تقارير

وجهات سرية.. كيف يشق النفط الروسي طريقه في البحر بحثاً عن المشترين؟

“وجهة غير معروفة”، علامة جديدة أصبحت تحملها شحنات النفط الروسية خلال الأسابيع الأخيرة، في محاولة لتجاوز العزلة التي تواجهها في أسواق الطاقة العالمية.

ويكشف تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنل، أن صادرات النفط من الموانئ الروسية المتجهة إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ارتفعت إلى متوسط 1.6 مليون برميل يوميا في أبريل، اعتمادا على بيانات “تانك تراكر”.

وأشار التقرير إلى أن صادرات النفط الروسي كانت قد انخفضت إلى متوسط 1.3 مليون برميل يوميا في مارس بعد غزو أوكرنيا، بحسب بيانات “كابلر” البحثية.

وأوضح أن مشتري النفط الروسي يشعرون بالقلق من مخاطر تشويه السمعة، وهو ما جعل سوق تصدير النفط الروسي في أبريل “مبهمة” و”مخفية”، على عكس ما كان عليه الأمر قبل الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير.

وتظهر البيانات أن أكثر من 11 مليون برميل تم شحنها في أبريل إلى “وجهة غير معروفة”، ولم تحدد ناقلات النفط مسار رحلتها بشكل دقيق.

وعزا التقرير أحد أسباب إخفاء المنشأ لبعض الدول، أنها بحاجة ماسة إلى النفط للحفاظ على استمرار اقتصادها، ومنع ارتفاع أسعار الوقود، لكن الشركات والوسطاء يريدون تداولها بـ”هدوء” وتجنب أي رد فعل سلبي لتسهيل المعاملات التي توفر الأموال، والتي بالنهاية ستعود بالإيرادات على موسكو لتمويل حربها.

وقال محللون للصحيفة إن استخدام ترميز “وجهة غير معروفة” مؤشر على نقل النفط إلى سفن أكبر في البحر وتفريغها، إذ يتم خلط الخام الروسي مع حمولة السفينة، مما يمكنهم من عدم كشف مصدر الخام الأصلي.

وأشاروا إلى أن هذه ممارسة قديمة مكنت دول خاضعة للعقوبات مثل إيران وفنزويلا من تصدير النفط.

وذكر تجار أنه يتم تداول منتجات خام يطلق عليها اسم مزيج “لاتيفيا وتركمانستان” معروضة في السوق أيضا، وتحتوي على كميات كبيرة من النفط الروسي.

وقالت وكالة “بلومبرغ” الخميس إن روسيا استسلمت أخيرا لتأثير العقوبات التي يفرضها الغرب، إذ انخفض إنتاجها من النفط بنسبة 10 في المئة عن مستواه قبل بدء الغزو لأوكرانيا.

وأشارت إلى أن الكرملين يبذل قصارى جهده لإخفاء التأثير الكامل للعقوبات، لكن صور الأقمار الصناعية فوق سيبيريا فضحت ذلك.

وتبين الوكالة أن البيانات الواردة من هناك إلى جنب المعلومات المتحصلة من التجار وتسريبات الإحصاءات الروسية الرسمية، تؤكد انخفاض إنتاج النفط الروسي بنسبة 10 في المئة، ما قد يؤدي لموجة جديدة من ارتفاع في أسعار الخام تستمر لفترة أطول.

وكان أندريه إيلارويونوف المستشار الاقتصادي السابق، للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مقابلة مع شبكة “سي أن أن” إن هناك طريقة واحدة يمكن أن تنهي الحرب الروسية على أوكرانيا في غضون شهر، من خلال “فرض حظر كامل على النفط الروسي يمكن أن ينهي الحرب في غضون شهر أو شهرين”.

وأضاف أن عوائد صادرات النفط والغاز الروسي تمثل نحو 40 في المئة من الميزانية العامة لروسيا بشكل مباشر، وإذا ما تم احتساب العوائد المباشرة وغير المباشرة، فهي تمثل 60 في المئة من موازنة روسيا.

وأكد أنه في حال حصول ذلك ستجد روسيا نفسها أمام خيار وقف عملياتها، والبدء في المفاوضات.

اقرأ أيضا: قطع الغاز الروسي.. الأسعار تشتعل وأوروبا تندد بـ”الابتزاز” وتستعد للطوارئ

 

يعقد مسؤولو الاتحاد الأوروبي محادثات طارئة عقب قطع موسكو إمدادات الغاز، الأمر الذي وصف بـ”الابتزاز”، فيما اشتعلت الأسعار عقب هذه الخطوة.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الأربعاء، إن إعلان شركة الطاقة الروسية العملاقة غازبروم التوقف من جانب واحد عن تسليم الغاز لبعض العملاء في أوروبا هو محاولة أخرى من جانب روسيا لاستخدام الغاز كأداة للابتزاز.

وأضافت فون دير لاين، في بيان: “هذا غير مبرر وغير مقبول. ويظهر مرة أخرى أن روسيا مورد للغاز غير جدير بالثقة”.

ويعقد مسؤولو الاتحاد الأوروبي محادثات طارئة بهذا الشأن، وفق رئيسة المفوضية الأوروبية التي قالت إن هذه الخطوة تؤكد “عدم إمكانية الاعتماد على روسيا كمورد للغاز”.

وقالت إن اجتماع مجموعة تنسيق الغاز منعقد، وإن دول الاتحاد البالغ عددها 27 دولة مستعدة لمواجهة قرارات روسيا.

كما ذكرت أن “الدول الأعضاء وضعت خطط طوارئ لمثل هذا السيناريو. نحن نحدد الاستجابة المنسقة للاتحاد الأوروبي، كما سنواصل العمل مع الشركاء الدوليين لتأمين تدفقات بديلة”.

وكانت غازبروم أوقفت، في وقت سابق من الأربعاء، إمدادات الغاز إلى بلغاريا وبولندا بسبب عدم سداد البلدين مدفوعات الوقود بالروبل، في أقوى رد حتى الآن من الكرملين على العقوبات المشددة التي فرضها الغرب بسبب غزو أوكرانيا.

وبولندا وبلغاريا هما أول دولتين يتم قطع إمدادات الغاز عنهما من قبل المورد الرئيسي لأوروبا منذ غزو أوكرانيا الذي بدأ في 24 فبراير، وأودى بحياة الآلاف، وتسبب في تشريد الملايين، وأثار مخاوف من نشوب صراع أوسع.

وقالت وارسو وصوفيا إن وقف الإمدادات يعد خرقا للعقد من جانب جازبروم أكبر شركة للغاز الطبيعي في العالم.

وأمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن تدفع الدول الأوروبية ثمن الغاز بالروبل بعد أن جمد الغرب الأصول الروسية، وعزل موسكو إلى حد كبير عن النظام الاقتصادي الغربي بسبب الحرب في أوكرانيا.

وينقل خط أنابيب يامال-أوروبا الغاز الروسي إلى ألمانيا عبر بولندا، على الرغم من أنه كان يعمل في معظم الوقت بصورة عكسية هذا العام، حيث كان ينقل الغاز شرقا من ألمانيا. وقد ندد رئيس الوزراء البولندي ماتيوز موراوسكي بما وصفه “الابتزاز الروسي”.

أما بلغاريا فهي بلد عبور إمدادات الغاز إلى صربيا والمجر.

وقال وزير الطاقة البلغاري ألكسندر نيكولوف إن بلاده دفعت تكاليف شحنات الغاز الروسي لشهر أبريل، وإن وقف إمدادات الغاز سيكون خرقا لعقدها الحالي مع غازبروم.

وأضاف نيكولوف “لأننا نفذنا جميع الالتزامات التجارية والقانونية، فمن الواضح أنه في الوقت الحالي يتم استخدام الغاز الطبيعي كسلاح سياسي واقتصادي في الحرب الحالية”.

الأسعار ترتفع واليورو يتراجع

وبعد إصدار شركة غازبروم لبيانها، ارتفعت أسعار الغاز في أوروبا بنسبة تصل إلى 24 في المئة، تزامنا مع تراجع كبير لليورو.

ويأتي الارتفاع المفاجئ في أسعار الغاز مع ارتفاع حرارة الطقس في أوروبا، مما يقلل من الطلب على الغاز الطبيعي لتدفئة المنازل والشركات.

وغرد المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، على تويتر، صباح الأربعاء، قائلا إن منظمته “تقف بحزم مع بولندا”.

وأضاف “خطوة غازبروم لوقف إمدادات الغاز عن بولندا تماما علامة أخرى على تسييس روسيا للاتفاقيات القائمة، مما سيؤدي فقط إلى تسريع الجهود الأوروبية للتخلي عن إمدادات الطاقة الروسية”.

وتراجع اليورو لما دون 1.06 دولار للمرة الأولى في خمس سنوات أمام دولار مرتفع بشكل عام.

وهبط اليورو لأقل مستوى في خمس سنوات مسجلا 1.05890 وفي أحدث تداولات، تراجع اليورو 0.16 بالمئة مسجلا 1.0616 دولار بحلول الساعة 0800 بتوقيت غرينتش.

اقرأ أيضا: رغم ارتفاع الأسعار.. أسباب تمنع شركات النفط الأميركية عن إنقاذ أوروبا

 

تواصل أسعار النفط والبنزين ارتفاعها، إلى جانب مكاسب أرباح شركات الطاقة، حيث تصاعدت التوترات الجيوسياسية مع تعليق روسيا شحناتها من الغاز إلى بولندا وبلغاريا.

وبينما تود أوروبا إنهاء اعتمادها على الطاقة الروسية، تقول صحيفة نيويورك تايمز إن معظم شركات النفط الأميركية ليست حريصة على الاستفادة من هذه اللحظة من خلال ضخ المزيد من النفط.

ويعد إنتاج شركات الطاقة الأميركية من النفط ثابتا، ومن غير المرجح أن يزيد بشكل كبير لمدة عام أو عامين آخرين على الأقل، حسبما ترجح نيويورك تايمز.

وإذا توقفت أوروبا عن شراء النفط والغاز الطبيعي الروسي، كما وعد بعض قادتها، لن يتمكنوا من استبدال تلك الطاقة بالوقود الأميركي في أي وقت قريب.

وكان إنتاج الولايات المتحدة من النفط ارتفع بأقل من 2 في المئة، إلى 11.8 مليون برميل يوميا، منذ ديسمبر الماضي، ولا يزال أقل بكثير من الرقم القياسي 13.1 مليون برميل يوميا المحدد في مارس 2020 قبل أن يتسبب الوباء في شل الاقتصاد العالمي.

يتوقع المراقبون الحكوميون أن يبلغ متوسط ​​إنتاج النفط الأميركي 12 مليون برميل فقط يوميا عام 2022، على أن يزيد بمقدار مليون برميل آخر تقريبا عام 2023.

ورغم ذلك سيكون هذا الإنتاج أقل بكثير مما يقرب من أربعة ملايين برميل من النفط التي تستوردها أوروبا من روسيا يوميا.

وتنقل الصحيفة عن خبير الطاقة في جامعة رايس، جيم كرين، قوله: “لقد كان لديك هذه الصناعة التي تروج لنفسها على أنها تجسيد للروح الابتكارية الأميركية. والآن بعد أن أصبح بإمكانهم القفز لتقديم النفط الذي تشتد الحاجة إليه للعالم، فإنهم يتوخون الحذر بشكل غير معهود”.

تقول نيويورك تايمز إن السبب الأكبر لعدم زيادة إنتاج النفط هو عدم يقين شركات الطاقة الأميركية ومستثمري وول ستريت من ثبات ارتفاع أسعار النفط لفترة كافية لتحقيق ربح من حفر الكثير من الآبار الجديدة.

وكانت أسعار النفط انهارت بشكل مفاجئ وحاد قبل عامين، مما أجبر الشركات على تسريح آلاف الموظفين، وإغلاق الآبار، وطلب الحماية من الإفلاس.

وفي استطلاع لبنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس، في منتصف مارس، قدم المسؤولون التنفيذيون في 141 شركة نفطية، عدة أسباب لعدم ضخ المزيد من النفط.

وقالوا إنهم يفتقرون إلى العمال والرمل، الذي يستخدم لكسر الصخر الزيتي لإخراج النفط من الصخور.

لكن السبب الأكثر ملاحظة، الذي تحدث عنه 60 في المئة من المشاركين، هو أن المستثمرين لا يريدون أن تنتج الشركات الكثير من النفط خوفا من أن يؤدي ذلك إلى التعجيل بنهاية أسعار النفط المرتفعة.

وقد وجد مسح مجلس الاحتياطي الفيدرالي في دالاس أن الشركات الأميركية تحتاج إلى أن يصل متوسط ​​أسعار النفط إلى 56 دولارا للبرميل فقط لتحقيق التعادل بين التكاليف والأرباح؛ أي أكثر بقليل من نصف السعر الحالي.

لكن البعض قلق من أن السعر قد ينخفض ​​إلى ما لا يقل عن 50 دولارا بحلول نهاية العام.

المصدر: الحرة – مواقع إلكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى