى 290 ليك حاليًا.
1 ليك ألباني = 0.0089 دولارًا أميركيًا
ترقب في الأميركتين
قبل أيام قليلة، أعلنت شركة النفط الحكومية في البرازيل “بتروبراس”، بصورة رسمية، زيادة أسعار الوقود بدءًا من الجمعة 11 مارس/آذار الجاري؛ إذ أعلنت رفع أسعار البنزين بنسبة 18.8% إلى 3.86 ريالًا برازيليًا، وزيادة أسعار الديزل بنسبة 24.9% إلى 4.51 ريالًا للتر.
1 ريال برازيلي = 0.20 دولارًا أميركيًا
جاءت خطوة زيادة أسعار الوقود في أكبر دول قارة أميركا الجنوبية من حيث المساحة، رغم معارضة الرئيس جايير بولسونارو ومطالبته لبتروبراس بالتخلي عن جزء من أرباحها بدلًا من تحميل المستهلك عبء زيادة أسعار الوقود، وفق رويترز.
وعقب سريان رفع أسعار الوقود بيوم واحد، السبت 12 مارس/آذار، جدد بولسونارو معارضته تلك الزيادات، لكنه في الوقت ذاته أكد عدم تدخله في سياسة الشركة، وأوكل لوزير الاقتصاد، باولو غوديس، مهمة بحث إمكان تقديم دعم لأسعار الوقود، رغم رفض غوديس لتلك الخطوة مسبقًا؛ لعدم وجود مخصصات كافية.
أما الولايات المتحدة الواقعة وسط قارة أميركا الشمالية؛ فبدأت معاناتها مع أسعار البنزين منذ نهايات العام الماضي؛ إذ سجلت أعلى مستوياتها في غضون 7 سنوات؛ إذ اختتمت العام مسجلة 3.28 دولارًا للغالون، بزيادة قدرها 1.03 دولارًا عن بداية العام ذاته.
وتوقعت إدارة معلومات الطاقة الأميركية مواصلة ارتفاع أسعار الوقود، خلال العام الجاري، في أميركا إلى متوسط 3.06 دولارًا لغالون البنزين، و3.33 دولارًا لغالون الديزل.
دول تتعلم الدرس
بعدما تأججت الاحتجاجات في دول عدة بأكثر من قارة؛ شرعت دول أخرى في تهدئة الأوضاع الداخلية، واستباق أي صورة للرفض الشعبي لارتفاع أسعار الوقود بإجراءات محلية، وتعزيز دعم أسعار الوقود عبر الاكتفاء الذاتي.
وخصصت فرنسا 2.18 مليار دولار لدعم أسعار الوقود، في خطوة استباقية لغضب جماهيري محتمل قبل الانتخابات الرئاسية.
وتدفع مخصصات دعم الوقود الفرنسية -التي يبدأ سريان العمل بها مطلع شهر أبريل/نيسان المقبل- نحو خفض أسعار البنزين والديزل بمقدار 0.16 دولارًا أميركيًا للتر الواحد.
واستبقت زيمبابوي، الواقعة في قارة أفريقيا، احتمال ارتفاع أسعار الوقود انعكاسًا لأسعار النفط العالمية المتأثرة بالغزو الروسي لأوكرانيا بإجراء مراجعة للرسوم الإضافية للبنزين والديزل وفق قرار رئاسي.
ويعوّل اقتصاديون في ماليزيا على أرباح شركة النفط والغاز المملوكة للدولة “بتروناس” لتعزيز ميزانية الدولة المخصصة لدعم أسعار الوقود.
خبراء يحذرون..
حذّر محللون من انخفاض معدلات النمو الاقتصادي والاستهلاك ونشوب الاضطرابات إذا واصلت أسعار الطاقة -خاصة أسعار الوقود- الارتفاع عن مستوياتها الحالية المرتفعة بالفعل، وفق ما نقلت عنهم رويترز في تحليل لها.
واستشهد الخبراء بالاحتجاجات التي نشبت خلال السنوات السابقة في قازاخستان وإيران وزيمبابوي إثر ارتفاع أسعار الوقود.
وأكدت محللة أسواق النفط في معهد الأبحاث البريطاني إنرجي آسبكتس، ليفيا غالاراتي، أن هناك حالة من الركود آخذة في التزايد، نظرًا لارتفاع أسعار الطاقة منذ أشهر طويلة بالإضافة إلى وجود مخاطر من تقنين الطاقة.
وتوقع محللون من جي بي مورغان تشيس وبنك أميركا تأثير عدم انتظام إمدادات الطاقة الروسية -في إشارة للحظر الأميركي والقيود البريطانية عليها- في رفع أسعار النفط إلى ما بين 185 و200 دولار للبرميل.
وحذر كبير الاقتصاديين إيه إم بي كابيتال الأسترالية لإدارة الاستثمار، شين أوليفر، من تأثير ارتفاع أسعار الوقود في سلوك المستهلكين والعملاء.