تقارير

“كنز ضائع” بمعالجته يمكن توفير الكهرباء لأكثر من 3 ملايين منزل.. العراق يسعى لمعالجة الغاز المصاحب واستغلاله في توليد الكهرباء

بغداد تستورد كميات كبيرة من الغاز لتوليد الكهرباء، في حين أنها تهدر كميات منه بإحراقه لدى استخراج النفط، وبمعالجته يمكن توفير الكهرباء لأكثر من 3 ملايين منزل.

يحيط أحد أكبر حقول النفط في العالم مدينة البصرة في جنوب العراق بسحب من اللهب والدخان ناجمة عن حرق الغاز المصاحب، وتسعى السلطات إلى إطفاء هذه النيران بحلول عام 2030 عبر معالجته، لكن الطريق إلى ذلك لا يزال طويلا.

والعراق أحد أكبر منتجي النفط في العالم وهو ثاني أكثر دولة، بعد روسيا، تحرق الغاز المصاحب.

ومنذ بدء إنتاج النفط في العالم، بدأ معه حرق الغاز الصادر أثناء استخراج النفط الخام. وتحرق الشركات النفطية الغاز لأن ذلك أقل تكلفة من معالجته وبيعه، إلا أن هذا الغاز المحترق مصدر كبير لتلوث الهواء وانبعاثات الغازات الدفيئة.

وفي بلد يستورد كميات كبيرة من الغاز لتشغيل مولدات الكهرباء، قد تسهم معالجة الغاز في وضع حدّ لمشكلة الطاقة المزمنة، وفق الخبير في مجال النفط يسار المالكي، ويمكن للكميات المهدورة، عند معالجتها، أن توفّر الكهرباء لأكثر من 3 ملايين منزل في العراق.

فعلى الطريق المؤدي إلى مداخل البصرة، تلوح سحب الدخان الأسود في الأفق، رغم أن حقول النفط تبعد على الأقل نحو نصف ساعة عن مركز المدينة التي يقطنها نحو مليونين ونصف مليون شخص.

ويعالج العراق حاليا 1.5 مليار قدم مكعب قياسي في اليوم من الغاز المصاحب، أي نصف الكميات التي تنبعث يوميا من هذه المادة.

وأعلنت وزارات النفط المتعاقبة على البلاد في السنين الماضية عن أهداف زمنية لوقف حرق الغاز، وانضم العراق في 2017 إلى مبادرة عالمية أطلقها البنك الدولي تقضي بوقف حرق الغاز بحلول عام 2030.

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي تعهّد وزير النفط العراقي إحسان اسماعيل بأن “حرق الغاز بالحقول الجنوبية سينخفض في نهاية عام 2024 بنسبة 90%”.

لكن العراق زاد في العامين الماضيين الكميات المعالجة من الغاز المصاحب بنسبة 5% فقط، وفق وزارة النفط.

وتصطدم مشاريع العراق مع الشركات الأجنبية لاستثمار الغاز المصاحب بالبيروقراطية، والعراقيل السياسية والإدارية، ونقص الخبرات والتمويل.

الاعتماد على الغاز من الخارج

ويرى المالكي أن العراق لا يهدر الثروات فقط بحرق الغاز المصاحب، بل يخسر أيضا باستيراده الغاز من الدول المجاورة لسد حاجته من الطاقة.

ويستورد العراق 750 مليون قدم مكعب قياسي (من الغاز) من إيران في اليوم لسد الحاجة من الطاقة، وفق وزارة النفط، أي إن إيران توفّر ثلث احتياجات العراق من الغاز.

ويطرح الاعتماد في احتياجات الغاز على الجارة إيران إشكاليات عدة. ففي صيف 2021 الحارق، غرق العراق بالظلمة على مرّ أسابيع بعدما قطعت إيران الإمدادات.

وتعدّ محافظة البصرة نقطة ثقل إنتاج النفط في العراق، وتطلق “أكبر 5 حقول للنفط” فيها نسبة “65% من الغاز المحروق حاليا”، وفق البنك الدولي.

وتعالج شركة غاز البصرة معظم الغاز المصاحب حاليا بمعدّل مليار مقمق، من 3 حقول نفط في البصرة. وغاز البصرة شركة خاصة تتوزع أسهمها على 3 أطراف: شركة “شيل” البريطانية بنسبة 44%، و”غاز الجنوب” الحكومية (51%)، و”ميتسوبيتشي” اليابانية بنسبة 5%.

ويقول مدير الشركة الإداري مالكوم مايس إن شركته تطوّر مشروع البصرة للغاز الطبيعي في حقل أرطاوي، من أجل “رفع قدرتنا على المعالجة إلى 1.4 مليار قدم مكعب قياسي في اليوم”.

وتبلغ كلفة المشروع مليارا ونصف المليار دولار، ويتضمن بناء محطتين للمعالجة “ستفعّل الأولى في مايو/أيار 2023، أما الثانية فمن المقرر تفعيلها في نوفمبر/تشرين الثاني 2023″، وفق مايس.

وأبرم العراق في سبتمبر/أيلول عقدا مع شركة “توتال إينرجيز” يتضمن 4 مشاريع “متكاملة، بين الغاز والطاقة الشمسية والكهرباء والنفط”، وفق ما أوضحت الشركة الفرنسية.

وتبلغ قيمة العقد 10 مليارات دولار، وأبرز بنوده معالجة الغاز المصاحب. ويفترض أن يكون تطويره على مرحلتين: الأولى تستثمر 300 مليون قدم مكعب قياسي والثانية كمية مضاعفة، وفق وزارة النفط العراقية.

وأوضحت “توتال إينرجيز” أن المشروع “يغطي بناء شبكة تجميع ووحدة معالجة للغاز الذي يحرق حاليا في 3 حقول نفط”. ويفترض “البدء بتشغيل هذا المصنع بحلول عام 2026”.

ويفتقر العراق كذلك إلى الخبرات، ويقول موظف في القطاع -فضل عدم الكشف عن هويته- إن “وجود الشركات الأجنبية يطوّر من خبراتنا التي استنزفت جراء سنوات من الحروب والإهمال، وهجرة العديد من المختصين العراقيين بحثا عن فرص أفضل في الخارج”.

كما يعمل العراق على مشروعين آخرين على الأقل لاستثمار الغاز المصاحب، أحدهما في الناصرية وآخر في ميسان بطاقة 300 مليون قدم مكعب قياسي، وقد أنجز 51% منه، كما أعلنت وزارة النفط.

وقال وزير النفط إن كل تلك المشاريع تموّل “مباشرة من الموازنة العامة”، باستثناء مشروع “توتال” الذي “يموّل بنسبة 60% من توتال و40% من الدولة”.

المصدر : الفرنسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى