اقتصاد

ثروة عملاقة نائمة تقدّر بـ16 مليار دولار سنويا.. هل تستفيد الجزائر من ثالث أكبر احتياط عالمي للحديد؟

ظلّ طوال 70 عامًا خارج دائرة الاستغلال، حتى لقّبه الخبراء بعملاق الحديد النائم في الجزائر، إنه “غار جبيلات” على الحدود الجنوبية الغربية للبلاد، ويعود اكتشافه إلى سنة 1952 إبان الاستعمار الفرنسي.

ولم تتمكن الحكومات المتعاقبة من استثماره بسبب صعوبة التضاريس، قبل أن يقرر الرئيس عبد المجيد تبون، في آخر اجتماع لمجلس الوزراء، الانطلاق في تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع.

وكشفت السلطات الحكومية عن توفر المنجم على ثالث احتياط عالمي لمادة الحديد، بمخزون يفوق 3.5 مليارات طن، كما أعلنت إنشاء مجمع مشترك جزائري-صيني، وإنجاز وحدات إنتاج نموذجية، بتكلفة استثمار في حدود ملياري دولار، حسب التقديرات الأولية.

ويحظى المشروع بعناية كبيرة من الحكومة الجزائرية، ضمن خياراتها الإستراتيجية للتخلص التدريجي من التبعية للمحروقات، بخاصة مع امتلاكها مركب بلاّرة للحديد والصلب (ثمرة شراكة جزائرية-قطرية)، وهو من أضخم المركبات الصناعية للاختزال في العالم، وقبله مركّب الحجّار المصنف أفريقيا.

آفاق دولية للاقتصاد الجزائري

وعن أهمية المشروع، كشف يوسف ميلي رئيس منتدى الاستثمار وتطوير المؤسسات أن طاقة إنتاجه السنوي من خام الحديد ستبلغ 12 مليون طن (1.8 مليار دولار)، وذلك سيجعله محط أنظار المستثمرين في العالم والسوق الدولية.

وأوضح المتحدث أنه في حال تحويل الخام إلى حديد بناء، سيبلغ رقم مبيعاته 10 مليارات دولار سنويا، بل يتوقع خبراء مداخيل بنحو 16 مليار دولار، وذلك يجعل الجزائر بحاجة إلى 6 مركبات ضخمة جديدة لإنتاج حديد التسليح وفتح الآفاق الدوليّة للاقتصاد الجزائري.

وقال يوسف ميلي في تصريح للجزيرة نت “إن غار جبيلات سيضمن كفاية من الجزائر من الحديد والصلب تقدّر بـ5 ملايين طن سنويا، قبل التوجه نحو تصدير الفائض لمادة تُعدّ أساس كل الصناعات الميكانيكية والأشغال العمومية”.


وأضاف أن المشروع يوفر في بدايته 3 آلاف فرصة عمل مباشرة، في حين يستوعب آلافا من فرص العمل غير المباشرة، ويحوّل المنطقة من طابعها العسكري إلى قطب اقتصادي كبير مفتوح على الساحل وغرب أفريقيا عبر الحدود الموريتانية.

وأكد محمد حميدوش الخبير الاقتصادي لدى البنك الدولي أن الجزائر تستورد 5 مليارات دولار سنويا من مشتقات الصلب (600 ألف طن)، وذلك يغطي 20% فقط من حاجات الإنتاج الوطني.

وقال في تصريح للجزيرة نت إن دخول هذا المنجم مرحلة الاستغلال سيمكّن الجزائر من طرح مليوني طن سنويا لمدة 400 سنة في السوق الدولية للحديد، ليضعها في المرتبة التاسعة عالميّا من حيث التصدير .

تحديات مالية ولوجستية

مقابل هذا التفاؤل الاقتصادي، فإن هذا المشروع تواجهه تحديات هائلة على مستويات عدة، برأي الخبراء.

وأكد حميدوش أن استغلال خام المنجم صعب جدا من الجانب التقني، بسبب محتواه العالي من الفوسفور، موضحا أن “عمليات التفتيت والمغنطة والفصل المغناطيسي والتعويم والغسيل تمكن من زيادة محتواه الحديدي إلى نحو 65% وخفض محتوى الفوسفور إلى 0.17% لكنها تبقى غير كافية”.

وبيّن أن معدل الفوسفور في الفولاذ يجب ألا يتجاوز ما بين 0.020 % إلى 0.050%، باستثناء المخصص لأدوات الضغط الساخنة.

وعليه، فإن استغلال المنجم يتطلب مسارا تقنيا خاصا في تحويل الفولاذ إلى صلب وحديد، وهذا ما يعقد تسويقه عالميا، لكن يمكن تثمين مخرجات المنجم من مادة الفسفور ضمن مكونات الأسمدة، على حد تعبيره.

وأشار حميدوش إلى تحديات أخرى تتعلق أساسا بحاجة المياه المقدرة بـ3 ملايين متر مكعب سنويا، وتوفير الطاقة (الغاز الطبيعي)، ونقل معدن الحديد سواء بالسكة الحديد (930 كيلومترا بـ18 مليار دولار) أو عن طريق الأنابيب أو شبكات كهربائية لاستخدام شاحنات تعتمد على ضوء الشمس.

وفي ضوء تلك التحديات، أثار الخبير حميدوش عائق تكلفة المشروع، وفي “غياب تركيبة مالية وعدم التكفل الصريح من خزينة الدولة، لم يبق سوى البحث عن حلول مناسبة للطرف الجزائري، مع إدراج البنوك الوطنية في التمويل”.

أما بشأن الشريك الصيني، فيتوقع الخبير أن توفر له حكومة بلاده التمويل بفوائد مميزة، باعتبار أن نشاط الحديد من ضمن القطاعات الإستراتيجية في الصين، وهي أول بلد مستورد له عالميّا بـ1100 طن سنويا.

وقال يوسف ميلي إن المشروع يواجه رغبة الشريك الصيني في إنتاج المادة الخام وتصديرها مباشرة إلى السوق الصينية لأجل الاستحواذ على جميع مناجم الحديد في العالم، في حين ترى الجزائر أنه يجب تحويلها محليا قبل تصديرها في صورة مادة نصف مصنعة.


شروط لمواجهة العقبات

ولضمان نجاح المشروع في مواجهة العقبات الطبيعية والتقنية واللوجستية المذكورة، يقترح الخبير حميدوش إنجاز سكة حديد تُخصص في الوقت نفسه لنقل الأشخاص والبضائع والموارد المعدنية المختلفة، لما تفتحه من آفاق وفرص استثمار بالجنوب الغربي للبلاد في مختلف القطاعات، فضلا عن مداخيل الخزينة من الجباية والعملة الصعبة.

ويبقي السيناريو الثاني، وهو غير مفضّل لدى الخبير، ويتمثل في إنجاز أنبوب نقل المعادن، على غرار التجربة الأميركية بما يفوق ألف كيلومتر.

وإذا ما تم الإبقاء على الميزانية التي أُعلنت (2 مليار دولار مبدئيا)، فإن الارتكاز على استخدام الشحنات الكهربائية كخيار ثالث قد يحمل مفاجآت في المستقبل، بحيث تتجاوز كلفة المشروع 500% من تلك التقديرات، ليتوقف عند منح رخصة الاستغلال، حسب الخبير.

وفي نظر حميدوش، فإن الحل يكمن في البحث أولا وقبل كل شيء عن تمويل مشروع السكة الحديد بكامل مرافقه مع مؤسسة مالية دولية، مثل البنك الدولي، لامتلاكه القدرة على التقييم الجيد للمشروع.

كما اقترح التفاوض مع مختلف البنوك الجهوية، لرصد ما يعادل 20 مليار دولار، تشمل أيضا إدراج مشاريع التنمية الاقتصادية المدمجة بالمشروع، والمتمثلة في توفير الموارد المائية والطاقية.

وشدّد حميدوش على أن التمويل البنكي الخارجي لا يعني التسيير المطلق أو النسبي للمال المقترض، وإنما يسهر البنك الدولي فقط على متابعة كل النفقات والمناقصات عندما يتجاوز مبلغها 300 ألف دولار، وذلك يعطي الضمان للسير الحسن للمشروع في كل مراحله.

كما أوصى حميدوش بضرورة أخذ التوترات الجيوسياسية بالاعتبار لأن روسيا وأوكرانيا من مصدّري الحديد (26 و46 مليون طن على التوالي)، وهذا “ما يبرر اهتمام الصين بالجزائر وأفريقيا بصفة عامة”.

المصدر : الجزيرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى