تقارير

لا حديث في هذا البلد إلا عن البطاطا.. ماذا تعرف عن “سيدة الموائد” التي كانت سر الحرب العالمية الثانية؟

لا حديث في الجزائر إلا عن سيدة موائدهم، البطاطا الشهية، والتي صارت في أعلى عليين، وسط دهشة غير مسبوقة حول موجة الغلاء التي تهدد غذاء الجزائريين، ولم تعد الوعود كافية لإقناع أكثرهم بأن الانفراجة باتت قريبة

أزمة ندرة البطاطا أو كما يقال عليها أزمة البطاطس تشهدها دولة الجزائر أكبر بلد عربي، واتخذت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية الجزائرية اجراءات كثيرة لمواجهة الأزمة الحادة التي حولت البلاد من مصدر للبطاطا إلى مستورد لها

سيدة الموائد

تعتبر البطاطا إحدى المكونات الرئيسية للأطباق الجزائرية الشهيرة في هذا البلد العظيم والحضاري، وصاحب المطبخ المتنوع الموغل في القدم والجمال،  ويقول المهتمون بالمطبخ الجزائري صاحب المأكولات الشهية أن هناك ما يزيد عن 3 آلاف وصفة لطبخ البطاطا في الجزائر

أهم الطبخات، بطاطا شطيطحة، وطاجين الدجاج المغربي بالبطاطس و الزيتون الأحمر، وطاجين الحوت بالخضر، وطاجين كباب الجزائري، وشطيطحة بطاطا، وطاجين كفتة اللحم مع البطاطس وزيت الزيتون من الذ واسهل مايكون

أيضاَ، طاجين لحم بالبطاطا والزيتون، وميني طاجين بطاطس سهل وبسيط، وطاجين بالحوت والبطاطا، وبطاطا كباب، وطاجين البسباس مع البطاطا، وطاجين بطاطا وجلبانة بالدجاج، وطاجين بالبطاطا المقلية والباذنجال المقلي، وطاجين البطاطا بدون فرن

حلول حكومية

في وقت سابق أعلن كمال رزيق، وزير التجارة وترقية الصادرات فى الجزائر، عن إجراءات جديدة لمواجهة الندرة في مادة البطاطا

وأكد الوزير الجزائري أن الفترة القادمة ستشهد إخراج كميات إضافية من مادة البطاطا من المخازن لتلبية احتياجات المواطنين الجزائريين، وفي حالة الضرورة سيتم اللجوء للاستيراد كآخر حل

وأشار وزير التجارة وترقية الصادرات الجزائرية أن ندرة الأمطار أثرت على الإنتاج لكن المخازن التابعة لوزارة التجارة تحوي كميات معتبرة بإمكانها تغطية الطلب

وأكد الوزير الجزائري أن السوق الجزائرية تحتوي على كل المواد الأساسية التي يحتاجها المواطن للعيش الكريم

وسبق أن أعلنت وزارة التجارة الجزائرية عن الشروع في بيع مادة البطاطا المحجوزة، على مستوى 25 نقطة بيع بالتجزئة في العاصمة

وجاء في بيان للوزارة، أن مادة البطاطا المحجوزة سيتم بيعها بسعر 50 دينارا للكيلوغرام الواحد لصالح المستهلكين

وأعلنت الوزارة عن بداية عملية البيع بداية من يوم غد الأربعاء من طرف ديوان الخضر واللحوم

كما شرعت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية الجزائرية، من خلال الديوان الوطني المهني المشترك للخضر واللحوم في عملية تفريغ كميات معتبرة من مادة البطاطا المخزنة لغرض ضبط السوق

وانطلقت عملية إخراج مخزون البطاطا في 13 ولاية جزائرية (بومرداس ،الجزائر، عين الدفلى، البليدة، البويرة ،الشلف، الطارف، معسكر،المدينة، سكيكدة، تيبازة، تلمسان) عبر 32 متعامل متعاقد مع الديوان الوطني المهني المشترك للخضر واللحوم

وأكدت وزارة الفلاحة بالجزائر أنه سيتم توجيه الكميات التي تم تفريغها إلى تموين الأسواق الوطنية وكذا نقاط البيع المعتمدة، بحيث جندت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية بالجزائر كل الوسائل اللوجستية و المادية لفتح اكبر عدد ممكن من نقاط البيع التابعة للمؤسسات الاقتصادية تحت الوصاية لبيع مادة البطاطا مباشرة للمستهلك، بسعر 50 دينار جزائري

ويبدو أن تخزين البطاطا في إطار نظام ضبط المنتجات الفلاحية واسعة الاستهلاك يهدف إلى ضمان تموين السوق خلال مرحلة الفراغ التي تمتد من 15 أكتوبر إلى نهاية نوفمبر من أجل ضبط السوق

البطاطا سرّ الحرب العالمية الثانية

ليس نادراً أن تجد بيننا في هذه الأيام من يرى أن الحر..وب والد..ماء لا تصيب إلا المُسلمين وكأنها حكراً عليهم، لا تُصيب غيرهم، كأننا وحدنا من عانى ويُعاني وسيُعاني، وكثيراً ما يحلو لبعضنا أن يُصدق هذه النظريّات

الأولى بنا وقبل أن نحكم بأننا أكثر شعوب الأرض مُعاناة، وأن أحداً من العالمين لم ير ما رأينا من “العذاب” أن نقرأ عن حكاية الألمان مع البطاطا والقهوة والصابون والسجائر كي نُدرك حقاً أننا لسنا مركز الكون وأن الأفلاك لا تدور حولنا

تأثرت العديد من الدول بإنتاجها من البطاطس حتي أضحت أحد أطعمتها الغذائية التي لا يمكن أن تتنازل عنها ومن هذه الدول المانيا وإيرلندا وللدولتان تجارب مريرة بسبب نقص محصول البطاطس نسردها في عدد من المعلومات

حكاية الألمان مع البطاطا لم تنته مع الحرب، فقد أكلوا منها في سنوات “الدمار” وما بعد الحرب حتى شبعوا واتخموا ويبدو أنها أصبحت جزءًا لا يتجزأ من طعامهم وسواء كانت البطاطا هي سببًا من الأسباب الفعلية للحرب العالمية الثانية أم لا

البطاطس كانت تسد عجز البقول والحبوب عند المجاعات وهو ما حدث خلال الحرب العالمية الثانية، تعرضت إيرلندا لمجاعة غذائية أطلق عليها مجاعة البطاطس الإيرلندية والتي حدثت خلال الفترة بين 1845م و1852م

ساهمت أسبانيا في نقل زراعة البطاطس من أمريكا الجنوبية حيث تم تدشين البطاطس لأول مرة في منطقة جنوب بيرو الحديثة، وفي أقصى شمال غرب بوليفيا. وقد انتشرت منذ ذلك الحين في جميع أنحاء العالم وأصبحت محصولًا أساسيًا في العديد من البلدان

وفقًا للتقديرات المتحفظة ، كان إدخال البطاطس مسؤولاً عن ربع نمو سكان العالم القديم والتحضر بين 1700 و 1900

بعد الغ..زو الإسباني لإمبراطورية الإنكا، إستقدم الأسبان البطاطس إلى أوروبا في النصف الثاني من القرن السادس عشر، وهو جزء من التبادل الكولومبي

بعد ذلك، قام البحارة الأوروبيون بنقل العنصر الأساسي إلى الأقاليم والموانئ في جميع أنحاء العالم. كانت البطاطس بطيئة في تبنيها من قبل مزارعين أوروبيين، ولكن سرعان ما أصبحت محصولًا غذائيًا أساسيًا هامًا ومحصولًا ميدانيًا لعب دورًا رئيسيًا في ازدهار سكّان أوروبا في القرن التاسع عشر

ومع ذلك ، فإن نقص التنوع الجيني، بسبب العدد المحدود للغاية من الأصناف التي تم إدخالها في البداية، ترك المحاصيل عرضة للمرض

في عام 1845 أنتشر مرض النبات المعروف بأسم اللفحة المتأخرة، التي تسببها فطريات سرعة عبر المجتمعات الفقيرة في أيرلندا الغربية وكذلك أجزاء من المرتفعات الاسكتلندية ، مما أدى إلى فشل المحاصيل التي أدت إلى المجاعة الأيرلندية العظمي

الأصول التاريخية لرابع أهم محصول عالميا

بالرغم من أن الصين والهند وروسيا وأوكرانيا تحتل صدارة الدول المنتجة للبطاطس، إلا أن الموطن الأصلي للبطاطس هو جبال الإنديز في أمريكا الجنوبية، حيث استخدمت البطاطس كمحصول غذائي للمرة الأولى منذ نحو 8,000 عام. ولم تعرفها أوروبا إلا في منتصف القرن السادس عشر، وانتقلت منها إلى الغرب والشمال، ثم عادت إلى الأمريكتين وما بعدها

وتقول ريبيكا إيرل، مؤرخة الطعام، إن البطاطس انطلقت من جبال الإنديز لتحقق نجاحا مدويا في أنحاء العالم. فهذه الدرنات تُزرع في جميع أنحاء العالم، ويعتبرها جميع سكان المعمورة “طعاما محليا”

وتصف إيرل البطاطس بأنها “المهاجر الأكثر نجاحا في العالم”، إلى حد أن موطنه الأصلي لم يعد معروفا للمنتجين والمستهلكين

وتعد البطاطس رابع أهم المحاصيل في العالم، بعد الأرز والقمح والذرة، واستطاعت أن تشق طريقها بنجاح إلى قلوب الناس في مختلف أنحاء العالم، بفضل قيمتها الغذائية منقطعة النظير وسهولة زراعتها، وقدرتها على الصمود في وجه الحروب والتخفي تحت الأرض بعيدا عن أعين جامعي الثمار

ويقول رينيه غوميز، كبير أمناء بنك الجينات بمركز البطاطس العالمي، الذي يجري أبحاثا عن كل ما له علاقة بالبطاطس، إن جبال الإنديز تضم أكبر تنوع وراثي للبطاطس

وقد نجح المزارعون في جبال الإنديز في تحسين وزراعة أول محصول للبطاطس بالقرب من بحيرة تيتيكاكا، على بعد نحو ألف كيلومتر من العاصمة البيروفية، ليما. ومنها انتشرت البطاطس عبر سلسلة جبال كورديليرا، وأصبحت تشكل الغذاء الأساسي للمجتمعات الأصلية، مثل شعب الإنكا

وفي عام 1532، قضى الغزو الفرنسي على حضارة الإنكا، لكن زراعة البطاطس ظلت باقية. إذ حمل الغزاة الإسبان درنات البطاطس، كشأن المحاصيل الأخرى كالطماطم والأفوكادو والذرة، عبر الأطلنطي. وخرجت البطاطس للمرة الأولى في التاريخ من الأمريكتين

غير أن الدرنات لم تتأقلم بسهولة مع الطقس في إسبانيا وغيرها من البلدان الأوروبية، إذ كانت ساعات النهار في المنطقة الاستوائية التي كانت تزرع فيها ثابتة على مدار العام، على عكس البلدان الأوروبية التي يطول فيها النهار صيفا. وكانت الدرنات تنمو في المقابل في فصل الخريف قبل تكوّن الصقيع في فصل الشتاء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى