طبيعتها الساحرة وثروتها الفريدة “جذبت” أنظار العرب والعالم.. ماذا تعرف عن عاصمة المحار “كنز” المغرب المثير للدهشة؟
تعد مدينة الوليدية من المدن الساحلية التي توجد بدولة المغرب وتتبع إقليم سيدي بنور، وهي تضم شاطئ يعد من أفضل الشواطئ التي تطل على المحيط الأطلنطي من الاتجاه الشمالي.
تقع المدينة في الجهة الغربية للمملكة المغربية، وبشكل محدد بين مدينتي الجديدة وآسفي، كما تبعد الوليدية عن الدار البيضاء بمسافة تقدر بحوالي 158 كيلو متر مربع تقريباً.
بينما تبعد عن مدينة مراكش بمسافة تقدر بحوالي 212 كيلو متر تقريباً، أما فلكياً تقع المدينة على خط الطول 9.02 غرب غرينتش، وخط عرض 32.73 شمال خط الاستواء.
كيف تحولت الوليدية لعاصمة للمحار؟
خمسينيات القرن الماضي، كانت بداية لتربية المحار بالمدينة، وبالضبط في 1954 على يد الفرنسي بانكلو البشير الذي الذي اعتنق الاسلام، واستقر بالمغرب، وأنشأ “البارك” أو المحطة السابعة كأول محطة لتربية وتثمين المحار بالمدينة.
الصدفة وحدها قادت بانكلو إلى محاولة تجريب تربية المحار في بحيرة الواليدية، بعدما لمس بعين خبير إمكانات البحيرة، وتوفرها على وسط بيئي ملائم شبيه بالمحطات الفرنسية الشهيرة بتربية المحار.
طبيعة تكوين بحيرة الوالدية، كمجرى مائي ضيق أشبه ما يكون بنهر يفصل بينه و البحر تلال رملية، ومجرى هذا “النهر” الذي يوازي المحيط و تلتقي مياهه في حالة المد والجزر، حولها إلى بيئة ملائمة لنمو وتكاثر هذا النوع من الصدفيات.
استورد بانكلو بذور أو ” الزريعة” كما يسميها المهنيون أو صغار المحار من اليابان، وقام بزرعها في بحيرة الواليدية.
المفاجأة كانت مذهلة، صغار المحار اليابانية، سرعان ما تأقلمت بمياه الوالدية، وبدأت تتغذى البلانكتون، وعاشت للتتحول إلى محارات مختلفة الأحجام، وتكون هذه التجربة السبب لتحويل الواليدية إلى عاصمة لانتاج المحار بالمغرب، ويستقر العديد من الفرنسيين والمغاربة على السواء بالمنطقة لإنتاج محار الوالدية المميز بمذاقه الخاص.
من “زريعة” إلى محارات مختلفة الأحجام
تجلب صغار المحارات أو “الزريعة” إلى المغرب من فرنسا، فلازال المغرب يستود صغار المحار، يؤكد رشيد داهيان مستخدم مسؤول بالمحطة السابعة “أوستريا”، لـ” أحداث أنفو”، ولازال المغرب من خلال محطات الواليدية والداخلة يستوردان حاجياتهما من صغار المحار، من فرنسا، على أن تبدأ التجارب في المختبرات المغربية كأولى المحاولات التجريبية لانتاج صغار المحار مستقبلا في أفق تحقيق الاكتفاء الذاتي، فرغم إباضة المحارات فلا تستطيع التكاثر بالمغرب يؤكد رشيد.
بعد أن تنتهي إجراءات استيراد صغار المحار من فرنسا، وتصل المغرب إلى مطار محمد الخامس، يسابق مسؤولو وأرباب المحطات الزمن من أجل نقلها إلى المحطة، بعد أن تخضع لاجراءات إدارية بالجمارك، يرافقها خضوع الكمية المستوردة لمراقبة طبية من لدن أطر وزارة الصحة عبر المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية .
بعد أن تمر قرابة السنة والنصف على الأقل بعد زرع صغار المحار بالبحيرة، يتضاعف حجمها بشكل مستمر كل ثلاثة أشهر، حتى تصل إلى أحجام مختلفة يطلق عليها المهنيون بـ”الكاليبر” أو العيار بالعربية، فالمحار الكبير يسمى “التريبل زيرو”، و” الدوبل زيرو”، و”الزير”و و”الواحد” و”الجوج” و”الثلاثة”.
يقول رشيد المسؤول عن الجودة في “بارك أوستريا” بالواليدية في محاولة لشرح أحجام وأشكال المحار، قبل أن يضيف أن المحار المطلوب في السوق المغربية من الحجمين الثاني والثالث.
تعقيم وتصفية قبل الاستهلاك
لا يكون استخراج المحار من البحيرة، وفرزه حسب الحجم إيذانا باستهلاكه، بل يجب أن يخضع لمرحلة التعقيم لمدة 96 ساعة أخرى، يتم وضع كميات المحار المستخرجة من البحيرة داخل مخزن خاص للتصفية وإزالة العوالق، به أحواض توضع فيها كميات المحار.
وهي أشبه بمسابح صغيرة مرتبطة بمياه شاطئ الوالدية عبر محركات ضخ مائية تجذب المياه من الشاطئ نحو المخزن فالأحواض. يتم غسل المحار من العوالق وتنظيفه بالماء، داخل الأحواض، حيث تساعد المياه القادمة من البحر المحملة بالأوكسيجين نتيجة عملية الضخ، على خلق بيئة ملائمة ليستمر المحار في العيش داخل الأحواض قبل التلفيف
مباشرة بعد ذلك ينقل المحار بعد تنظيفه من الرمل والطمي، إلى حوض آخر، توجد أعلاه مصفاة تعمل بالأشعة مافوق البنفسجية، حيث تعمل هذه المصفاة على تطهير المحارات وعزل كل المواد التي يمكن أن تكون سامة وتشكل خطرا على صحة المستهلك.
استثمار يتهدده الافلاس في أي لحظة
المستثمر في المحار، لابد أن يكون قلبه من حديد، حتى يتحمل، خسارة غير متوقعة في ساعات معدودة تذهب بجهد سنة أو أكثر من العمل.
من بين المخاطر التي تتهدد المحار الحرارة المفرطة، فالحرارة تقضي على منسوب المياه التي تتبخر، وتسبب الجفاف للمحار وبالتالي يتعرض للنفوق. الأمر نفسه بطريقة معكوسة، حينما يرتفع منسوب المياه ويتجاوز الحد الملائم لعيشها وهو يتراوح مابين 60 و 90 سنتمتر من العمق.
خطر آخر يهدد “محصول” المحار، يتعلق بالمد الأحمر، وهو ظاهرة طبيعية تحدث بسبب إفراط في نمو الطحالب أو البحيرات النباتية في مياه البحار، الشيء يمكن أن يحول مياه بحيرة الوالدية إلى اللون الاحمر، بفعل لون الطحالب، ما يسبب للمحار الإختناق ولا يمكنه تصفية المياه داخل صدفته، لترسب الطحالب ولونها داخله وبالتالي يعرض المحار للنفوق.
مستهلكون في تزايد
قليلون هم من يستهلكون المحار بالمغرب، فالغالبية من المغاربة يخلطون اسم المحار مع نوع آخر من الصدفيات وهو بلح البحر، أو “بوزروك”، الذي يستهلك أيضا في الوالدية، لكن المحار يستأثر باهتمام زائري الواليدية من المغاربة و الأجانب على اختلاف جنسياتهم، يحضرون من حين لآخر.
لا سيما في فصل الصيف ذروة النشاط السياحي بالمدينة، حيث يتوافد على الواليدية أعداد مهمة من السياح يجذبهم اعتدال مناخ المدينة ومحارها اللذيذ الطعم.
ما يجعل المحار طعاما مثاليا غناه بعناصر من المعادن المفيدة للجسم، كالزنك، التي تساعد الجسم على انتاج هرمون “التستستيرون” المهم لدعم الخصوبة والوظائف الجنسية عند المرأة والرجل.
هذه المزايا الجنسية للمحار اكتشفها بعض المستهلكين المغاربة، وصارو من الزبائن المواظبين لاستهلاك “قنبلة الطاقة” كما يسميها رشيد المسؤول عن “بارك أستوريا” بالواليدية.
التدخل الملكي يعيد الحياة للبحيرة
في أبريل 2014، أعلنت وزارة الفلاحة والصيد البحري، في بلاغ لها عن استئناف أنشطة تربية المحار ،بفضل الانجازات التي تم تحقيقها في إطار مخطط إعادة تأهيل بحيرة التوليدية، بناءا على تعليمات لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، تم إطلاق مخطط لإعادة تأهيل بحيرة الوليدية في أبريل 2010 بغلاف مالي بلغ 330 مليون درهم بعد توقف دام لثلاثة سنوات منذ أبريل 2011.
والسبب مياه الصرف الصحي التي اختلطت ببحيرة الوالدية، وسببت في ارتفاع السلامونيا أو السلامونيلا، في المحار، وهي بكتريات تقدر ب 20 ألف صنف تتكاثر في مياه الصرف الصحي، ومياه الأنهار، ومياه البحار، وبالتالي جعلت المحار غير قابل للاستهلاك الآدمي.
المخطط هم أيضا التدابير الضرورية لحماية وتدبير والحفاظ على هذه البحيرة ،انخرطت فيه آنذاك عدة قطاعات وهو ما مكن من من تشييد محطة لمعالجة المياه العادمة وإنجاز شبكة للتطهير والربط بالشبكة وإعادة تنظيم النشاط الرعوي.
وذلك لكي تعود الحياة إلى البحيرة مجددا، ويستأنف نشاط تربية المحار، في أفق أن يصل الانتاج في السنوات المقبلة، إلى 500 طن، ويعود الأمل لمئات من العمال بالواليدية الذين كان مصدر دخلهم الوحيد العمل في محطات تربية المحار بالمدينة، ومعهم أرباب المطاعم والفنادق، التي تعول كثيرا على المحار لجذب السياح هواة المطعمة الذواقية.
شاطئ الوليدية ملاذ السياح والمصطافين
يعتبر شاطئ الوليدية نقطة جذب وطنية ودولية للسياح والمصطافين، لسمعته ذائعة الصيت من جهة ، ولتوفره على كل مميزات التخييم والاصطياف والاستجمام من جهة ثانية.
وتتوفر الوليدية ، التابعة ترابيا وإداريا لإقليم سيدي بنور ، على موقع سياحي تنفرد به دون سواها، لأنها تقع على ربوة تجمع بين الجبل والغابة والبحر، وتزيدها بحيرتها الهادئة جمالا ورونقا وجاذبية، وهو ما يدفع السياح المغاربة والأجانب إلى الإقبال عليها بشكل منتظم.
ويعود اسم الوليدية نسبة إلى الوليد بن زيدان، وهو سلطان حكم خلال فترة السعديين، ولا زالت أطلال قصبته التي بنيت في 1634 في الجزء العلوي الشمالي من المدينة، حاضرة وحامية لها.
ولا يتجاوز عدد سكان الوليدية 8 آلاف نسمة حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى الأخير، وهي منطقة فلاحية تتوفر على ما يسمى بالولجة وهي أرض فلاحية متخصصة في إنتاج الخضر بكل أنواعها وأشكالها.
ويلعب موقعها الجغرافي أيضا دورا أساسيا في تهافت المصطافين عليها، حيث تبعد عن الجديدة ب77 كيلومترا وعن أسفي ب66 كيلومترا ، وعن عاصمة إقليمها سيدي بنور ب74 كيلومترا فقط. وتعتبر وجهة بحرية تم اقتطاعها من إقليم الجديدة أثناء خروج إقليم سيدي بنور من رحمه سنة 2009.
وصرحت نسرين سعد، وهي مستثمرة بالمنطقة، وتملك وحدة فندقية بالوليدية، لوكالة المغرب العربي للأنباء ، قائلة: “تعرف الوليدية هذه السنة إقبالا لافتا للنظر ، من حيث الزوار والمصطافين، بسبب ارتفاع درجة الحرارة وجودة ونقاء رمال شاطئها ووفرة أسماكها وخضرها الطرية.
وأضافت أن خلو المدينة من وباء فيروس كورونا المستجد، ساعد على ارتفاع معدل الإقبال على شاطئها من داخل المغرب وخارجه، حيث يحل بها عدد كبير من السياح الأجانب من مختلف الجنسيات.
وأكدت أن الوليدية تعرف توافد حوالي 30 ألف سيارة خلال نهاية كل أسبوع، مما يدفع بالسلطات الأمنية في أحيان كثيرة، إلى منع الدخول إليها بعد الساعة الحادية عشرة صباحا.
وصرحت مليكة هاشمي فاعلة جمعوية بدورها، أن قوة الوليدية تتمثل في توفرها على جو معتدل وبحيرة جميلة جدا تستقطب الزوار من كل حدب وصوب، بالإضافة إلى توفرها على بنيات استقبال ممتازة من إقامات سياحية مجهزة بكافة مستلزمات الاصطياف ومطاعم مصنفة وفضاءات الأطفال والمساحات الخضراء.
والتي توفر لضيوفها الراحة والاستجمام، خاصة القادمين والهاربين من حرارة الصيف ولهيب الشمس الحارقة بمدن مراكش وخريبكة وبني ملال وسطات وفاس ومكناس.
وأشارت هاشمي إلى أن شاطئ الوليدية يمنح زواره أيضا فرصة الاستمتاع بالرياضات المائية، حيث بإمكانهم ركوب القوارب التقليدية، التي تفتح أمامهم فرصة القيام برحلات عبر المجداف، في جنبات البحيرة واستغلال وجود الدراجات المائية التي تعرف إقبال الشباب عليها بكثرة.
وتمتاز الوليدية بصيتها العالمي لتوفرها على بساتين لتربية المحار، مما جعلها في صلب اهتمام رواد الصيد البحري ، الذين يتهافتون على اقتناء هذا المنتوج البحري نظرا لتفرده بخصائص غذائية لا تتوفر في غيره.
كما تعرف بتوفرها على عدد من المنتوجات البحرية (فواكه البحر) منها ” قنفذ البحر” ، و”اللميعة ” وهو حيوان بصدفتين صغيرتين ، و” القصبة ” وهي عبارة عن أنبوب يوجد به كائن حي لذيذ الطعم وبلح البحر والكالامار والأخطبوط والروبيان (الكروفيت) والسرطان أو السلطعون (الكراب) والزفان (اللونغوست).
وعبر سعيد بدري من مدينة الرباط، الذي يزور الوليدية لأول مرة، عن سعادته باكتشافها وأكد في تصريح مماثل، أن شاطئ الوليدية يبقى من أحسن الشواطئ في المغرب، التي زارها، لنقاء رماله وجودة مياهه .
وأعرب بدري عن اعجابه بنوعية المأكولات التي تقدم بمركز المدينة عند منتصف النهار، ومنها الشواء بالفلفل والطماطم والبصل والطاجين باللحم والبرقوق والخبز البلدي التي يتم إعداده على الجمر ، ثم الشاي بالنعناع الذي تفوح رائحته بين الدكاكين والمقاهي.
وسجل المتحدث ذاته أن إمكانية الحصول على بيت للكراء متوفرة وبأسعار مناسبة ، هو ما يشجع المصطافين على التردد على المدينة كل سنة.
المصادر : مواقع الكترونية عربية