باستخدام الحماية الكاثودية.. فريق مصري يبتكر نموذج لاستخدام الطاقة الشمسية في حماية أنابيب النفط والغاز من التآكل
تُعدّ الطاقة الشمسية أحد الحلول التي لجأ إليها قطاع النفط في طريقه لتحقيق الحياد الكربوني خلال عمليات الإنتاج، وحماية أنابيب النفط من التآكل.
وضمن المساعي الرامية إلى استفادة أكبر من هذه الحلول، توصّل فريق بحثي بمعهد بحوث البترول المصري إلى تصميم بروتوتايب (نموذج) لاستخدام الطاقة الشمسية في حماية أنابيب وآبار النفط والغاز من التآكل والصدأ.
ويضمن هذا النموذج توفير حماية أتوماتيكية ومستمرة، بالإضافة إلى تركيب حساس للتنبيه عند حدوث تآكل في الأنابيب.
الحماية الكاثودية لأنابيب النفط
تُعدّ الحماية الكاثودية طريقة فاعلة لحماية الهياكل المعدنية الحديدية والأنابيب من التآكل؛ نتيجة لتفاعل أسطحها مع التربة أو الماء، بسبب حدوث تفاعلات كيميائية مصحوبة بسريان الإلكترونات (أي سريان للتيار الكهربائي).
وبالتالي، فإن عملية التآكل هي عملية كهروكيمياوية تؤدي إلى فقدان أجزاء من معدن الحديد؛ ما يؤدي إلى تآكل السطح المعرّض للتربة أو الماء أو الرطوبة نتيجة تكوّن خلية كهربائية.
وتعتمد تقنية الحماية الكاثودية -التي تستخدم للتحكم في تآكل سطح المعدن- على جعله هو الكاثود لخلية كهروكيميائية.
استخدام مصدر طاقة
من المعروف علميًا أن هناك طريقة بسيطة للحماية تربط بين المعدن المراد حمايته و”معدن مقاوم للصدأ” يكون أكثر سهولة للتأثير بصفته (أنود)، ثم يتآكل المعدن المقاوم للصدأ بدلًا من المعدن المحمي.
وبالنسبة للهياكل -مثل خطوط الأنابيب الطويلة- إذ تكون الحماية الكاثودية السلبية غير كافية، فيُستخدم مصدر طاقة خارجي لتوفير تيار كهربائي كافٍ.
وتُستخدم أنظمة الحماية الكاثودية في حماية مجموعة واسعة من الهياكل المعدنية في بيئات مختلفة.
وأهم التطبيقات الشائعة هي: أنابيب المياه الفولاذية أو أنابيب الوقود وخزانات تخزين الصلب، مثل سخانات المياه المنزلية، وهياكل السفن والقوارب، ومنصات النفط البحرية، وأغلفة آبار النفط البرية.
بالإضافة إلى أساسات مزارع الرياح البحرية والقضبان الحديدية في المباني والهياكل الخرسانية.
حماية أتوماتيكية
كشفت المتخصصة في تطبيقات مواد النانو في الطاقة المتجددة والمياه بمعهد بحوث البترول، مديرة المعهد الدولي للطاقة المتجددة وشؤون البيئة لفرع مصر، الدكتورة إيمان محمد مصطفى، في تصريحات خاصة إلى “الطاقة”، أنها توصلت بالتعاون مع فريقها البحثي إلى نموذج بروتوتايب لاستخدام الطاقة الشمسية في الحماية الكاثودية.
وقالت، إن الأنابيب وآبار النفط والغاز تتعرض للتآكل، ومن ثم كان لا بد من توفير حماية أتوماتيكية مستمرة للحفاظ عليها من التلف، بالإضافة إلى تركيب حساسات للتنبيه عند حدوث تآكل في الأنابيب المعدنية.
وأضافت أن قطاع النفط في حاجة شديدة لمثل هذه التقنية، كما تحتاج شركات الغاز إلى تأمين المواسير والأنابيب المدفونة، ومن هنا جاءت فكرة استخدام الطاقة الشمسية في عملية الحماية الكاثودية.
توفير التكلفة
أوضحت المتخصصة في تطبيقات مواد النانو في الطاقة المتجددة أن الحماية الكاثودية تتطلب في الأصل تحويل التيار الكهربائي المتناوب (أي سي) إلى تيار مستمر (دي سي).
وأوضحت أن الخلايا الشمسية تولّد التيار المستمر (دي سي) مباشرة؛ ما يمنحها أفضلية؛ لأنها بذلك توفر الجهد والطاقة.
وأضافت أن هذه التقنية -كذلك- تتيح لقطاع النفط استخدام مصدر من مصادر طاقة متجددة، ولا سيما في ظل الاتجاه العالمي الحالي إلى خفض الانبعاثات لمواجهة التغيرات المناخية.
كما سلّطت الضوء على تميّز هذه التقنية بتوفير الكثير من التكلفة، موضحةً أن معظم مواقع استخراج النفط -حاليًا- تكون في الصحراء التي تتوافر فيها إمكانات هائلة من أشعة الشمس.
ومن ثم توفر على الشركات الوقود الأحفوري اللازم لإجراء الحماية الكاثودية، بالإضافة إلى حرق الديزل، ما يترتب عليه من انبعاثات كربونية.
وبدلًا من ذلك توفّر المحطة الشمسية الكهرباء اللازمة لإجراء عملية الحماية الكاثودية، كما سيقوم جهاز الحسّاس -المُركَّب على الأنبوب- بالتنبيه عند حدوث أيّ تآكل في الأنابيب.
تقنيات أنظف
كانت المديرة التنفيذية في الاتحاد الدولي لمنتجي النفط والغاز، إيمان هيل، قد أكدت خلال لقاء أجرته معها “الطاقة”- استمرار مشاركة الهيدروكربونات في مزيج الطاقة لسنوات عديدة مقبلة، رغم زيادة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة.
ورأت هيل أنه لا تعارُض بين استمرار النفط والغاز في مزيج الطاقة والالتزام بميثاق غلاسكو، لافتة إلى أن الهيدروكربونات يجب ألّا تتوقف، وهي تحتاج فقط إلى التطوير، والاستخدام بتقنيات أنظف.
وأضافت أن القضية لا تتعلق بالإبقاء على النفط والغاز في الأساس، بل تتمحور حول إنتاجهما بتقنيات أفضل وأنظف، موضحةً أن جهود الاتحاد الدولي لمنتجي النفط والغاز تقدّم جزءًا من الحل، من خلال التركيز على ملفَّي الحدّ من الانبعاثات واحتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه.
اقرأ أيضًا: إنتاج النفط بواسطة الطاقة الشمسية.. تقنية جديدة تتبناها مصر
يواجه قطاع النفط -حاليًا- تحديًا كبيرًا يتمثّل في استمرار الإنتاج، مع مراعاة الحد من الانبعاثات الكربونية الصادرة عن هذه العملية، والاستعانة بمصادر الطاقة المتجددة، لا سيما الطاقة الشمسية لتوفير الحرارة اللازمة.
وقالت المتخصصة في تطبيقات مواد النانو في الطاقة المتجددة والمياه بمعهد بحوث البترول، مديرة المعهد الدولي للطاقة المتجددة وشؤون البيئة لفرع مصر، الدكتورة إيمان محمد مصطفى: “نركز جهودنا -في معهد بحوث البترول- على محاولة حل مشكلات قطاع النفط، وكيفية جعل عملية إنتاج النفط تتوافق مع إستراتيجية الدولة لـ2030، من خلال الاعتماد على الطاقة الشمسية ومصادر الطاقة المتجددة على وجه العموم”.
وتستهدف إستراتيجية مصر رفع إسهام الطاقة النظيفة في توليد الكهرباء إلى 42% بحلول عام 2030.
وأضافت -في تصريحات خاصة إلى “الطاقة”- أنها استوحت فكرتها بعد الاطلاع على العديد من الأبحاث والتجارب التي قامت بها دول العالم، مسلطة الضوء على تجربة شركة تنمية نفط عمان (بي دي أو)، التي تعتمد على تقنية الـ”أو آر” في عملية إنتاج النفط الثقيل من خلال استغلال الطاقة الشمسية لإنتاج البخار لتعزيز النفط المستخرج.
محطة أمين لتوليد الطاقة الكهروضوئية
أسست شركة تنمية نفط عُمان محطة أمين لتوليد الطاقة الكهروضوئية بقدرة 100 ميغاواط بالقرب من منطقة نمر على بعد 100 كيلومتر تقريبًا شمال شرق صلالة، في مناطق العمليات.
ويغطي المرفق مساحة تصل إلى 4 كيلومترات مربعة، ويُنتج طاقة كهربائية تُقدر بـ100 ميغاواط مباشرة من أشعة الشمس عن طريق الألواح الشمسية، ويكفي لتزويد 15 ألف منزل بالكهرباء.
وتهدف هذه المحطة إلى خفض الانبعاثات السنوية لغاز ثاني أكسيد الكربون بنحو 225 ألف طن.
وتُعدّ المحطة واحدة من أوائل مشروعات الطاقة الشمسية في العالم التي تشتري شركة تعمل في مجال النفط والغاز إنتاجها بالكامل من الكهرباء.
وبُنيت المحطة وبدأ تشغيلها في وقت قياسي -أقل من 12 شهرًا- بين توقيع عقد أعمال الهندسة والمشتريات والإنشاءات، وضُخت الكهرباء للمرة الأولى في شبكة الشركة في مارس/آذار 2020.
وتلتزم شركة تنمية نفط عمان بخفض الانبعاثات الكربونية المصاحبة لعمليات إنتاج النفط بنسبة 50% بحلول عام 2030، بهدف تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
وأُسند المشروع، الذي بلغت تكلفته 94 مليون دولار أميركي، إلى شركة أمين للطاقة المتجددة في يناير/كانون الثاني 2019، وهي شركة تأسست خصيصًا لهذا الغرض، وأرست دعائمها وطوّرتها شركة ماروبيني (اليابان) بوصفها المؤسس الرئيس، وشركة الغاز العمانية، وشركة بهوان للطاقة المتجددة، وشركة نبراس للطاقة (قطر) وبتمويل من بنك مسقط.
تقنية “أو آر”
تعتمد تقنية “أو آر” على حقن البخار في آبار النفط في أثناء عملية الإنتاج، ونجحت شركة تنمية نفط عمان في إنشاء محطة شمسية لتوليد الكهرباء اللازمة لإنتاج النفط بنسبة 80%، أما الـ20% المتبقية فتعتمد على حرق الغاز.
وأشارت المتخصصة في تطبيقات مواد النانو في الطاقة المتجددة إلى أن الشركة العمانية نجحت في استخدام الطاقة الشمسية بصورة واقعية وعملية في إنتاج النفط بالكهرباء النظيفة.
وبحسب مديرة المعهد الدولي للطاقة المتجددة وشؤون البيئة لفرع مصر، الدكتورة إيمان محمد مصطفى، فإن شركة تنمية نفط عمان استخدمت الجامع المكافئ والمرايا التي تقوم بعملية تحويل وتخزين للطاقة الشمسية في صورة البخار المحمص المُستخدم للحقن في الآبار في أثناء عملية إنتاج النفط.
وأكدت الباحثة أن هذه الآلية تُعد أفضل الطرق وأنظفها في الإنتاج، نظرًا إلى أنها توفّر جزءًا من تكلفة البخار اللازم لإنتاج النفط، لا سيما الزيت الثقيل.
تقليل الانبعاثات
أوضحت مديرة المعهد الدولي للطاقة المتجددة وشؤون البيئة لفرع مصر، أن الشركات عادة ما تستخدم البخار من خلال حرق الغاز، لافتة إلى أن هذا الأسلوب مُكلف للغاية، وأحيانًا ما يدفع ارتفاع تكلفة إنتاج البخار المحمص إلى استخراج الزيت الثقيل بعض الشركات والمستثمرين لإغلاق الآبار.
وأضافت أنه يمكن -كذلك- استخدام الخلايا الشمسية في توليد الكهرباء اللازمة لتشغيل المضخات الموجودة بهدفين يتمثلان في تقليل الانبعاثات الكربونية وتوفير تكلفة حرق الغاز.
وبالتالي يمكن أن تعتمد المضخات -التي تُجري عملية الحقن في آبار النفط- في كل الكهرباء التي تحتاجها على الخلايا الشمسية.
وأبرزت الباحثة إيمان مصطفى أن صناعة النفط تعتمد بصفة رئيسة على الحرارة، سواء للاستخدام في التسخين أو التحويل إلى البخار المُستخدم في الحقن داخل الآبار، موضحة أن نسبة الحرارة التي تحتاجها المصانع تصل إلى نحو 60%.
ولفتت الدكتورة إيمان أن حرارة الشمس هي أكثر ما يميز مصر ودول الشرق الأوسط وأفريقيا، الأمر الذي يدعو هذه الدول إلى تبني هذا الاتجاه، لا سيما مصر، وذلك لعدة أسباب، من أبرزها قدرتها على بناء مثل هذه المحطات الشمسية بنسبة تتراوح ما بين 60 و70% بالاعتماد على الإنتاج المحلي من حيث التركيبات والمواد الكيميائية التي توصل إليها الباحثون.
وتابعت: “لدينا الكفاءات والمهندسون والفنيون والعمالة والمواد التي تمكننا من تصميم المحطات الشمسية داخل مواقع إنتاج النفط، وبالتالي لن تتجاوز نسبة المواد التي سنستوردها أكثر من 30% فقط”.
خفض تكلفة توليد الكهرباء
أفادت المتخصصة في تطبيقات مواد النانو في الطاقة المتجددة بأن هذا الاتجاه يضمن الاستفادة من الشمس لتوفير الحرارة التي تحتاجها صناعة النفط بنسبة 60% على أقل تقدير.
كما أن توفر التكلفة الضخمة لتوليد الكهرباء من الغاز التي تُستهلك لإنتاج الحرارة داخل المصانع وشركات النفط، فضلًا عن الحد من الانبعاثات الصادرة عن توليد هذه الحرارة.
وأوضحت الباحثة أن الطاقة الشمسية تعظّم قيمة الفائدة، وتمكننا من تحقيق أهداف التنمية المستدامة والتوسع في مصادر الطاقة المتجددة، لافته إلى إمكان الاعتماد على نظام هجين، فعلى سبيل المثال يمكن الاستعانة بتوربينة لطاقة الرياح بجانب محطة الطاقة الشمسية.
المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية