تقارير

رسوم الواردات الشمسية الصينية دعمت الصناعة المحلية.. لماذا تسعى الصين للتغلغل في الأسواق الهندية؟

تتطلب خطط انتقال الطاقة في الهند، سواء قصيرة أو طويلة المدى، توفير التمويل اللازم لدعم الخطوات التمهيدية لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2070.

وكان رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، قد تعهّد في قمة الأمم المتحدة للتغير المناخي كوب 26، في نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، بدعم الخطط الطموحة طويلة الأجل لتحقيق الحياد الكربوني، عبر خطط مرحلية من ضمنها مستهدفات كبرى لعام 2030.

ومن المتوقع زيادة حاجة الدولة الواقعة جنوب آسيا لتوفير التمويل اللازم لخطط انتقال الطاقة في الهند، خاصة أنها حققت خطوات مهمة في مجال الطاقة المتجددة والتخلص التدريجي من الفحم.

وتصطدم عقبة تمويل انتقال الطاقة بواقع آخر يبرز من حين لآخر، يتمثّل في احتمال توجيه مخصصات التمويل لتلبية الاحتياجات الأساسية في ظل انقطاعات متواصلة للكهرباء، نتيجة الفجوة بين التركيز على إنتاج مستقبلي للطاقة المتجددة، بالتزامن مع إغلاق محطات الفحم.

تمويل انتقال الطاقة في الهند

طرحت الهند خلال قمة المناخ كوب 26 التزامات مناخية طويلة الأجل بحلول عام 2070، غير أنها دعمتها بأهداف مرحلية قصيرة الأجل بحلول عام 2030، خاصة فيما يتعلق بالطاقة المتجددة التي حققت إنجازات مهمة.


ولأن خطط انتقال الطاقة في الهند لا يمكن تنفيذها على المستوى الحكومي فقط، يُتوقع زيادة الطلب على اتفاقيات شراء الكهرباء المتجددة لتزويد الشركات والصناعات بالإمدادات النظيفة التي تسمح بخفض البصمة الكربونية.

في غضون ذلك، تتطلب خطط التخلص من الكربون -خاصة من القطاعات ذات الإسهام الكثيف للابنعاثات- حجم تمويل ضخمًا في ظل إقبال متوقع على الطاقة المتجددة ذات الأصول الضخمة.

وتوسّعت مشروعات الطاقة المتجددة بمحاولات توفير الاستثمار الأجنبي والقروض لتمويل خطط انتقال الطاقة في الهند، غير أن خطط الحياد الكربوني الطموحة تتطلب التوسع في المزيد من مصادر التمويل.

وفي ظل مخاطر العملة في حالة الاعتماد على السندات الخضراء الدولارية، يتعين على الهند إفساح المجال بصورة أكبر أمام التمويل المحلي القائم على تعزيز “الروبية”.

(1 روبية هندية = 0.013 دولارًا أميركيًا)

خطوات مزدوجة

للسير في خطوات انتقال الطاقة في الهند عقب سنوات من الانخراط في صناعات الوقود الأحفوري، سلكت الحكومة مسارين متوازيين، التوسع في الطاقة المتجددة -خاصة الطاقة الشمسية- وخفض الاعتماد على الفحم.

ودعمت الهند كلا المسارين بإجراءات ومشروعات قد لا تؤتي ثمارها بالوقت الحالي، أو تسمح بتجاوز أزمة انقطاعات الكهرباء وغرق ولايات في الظلام، لكنها تشكّل حجرًا يمكن البناء عليه وقياس مردوده بحلول عام 2030.

وتسبّبت جائحة كورونا في تعطيل تلك المسارات، بعدما أثّرت الإغلاقات في سلاسل التوريد ونقص المواد الخام وضعف الإنتاج.

وشهد العام المالي الماضي (يبدأ في الهند من أبريل/نيسان، وينتهي في مارس/آذار) إضافات قياسية للطاقة المتجددة، مقابل انخفاض إسهام الفحم مقارنة بالسنوات السابقة.

وبخلاف الإضافات الجديدة في الطاقة المتجددة، تخارجت عدد من محطات الكهرباء العاملة بالفحم من الخدمة، خلال العام المالي 2021-2022، وتقاعدت عقب تجاوز عمرها التشغيلي الحدّ المسموح.

وفيما يلي نسرد كشفًا لأداء مساري انتقال الطاقة في الهند (التوسع في الطاقة المتجددة والطاقة الشمسية، وخفض أعمال الفحم) حسبما أوردها الاقتصادي والمصرفي الهندي ومحلل تمويل الطاقة بمعهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي، كاشيش شاه، في مقال له نُشر في ذي إيكونوميك تايمز.

إضافات الطاقة المتجددة

عقب التعافي من جائحة كورونا، واصلت رحلة انتقال الطاقة في الهند تحقيق إنجازات مهمة في قطاع الطاقة النظيفة، وشهد العام المالي المنتهي الشهر الماضي إضافة 15.5 غيغاواط من المصادر المتجددة، بجانب تركيب قدرات قاربت 13.9 غيغاواط.

وتُسجل سعة الطاقة المتجددة الإجمالية في الآونة الحالية بالهند 110 غيغاواط، في حين بلغت استثمارات القطاع خلال العام المالي ذاته 15 مليار دولار، من ضمنها سندات خضراء بقيمة 4.7 مليار دولار، وقروض بقيمة 1.8 مليار.

وتتضمن خطط انتقال الطاقة في الهند مواصلة تطوير إضافات الطاقة المتجددة عبر مشروعات قيد التطوير، طُرحت من خلال مناقصات ومزادات علنية، بسعة تصل إلى 50 غيغاواط.

بينما توقعت وكالة التصنيف الائتماني والاستثمار الهندية “آي سي آر إيه” وصول السعة إلى 16 غيغاواط خلال العام المالي الجاري، الذي ينتهي مارس/آذار 2023.

وخصصت الهند أهدافًا مرحلية لتحقيق أهداف الحياد الكربوني، من ضمنها إضافة 450 غيغاواط من مصادر الطاقة المتجددة، بحلول عام 2030، بمعدلات تشغيل تتراوح بين 35 و40 غيغاوط سنويًا.

الطاقة الشمسية والتصنيع المحلي

ركّزت الحكومة الهندية على تعزيز التوجه نحو التصنيع المحلي، وطرحت برامج حوافز الإنتاج قبل شهرين، وأبدت شركات هندية كبرى -من ضمنها ريلاينس وأداني وشردي ساي إليكتريكالز- استعدادها للعمل على تصنيع وحدة متكاملة بسعة 12 غيغاواط.

ووفق بيانات معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي، تشير التوقعات إلى تسجيل سعة تصنيع الخلايا محليًا 33 غيغاواط وسعة الوحدات 51 غيغاواط بحلول 2025، ما يمهّد للاستغناء عن واردات التصنيع.

وتعتمد الهند في الآونة الحالية، وحتى نمو قدرات التصنيع المحلية، على الواردات الصينية (سواء بصورة مباشرة، أو عبر شركات صينية بالدول الآسيوية) لوحدات الطاقة الشمسية.

ولمحاولة حماية السوق المحلية مما يُطلق عليه “الإغراق التجاري”، فرضت الحكومة على الواردات الصينية رسومًا بلغت 40% على الوحدات الشمسية و25% على الخلايا، وأثّرت بصورة نسبية في تباطؤ نمو السعة.

واستفاد مُطوّرو الصناعة والمورّدون من الفجوة الوجيزة لمدة توقّف الرسوم، منذ يوليو/تموز العام الماضي، حتى استئنافها مجددًا الشهر الجاري، لدعم القدرات التنافسية.

كما سنحت الفجوة بين مدّتَي فرض الرسوم على المُطوّرين المحليين، بين أغسطس/آب العام الماضي ومارس/آذار من العام الجاري، بدعم الصناعة وتطويرها.

التخلي التدريجي عن الفحم

لا يمكن أن تكتمل رحلة انتقال الطاقة في الهند بنجاح في ظل نمو استهلاك الفحم وفق المعدلات السابقة، وبدأت نيودلهي في التخلي التدريجي عن الفحم، خاصة عقب قمة المناخ كوب 26.


ومنذ عام 2010 وحتى الآن، ألغت الهند مشروعات لمحطات الكهرباء العاملة بالفحم بسعة تقارب 607 غيغاواط، وتوقّف تشغيل 2.5 غيغاواط من سعة كهرباء الفحم خلال السنوات الـ5 الماضية، وفق بيانات غلوبال إنرجي مونيتور.

ويشير المشهد الحالي إلى التخلي عن المشروعات المطروحة كافة، في حين تكتفي الدولة الواقعة جنوب آسيا بالسعة المتاحة من توليد الكهرباء باستخدام الفحم الموجودة بالشبكة، والمقدَّرة بـ 55 غيغاواط وفق بيانات مونيتور في يناير/كانون الثاني الماضي.

وتتضمن سعة الشبكة من كهرباء الفحم (31 غيغاواط لمشروعات قيد الإنشاء، بالإضافة إلى 24 غيغاواط أخرى).

من جانب آخر، يتوقع محللون تقاعد سعة قدرها 65 غيغاواط خلال السنوات الـ10 المقبلة، مقسّمة بين 42 غيغاواط لمحطات عمرها 25 عامًا أو يزيد، بجانب محطات تبلغ عمرها الافتراضي عام 2032، بسعة 23 غيغاواط.

ونجحت مشروعات الطاقة المتجددة في جذب انتباه المستثمرين؛ لانخفاض تكلفتها وكونها مصدرًا آمنًا ودائمًا ونظيفًا للكهرباء، بخلاف مشروعات الفحم.

اقرأ أيضًا: الفحم يكسب الجولة.. الهند تهرب من الظلام بالخروج عن خططها المناخية


ما زال نقص الفحم في الهند يثير بلبلة، سواء للحكومة المركزية أو حكومات الولايات؛ ما دفع لاتخاذ عدة تدابير يهدد بعضها التعهدات المناخية التي التزمت بها نيودلهي في قمة الأمم المتحدة للتغير المناخي كوب 26.

ولجأت بعض الولايات لبحث إمكانية فصل الأحمال لتخفيف الطلب على الكهرباء أو استيراد الإمدادات من ولايات أخرى لتلبية الطلب.

ولم تكُن الخطوات المتنوعة -التي فتحت الهند آفاقًا لها مؤخرًا- ملائمة بما يكفي لتلبية الطلب على الكهرباء، ورغم التوسعات التي شهدتها نيودلهي في مشروعات الطاقة الشمسية والطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر؛ فإن الفحم ما زال اللاعب الرئيس في تلبية الطلب على الكهرباء.

تعديل شروط محطات الفحم

اتخذت الحكومة الاتحادية (الحكومة المركزية التي تُشرف على أعمال 39 ولاية) خطوة جريئة من شأنها إثارة جدل نشطاء المناخ والالتزامات الدولية، بعدما أجرت تعديلات على معدل تزويد محطات الكهرباء بإمدادات الفحم.


وقررت وزارة الكهرباء بالحكومة المركزية، الجمعة 22 أبريل/نيسان، تعديل مدة ضمان محطات الكهرباء لإمدادات الفحم بتأمينها كميات تكفي 3 سنوات، بدلًا من الشرط الحالي بضمان إمدادات عام واحد فقط.

وأكدت الوزارة أن تمديد مدة تزويد محطات الكهرباء بأكبر مصدر للانبعاثات من عام إلى 3 أعوام جاء في ضوء زيادة الطلب على الكهرباء، وفق بيان لها نشرته صحيفة ذي إيكونوميك تايمز.

كما أتاحت الحكومة للولايات إمكانية تقليص المدة بين العطاءات الخاصة بمُنتجي الكهرباء المستقلين من 67 يومًا إلى 37 يومًا.

ورأت وزارة الكهرباء بالحكومة المركزية أن تلك التعديلات تسمح للولايات بالاستفادة من عمليات ربط إمدادات أكبر الملوثات من المناجم بمحطات الكهرباء بصورة مباشرة، خاصة محطات الكهرباء القريبة من مواقع تلك المناجم.

وأكدت الوزارة أن نقل إمدادات الكهرباء أكثر سهولة من نقل إمدادات الفحم للمحطات البعيدة، بالتوازي مع الاستفادة من البنية التحتية للسكك الحديدية في نقل إمدادات الفحم لمحطات الكهرباء البعيدة.

وقد تعزز تلك القرارات من الاتهام الذي سبق أن واجهته الهند خلال كوب 26 بالمراوغة فيما يتعلق بالتخلص التدريجي من استخدام أكبر المُلوث لخفض الانبعاثات وكبح الغازات المُسببة للاحتباس الحراري.

ولايات تغرق في الظلام

تباينت الولايات الهندية فيما بينها بشأن تأثير نقص الفحم في انقطاعات التيار الكهربائي؛ إذ لم تعانِ مومباي “ثاني أكبر المدن الهندية بعد العاصمة دلهي” من أي انقطاعات للتيار العام الجاري.

في المقابل، غرقت ولايات أخرى بالظلام مثل ولاية ماهاراشترا ثالث أكبر الولايات الهندية من حيث المساحة، التي امتدت انقطاعات الكهرباء بها لساعات طويلة ليلًا ونهارًا نتيجة نقص إمدادات الكهرباء بمعدل من 3 غيغاواط و500 ميغاواط إلى 4 غيغاواط خلال العام الجاري.


وسجل الطلب على الكهرباء بالولاية زيادة بنسبة 8.2% على أساس سنوي إلى 28 غيغاواط و489 ميغاواط، ورغم ارتفاع الطلب فإنه تزامن مع نقص في إمدادات أكبر مصادر الكهرباء تلويثًا؛ ما أسهم في نقص معدلات توليد الكهرباء في المحطات العاملة به.

ولجأت شركة توزيع الكهرباء بولاية ماهاراشترا لشراء إمدادات الكهرباء من ولايات أخرى، الأسبوع الماضي، في محاولة لتوفير الإمدادات وتجنب انقطاع التيار.

ونجحت شركة “إم إي دي سي إل” -التي توزع 87% من إجمالي الاستهلاك بالولاية- في توفير الكهرباء عبر عمليات الشراء حتى منتصف يونيو/حزيران المقبل، إلا أن تلك الخطوة لم تكُن كافية لتلبية الطلب المرتفع.

وأرجعت الولاية الفجوة بين العرض والطلب التي تصل إلى 4 غيغاواط إلى زيادة الاستهلاك في القطاع الزراعي؛ ما عزز زيادة الطلب مقابل نقص المعروض.

استيراد واستحواذ

أعلنت حكومة ولاية ماهاراشترا إجراءات محلية لمواجهة تلك الانقطاعات والسيطرة على نقص معدلات تزويد محطات الكهرباء بإمدادات الفحم.

وأعلن نائب رئيس الوزراء، أجيت باوار، عزم حكومة الولاية استيراد الفحم بجانب الاستحواذ على منجم في ولاية تشاتيسغار لتوليد الكهرباء، وفق صحيفة إنرجي وورلد من ذي إيكونوميك تايمز.

وبالإضافة لتلك الخطوة، تُخطط الولاية لإجراء مراجعة أسبوعية لفصل الأحمال في محاولة لسد الفجوة بين العرض والطلب.

وأكد باوار أن الولاية قررت العمل في خطين متوازيين؛ إذ تعكف شركة التوزيع على إتمام عمليات شراء إمدادات الكهرباء، جنبًا إلى جنب مع إجراءات الاستحواذ على منجم تشاتيسغار.

واستهلت الهند عامها المالي الجاري (بدأ مطلع أبريل/نيسان وينتهي مارس/آذار العام المقبل) بإعلان عزمها استيراد ما يقرب من 16 مليون طن من الفحم بجانب تعزيز الإنتاج المحلي.

وعلى النقيض تمامًا من الواقع الغارق في انقطاعات الكهرباء والإجراءات المُتبعة مركزيًا ومحليًا بالولايات للخروج من تلك الأزمة بتوفير الإمدادات بشتى الطرق، خرجت الهند بتصريح مثير للجدل.

وأعلنت الهند أنها سوف تلجأ للبنك الدولي لدعم خططها الرامية لإغلاق مناجم الفحم لتعزيز تحول الطاقة وخفض الانبعاثات، وفق تصريحات حكومية قبل ما يقرب من أسبوع.

المصدر: الطاقة – مواقع لإلكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى