تقع بالقرب من أكبر حقل نفط في العالم.. ماذا تعرف عن الظهران عاصمة النفط السعودية ومقر شركة أرامكو؟
منذ عام 1932 تكتسب مدينة الظهران، الواقعة بالمنطقة الشرقية في السعودية، أهمية كبرى لتكون بمثابة عاصمة النفط للمملكة، خصوصًا مع احتضانها المقر الرئيس لشركة أرامكو.
وتقع المدينة على الساحل الشرقي للسعودية، وتتميز بموقعها المتوسط بين مدينة الدمام التي تحدها من الشمال ومدينة الخبر التي تحدها من الشرق والجنوب.
وينسب اسم مدينة الظهران إلى الجبل الجيري البارز في منتصفها، والذي يصل ارتفاعه إلى 100 متر وتقع عليه حاليًا جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
الظهران بشائر النفط السعودي
ارتبطت مدينة الظهران بصناعة النفط منذ بداية اكتشافات الوقود الأحفوري في السعودية والتي ترجع إلى عام 1933؛ إذ تتميز المنطقة بموقعها القريب من مكامن النفط الرئيسة والقديمة في السعودية، وذلك مع اعتبارها أول مدينة تشهد تدفق النفط السعودي.
وبعد توقيع الملك عبدالعزيز عام 1933، على أول اتفاقية امتياز للتنقيب عن النفط في المملكة مع شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (سوكال)، اتجهت الأنظار إلى جبل الظهران بعد وصول الجيولوجيين إلى منطقة الجبيل الساحلية التي تبعد نحو 105 كيلومترات شمال مدينة الدمام.
وبعد عدة محاولات -تخللها الإحباط أحيانًا- من حفر أكثر من بئر، شهد عام 1938، تدفق النفط السعودي لأول مرة من البئر رقم (7) التي تقع على تل جبل مدينة الظهران في التكوين الجيولوجي المعروف باسم “قبة الدمام”، لتكون بداية انطلاق لشرارة النفط السعودي، لتوصف في ذلك الوقت بأنها بئر الخير.
وشهدت بدايات حفر البئر رقم (7) بعض الصعوبات هي الأخرى؛ فعلى الرغم من الحفر على عمق 1097 مترًا من البئر والوصول إلى 5.7 لترًا من الزيت في طين الحفر المخفف مع بعض الغاز؛ فإن معدات التحكم أخفقت في السيطرة على بئر الدمام رقم 7؛ لأن البئر ثارت وقذفت ما فيها من السوائل والغازات.
واستمر الحفر في البئر إلى عمق 1382 مترًا، كمية الزيت التي وجدها فريق الحفر لم تكَد تُذكر، ومع التمسك بالأمل في الوصول إلى النفط واصلوا الحفر إلى مسافة 1440 مترًا تحت سطح الأرض لتحقق البئر رقم (7) البشرى الأولى للنفط السعودي.
وفي مارس/آذار 1938، أنتجت البئر رقم (7) نحو 1585 برميلًا من النفط يوميًا، ثم واصل إنتاج البئر من النفط ارتفاعه ليصل إلى 3810 براميل يوميًا في الأيام اللاحقة من الشهر، ليُعلن بعدها أن البئر ملائمة للاستثمار.
ووصل إجمالي إنتاج بئر الخير في الظهران من النفط لنحو 32 مليون برميل حتى عام 1982؛ أي بعد 45 عامًا من التشغيل، وذلك قبل استبعاد الإنتاج منها لأسباب تشغيلية.
مقر شركة أرامكو
تحتضن مدينة الظهران العديد من المباني المهمة؛ أبرزها المقر الرئيس لشركة أرامكو، التي تُعد أكبر شركة نفط حول العالم.
وتعود بدايات أرامكو إلى عام 1933؛ فبعد إبرام اتفاقية امتياز التنقيب عن النفط بين السعودية، وشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (سوكال)، تقرر إنشاء شركة تابعة لها سميت بكاليفورنيا أرابيان ستاندارد أويل كومباني (كاسوك) لإدارة هذه الاتفاقية.
وفي عام 1980 استحوذت السعودية على كامل شركة أرامكو لتحول اسمها إلى شركة الزيت العربية السعودية “أرامكو السعودية”.
ومع تطور الشركة وتوسعها، أنشأت عام 2000 مركز البحوث والتطوير في مدينة الظهران لعلمائها.
كما تُعَد الظهران مدينة سكنية لموظفيها؛ إذ خصصت لهم أحياء سكنية كبيرة.
جامعة للنفط ومعرض أرامكو
شيَّدت السعودية عام 1963 جامعة الملك فهد للبترول والمعادن أعلى هضبة في مدينة الظهران.
وتُعَد جامعة الملك فهد للبترول بالظهران أول صرح تعليمي جامعي بالمنطقة الشرقية، والتي تضم العديد من الكليات؛ منها الهدنة التطبيقية، والعلوم الأساسية والهندسية، وتصاميم البيئة والإدارة، والحاسب الآلي، والإدارة الصناعية.
وجامعة الملك فهد للبترول، هي جهة تعليمية متخصصة في المجالات العلمية البحثية وتقديم الدراسات والأبحاث العلمية.
كما أنشأت شركة أرامكو معرضًا دائمًا في مدينة الظهران، يُقدم معلومات عن تاريخ النفط وإنتاجه، وهو معرض “أرامكو للزيت”.
ويحتوي معرض أرامكو للزيت على عدد كبير من الخرائط والصور التفصيلية عن صناعة النفط وإنتاجه، بالإضافة إلى تضمنه معلومات عن قصة اكتشاف الزيت والغاز.
حقل الريش
في ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلنت السعودية اكتشاف الزيت غير التقليدي في حقل الريش الواقع شمال غرب مدينة الظهران.
وبحسب وكالة الأنباء السعودية، تدفق الزيت العربي الخفيف للغاية من بئر الريش رقم 2، بمعدل 4452 برميلًا يوميًا، ومصحوبًا بـ3.2 مليون قدم مكعبة من الغاز يوميًا.
كما حفرت شركة أرامكو السعودية بئرين رقم 3 و4 في حقل الريش؛ إذ بلغ الإنتاج الأولي من بئر الريش رقم 3 نحو 2745 برميلًا في اليوم، مصحوبًا بـ3 ملايين قدم مكعبة من الغاز يوميًا، بينما وصل معدل تدفق الزيت العربي الخفيف للغاية من بئر الريش رقم 4 إلى 3654 برميلًا يوميًا، مصحوبًا بنحو 1.6 مليون قدم مكعبة قياسية من الغاز.
وتبرز أهمية حقل الريش في الظهران، في إثباته إمكانية إنتاج الزيت العربي الخفيف للغاية من متكون جبل طويق، وفقًا لوزير الطاقة السعودي عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز.
أكبر حقل نفط في العالم قرب الظهران
يقع الطرف الشمالي من حقل الغوار، الذي يوصف بأنه أكبر حقل نفط في العالم، على بُعد نحو 100 كيلومتر غرب مدينة الظهران.
وبحسب شركة أرامكو، يُعَد حقل الغوار أكبر حقل نفطي في العالم من حيث احتياطياته التقليدية المؤكدة البالغة 58.32 مليار برميل مكافئ نفطي في 31 ديسمبر/كانون الأول 2018.
ويزيد حجم إنتاج حقل الغوار على نصف إجمالي إنتاج النفط الخام التراكمي في المملكة، والذي يتألف من 6 مناطق أساسية هي “فزران وعين دار وشدقم والعثمانية والحوية وحرض”.
اقرأ أيضًا: تاريخ اكتشاف النفط في السعودية.. رحلة المملكة لتحتل موقع الصدارة عالميًا
مع دخول عام 1933، بدأت رحلة تاريخ اكتشاف النفط في السعودية، حتى أصبحت المملكة تحتلّ موقع الصدارة عالميًا في إنتاج واحتياطيات ذاك الوقود الأحفوري، وتؤدي دورًا رئيسًا في دعم سوق الطاقة.
ووقّعت السعودية أول اتفاقية امتياز للتنقيب عن النفط في رمالها عام 1933 مع الشركة الأميركية ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا “سوكال”، تقرَّر على إثرها إنشاء شركة تابعة لها سُمّيت بكاليفورنيا أرابيان ستاندرد أويل كومباني “كاسوك” – أرامكو حاليًا- للعمل على تنفيذ الاتفاقية.
ولم تكن بدايات المملكة -اللاعب الرئيس في سوق الطاقة حاليًا- سهلة في الوصول إلى الذهب الأسود بباطن صحرائها، إذ كانت مخيّبة للآمال، فقد استغرق العثور على الخام منذ توقيع أول اتفاقية للبحث والاستكشاف سنوات عديدة.
اكتشاف بئر الخير
بدأت أولى عمليات حفر الآبار للوصول إلى النفط عام 1935، ولكن لم تتوصل الشركة الأميركية إلى أيّ نتائج إيجابية، ما دفعها إلى الاستعانة عام 1937 بكبير الجيولوجيين ماكس ستاينكي لأخذ مشورته، والذي رأى استمرار أعمال البحث.
ويأتي عام 1938، ليُثبت رؤية ماكس ستاينكي حول استمرار الحفر، لتتوصل السعودية إلى كميات تحارية من النفط في بئر الدمام رقم 7، والتي سبقها محاولات حفر 6 آبار لم تحْوِ مكمنًا للخام.
وبعد تدفّق النفط في السعودية بكميات تجارية من بئر الدمام رقم 7، والتي يطلق عليها بئر الخير، صدّرت البلاد أول شحنة من الخام عام 1939، على متن الناقلة “د. جي. سكوفيلد”، والتي أدار الملك عبدالعزيز الصمام بيده لتعبئتها.
ومن ثم، توالت اكتشافات السعودية لحقول جديدة، إذ عثرت على حقل بقيق عام 1940، والذي يقع في المنطقة الشرقية للمملكة، كما يضم حاليًا أكبر مرفق لمعالجة النفط، وأكبر معمل لتركيز النفط الخام في العالم.
وفي عام 1944، تقرَّر تغيير اسم شركة كاليفورنيا أرابيان ستاندرد أويل كومباني “كاسوك” إلى شركة الزيت العربية الأميركية – أرامكو حاليًا-، ومن ثم نُقِل مقرّ إدارتها من نيويورك إلى مدينة الظهران في السعودية عام 1952.
وخلال تلك المدة، ومع توالي الاكتشافات، نجحت الشركة بتحقيق رقم قياسي -حينذاك- بإنتاج النفط بلغ 500 ألف برميل يوميًا بحلول عام 1949.
ومع النمو السريع لإنتاج النفط في السعودية، دفع ذلك البلاد إلى تأسيس خط أنابيب “تابلاين” عام 1950، بطول 1.212 ألف كيلومتر لنقل الخام من الحقول، إذ كان يربط الخط بين المنطقة الشرقية عاصمة النفط في المملكة والبحر الأبيض المتوسط، وهو ما ساعد على تقليل تكلفة التصدير.
ويشار إلى أنه توقّف العمل بخط “تابلاين”، وتحوّل إلى أول موقع تراث صناعي في السعودية.
كما تقرَّر استبعاد الإنتاج من بئر 7 لأسباب تشغيلية، إذ استمرت البئر في العمل حتّى عام 1982، وبلغت الكمية التي أنتجتها البئر حتى استبعادها نحو 32 مليون برميل، وبمعدل إنتاج يومي 1600 برميل.
أكبر حقل بحري في العالم
في عام 1951، عثرت المملكة على حقل السفانية في مياه الخليج العربي الضحلة، بعد عامين من البحث في تلك المنطقة، والذي يعدّ أكبر حقل بحري في العالم، ليتجاوز إنتاج النفط في السعودية مليون برميل من الخام يوميًا، بحلول عام 1958.
وسجلت البلاد رقمًا قياسيًا جديدًا -حينذاك-، إذ بلغ إنتاج النفط في السعودية، بحلول عام 1962، نحو 5 مليارات برميل.
وشهدت السبعينيات أولى خطوات الحكومة السعودية نحو تأميم شركة أرامكو، إذ قامت في عام 1973 بشراء 25% من رأسمال أرامكو، قبل أن ترتفع هذه النسبة عام 1974 إلى 60%.
وبحلول عام 1980، نجحت الحكومة في الاستحواذ على كامل رأسمال شركة أرامكو، وتغيير اسمها إلى شركة الزيت العربية السعودية “أرامكو السعودية”، وتعيين علي النعيمي أول رئيس سعودي للشركة عام 1984.
السعودية لاعب رئيس
على مدار السنوات منذ تاريخ اكتشاف النفط في السعودية وحتى الوقت الراهن، تؤدي المملكة دورًا محوريًا ومهمًا في سوق الطاقة العالمية، فهي أكبر مصدّر للنفط عالميًا، وكذلك أكبر عضو منتج للخام في منظمة أوبك، والثانية بعد الولايات المتحدة على المستوى العالمي.
وبحسب أحدث البيانات الصادرة عن مجلة أويل آند غاز، ارتفعت احتياطيات النفط المؤكدة للسعودية خلال العام الماضي إلى 261.6 مليار برميل خلال 2021، مقابل 258.6 مليار برميل في 2020.
ووفقًا لرصد أويل آند غاز، بلغ إنتاج النفط في السعودية خلال العام الماضي نحو 10.6 مليون برميل يوميًا.
وتجدر الإشارة إلى أن السعودية سجلت أعلى مستوى على الإطلاق من حيث إنتاج النفط في أبريل/نيسان 2020، عندما بلغ 11.6 مليون برميل يوميًا.
ومع ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري منذ بدايات العام الماضي، قفزت إيرادات السعودية من بيع النفط الخام خلال العام الماضي -بحسب رصد وحدة أبحاث الطاقة للبيانات الرسمية- إلى 205.97 مليار دولار، مقابل 119.3 مليار دولار في 2020.
المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية