تقارير

مشروع ديزرتيك للطاقة الشمسية الأضخم في العالم.. ما حكاية حلم الجزائر الذي فشلت بتحقيقه؟

منذ الإعلان عن مشروع ديزرتيك للطاقة الشمسية لأول مرة عام 2003، بصفته فكرة رائدة لمشروع يغطي احتياجات أوروبا من الكهرباء النظيفة، كان المشروع الجزائري الألماني -والذي يضم العديد من الدول الأخرى- مادة دسمة للأخبار والشائعات، بالنظر إلى أهميته الإستراتيجية والسياسية، فضلًا عن الاقتصادية، إذ أحاطت بالمشروع على مدار نحو 20 عامًا.

من خلال هذه المتابعة، تزيح “الطاقة” الستار عن تفاصيل مثيرة، لأول مرة، في إطار سرد الحكاية الكاملة على لسان خبراء ومتخصصين مقرّبين من المشروع منذ بدايته.

خلفيات تاريخية

قال خبير الطاقة الدكتور بوزيان مهماه، إنه من المهم بدايةً أن نستحضر المصطلحات الثلاثة المرتبطة بعبارة “ديزرتيك”، وهي: أولًا “ديزرتيك المؤسسة”، وثانيًا “ديزرتيك المفهوم”، وأخيرًا “ديزرتيك المبادرة”، و بعد إدراك الفرق بينها، يمكن حينئذ الحديث عن “شريك”، لتحديد طبيعة هذا الطرف الشريك المفترض، هل هو المؤسسة أم المبادرة أم المفهوم؟

واستعاد الخبير الخلفيات التاريخية، مشيرًا إلى أن “ديزرتيك” صُمّم بصفته مفهومًا في عام 2003، من قبل “نادي روما” ومجموعة “التعاون عبر البحر الأبيض المتوسط للطاقة المتجددة (تي آر إي سي)”، وهو اتحاد من مخصصات صندوق هامبورغ لحماية المناخ،

وأضاف: “من هذا المنطلق، فإنّ “ديزرتيك” يقوم على فكرة “التشبيك” بين ضفّتي المتوسط شمالًا وجنوبًا، لذلك فأحد الأغراض الرئيسة الكامنة في مفهوم “ديزرتيك” هو بناء شبكة من محطات الطاقة الشمسية الحرارية المركّزة، على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”.

وأوضح أنه بين عامي 2004 و2007، أصدر مركز الفضاء الألماني 3 دراسات جدوى تتعلق بالتحقق من قابلية “مفهوم ديزرتيك” للتحقيق، إذ افترض اكتمال إنجاز البنية التحتية الجديدة لشبكة الطاقة العابرة للقارّات بحلول عام 2050، بكلفة تقديرية تزيد عن 400 مليار يورو (453 مليار دولار)، وبما سيوفر نحو 15 إلى 17% من متطلبات الطاقة الأوروبية.

التصوّر الأول لمشروع ديزرتيك

قال الخبير، إن التصوّر الأصلي للمشروع قام على هندسة كلاسيكية في الأساس، تتضمن مزيجًا من عناصر تكنولوجية، تستخدم محطات تركيز الطاقة الشمسية الحرارية مع وحدات التخزين الكبيرة المملوءة بالأملاح المصهورة، والتي تمتص جزءًا من الحرارة الناتجة، والتوربينات البخارية، وأيضًا خطوط للنقل المشترك للطاقة الكهربائية ذات الجهد العالي منخفض الفقد، والتي ستمتدّ عبر مسافات طويلة عابرة للصحاري وللبحر الأبيض المتوسط.


ويقدّر الفقد الكهربائي -وفقًا للخبير- بنحو 10% إلى 15% فقط، بما في ذلك خسائر فقد التحويل من التيار المستمر إلى المتناوب، وفي حالة العكس كذلك.

وأوضح الخبير الجزائري، أنه من خلال تجميع هذه العناصر، صِيغَ “المفهوم التقني” لديزرتيك بصفته مشروعًا “فرعونيًا”، سيُجسَّد من خلال إنشاء شبكة واسعة عابرة للقارّات الـ3، (أفريقيا، آسيا، أوروبا) لنقل الطاقة، تزاوج بين الحزامين، الحزام الصحراوي الممتد على طول منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، والحزام التكنولوجي لدول شمال ضفة المتوسط.

وعلى هذا الأساس، وُضِع مصطلح “ديزيرتك”، وقامت عليه النقاط الرئيسة بصفة مفهوم سيُجَسَّد على شكل مشروع عابر لحدود الدول الوطنية.

وأضاف الخبير أنّ أرضية فكرة المشروع استفادت أيضًا من بيانات ومعطيات واستنتاجات لأطروحة أكاديمية “التوازن البيئي وانتقال الكهرباء الشمسية من شمال أفريقيا إلى أوروبا”، والتي قدّمتها “نادين ماي”، في 17 أغسطس/ آب 2005، بجامعة برونزويك التقنية في ألمانيا.

وبخصوص (ديزرتيك المبادرة)، قال، إنه من الضروري أولًا التذكير بأن شركة “دي” ألمانية مستقلة تأسست عام 2009 بصفة شركة ذات مسؤولية محدودة وفقًا لقانون الشركات الألمانية ذات المسؤولية المحدودة، وقد تأسست جزءًا من مبادرة بين “مؤسسة ديزرتيك” وإحدى أكبر شركات إعادة التأمين في العالم، وهي “ميونيخ ري”، وتمّ التوقيع على مذكرة التفاهم في ميونيخ من قبل مؤسسة ديزيرتيك و12 شركة أخرى من جنسيات مختلفة، لتنمو بعدها “مبادرة ديزرتيك، وصولًا إلى 44 مساهمًا، من شركائها الأصليين ومساهمين جدد من جميع أنحاء العالم بمواصفات مختلفة.

وقال الدكتور مهماه، إنّ تتبُّع مسار خروج الفكرة من “نادي روما” مرورًا بإنشاء “ديزرتيك المؤسسة والمبادرة” أظهر تنافسًا جليًا، وصل إلى حدّ التناقض في ضبط مضامين المفهوم والطروحات والمشروعات والآفاق لـ”ديزرتيك”، بين الفاعلَين الرئيسَين في المشروع، وهما “مؤسسة ديزرتيك” و”مبادرة ديزرتيك”، إضافة إلى اختلاف ترجمة المضامين عند عرضه في اللقاءات والمحافل الدولية، وأصبحت هذه الاختلافات واضحة مع مرور الوقت بين المساهمين في المؤسسة وموظفي المبادرة الصناعية، بما في ذلك المديران التنفيذيان بول فان سون، وأجلايا فيلاند.

ومع تصاعد الخلافات حول “التفسير الصحيح لمفهوم ديزرتيك”، في عام 2013، كانت النتيجة استقالة أجلايا فيلاند من منصبها في شركة “دي”، وبذلك غادرت “مؤسسة ديزرتيك” تحالف دي، ولأنها غير حكومية ولا تتبع الحكومة الألمانية، وتمتلك حقوق العلامة التجارية لاسم “ديزرتيك”، فقد اضطرت المبادرة إلى التخلي عن اسمها الثابت، وتغييره إلى “مبادرة ديزرتيك الصناعية”، التي تأسست في السوق باسم “ديزايرتك 3.0″، لكن مازال يُشار إلى تأسيسها في عام 2009، وكانت هذه الخطوة بمثابة نهاية حقيقية لمشروع “ديزرتيك”، والتخلي عنه في 2014.

بوادر فشل مشروع ديزرتيك للطاقة الشمسية

اعتمد الخبير في مجال الطاقة على هذه المعطيات، ليحيل “مبادرة ديزيرتيك” من الصورة المبهرة المغذّية لحلم كبير، إلى مجرد فكرة فاشلة ومنتهية الصلاحية لسبب بسيط يتمثل في عدم قدرة المبادرين به على التوفيق بين أحلام المجتمع المدني العالمي وتوجهات العلماء وآراء الخبراء، وبين المصالح التجارية العابرة للحدود التي تدافع عنها مؤسسات صناعية ترجو بيع تكنولوجياتها وجني الأرباح في ظرف 3 إلى 5 سنوات، دون الانتظار حتى 2050 لتجسيد المشروع.

واستنتج أنه لا يمكن الحديث عن بناء شراكة مع أيّة جهة في “ديزرتيك” أو استجلاب الصورة الخادعة لبحث شراكة متوهمة تتوخى فضائل هذا المشروع في ساحة الفضائل الحقيقية للطاقات المتجددة، ما دامت فكرة المشروع ومساره داخل المجموعة الألمانية ذاتها كانا موضع جدل وصراع وتناقضات وصدامات، بغضّ النظر عن اللجوء لإستحضار مواقف بقية مكونات المجموعة الأوروبية، وتوسعة التحليل والتقييم للمشروع خارج الفضاء الألماني.

لأنه –وفق الخبير- يكفي معرفة حدّة النزاع العنيف الذي نشب داخل دائرة أبطال “النظرة الأرثوذوكسية لديزرتيك”، على الأقلّ النزاع حول مسألة ماهيّة “المنطقة التي ينبغي لها أن تستفيد من الكهرباء المنتجة في الصحراء”، هل التصدير إلى أوروبا هو الأولوية، أم أنه يتعين الإقرار لبلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الحق في استهلاك جزء مما سينتج من طاقة؟!

والغريب أن نجد بول فان سون، وهو أحد المديرين التنفيذيين المتكافئين لشركة ديزرتيك الصناعية، يصرّح بأنه يعتقد أن فكرة تصدير الكهرباء من شمال إفريقيا إلى أوروبا غير واقعية في المستقبل المنظور، ولذلك جادلته أجلايا فيلاند، بأنّ فكرة التصدير نحو أوروبا كانت “تأسيسية”.

أهداف راقية ولكن ..

استنادًا إلى مضامين، كالواردة في منشورات مثل “الكتاب الأبيض – الطاقة النظيفة من الصحارى – مفهوم ديزرتيك للطاقة والمياه وأمن المناخ (2007)” و”الورقة الحمراء لمؤسسة ديزرتيك (2009)”، والتي عادةً ما تعتمد عليها التقارير العامة والإعلامية، لإبراز فضائل “ديزرتيك” وأهميته، يمكننا استحضار الأهداف المستهدفة في الوثائق التأسيسية، ومن بينها: العمل عالميًا على التنفيذ السريع لحلّ شامل يتصدى لظاهرة الاحتباس الحراري، وضمان إمدادات موثوقة من الطاقة، وتعزيز التنمية والأمن.


بالإضافة إلى ذلك، يهدف المشروع إلى التشجيع على تهيئة الظروف لوضع الإطار السياسي والاقتصادي اللازم لتحقيق انتقال عالمي نحو مصادر الطاقة المتجددة، و دعم نقل المعرفة والتعاون العلمي، وكذلك تعزيز التبادل والتعاون مع القطاع الخاص، فضلًا عن زيادة الوعي بالإمكانات الطاقوية في المناطق الصحراوية وفوائد ذلك، وتجاوز المنظور السلبي القائم في الوقت الحالي تجاه الصحارى، والذي يبرزها بشكل يجعلها تقريبًا عديمة الفائدة من حيث الإنتاج الزراعي والموارد الغذائية.

لذلك، تُبرز هذه الوثائق التأسيسية لـ”ديزرتيك” بصفة مفهوم، بأنه لن يلبي الطلب المحلي على الطاقة فقط، بل إن تصدير الطاقة المنتجة في الصحارى الواسعة سينتج إمدادات حيوية من العملة الصعبة، بما سيسمح بالحصول على التجهيزات والمعدّات الطبية والآلات الزراعية والسلع الاستثمارية الأخرى الضرورية لتطوير البنى التحتية، وتأمين تطوير الخدمات العامة والاقتصاد، ما يجعل هذه الصحارى تزدهر.

15 سببًا لانهيار المشروع.

قال الخبير الطاقوي بوزيان مهماه، إنّ التجاذبات الدولية أمر طبيعي في سوق الطاقة العالمية، لأن السوق تأسست أصلًا على التنافس والرغبة في الهيمنة والاستحواذ، لذلك تخرج في كل مرة مشروعات مثل “ديزرتيك”، بإمكانها دمج الخطط الوطنية الجزئية ضمن إطار كلي للتعاون الدولي، تعزيزًا لمبدأ “الأمن الطاقوي” الإقليمي والعالمي.

لذلك لا يمكن نفي الرغبة الفرنسية في الانفراد بسوق الطاقة على ضفتي البحر الأبيض المتوسط، وهنا يبرز مشروع “ترانسغرين” مثالًا، وهو مبادرة سياسية للحكومة الفرنسية، إذ إنه في يوليو/تموز 2010، أي بعد عامين من إطلاق خطة الطاقة الشمسية في منطقة البحر المتوسط، أطلقت 13 شركة صناعية أوروبية اتحادًا في باريس، تأسّس حول “مذكرة تفاهم للقيام بدراسة جدوى” لمشروع سُمّي ترانسغرين، لإنشاء شبكة لنقل الكهرباء تحت سطح البحر الأبيض المتوسط، وهي في الأساس مبادرة طرحتها السلطات الفرنسية، إذ رأى فيها الرئيس الفرنسي –وقتها- نيكولا ساركوزي، تطبيقًا ملموسًا للاتحاد من أجل المتوسط.

لكن حتى الآن، لم تنشئ الجهات المعنية للمشروع صفحة رئيسة رسمية خاصة به، أو تنفّذ أيًّا من مخططاته، حتى إن الحديث عنه اختفى تمامًا في الصحف منذ 2011.

وعن أسباب تعطّل المشروع، قدّم الخبير في الشأن الطاقوي مجموعة من النقاط التوضيحية:

1- كون “ديزرتيك” مفهومًا ومبادرة ومؤسسة ليس موجهًا خصوصًا للجزائر، رغم الاعتراف المبدئي بأن الجزائر تعدّ حلقة مركزية مهمة في تنفيذ فكرة المشروع، فالمشروع يقوم على “التشبيك”، وإنشاء شبكة كهربائية على امتداد الفضاء الجغرافي لمنطقتي جنوب وشمال البحر الأبيض المتوسط، وهي الفكرة الجوهرية والمركزية التي أقيمت عليها هندسة المشروع.

2- ينبغي العلم بأن “ديزرتيك” قد رُفض في ألمانيا وانتهى هناك، ولا أثر للجانب الفرنسي في ذلك، فمعارضة شخصيات ألمانية علمية بارزة للمشروع وانتقادهم له ليست مسألة خافية، وأبرز من هاجمه كان “هيرمان شير”، الأب للمنظومة القانونية الألمانية للطاقات المتجدّدة، ورئيس “يوروسولار”.

3- بعد 3 سنوات فقط من إطلاق ائتلاف صناعي حول فكرة المشروع برزت الإنسحابات من المشروع، ففي 2012، انسحبت منه شركتان ألمانيتان رائدتان ومؤسستان له، وهما (سيمنس، وبوش سولار إنرجي)، نتيجة للضربة القاصمة التي وجّهتها الصين لأسعار وأسواق الألواح الشمسية.

4- مقاومة العديد من الفاعلين في الفضاء الأوروبي للمشروع، إذ أرسلوا إشارات تخويف قوية إلى الساسة بأن أوروبا ستمضي نحو حتفها، وبأنها سترهن مستقبلها الطاقوي من خلال ربط إمداداتها الطاقوية مجددًا وبشكل مستدام بدول تقليدية محافظة، و تساءلوا: ما معنى توفير إمدادات طاقوية لأوروبا تصل نسبتها 17%، حتى ما بعد 2050؟

5- النقاش حول البدائل ومصير تطوّر تكنولوجيات وتقنيات الطاقات المتجددة بشكل متسارع، مع انخفاض تكاليفها بشكل متواصل، الأمر الذي أوحى لكثير من الدول والشركات بضرورة التمهل وعدم المغامرة بالانخراط في المشروعات العملاقة.

6- انخفاض تكلفة الألواح الشمسية الكهروضوئية، وأسعار الكيلوواط/ساعة المنتج من محطاتها بشكل متسارع، وتخلّف تكلفة وأسعار الطاقة الشمسية المركزة، وتعمّق الفارق بينها وبين تكلفة الطاقة الشمسية الكهروضوئية، مع التذكير بأن الجزائر كان من المفروض أن تشارك في المشروع أساسًا من خلال محطات الطاقة الشمسية المركّزة.

7- انخفاض سعر الكيلوواط/ ساعة في البورصة الأوروبية للكهرباء وفي سوق التداولات البينية بين الدول والمناطق، وصولًا إلى تدفقات سعرية سالبة!، بما يطرح إشكالية جوهرية حول سقف تسعير توريدات الطاقة الكهربائية مستقبلًا.

8- إشكالية “التشبيك” العابر للحدود، و”سؤال السيادة” على أنشطة الشبكة داخل فضاء الدول، أي إنشاء “هيئة تحكم وتسيير فوق حكومية”، وهي لجنة عليا لضبط الشبكة تكون سلطتها عابرة للحدود، ومن ثم تكون لها سلطة عابرة لسلطات الدول وفوق سلطة الحكومات، الأمر الذي أثار مخاوف أممية.

9- إشكالية التمويل، والاعتماد على فكرة “المساهمات المحلية” للصناعيين وأرباب المال والأعمال الخواصّ في البلدان المحلية التي ستحتضن أجزاء من المشروع ضمن الشبكة الممتدة من الساحلي الأطلسي مرورًا بالجزائر ومصر، وصولًا إلى فلسطين، ثم منطقة شمال الخليج وتركيا لاحقًا.

10- عدم التمكن من بناء التركيبة المالية، بسبب فشل مسعى جمع المبلغ المالي الضروري لإطلاق الأرضيات التكنولوجية للمشروع، الذي قُدِّر بنحو (400 مليار يورو)، أي نحو 560 مليار دولار آنذاك.

11- تأكيد دراسات لاحقة عدم جدوى المشروع من الناحية الاقتصادية.

12- تشكيل مجموعات مساندة للمشروع، تتكون أساسًا من الصناعيين وأرباب المال، ونخبة علمية وتقنية، ووسائل إعلام، ومجتمع مدني.

13- اختزال التعاون (الشمال-جنوب) في فكرة تقوم على التعاقد حول “إتاوات ورسوم” تُمنح لدول جنوب المتوسط مقابل استغلال صحرائها لوضع محطات الطاقة الشمسية الحرارية لإنتاج الكهرباء، وضخّها في الشبكة العابرة للمتوسط من قبل شركات الطاقة لدول الشمال، كذلك لا يوجد أيّ التزام في أرضية المشروع لنقل التكنولوجيا للحزام الجنوبي، ولا يوجد أيّ التزام بخلق مناصب نوعية لصالح دول الجنوب.

14- إشكالية الشراكة المالية مع إسرائيل، إذ نصّ المشروع على أن أول محطة في أرضية المشروع ستقام لتزويد غزة بالكهرباء والماء، وهذا لجذب العرب للدخول بقوة لتمويل تكاليف المشروع، ومن ثم إدخالهم في حالة تطبيع مع إسرائيل، والسماح لها بالاندماج بشكل طبيعي مع كل دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

15- الانضمام إلى “شبكة ديزيرتيك” سيكون بمثابة تصديق على المقترح المغربي ضمن هذه المبادرة، القائم على تشغيل حظيرة رياح على طول ساحل الصحراء الغربية، انطلاقًا من منطقة طرفايا، وامتدادًا على طول 1200 كيلومتر، ومن ثم سيكون التصديق على مخططه اعترافًا له من قبل المجتمع المدني والعلمي والإعلامي ورجال المال والأعمال والصناعيين على أحقّيته في الأراضي الصحراوية.


مشروعات بديلة

قال الخبير بوزيان مهماه، إنّ زيادة الاهتمام بـ”ديزرتيك” لا تعني أبدًا أنّه المشروع الرائد الأوحد، أو يمثّل وحده صناعة الطاقة الشمسية، لأنه هناك مشروعات عملاقة أخرى، كما إن الجزائر لا تنقصها المخططات والأفكار الرائدة والمنافسة جدًا لمفهوم “ديزرتيك” التي بإمكانها الإسهام بفعالية في تسهيل مسار آمن لتحوّل طاقوي سلس.

ويرى الخبير الطاقوي أن أنّ نجاح هذه المشروعات، ومقدار إسهامها في ضمان الأمن الطاقوي للجزائر، وما يترتب عنه من تعزيز لمنظومة الأمن الشامل “الطاقوي والاقتصادي والغذائي والصحي والرقمي والاجتماعي والإقليمي”، مرهون بهندسة منظور وطني إستراتيجي للانتقال الطاقوي.

وأشار إلى أنّ هذا الانتقال لا ينبغي تصوُّره كـ”عملية ميكانيكية” لإحلال محطات فقط لتوليد الكهرباء من مصدر متجدد، مهمًا كانت ضخامة سعاتها، بل ينبغي النظر إليه بوصفه “انتقالًا منظوميًا واتجاهًا حيويًا”. والنظر إلى الانتقال الطاقوي بصفة تحوّل منظومي، يستدعي عدّة “انتقالات وتحولات”، اقتصادية وصناعية ورقمية، وما يرتبط بها من تحول في أنظمة التطور الاقتصادي والتكنولوجي والسلاسل الصناعية.

وأضاف: “كذلك هناك ضرورة لتحوّل مجتمعي وثقافي، بما يؤدي إلى إحداث تغييرات إيجابية عميقة وجوهرية وتشكيل اتجاهات جديدة تعزز أنماط الاستهلاك الإيجابي والمسؤول، وتأسيس ممارسات جيدة في نمط الحياة والرفاهية الاجتماعية والاقتصادية”.

وتابع: “أيضًا استحضار رهان الانتقال من “أطلس المكامن الطبيعية” ومن “خرائط الكمونات المتجددة للطاقة” إلى “أطالس القدرات الاقتصادية”، من خلال إنجاز خرائط الجدوى الاقتصادية لهذه الكمونات الطاقوية، فلم يعد مجديًا الحديث فقط عن امتلاكنا أعلى وأكبر “مكمن شمسي”، والقول فقط، إنّه يمكن توفير كامل طاقة العالم انطلاقًا من مساحة 100 كيلومتر مربع في الصحراء”.

الأطراف المستفيدة

أوضح الخبير أنه قبل افتراض وجود مستفيد من الوضع، باحتساب أنّ هناك خاسرًا في موضوع “التخلي عن ديزرتيك”، لا بدّ من استحضار منظور كان حاضرًا في فكرة المشروع، هذا المنظور الذي تحدَّث عنه مفوض الاتحاد الأوروبي للطاقة الألماني “غونثر هيرمان أوتينجر” أمام لجنة من البرلمان الألماني (البوندستاغ) عام 2010، في إطار استعراض مسألة العلاقات بين الشمال والجنوب.

وصرّح أوتينجر حينها بأنه يعتقد أن “ديزرتيك” كان فكرة جيدة على المدى الطويل، رغم “الأسلوب الكولونيالي” الذي لن يقدّم شيئًا للأفارقة، لأنّه لم يُعرض عليهم، وهذا ببساطة كون الشركات الأوروبية عامة، والألمانية بشكل خاص، وقعت في خطأً إستراتيجي، لأنّ المؤتمر التأسيسي لمشروع ديزرتيك ومبادرته أسّسا لمشروع هيمنة ناعمة تستهدف استخدام موارد الجنوب لصالح أوروبا.

وتابع الخبير: “أعتقد أن هذه الشهادة دليل كافٍ للتعرف على كنه المستفيد الحقيقي من “مشروع ديزرتيك”، وفي المقابل تمنحنا إمكان القيام بالاستنتاجات الصائبة لبقية التقييمات”.

صراع المصالح أفشل المشروع

قال الخبير الاقتصادي أستاذ الاقتصاد في جامعة الجزائر عبد الرحمن عية، إنّ مشروع ديزيرتيك للطاقة الشمسية كان مكلّفًا من الناحية المادية، إذ انطلق عند إعلانه بنحو 400 مليار يورو تكلفة إجمالية للمشروع، بالإضافة إلى كونه جمع العديد من الأطراف على غرار الولايات المتحدة الأميركية والسعودية، بجانب الشركاء الألمان، ما جعله يحمل البعد الإستراتيجي، وهو يرى أن عدم نجاح المشروع منذ سنوات من إطلاقه مرتبط بالمساعي التي تراهن عليها أطراف نافذة، لا تحبّذ إنجاح مشروعات الطاقة المتجددة، لا سيما القائمة على الطاقات الشمسية.

وأضاف أنه في سياق الاستمرار في تحكّمها بالطاقات الكلاسيكية من المحروقات وأسعار برميل النفط، لا يمكن -حسب رأي أكثر الخبراء- تعويض الطاقات الأحفورية في الوقت الحالي بالطاقات المتجددة، مشيرًا إلى أن الطاقات المتجددة لا تمثّل في الوقت الحالي سوى 5% من الطاقة على مستوى العالم.

ولم يستبعد أستاذ الاقتصاد تأثير الصراع الألماني من جهة والأميركي من الجهة المقابلة في تعطّل تجسيد هذا المشروع الضخم للطاقات الشمسية في الجزائر، من منطلق أن ألمانيا تتجه نحو الصين لتأمين الألواح الشمسية المستعملة، وإن كان ظاهر المشروع شراكة ألمانية جزائرية محضة، ما دفع الطرف الألماني إلى التفكير في تأجيل المشروع، للتفرغ لمشروع أنبوب الغاز الروسي في أوروبا.

أمّا الطرف الجزائري –حسب عية- ممثلًا في وزارة الطاقة ومجمع الكهرباء والغاز الجزائري “سونلغار” المسؤولة عن المشروع، فقد تعامل مع المشروع وفق منطق سياسي في أغلب الأحيان، كونه عادة ما يعيد بعثه وطرحه إعلاميًا بين كل مدة وأخرى، دون أيّ أثر واقعي، في وقت تركّز الجهات المسؤولة فيه كل اهتمامها على تحسين أداء الآبار النفطية الوطنية والمساهمة في انتعاش أسعار البرميل، ضمن اجتماعات “أوبك+”.

اقرأ أيضًا: خبير: الطاقة المتجددة في الجزائر ستكون الرائدة في أفريقيا


تمضي مشروعات الطاقة المتجددة في الجزائر بخطوات متسارعة نحو تحقيق أهداف الدولة في التحول إلى الطاقة النظيفة وزيادة مساهتمتها في مزيج الكهرباء الوطني.

في هذا السياق، وصف الخبير الجزائري، مولود باكلي، مناقصة الطاقة الشمسية التي طُرحت أواخر عام 2021 بـ”الخطوة الحاسمة” و”السقف الجديد” بمشهد الطاقة المتجددة في الجزائر.

إذ أشاد باكلي -في مقابلة مع “ألجيري-إيكو” الناطقة باللغة الفرنسية- بطرح عطاءات طال انتظارها للحصول على 1 غيغاواط من الطاقة الكهروضوئية نهاية عام 2021، على موقع وزارة الانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة.

وشدّد على أنها فرصة لتكون الجزائر رائدة أفريقيا في الطاقة المتجددة، مع الالتزام بتقليل انبعاثات الكربون، إلّا أنه لا يزال هناك المزيد من العمل الذي يجب القيام به أكثر مما أُنجِز.

وتتوقع البلاد هدفًا يبلغ 20 غيغاواط بحلول عام 2035 بمعدل 1 غيغاواط سنويًا، بما في ذلك 15 غيغاواط من الطاقة الكهروضوئية.

تحديات الطاقة المتجددة في الجزائر

أكد باكلي أن هناك العديد من الأسئلة حول جوانب القابلية لتمويل الطاقة المتجددة في الجزائر، والنظام البيئي الذي لم يكن مثاليًا بعد في البلاد.

إذ أوضح أن حجم المشروع ليس هو التحدي أمام الطاقة المتجددة في الجزائر، ولكن حقيقة معالجة منطقة تتطلب إتقان المشروع الممول بكل تعقيداته وآلياته المحددة.

وقال: “لقد أكدنا مرارًا وتكرارًا أهمية إتقان الهندسة المالية وتنفيذ نظام بيئي ملائم، بينما ضاعت معظم مؤسساتنا في جميع القضايا التكنولوجية وموضوعات البحث والتطوير، التي تُعدّ مهمة بالتأكيد، ولكنها لا تمثّل أولوية لإطلاق مشروعات الطاقة الشمسية، فقد أهدرنا الوقت”.

وأضاف أن هناك ما لا يقلّ عن 5 شركات مستثمرة دولية من الدرجة الأولى تستعد لتقديم عروضها المستقبلية.

توصيات نجاح الطاقة المتجددة في الجزائر

أشار باكلي إلى أنه قدّم توصيات محددة لنجاح الطاقة المتجددة في الجزائر، بهذه الدعوة لتقديم العطاءات وجذب مستثمرين من المستوى الأول.

إذ يجب أن يفي عقد اتفاقية شراء الطاقة بالحدّ الأدنى من معايير القابلية المصرفية الدولية، فإذا كان عقد الشراء غير قابل للتمويل المصرفي، فلن يشارك مستثمرو المستوى الأول في المناقصة.

وتابع أنه نشر قائمة شاملة بشروط القابلية المصرفية، مثل إعادة توزيعات الأرباح إلى الوطن، والضمان السيادي، وفهرسة اتفاقية شراء الطاقة على عملة من نوع الدولار الأميركي، ومكان التحكيم، وأمن الاتفاقية الذي يحمي البائع و المشتري، وقاعدة الأخذ أو الدفع (إعادة شراء كل إنتاج الطاقة الخضراء).

تعزيز المحتوى المحلي

شدّد باكلي على أنه إذا كان هناك جانب واحد قامت فيه الجزائر بعمل مهم، فهو في قطاع المحتوى المحلي الخاص.

وقال: “في العديد من مراكز الفكر والندوات والاجتماعات، دافعنا دائمًا عن المحتوى المحلي المستهدف والذكي بما يتماشى مع المعايير الدولية، وإلغاء الضرائب على المدخلات”.

ومن الواضح أنه من الضروري اختيار الشرائح ذات القيمة المضافة العالية (بحدّ أدنى 10% من التكلفة الإجمالية)، وليست المعقدة جدًا، للتنفيذ دون حاجز الملكية الفكرية.

هذه هي الحال بالنسبة للوحدات الكهروضوئية (35% من التكلفة)، الهياكل المعدنية وأجهزة التتبع (10-11% من التكلفة)، الخطوط (10-12% من التكلفة)، بحسب باكلي.

الطاقة الشمسية في الجزائر

من المؤكد أن المحتوى المحلي سيكون له تأثير في تكلفة كل كيلوواط/ساعة من الطاقة الشمسية، ولكن يجب التعامل مع هذا الموضوع بطريقة شاملة ورؤية لخلق الثروة، حسب الخبير الجزائري باكلي.

إذ لا يمكن للجزائر إطلاق 15 غيغاواط دون إطلاق صناعة مستدامة جاهزة للتصدير إلى أفريقيا، ناهيك عن خلق فرص العمل الأساسية.

وقال الخبير: “لقد أجرينا الحسابات وفقًا للمعايير الدولية، يوميًا، ولمدة 25 عامًا، يمثّل كل 1 غيغاواط من الطاقة الشمسية غير المثبتة عجزًا للجزائر يزيد عن نصف مليون دولار”.

ويتمثل ذلك في زيادة عائدات التصدير، واستعادة ثاني أكسيد الكربون، وإلغاء الدعم على سعر الكهرباء، ونحو عشرات الآلاف من الوظائف المباشرة وغير المباشرة.

يعتمد السعر لكل كيلوواط/ساعة الذي سيقدّمه المستثمرون على العديد من المعايير، من بينها الجودة الاستثنائية لأشعة الشمس، ومبلغ النفقات الرأسمالية، ونسب ومعدل الديون، ومدة اتفاقية شراء الطاقة.

المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى